معركة كلامية بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني

الزيارة انتهت دون مؤتمر صحافي وزيلينسكي يغادر دون توقيع على اتفاقية المعادن

الرئيس الأميركي يلتقي نظيره الأوكراني في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي يلتقي نظيره الأوكراني في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
TT

معركة كلامية بين الرئيس الأميركي ونظيره الأوكراني

الرئيس الأميركي يلتقي نظيره الأوكراني في البيت الأبيض (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي يلتقي نظيره الأوكراني في البيت الأبيض (إ.ب.أ)

شهد اللقاء بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي مشادة كلامية شارك فيها أيضا جي دي فانس نائب الرئيس، انتهت بإلغاء المؤتمر الصحافي الذي كان مقرراً في ختام اللقاء. إذ عنف ترمب وفانس بشدة زيلينسكي، حين سعى الرئيس الأوكراني للحصول على ضمانات أمنية، في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

نقاش ساخن بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض (رويترز)

وقال ترمب إن زيلينسكي غير مستعد للسلام ويمكنه العودة إلى أميركا عندما يكون مستعداً لذلك، لينهي بذلك زيارة الرئيس الأوكراني قبل موعدها المقرر، قائلاً إن زيلينسكي «أهان أميركا في مكتبها البيضاوي».

وأضاف ترمب في تغريدة على منصة تروث سوشيال «عقدنا اجتماعاً مفيداً للغاية في البيت الأبيض اليوم. لقد تعلمنا الكثير مما لا يمكن فهمه دون إجراء محادثة تحت هذه النيران والضغوط». وتابع: «قررت أن الرئيس زيلينسكي ليس مستعداً للسلام إلا إذا شاركت أميركا، لأنه يشعر أن مشاركتنا تمنحه ميزة كبيرة في المفاوضات. وأنا لا أريد أن أمنحه ذلك، أريد السلام. لم يحترم (زيلينسكي) الولايات المتحدة الأميركية في مكتبها البيضاوي المهيب. يمكنه العودة عندما يكون مستعداً للسلام».

فيما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معلقاً على التراشق بين ترمب وزيلينسكي: «روسيا هي المعتدية وأوكرانيا هي المعتدى عليه».

وعندما حاول زيلينسكي الضغط من أجل الحصول على التزامات أمنية أميركية لحماية بلاده من أي عدوان روسي مستقبلي، قال له ترمب إن ذلك يعد تصرفاً غير محترم. وقال موجهاً حديثه لزيلينسكي: «أنت تقامر بحياة ملايين الأشخاص، وتقامر بحرب عالمية ثالثة، وما تفعله يعد تصرفاً غير محترم للغاية تجاه هذا البلد الذي دعمك أكثر بكثير مما يرى كثيرون أنه ينبغي عليه ذلك». وقال زيلينسكي لترمب إن وعود السلام التي يقدمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يمكن الوثوق بها، مشيراً إلى سجل الرئيس الروسي في نكث الوعود. ورد ترمب قائلاً إن بوتين لم يخل بأي اتفاق معه.

ووجه ترمب حديثه لزيلينسكي قائلاً: «عليك أن تكون أكثر امتناناً». وأضاف أن الرئيس الأوكراني «يقامر بحرب عالمية ثالثة».

ترمب مع زيلينسكي ونائب الرئيس فانس (أ.ف.ب)

وجاء توبيخ ترمب لزيلينسكي بعد أن قال نائبه جي دي فانس، وهو أحد أكثر الأصوات تشككاً داخل الإدارة الأميركية بشأن أوكرانيا، إن زيلينسكي كان يتصرف بعدم احترام في جداله مع الرئيس ترمب في المكتب البيضاوي أمام وسائل الإعلام الأميركية. وخاطب فانس زيلينسكي قائلاً: «ألا تقول شكراً لكم ولو لمرة واحدة؟».

