«بريكس» تقرر التوسع وتدعو 6 دول جديدة للانضمام إليها اعتباراً من 2024

السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا تثمّن قبول العضوية

رئيس جنوب أفريقيا في أثناء إعلانه الموافقة على عضوية 6 دول جديدة في اختتام القمة (أ.ف.ب)
رئيس جنوب أفريقيا في أثناء إعلانه الموافقة على عضوية 6 دول جديدة في اختتام القمة (أ.ف.ب)
TT

«بريكس» تقرر التوسع وتدعو 6 دول جديدة للانضمام إليها اعتباراً من 2024

رئيس جنوب أفريقيا في أثناء إعلانه الموافقة على عضوية 6 دول جديدة في اختتام القمة (أ.ف.ب)
رئيس جنوب أفريقيا في أثناء إعلانه الموافقة على عضوية 6 دول جديدة في اختتام القمة (أ.ف.ب)

قررت مجموعة «بريكس» زيادة عدد أعضائها عبر دعوة كل من السعودية ومصر والإمارات والأرجنتين وإيران وإثيوبيا إلى الانضمام، مما يحوّل المجموعة إلى تكتل يسيطر على نحو ثلث الاقتصاد العالمي.

ومع هذا التوسع الذي يعد الأول منذ 2010 وهو تاريخ انضمام جنوب أفريقيا للمجموعة، سيزيد عدد الدول المنضوية إلى 11 عضواً، بعدما كانت تضم روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند والصين.

ويمثل هذا التوسع انتصاراً للصين التي ضغطت من أجل التوسع السريع للمجموعة قبل القمة من أجل صياغة منافس أكبر لمجموعة الـسبع من الاقتصادات المتقدمة.

جاء الإعلان عن هذا التوسع في مؤتمر صحافي عقده رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في اختتام أعمال القمة التي استمرت ثلاثة أيام في جوهانسبورغ، قال فيه: «اتخذنا قراراً بدعوة الأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والسعودية، والإمارات، لتصبح أعضاء كاملي العضوية في المجموعة»، مشيراً إلى أن عضوية هذه الدول «ستبدأ اعتباراً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024».

وانضم إلى رامافوزا خلال إعلانه قرار زيادة أعضاء المجموعة، كلٌّ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جينبينغ، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فيما شارك الرئيس فلاديمير بوتين عبر وسيلة الفيديو.

وأوضح رامافوزا أن المجموعة توصلت بعد مناقشات طويلة إلى اتفاق للمبادئ والمعايير والإجراءات لعملية التوسيع، ووصلت إلى «إجماع على المرحلة الأولى من عملية التوسع».

وأضاف: «نقدّر مصلحة الدول الأخرى في بناء شراكة مع بريكس»، وستتبع ذلك توسعات أخرى في المستقبل بعد أن تتفق الدول الأساسية على معايير العضوية.

صورة جامعة للوفود المشاركة في قمة «بريكس» (إ.ب.أ)

وأشار رامافوزا إلى أن قادة المجموعة كلّفوا وزراء خارجياتهم بإعداد قائمة بالدول الشريكة المحتملة وتقديم تقرير عنها بحلول القمة المقبلة.

ولفت إلى أن قادة «بريكس» كلّفوا وزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية بإجراءات لتقليل اعتمادهم على الدولار الأميركي في التجارة بين اقتصاداتهم، لتقديم تقرير العام المقبل.

وقال: «هناك زخم عالمي لاستخدام العملات المحلية والترتيبات المالية البديلة وأنظمة المدفوعات البديلة».

وأوضح أن قادة المجموعة أكدوا في قمتهم «الالتزام بالتعددية الشاملة ودعم القانون الدولي بما في ذلك المقاصد والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة».

وأشار إلى أن القادة عبّروا عن القلق من الصراعات المستمرة في أجزاء كثيرة من العالم، وشددوا على التزامهم الحل السلمي للخلافات والنزاعات من خلال الحوار والتشاور الشامل.

كان قرار زيادة أعضاء المجموعة قد اتُّخذ في اليوم الثاني من قمة «بريكس»، بعدما أبدت الهند تأييدها عملية التوسع «على أساس الإجماع». علماً بأن الهند لم تكن تحبذ مسألة توسع المجموعة جرّاء قلقها من أن جارتها الصين، التي كانت المحرك الأساسي وراء إضافة المزيد من الأعضاء، يمكن أن تسيطر على المجموعة.

