ماذا تعلم العالم من جائحة «كوفيد - 19»؟

بعد عبور مرحلة «الطوارئ» وإعلان «التعايش»

انتهت طوارئ جائحة (كوفيد 19) وبقيت دروسها المستفادة (شاترستوك)
انتهت طوارئ جائحة (كوفيد 19) وبقيت دروسها المستفادة (شاترستوك)
TT

ماذا تعلم العالم من جائحة «كوفيد - 19»؟

انتهت طوارئ جائحة (كوفيد 19) وبقيت دروسها المستفادة (شاترستوك)
انتهت طوارئ جائحة (كوفيد 19) وبقيت دروسها المستفادة (شاترستوك)

بالتزامن مع إعلان «الصحة العالمية» إنهاء حالة الطوارئ الصحية، بشأن «كوفيد 19»، والانتقال لمرحلة «التعايش»، يجري الإعداد لـ«معاهدة الأوبئة الدولية»، بالتزامن مع إعلان «منظمة الصحة العالمية»، قبل أيام، إنهاء حالة الطوارئ الصحية، بشأن جائحة «كوفيد - 19»، والانتقال لمرحلة «التعايش» مع الفيروس، يجري الإعداد (حالياً) لـ«معاهدة الأوبئة الدولية» التي كشفت تلك الجائحة عن مدى الحاجة إليها.

وبينما يرى مختصون أن المواد المقترحة للمعاهدة، التي لا تزال تخضع للمناقشة لإقرارها في مايو (أيار) من العام المقبل، تعكس قدراً من «الاستيعاب لدروس الجائحة على المستوى الدولي»، فإن هناك دروساً أخرى على المستويين المحلي والوطني.

ودولياً، كشفت الجائحة عن «مدى الحاجة إلى التبادل السريع للمعلومات بين البلدان، عندما تكون هناك حالة طوارئ صحية عالمية»، مثل وباء «كوفيد - 19»، وهو التحدي الذي تعالجه إحدى المواد المقترحة للمعاهدة، ولكن قبل أن تتبادل الدول المعلومات فيما بينها، تحتاج إلى توفير المعلومة مبكراً عبر الاهتمام بـ«التتبع والترصد» لمسببات الأمراض.

ويقول محمد أحمد أستاذ الفيروسات بـ«المركز القومي للبحوث» في مصر لـ«الشرق الأوسط»: «في جائحة (كوفيد - 19)، تم اكتشاف المرض بعد أن بدأ يصيب الناس في الصين، والدرس المستفاد هو أن تكون هناك أنظمة ترصّد قوية تسمح باكتشاف مسببات الأمراض قبل انتقالها من الحيوانات إلى البشر».

ويوضح أحمد أن بيان «منظمة الصحة العالمية» بشأن إنهاء حالة الطوارئ «يؤكد على أن الفيروس لم ينتهِ، ولا يزال موجوداً، وهو ما يعني أن أنظمة الترصد يجب أن تهتم برصد أي تحورات جديدة بالفيروس يمكن أن تغير تركيبته الوراثية وتكسبه خصائص جديدة، ويشمل ذلك أيضاً كل الفيروسات الأخرى المعروفة التي تم رصدها مسبقاً».

ومن «التتبع والترصد» إلى درس آخر يتعلق باللقاحات، حيث يقترح مشروع «المعاهدة الدولية للأوبئة»، نصوصاً تتعلق بـ«التوزيع العادل لها ودعم التنازلات المؤقتة عن حقوق الملكية الفكرية للسماح بالتصنيع السريع لها». وهي مادة يراها أستاذ الفيروسات «جيدة على المستوى الدولي، حيث تعالج نقاط الضعف الكبيرة التي تم رصدها خلال الوباء، ومنها إمكانية الوصول إلى اللقاحات في الدول منخفضة الدخل، مقارنة بالدول ذات الدخل المرتفع».

وتلقى نحو 73 في المائة من الأشخاص جرعة واحدة على الأقل من لقاح «كوفيد - 19» في الدول الغنية، في حين أن 31 في المائة فقط من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل، قد تلقوا جرعة واحدة أو أكثر. لكن أحمد يشدد على ضرورة البحث عن حلول وطنية، وعدم الارتكان للحل الدولي، ويرى أن الدول يجب أن تكون جاهزة على المستوى المحلي بحلولها الوطنية، عبر أحد الدروس المستفادة من الجائحة، وهي «دعم البحث العلمي». ويقول: «البحث العلمي هو الذي ساعد على إنتاج لقاحات في وقت قياسي، مثل لقاحات «الرنا مرسال»، وحققت الشركات المنتجة لها أرباحاً خيالية، ويجب أن يكون الدرس المستفاد من الجائحة توجيه مزيد من التمويل لمراكز الأبحاث الوطنية، والثقة في مخرجاتها».