وأكد الرئيس الأميركي أنه ليس منحازاً لبوتين «بل لأميركا ولصالح العالم»، وكرر القول إنه «مع أوكرانيا وروسيا» ويرغب في التوصل إلى حل الأزمة، مشدداً على التزامه بدعم بولندا.

وأضاف: «بلدك في ورطة كبيرة. أنت لا تنتصر... لديك فرصة جيدة للخروج بخير بمساعدتنا... أنت لم تكن وحدك. لقد أعطيناك، من خلال رئيسنا الغبي (جو بايدن)، 350 مليار دولار. أعطيناك معدات عسكرية... لو لم تكن لديك معداتنا العسكرية، لكانت هذه الحرب قد انتهت في غضون أسبوعين». وأكد ترمب أن التزام الولايات المتحدة ثابت تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مضيفاً أن على أوروبا والناتو تكثيف الجهود.

من جانبه، قال زيلينسكي إن اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة ليست كافية، مؤكداً حاجة بلاده للحصول على أنظمة للدفاع الجوي لمساعدتها في الحرب ضد روسيا. وأضاف زيلينسكي أن الولايات المتحدة تساند أوكرانيا منذ بداية الحرب، لكنه غادر دون التوقيع على الاتفاقية.

وقال زيلينسكي في وقت سابق من اليوم إنه بحث مع وفد من مجلس الشيوخ الأميركي في واشنطن استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا وجهود تحقيق السلام ورؤية بلاده لإنهاء الحرب مع روسيا.

وتفاعلت الأسواق الأميركية سريعاً مع المشادة بين ترمب وزيلينسكي في البيت الأبيض، حيث تراجع مؤشر (ستاندرد آند بورز 500) 0.2 في المائة، كما تراجع اليورو خلال التعاملات وسط قلق من توترات جيوسياسية جديدة.

ترمب مع زيلينسكي وعدد من أفراد طاقمه (أ.ف.ب)

وقد أشار كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى هذه المخاوف. وفي المؤتمر الصحافي مع ترمب مساء الخميس، قال ستارمر: «علينا أن نحقق الأمر (وقف الحرب) بشكل صحيح ولا يمكن أن يكون السلام مكافأة للمعتدي».

ودعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أكثر من 12 زعيماً أوروبياً إلى قمة الأحد «للمضي قدماً» في العمل بشأن أوكرانيا والأمن، وفق ما أفاد مكتبه. وسيجري ستارمر مكالمة صباح الأحد مع زعماء دول البلطيق قبل أن يستقبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في داوننغ ستريت. وبعد ذلك يلتقي بعد الظهر قادة عدد من الدول الأوروبية بما فيها فرنسا وألمانيا والدنمارك وإيطاليا، بالإضافة إلى تركيا وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، لعقد القمة في لندن. وقال مكتب ستارمر: «سيغتنم رئيس الوزراء القمة للدفع قدماً بالعمل الأوروبي بشأن أوكرانيا، ولإظهار دعمنا الجماعي الثابت لضمان سلام عادل ودائم، واتفاق يضمن سيادة أوكرانيا وأمنها في المستقبل». وبعد محادثاته، الخميس، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، دعا ستارمر أيضاً قادة هولندا والنرويج وبولندا وإسبانيا وفنلندا والسويد وتشيكيا ورومانيا لحضور القمة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مستقبلاً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في البيت الأبيض يوم الخميس (داوننغ ستريت)

ومن المقرر أن يحضرها أيضاً الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا. وسيجري ستارمر محادثات فردية في داوننغ ستريت مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قبل بدء القمة. وأوضح مكتب رئيس الوزراء أن هذا الاجتماع سيبني على محادثات باريس التي استضافها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق من الشهر الحالي وسيركز على «تعزيز موقف أوكرانيا بما في ذلك الدعم العسكري المتواصل وزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا». وسيشدد مجدداً على الحاجة إلى «اتفاق متين ومستدام يحقق سلاماً دائماً»، ويناقش «الخطوات التالية بشأن التخطيط لضمانات أمنية قوية».