وعلًق الرئيس الصيني شي جينبينغ على خطوة التوسيع هذه قائلاً إن «توسيع العضوية هذا حدث تاريخي». ورأى أن «التوسع يعد أيضاً نقطة انطلاق جديدة للتعاون بالنسبة لـ(بريكس)». وقال أيضاً إن دول «بريكس لها كلها تأثير ضخم وتتحمل مسؤوليات مهمة فيما يتعلق بالسلام والتنمية في العالم».

وأشار شي في خطاب منفصل إلى أن الصين «كانت وستظل دائماً جزءاً من العالم النامي»، كاشفاً أن مؤسسات مالية صينية سوف تطلِق قريباً صندوقاً خاصاً بقيمة عشرة مليارات دولار لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية وهو برنامج أطلقته الصين في 2021 لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقال أيضاً إن الصين ستقوم بالمزيد من التعاون مع دول أفريقية لدعم تحسين قدرتها على التنمية المستقلة بما يشمل تقديم مجموعة كاملة من سجلات البيانات لوضع خرائط باستخدام الأقمار الصناعية.

ورحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأعضاء الجدد، داعياً التكتل إلى تعميق علاقاته الاقتصادية بما في ذلك إنشاء عملة مشتركة وآليات تسوية اقتصادية جديدة. وقال بوتين عبر رابط فيديو من الكرملين: «أريد أن أؤكد لجميع زملائي أننا سنواصل ما بدأناه -توسيع نفوذ (بريكس) في العالم».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أثناء إلقائه كلمته عبر رابط الفيديو ويبدو قادة دول «بريكس» ومسؤولون آخرون (رويترز)

وقال الرئيس البرازيلي لويز في أوشيو لولا دا سيلفا، إن الأعضاء الجدد سيزيدون حصة «بريكس» من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 32 في المائة إلى 37 في المائة على أساس تعادل القوة الشرائية.

ردود فعل مرحِّبة

ورحّب الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد بقرار «بريكس»، وقال في حسابه على «إكس» إن بلاده تقدّر موافقة قادة «بريكس» على ضم الإمارات إلى هذه المجموعة «المهمة».

وأضاف: «نتطلع إلى العمل معاً من أجل رخاء ومنفعة جميع دول وشعوب العالم».

من جهته، قال نائب رئيس الإمارات الشيخ محمد بن راشد، إن الموافقة على انضمام بلاده للمجموعة «يمثل نجاحاً لسياستها الدولية المتوازنة». وذكر على «إكس» أن انضمام الإمارات «يرسخ مكانتها الاقتصادية والتجارية الدولية كشريك موثوق يربط شمال العالم بجنوبه وشرقه بغربه».

وزير الخارجة السعودية الأمير فيصل بن فرحان، قال من جهته إن المملكة تتطلع إلى المزيد من التعاون مع دول «بريكس». وأوضح أن المملكة ستدرس دعوة «بريكس» للانضمام إليها، وأنها ستتخذ القرار المناسب. وأشار إلى أن «المملكة تركز في سياستها الخارجية على بناء شراكات اقتصادية، ونحن نثمِّن دعوة (بريكس) للانضمام وندرسها».

وأشار الأمير فيصل بن فرحان إلى أن «بريكس» من القنوات المهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي.

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في كلمة له أمام قمة «بريكس» (أ.ب)

وقال بن فرحان أمام القمة إن بلاده تمتلك «أدوات فعالة ودوراً مسؤولاً» في تحقيق استقرار أسواق الطاقة، مؤكداً استمرار السعودية في كونها «مصدراً آمناً وموثوقاً» لإمدادات الطاقة بجميع مصادرها.

كما شدد الوزير السعودي على أن المملكة تمضي قدماً بخطوات «واثقة» نحو تحقيق الأهداف العالمية والتنمية المستدامة، وأنها تمتلك إمكانات ومقومات اقتصادية واعدة.

وقال: «نهتم بمبدأ احترام سيادة الدول واستقلالها وتسوية النزاعات بطرق سلمية، المملكة حريصة على ممارسة مسؤولياتها لاستدامة التعاون الدولي».