ويتفق أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب المصري، وعضو اللجنة العليا للفيروسات التنفسية التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مع ما ذهب إليه أحمد، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «مصر، على سبيل المثال، وإن كانت لم تنتج لقاحاً وطنياً خاصاً بها يكون من مخرجات البحث العلمي، استفادت من دروس الجائحة من حيث محاولة نقل تكنولوجيا إنتاج اللقاحات محلياً، وذلك عبر إنتاج اللقاحات الصينية لـ(كورونا) في هيئة المصل واللقاح المصرية (فاكسيرا)».

والدرس المهم الآخر الذي يراه حاتم، هو «ضرورة العمل على تعديل قوانين التأمين الصحي لتشمل (الوقاية إلى جانب العلاج)، وهي المشكلة التي بدأت تظهر مع إلغاء الدول حالة الطوارئ المحلية بشأن «كوفيد - 19». ويشعر بعض المقيمين في أميركا على سبيل المثال، بالقلق بشأن إنهاء حالة الطوارئ الصحية الخاصة بـ«كوفيد - 19» يوم الخميس المقبل، حيث سيتعين عليهم وقتها الحصول على اللقاحات الواقية من متحورات «كوفيد - 19» على نفقتهم الخاصة، بعد أن كانوا يحصلون عليها مجاناً، كأحد مكتسبات إعلان حالة الطوارئ الصحية، وهي المشكلة التي يتم التفكير في معالجتها عبر قوانين تدرج التطعيمات في التأمين الصحي الشامل.

ويقول حاتم: «استوعبنا في مصر هذا الدرس، ونسعى حالياً لتعديل قانون التأمين الصحي الشامل ليضم الوقاية أيضاً، بما يسمح باستفادة المؤمَّن عليه من الحصول على اللقاحات الواقية من الأمراض الفيروسية ضمن منظومة التأمين». ويرتبط هذا التوجه بأحد الدروس الأخرى من جائحة «كوفيد - 19»، التي ظهرت في بيان «منظمة الصحة العالمية»، أثناء إعلانها إنهاء حالة الطوارئ.

ويضيف حاتم: «المنظمة أكدت أن الفيروس باقٍ، وهذا درس مستفاد من جوائح سابقة، وأعادت جائحة (كوفيد - 19) تأكيده؛ فالفيروسات التنفسية لا تنتهي؛ فعلى سبيل المثال، فإن فيروس (إنفلونزا الخنازير)، الذي ظهر في 2009 لم ينتهِ، ويطلّ علينا من حين لآخر بشكل موسمي».

وبالإضافة للجانب البحثي والتشريعي المتعلق بالدروس المستفادة من الجائحة، فإن هناك دروساً أخرى تتعلق بمدى قدرة الأنظمة الصحية على تقديم الخدمات الصحية خلال فترات الوباء، وهو ما أكد عليه أحد النصوص المقترحة للمعاهدة الدولية التي تعدها «منظمة الصحة العالمية»، حيث تشدد على ضرورة الالتزام بتخصيص ما لا يقل عن 5 في المائة من الميزانية الصحية السنوية للوقاية من الأوبئة والاستجابة لها.

ويرى إيناكي إرينيو، رئيس شركة الرعاية الصحية الخاصة في بريطانيا «بوبا» في تقرير نشرته، أول من أمس (الجمعة)، شبكة «بي بي سي»، أن «هذا من أهم دروس جائحة (كوفيد - 19)؛ فقد نواجه وباء آخر قريباً، ويجب أن نكون في المرة المقبلة مستعدين بشكل أفضل». ويقول إن «البُلدان بحاجة إلى النظر في كيفية ضمان عدم تعطيل الرعاية الصحية الروتينية، عند حدوث أي جائحة مستقبلية»، مشيراً إلى أن «الخدمات المقدَّمة للنساء الحوامل ومرضى السرطان تعطلت خلال الجائحة، وهذا شيء ليس مقبولاً حدوثه مرة أخرى».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».