وفي حين سيصرّ ستارمر على أن أوكرانيا يجب أن تكون جزءاً من أي مفاوضات لإنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا، سيقرّ «بحاجة أوروبا إلى تأدية دورها في القضايا الدفاعية وتكثيف الجهود لصالح الأمن الجماعي».


مقالات ذات صلة

جولة جديدة من محادثات أوكرانيا في لندن استكمالاً لـ«لقاء باريس»

أوروبا الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض خلال زيارة الثاني واشنطن يوم 28 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

جولة جديدة من محادثات أوكرانيا في لندن استكمالاً لـ«لقاء باريس»

تبدأ الأربعاء في لندن جولة جديدة من المحادثات بشأن أوكرانيا، استكمالاً لـ«لقاء باريس»، مع استباق الكرملين لها وتحذيره من التسرع بشأن إمكانية وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو - لندن)
جنود روس (أ.ب)

روسيا: إعلان حالة الطوارئ في منطقة شرق موسكو بعد انفجار

قالت وكالة تاس الروسية للأنباء نقلاً عن خدمات الطوارئ إنه تم إعلان حالة الطوارئ في منطقة فلاديمير شرق موسكو في أعقاب انفجار وقع اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحليل إخباري حين لا يخدم التكتيك الاستراتيجية المنشودة

كانت الاستراتيجية الروسية الكبرى إلغاء ما يُسمّى بدولة أوكرانيا. لكن التكتيك الأوكراني، بمساعدة أميركيّة مباشرة، أسقط معادلة النصر الروسية.

المحلل العسكري
أوروبا صورة التقطتها ونشرتها الخدمة الصحافية الرئاسية الأوكرانية في 20 أبريل 2025 تظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مناسبة احتفالات عيد الفصح في كييف وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

زيلينسكي: الاقتراح الأوكراني بوقف الهجمات على البنية التحتية ما زال مطروحاً

أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، أن مقترح بلاده لوقف الهجمات على البنية التحتية المدنية ما زال مطروحاً.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف عند وصوله إلى قصر الإليزيه في باريس 17 أبريل 2025 (أ.ب)

ويتكوف يزور روسيا في إطار مساعي واشنطن لوقف إطلاق النار في أوكرانيا

يتوقع أن يزور المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف روسيا خلال الأسبوع الحالي على ما أفاد مسؤول روسي فيما حذرت موسكو من التسرع في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
TT

تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)

قدم الرئيس دونالد ترمب تعازيه في وفاة البابا فرنسيس وأمر بتنكيس الأعلام الأميركية في جميع المباني الحكومية؛ حداداً على رحيل بابا الفاتيكان، وأعلن أنه سيشارك مع زوجته ميلانيا ترمب في الجنازة السبت المقبل.

ولطالما كانت العلاقة بين البابا وترمب متوترة آيدلولوجياً؛ بسبب انتقادات البابا الصريحة والعلنية لسياسات ترمب في ولايته الأولى، وأيضاً في الشهور القليلة الماضية من ولايته الثانية. وتركزت الانتقادات على قضايا الهجرة والتغير المناخي ودور القومية في السياسة العالمية.

ففي بداية تولي البابا فرنسيس منصبه في عام 2013 أشاد به ترمب ووصفه بأنه رجل متواضع، وقال: «إنه يشبهني كثيراً». وحينما قام البابا فرنسيس بأول زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015 توقف في كاتدرائية القديس باتريك الشهيرة في نيويورك قبل ثلاثة أشهر من إعلان ترمب ترشحه للرئاسة وخوضه سباقاً ساخناً مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وخلال هذه الزيارة، أدلى البابا فرنسيس بتصريحات تقدمية حول قضايا الهجرة والتغير المناخي والعدالة الاجتماعية، كما أثار الجدل حول دعوته للرحمة والتسامح مع مجتمع المثليين.

