الثورة في الشؤون العسكريّة

من الحرب الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)
من الحرب الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)
TT

الثورة في الشؤون العسكريّة

من الحرب الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)
من الحرب الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)

هناك فارق كبير بين الثورة في الشؤون العسكريّة والإصلاح في تركيبة وعقائد الجيوش التي تقاتل. فالثورة بشكل عام، تقتلع المنظومة السابقة من جذروها، بهدف إرساء منظومة جديدة ومختلفة. بينما يُعد الإصلاح عملية تحديث للمنظومة السابقة كي تتماشى مع متطلّبات الحرب الحديثة. إذن، سبب الثورة والإصلاح في الشؤون العسكريّة هو حتماً الدروس التي جرى استخلاصها من تجربة الحرب التي خيضت مؤخّراً، أو أنه بسبب بعض الدروس التي أُخذت من حرب تدور في مكان ما. بحيث يجتمع الخبراء العسكريّون لمتابعة ما يحصل على أرض المعركة. كيف يقاتل العسكر، من الأسلحة كافة، برّاً وبحراً وجواً، وغيرها من الأسلحة. كيف تقاتل هذه الأسلحة بعضها مع بعض بطريقة مشتركة (Combined). وما نقاط الضعف في الأداء؟ وما الأسلحة التي شكّلت نقطة تحوّل في المعركة (Game Changer)؟ وما التكتيك الذي اتُّبع عند استعمال هذه الأسلحة؟

عادةً يكون الإصلاح مثل الثورة عند ابتكار تكنولوجيا جديدة، قادرة إذا ما أُدخلت على مسرح الحرب، على أن تقلب موازين القوى. هكذا شكّلت القنبلة الذريّة في مشروع مانهاتن نقطة تحولّ في حسم الحرب في الباسفيك ضدّ اليابان. ويقول بعض الخبراء الاستراتيجيين إن أهم سببين لاستعمال القنبلة الذريّة ضد اليابان هما: أولاً، عدم رغبة أميركا في خوض حرب اجتياح بريّة لليابان. لأن ثمن هذا الاجتياح سيكون باهظاً خصوصاً في الأرواح البشريّة، بعدما استشرس الجيش الياباني في قتاله ضد الأميركيين في جزر المحيط الهادئ. ثانياً، استباق ستالين الدخول في الحرب ضدّ اليابان بعد إعلانه الحرب عليها، لمنعه من المشاركة في تقاسم المكاسب في الشرق الأقصى.

مظاهرة ضد الحرب في برلين (أرشيفية - إ.ب.أ)

شكّلت القنبلة النوويّة نقطة التحوّل في الصراع العالميّ، خصوصاً بعد حصول الاتحاد السوفياتي عليها. أنتج هذا التحوّل معجما (Lexicon) جديداً في العلاقات الدوليّة. فبتنا نسمع مثلاً «التدمير المتبادل والأكيد»، (MAD) بين القوى النوويّة. الأمر الذي جعل هذه القوى يقاتل بعضها بعضاً بالواسطة (Proxy). فكانت الحروب الثوريّة. وكانت الانقلابات خصوصاً في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأميركا اللاتينيّة.

تعد التكنولوجيا من أهم عناصر القوّة لبلد ما. يحتل الغرب مركز الصدارة حتى الآن، مع أفضليّة أميركية عليه ككلّ. في المقابل، كانت عُقدة روسيا ولا تزال في أنها متخلّفة عن الغرب في صناعة وابتكار التكنولوجيا. ألم يذهب بطرس الأكبر إلى أوروبا متخفيّاً لنقل وتقليد تكنولوجيا الغرب؟ ألا تعاني روسيا اليوم من النقص في شرائح الأسلحة المتقدّمة خلال حربها على أوكرانيا؟

غواصة نووية بريطانية (أرشيفية - رويترز)

اعتاد العالم أن يبدأ الابتكار التكنولوجي في القطاع العام، وبالتحديد في الجيوش. كما رافق التشفير (Encryption) كلّ الحروب، القديمة كما الجديدة. وكان هدف التشفير دائماً، الحفاظ على سريّة المعلومات الخاصة بنا، ومنعها من الوصول إلى يد الأعداء. في هذا الإطار، ابتكر العالم الإنجليزي آلان تورينغ، آلة فريدة من نوعها كانت قادرة على فك شيفرة آلة التشفير الألمانيّة الحربيّة الإينيغما (Enigma). ساهمت آلة تورينغ في تقصير مدّة الحرب، كما أنقذت الكثير من الأرواح لدى قوات الحلفاء. يُعد تورينغ حاليّاً أبا الذكاء الاصطناعي (AI). بعد الحرب العالميّة الثانية، ابتكرت أميركا منظومة اتصال تربط قواها العسكريّة والمنتشرة على جميع أرجاء الكرة الأرضيّة بعضها ببعض. تحوّلت هذه المنظومة إلى ما يُعرف اليوم بالإنترنت. في الستينات، ابتكر العالم الأميركي برادفورد باركينسون فكرة الـ«جي بي إس GPS»، لكن التنفيذ والاستعمال كان بواسطة ومساهمة القوات الجويّة الأميركيّة. حالياً، دخل القطاع الخاص مع إيلون ماسك إلى هذا المجال، بحيث استعان به البنتاغون في حرب أوكرانيا لتأمين القيادة والسيطرة للجيش الأوكرانيّ.