يُذكر أنه عقب كلمة وزير الخارجية السعودية حول أسواق النفط، ارتدّت أسواق النفط التي فتحت على خسائر وصلت إلى 0.25 في المائة، لتبدأ الصعود وصولاً إلى تحقيق مكاسب بنحو 0.1 في المائة عند الظهيرة.

وفي مصر، ثمّن الرئيس عبد الفتاح السيسي إعلان مجموعة «بريكس» دعوة بلاده للانضمام، معبراً عن تطلع القاهرة للتعاون والتنسيق مع المجموعة خلال الفترة المقبلة.

كما عبّر السيسي عن تطلع بلاده للتعاون مع الدول المدعوة للانضمام لـ«بريكس» لـ«تحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية».

بدوره، وصف رئيس الوزراء الإثيوبي انضمام بلاده إلى «بريكس» بأنها «لحظة عظيمة»، معبّراً عن استعداد أديس أبابا لـ«التعاون مع الجميع من أجل نظام عالمي شامل ومزدهر».

وفي إيران، نقلت وسائل إعلام رسمية عن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قوله إن انضمام إيران لمجموعة «بريكس» سيعزز معارضة التكتل للهيمنة الأميركية.

ووصف المستشار الرئاسي محمد جمشيدي، هذه الخطوة بأنها «تطور تاريخي ونجاح استراتيجي» لسياسة طهران الخارجية.

البرلمان العربي

وأشاد رئيس البرلمان العربي عادل بن عبد الرحمن العسومي بانضمام ثلاث دول عربية إلى مجموعة «بريكس». وقال العسومي، في تصريح، إن «توجه قادة الدول العربية نحو الاندماج في تكتلات اقتصادية ذات ثقل عالمي يدعم رؤيتهم المستقبلية نحو الارتقاء بمستويات شعوبهم، وتحسين مستوى المواطن العربي وتحقيق تطلعاته»، معرباً عن «تطلعه لأن تسهم هذه الخطوة في إعلاء الصوت العربي في مختلف القضايا والتحديات وبما يدعم مصالحنا العربية».

وأشار إلى أن «هذه الخطوة تعكس نجاح الاستراتيجيات الاقتصادية التي تبنتها هذه الدول العربية واستيفاءها كل المتطلبات الاقتصادية للانضمام، بفضل الرؤي السديدة والناجحة لقادة هذه الدول».


مقالات ذات صلة

بعد إلغاء نظام «سويفت»... إيران تعلن استخدام العملات الوطنية مع أعضاء «بريكس»

الاقتصاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان خلال قمة «بريكس» في 23 أكتوبر 2024 (رويترز)

بعد إلغاء نظام «سويفت»... إيران تعلن استخدام العملات الوطنية مع أعضاء «بريكس»

أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني، إلغاء استخدام نظام «سويفت» في التبادلات التجارية الإيرانية واستخدام العملات الوطنية في تسوية المعاملات مع دول «بريكس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ مجموعة «بريكس بلس» تحظى بدعم واسع في العالم متعدد الأقطاب الناشئ اليوم (أ.ف.ب)

ما خيارات واشنطن في ظل تصاعد نظام متعدد الأقطاب؟

مع ازدياد التحديات العالمية وتعقيداتها، من التغير المناخي إلى الأزمات الجيوسياسية، تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة واقع جديد يتسم بتعدد الأقطاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ممثل السياسة الخارجية والأمنية جوزيب بوريل ومفوض شؤون التوسعة أوليفر فارهيلي في مؤتمر صحافي في بروكسل (من حساب الأخير في «إكس»)

الاتحاد الأوروبي قلق لتراجع تركيا ديمقراطياً

عبّر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه بشأن تراجع المعايير الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق الأساسية في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا غوتيريش يصافح بوتين

«بريكس» تختتم قمتها بفتح أبواب التوسع

أنهت قمة مجموعة «بريكس» أعمالها، في قازان بجنوب روسيا، أمس (الخميس)، بفتح أبواب التوسع، وسط مداخلات هيمنت عليها الدعوات للسلام وإصلاح النظام الدولي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث في قمة «بريكس» (د.ب.أ)

بوتين: مستقبل العلاقة مع واشنطن رهن بموقفها بعد الانتخابات

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، إنّ مستقبل العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة رهن بما ستكون عليه مواقف واشنطن بعد انتخابات البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط»

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.