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا في الفاتيكان (أ.ب)

الجدار الحدودي

وكان أول خلاف علني بينهما في فبراير (شباط) 2016، عندما تحدث البابا فرنسيس ضد حملة ترمب الانتخابية التي وعدت ببناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقال البابا للصحافيين أثناء عودته إلى روما من المكسيك: «إن الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران، أينما كانت، وليس بناء الجسور، ليس مسيحياً». وغضب ترمب غضباً شديداً من هذه التصريحات، ورد عليها قائلاً: «إذا تعرض الفاتيكان لهجوم من جانب تنظيم (داعش)، فإنني أعدكم بأن البابا كان ليتمنى ويصلي فقط أن يصبح دونالد ترمب رئيساً».

وعلى الرغم من تأكيد ترمب أنه «مسيحي فخور»، فإن ترمب ألقى باللوم على المكسيك بسبب تصريحات البابا، ووصف كلمات البابا البالغ من العمر 79 عاماً آنذاك بأنها «مخزية»، ووفقاً لمنشور على «فيسبوك» في فبراير 2016. قال ترمب: «لا يحق لأي زعيم، وبخاصة زعيم ديني، التشكيك في دين أو معتقد رجل آخر. إنهم يستخدمون البابا أداةً، ويجب أن يخجلوا من أنفسهم لفعلهم هذا، بخاصة في ظل هذه الأرواح الغفيرة وانتشار الهجرة غير الشرعية بهذا الشكل».

وبعد توليه السلطة في يناير (كانون الثاني) 2017، كان ترمب ينفذ سياسات تستهدف ترحيل ما يقرب من 11 مليون مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الانتقادات الأولية التي وجهها فرنسيس لترمب خلال دورة الانتخابات عام 2016، فقد التقى البابا والرئيس وجهاً لوجه لأول مرة في الفاتيكان في عام 2017. وبدا الاجتماع الذي استمر نحو 30 دقيقة ودياً على الرغم من الاختلافات الواضحة في وجهات نظرهما. وتبادل الطرفان الهدايا المعتادة، فقدم البابا فرنسيس لترمب رمزاً لشجرة زيتون ترمز إلى السلام ونسخاً من كتاباته، في حين قدم الرئيس للبابا مجموعة من الكتب لأيقونة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور.

وتكهن الكثير من المراقبين أن البابا فرنسيس، الذي وقف متجهماً بجوار ترمب المبتسم، لم يكن يريد مقابلة الرئيس الأميركي. لكن ترمب كتب عبر «تويتر» (إكس) في 24 مايو (أيار) 2017. وقال: «شرفٌ عظيمٌ لي أن ألتقي قداسة البابا فرنسيس. إنني أغادر الفاتيكان وأنا أكثر تصميماً من أي وقت مضى على تحقيق السلام في عالمنا».

وانتقد ترمب تواضع البابا فرنسيس وطالبه باحترام بروتوكولات الفاتيكان وكتب في مارس (آذار) 2013: «لا أحب رؤية البابا واقفاً عند مكتب الاستقبال في فندق لدفع فاتورته. هذا ليس من شيم البابا!».

في الولاية الثانية

قبل ساعات من تنصيب ترمب مرة أخرى في البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025، أرسل البابا فرنسيس رسالة إلى الرئيس القادم، متمنياً له الرخاء والازدهار في الولايات المتحدة، التي وصفها بأنها «أرض الفرص والترحيب بالجميع»، وطلب من ترمب «بناء مجتمع أكثر عدلاً، حيث لا يوجد مجال للكراهية أو التمييز أو الإقصاء».