فهل نشهد اليوم ثورة في الشؤون العسكريّة في العالم أم هي فقط مرحلة الإصلاح؟ حسب كثير من الخبراء، تسعى جيوش العالم اليوم إلى الإصلاح في جيوشها. والهدف دائماً هو إدخال التكنولوجيا الجديدة في عقائدها العسكريّة، خصوصاً تلك التكنولوجيا التي جُرّبت على مسارح الحرب التي يشهدها العالم اليوم. بكلام آخر، الحرب التي لا تزال مستعرة في أوكرانيا، كالحرب التي تدور في قطاع غزة؛ في هذه الحروب، يشهد العالم عدّة أنواع من الحروب: حرب الخنادق، وحرب المشاة ضدّ المدرعات، والحرب الدفاعيّة، وقليل من حروب المناورة، وأيضاً الحرب الإعلاميّة، والحرب السيبرانيّة. وأخيراً وليس آخراً، نشهد في غزة اليوم حرب الخنادق بامتياز. في الختام، سوف تشكّل عملية دمج التكنولوجيا الحديثة في العقائد العسكريّة للجيوش التحدّي الأكبر في القرن الحادي والعشرين، خصوصاً بعد دخول لاعب من خارج إطار الدولة للعب أساسياً في العلاقات الدوليّة.


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صحافيون يلتقطون صوراً لبقايا صاروخ استهدف منطقة دنيبرو في مركز لتحليل الطب الشرعي بمكان غير محدد بأوكرانيا الأحد (أ.ب)

موسكو تؤكد عزمها الرد على التصعيد الأميركي «غير المسبوق»

أكدت موسكو، الأحد، عزمها الرد على ما سمّته التصعيد الأميركي «غير المسبوق»، فيما دعا الرئيس الأوكراني إلى تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده بعدما أسقطت وحدات الدفاع…

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا القوات الروسية تتقدم بأسرع وتيرة بأوكرانيا منذ بدء الغزو في 2022 (تاس)

تقارير: روسيا تقيل قائداً عسكرياً في أوكرانيا بسبب تقارير مضللة

قال مدونون ووسائل إعلام روسية إن موسكو أقالت جنرالاً كبيراً في أوكرانيا لتقديمه تقارير مضللة عن تقدم في الحرب، بينما يحاول وزير الدفاع إقصاء القادة غير الأكفاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

الكرملين: عقيدتنا النووية المحدَّثة إشارة إلى الغرب

قال الكرملين، الأحد، إن موسكو يجب أن ترد على التصعيد غير المسبوق الذي أثارته واشنطن، بسماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تصل إلى قلب روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السجن 4 سنوات لأميركي باع أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني لأشخاص في إسرائيل

أسلحة (أ.ب)
أسلحة (أ.ب)
TT

السجن 4 سنوات لأميركي باع أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني لأشخاص في إسرائيل

أسلحة (أ.ب)
أسلحة (أ.ب)

قالت شبكة «فوكس 32 شيكاغو» إن رجلاً من مدينة بالوس هيلز الأميركية حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات تقريباً بتهمة شحن أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني إلى أفراد في إسرائيل في ثلاث مناسبات عام 2022.

وكان أمين بيتوني، 37 عاماً، أقر بالذنب في وقت سابق من هذا العام بتهمة تصدير أجزاء أسلحة نارية عن علم في انتهاك للقوانين واللوائح وحُكم عليه بالسجن لمدة 46 شهراً، وفقاً للمدعين الفيدراليين.

وقال المدعون إنه وضع معلومات كاذبة على ملصقات الشحن وأخفى أجزاء البنادق في عبوات تحتوي على أجزاء سيارات أو شوايات.

وخلال تفتيش منزله، عثرت الشرطة على أكثر من 1200 طلقة من الذخيرة المتنوعة، وبندقية صيد، وبندقية، ومسدس، وثلاثة أجهزة معروفة باسم «مفاتيح جلوك»، التي تمكن البنادق من إطلاق طلقات متعددة بضغطة واحدة على الزناد.

وقال القائم بأعمال المدعي العام باس كوال في بيان: «إن انتهاكات ضوابط التصدير مهمة للغاية لأنها تقوض القوانين واللوائح التي تسعى إلى حماية الأمن الدولي وسيواصل مكتب المدعي العام العمل مع شركائنا في إنفاذ القانون لملاحقة أولئك الذين يسعون إلى استغلال قوانين ضوابط التصدير لتحقيق مكاسب مالية بلا هوادة».