في تطور سياسي لافت، وجه أكبر اتحاد للعاملين بالقطاع الحكومي الفيدرالي في الولايات المتحدة ضربة غير متوقعة للديمقراطيين، حين دعا إلى إنهاء الإغلاق الحكومي فوراً من دون التمسك بإجراءات الرعاية الصحية التي يطالب بها الحزب. وعُدّت خطوة الاتحاد، الذي يمثل أكثر من 800 ألف موظف، تحولاً نادراً في موقف مؤسسة طالما شكلت أحد أعمدة الدعم التقليدي للديمقراطيين، وأحدثت صدى سياسياً واسعاً في واشنطن.

الاتحاد المعروف باسم الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة الفيدرالية أصدر بياناً، الاثنين، طالب فيه الكونغرس بإقرار مشروع تمويل مؤقت «نظيف»، يعيد فتح مؤسسات الدولة ويضمن دفع رواتب الموظفين فوراً، دون ربط المسألة بالخلافات الحزبية حول برامج الرعاية الصحية. وقال رئيس الاتحاد، إيفرت كيلي، في لهجة حادة: «لقد أوصل الطرفان وجهة نظرهما، ولا نهاية في الأفق. حان الوقت لإنهاء الإغلاق اليوم، بلا أنصاف حلول أو ألعاب سياسية».
هذا الموقف مثل انعطافة حقيقية في موقف الاتحاد الذي كان حتى الأسابيع الماضية يضغط على الجمهوريين للقبول بمطالب الديمقراطيين لتمديد الدعم الصحي في إطار قانون «أوباما كير». لكن بعد مرور قرابة شهر على الإغلاق، ومع تفاقم معاناة مئات الآلاف من الموظفين الذين فقدوا رواتبهم، بدا أن ضغط القاعدة العمالية الداخلية غيّر حسابات الاتحاد، ودفعه إلى التركيز على المطلب الأكثر إلحاحاً: إعادة فتح الحكومة بأي ثمن.

وبحسب تقديرات وسائل إعلام أميركية رئيسية، فإن نحو 730 ألف موظف فيدرالي يعملون حالياً دون أجر، فيما تم تسريح 670 ألفاً آخرين مؤقتاً.
وقد بدأت صور العاملين المصطفين في طوابير بنوك الطعام الذين يعجزون عن دفع الإيجارات تشكل إحراجاً حقيقياً للديمقراطيين، الذين باتوا يُتهمون من قبل الرئيس دونالد ترمب والجمهوريين بأنهم يتحملون مسؤولية استمرار الإغلاق بسبب إصرارهم على إدراج بند تمويل الرعاية الصحية في مشروع الموازنة. وقال ترمب الأسبوع الماضي من البيت الأبيض: «كل ما نحتاج إليه هو 5 ديمقراطيين فقط لننهي هذه الأزمة ونعيد الناس إلى أعمالهم».

في المقابل، ردّ زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السيناتور تشاك شومر، مؤكداً أن حزبه يريد «إعادة فتح الحكومة ودفع الرواتب ومعالجة أزمة الرعاية الصحية في آن واحد». لكن تصريحات الاتحاد العمالي الأخيرة أربكت هذه الجبهة، إذ منحت الجمهوريين حجة إضافية لتصوير الديمقراطيين على أنهم يضعون أجندتهم السياسية فوق معاناة الموظفين.
وتشير تصريحات بعض القيادات الديمقراطية إلى إدراكهم لخطورة الموقف. فقد قال السيناتور ديك دوربن، الرجل الثاني في الكتلة الديمقراطية بمجلس الشيوخ، إن بيان الاتحاد «سيحمل وزناً كبيراً داخل الحزب»، معترفاً بأن الموظفين «في وضع لا يُحسدون عليه». ومع ذلك، لا يزال معظم الديمقراطيين متمسكين بموقفهم، عادّين أن التخلي عن مطالبهم الآن سيجعلهم يفقدون ورقة الضغط الوحيدة لإجبار ترمب على التفاوض.

ويرى مراقبون أن بيان الاتحاد، الذي وصف الإغلاق بأنه «أزمة يمكن تفاديها»، يمثل تحولاً في المزاج الشعبي داخل القاعدة الديمقراطية التقليدية، إذ بدأ الغضب يتجاوز حدود الحسابات الحزبية ليصل إلى الشارع العمالي نفسه.
ويقول بعض المحللين إن استمرار الإغلاق قد يخلق شرخاً طويل الأمد بين الحزب الديمقراطي ونقابات القطاع العام، خصوصاً إذا واصل ترمب استثمار الأزمة لتصوير نفسه كـ«مدافع عن الموظفين المنسيين» في وجه نخب الحزب.
في المقابل، يحذر آخرون من أن مكاسب ترمب قد تكون مؤقتة، إذ لا يزال الرأي العام يحمّل الجمهوريين في المجمل مسؤولية الإغلاق، وفق استطلاعات الرأي. غير أن الرسالة السياسية لبيان الاتحاد واضحة: حتى أقرب الحلفاء الديمقراطيين بدأوا يفقدون الصبر، فيما يقترب الإغلاق من إنهاء شهره الأول مهدداً بتقويض ثقة الأميركيين في قدرة واشنطن على الحكم الرشيد.