لكن سرعان ما عاد البابا فرنسيس إلى إصدار توبيخات جديدة لسياسات ترمب في مجال الهجرة بعد أقل من شهر من تولي ترمب منصبه، وحذَّر البابا الأساقفة الأميركيين في رسالة من أن خطط إدارة ترمب للترحيل الجماعي «ستنتهي بشكل سيئ». كتب البابا في الحادي عشر من فبراير: «إن ما يتم بناؤه على أساس القوة، وليس على أساس الحقيقة حول الكرامة المتساوية لكل إنسان، يبدأ بشكل سيئ وسينتهي بشكل سيئ».

ألمح توم هومان، كبير مستشاري ترمب لشؤون الحدود، إلى أن البابا منافق وقال «لديهم جدار حول الفاتيكان. إذا دخلت الفاتيكان بشكل غير قانوني، فإن الجريمة خطيرة. ستُتهم بارتكاب جريمة خطيرة».

وقال ديفيد لانتيجوا، المدير المشارك لمركز كوشوا لدراسة الكاثوليكية الأميركية وأستاذ اللاهوت المساعد في جامعة نوتردام، لمجلة «نيوزويك» إن الكنيسة الكاثوليكية ترى أن حملة إدارة ترمب على الهجرة في ولايته الثانية «أكثر فظاعة» من ولايته الأولى. وتابع لانتيجوا: «مع التهديدات بالترحيل الجماعي، رفع أساقفة الولايات المتحدة بالفعل دعاوى قضائية ضد الإدارة الحالية بسبب خفض الدعم لبرنامج إعادة توطين اللاجئين».

وقال المؤرخ الكنسي ماسيمو فاجيولي إن التوتر الذي كان قائماً بين ترمب والبابا لم يكن له علاقة بالتقدمية التي يتبناها فرنسيس، بل كان له علاقة أكبر بخلفيته كونه يسوعياً من أميركا اللاتينية. وقال: «إنها تأتي من ثقافة كاثوليكية تنتقد بشدة القوة الأميركية في العالم، والفاتيكان، وبخاصة (أثناء حبرية فرنسيس)، اتخذ موقفاً لصالح الجانب الآخر من العالم».

وقد اختار ترمب أحد المنتقدين اللاذعين للبابا ليكون ممثله لدى الفاتيكان في ديسمبر (كانون الأول)، حيث اختار بريان بيرش، رئيس مجموعة الدعوة السياسية CatholicVote.org؛ ما زاد من التوترات بين الفاتيكان وواشنطن، حيث انتقد بيرش في قرار البابا عام 2023 الذي سمح للكهنة بمباركة المثليين جنسياً، وقال إن ذلك خلق «ارتباكاً» داخل الكنيسة. وتوقع السفير أيضاً أن البابا لن يظل في منصبه لفترة أطول، ووصف قيادة البابا فرنسيس بأنها تتسم «بنمط من الانتقام».

كامالا هاريس والإجهاض

واعترض الباب فرنسيس أيضاً على آراء نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال انتخابات عام 2024، قائلاً إنه لا يوجد فرق كبير بين الشخص الذي يريد ترحيل المهاجرين (ويقصد ترمب) والشخص الذي يدافع عن حق الوصول إلى الإجهاض.

وبعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قال البابا إن الفاتيكان سوف يراقب من كثب كيف يؤثر ترمب على التحالف عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا؛ لأن ذلك من شأنه أيضاً أن يؤثر على علاقة أميركا بالكنيسة الكاثوليكية.

وخلال الشهور الماضية انتقد البابا فرنسيس مراراً الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي كلمته الأخيرة يوم الأحد قبل وفاته، دعا البابا إلى وقف إطلاق النار في غزة ووصف الوضع في القطاع بأنه مأساوي ومؤسف، وقال البابا في كلمته التي قرأها أحد مساعديه بمناسبة عيد الفصح: «أدعو الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن وتقديم المساعدة لشعب جائع يتطلع إلى مستقبل من السلام».

الرئيس دونالد ترمب يلتقي البابا فرنسيس في الفاتيكان برفقة زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أ.ب)

والاثنين، بعد وفاة البابا عن 88 عاماً، نشر دونالد ترمب رسالةً قصيرةً على منصته «تروث سوشيال»، كتب فيها: «ارقد بسلام البابا فرنسيس! ليباركه الله وليبارك كل الذين أحبّوه».

ثم أعلن أيضاً، عبر المنصة، نفسها أنه سيشارك مع زوجته في الجنازة التي ستُقام السبت في الفاتيكان، في أول رحلة دولية له في ولايته الثانية. وكتب ترمب: «سأذهب مع ميلانيا إلى جنازة البابا فرنسيس في روما. نتشوَّق لذلك!».

واعتمد نائب الرئيس جي دي فانس، الذي اعتنق الكاثوليكية في عام 2019 والتقى رئيس الكنيسة الكاثوليكية الأحد، قبل ساعات من وفاته، أسلوباً مختصراً في رثاء البابا الراحل. وكتب عبر منصة «إكس»، «قلبي يتَّجه إلى ملايين المسيحيين في كل أنحاء العالم الذين أحبوه».

«رد فاتر»

وقال جون كار، مؤسس برنامج الفكر الاجتماعي الكاثوليكي والحياة العامة في جامعة جورج تاون، وهي مؤسسة يسوعية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «من المستحيل أن نتخيل زعيمين عالميَّين أكثر اختلافاً عن بعضهما بعضاً من ترمب وفرنسيس، في كل شيء، الأنانية مقابل التواضع، والاهتمام بالفقراء مقابل الاهتمام بالسلطة (...)، وهذا يتجلى في رد الفعل الفاتر من البيت الأبيض تجاه وفاته».

وكان الرئيس الأميركي الذي يصف نفسه بأنه مسيحي «دون انتماء» إلى مذهب محدد، أكّد في يوم تنصيبه أن الله «أنقذه» من محاولة اغتيال حتى يتمكَّن من وقف الانحدار العام الذي تعانيه أميركا.

وأنشأ «مكتب الإيمان» في البيت الأبيض، ونشر أخيراً صورةً يظهر فيها وهو يصلي في المكتب البيضاوي، محاطاً بقادة روحيِّين إنجيليِّين.

فانس والقديس أوغسطينوس

وقال توم هومان، الذي كلفه دونالد ترمب إدارة سياسات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين، والذي يعرّف عن نفسه بأنه كاثوليكي مثل جي دي فانس والناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت: «أود منه أن يركز على الكنيسة الكاثوليكية ويتركنا نتعامل مع الحدود».

وكان البابا فرنسيس يدعو في رسائله إلى ممارسة «أخوّة مفتوحة للجميع، دون استثناء»، بصرف النظر عن «الهوية الشخصية أو المجتمعية أو الوطنية».

وانتقد الحبر الأعظم خصوصاً التفسير القومي الذي كان يعتمده جي دي فانس لأحد مبادئ العقيدة الكاثوليكية المسمى «ordo amoris (نظام الحب)».

واستشهد نائب الرئيس بهذا المبدأ الذي وضعه اثنان من أهم علماء اللاهوت الكاثوليك، القديس أوغسطينوس والقديس توما الأكويني؛ لتبرير سياسة مكافحة الهجرة، مؤكداً أن الأعمال الخيرية يجب أن تفيد في المقام الأول المواطنين الأميركيين وليس الأجانب.

وقال جون كار: «لم أرَ قط بابا يصحِّح لسياسي بهذه الدقة»، مضيفاً: «لقد كان أمراً لا يُصدَّق».

ووصل الصراع بين إدارة ترمب ورجال الدين الكاثوليك إلى المحاكم أيضاً، فقد أقام «مؤتمر الأساقفة الأميركي» دعوى بسبب وقف تمويل برامج دعم اللاجئين التي تديرها الكنيسة.