أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه أجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين امتدت لـ90 دقيقة، مساء الأربعاء، واتفقا فيها على الاجتماع في المملكة العربية السعودية في الأمد القريب؛ «لبدء محادثات بشأن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا». وأشار إلى أنه تحدث لاحقاً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكنه لم يصرح بشكل واضح ما إذا كانت كييف ستشارك بالتساوي في مفاوضات واشنطن مع موسكو.
وقال ترمب للصحافيين في المكتب البيضاوي: «أعتقد أن الرئيس بوتين يريد السلام والرئيس زيلينسكي يريد السلام وأنا أريد السلام. أريد فقط أن أرى الناس يتوقفون عن القتل». وأشار إلى بوتين قائلاً: «لا يعرف الناس حقاً ما هي أفكار الرئيس بوتين. لكنني أعتقد أنه يمكنني القول بثقة كبيرة، إنه يريد أن يرى نهاية لها أيضاً، لذا فهذا جيد، وسنعمل على إنهائها بأسرع ما يمكن».
وعبر منصة «تروث سوشيال»، قال ترمب إنه ناقش مع بوتين «أوكرانيا والشرق الأوسط والطاقة والذكاء الاصطناعي وقوة الدولار ومواضيع أخرى، وفي التاريخ العظيم لكلا البلدين، والقتال بنجاح كبير في الحرب العالمية الثانية»... وأضاف: «تحدثنا عن نقاط القوة في أمتينا والفائدة العظيمة التي سنجنيها يوماً ما من العمل معاً، واتفقنا على أننا نريد وقف ملايين الوفيات التي تحدث في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حتى إن الرئيس بوتين استخدم شعار جملتي القوية للغاية: الفطرة السليمة، واتفقنا على العمل بشكل وثيق، وزيارة بعضنا البعض، وعلى أن تبدأ فرقنا الخاصة بالمفاوضات على الفور».
وتحدث ترمب أيضاً مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي واصفاً المحادثة، بأنها «سارت بشكل جيد للغاية، وأن زيلينسكي يريد أيضاً صنع السلام مثل الرئيس بوتين». وقال: «ناقشنا مجموعة متنوعة من المواضيع المتعلقة بالحرب والاجتماع الذي يتم إعداده يوم الجمعة في ميونيخ، بقيادة نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو حول الحرب». وشدد على أنه «حان الوقت لوقف هذه الحرب، ووقف الموت والدمار غير الضروريَّيْن».
وجاءت هذه الخطوة المفاجئة بعد ساعات من إعلان واشنطن النجاح في إطلاق سراح المدرس الأميركي مارك فوغل الذي اعتقلته السلطات الروسية منذ عام 2021، مقابل إطلاق سراح ألكسندر فينيك الروسي المدان بالقيام بعمليات تبييض أموال والاحتيال في العملات المشفرة والمسجون بالولايات المتحدة منذ عام 2017. ووصف البيت الأبيض تبادل الأسرى بأنه دليل على ذوبان الجليد الدبلوماسي الذي قد يدفع المفاوضات لإنهاء القتال في أوكرانيا.
فريق التفاوض
وأعلن ترمب أنه سيشكل فريقاً يضم وزير الخارجية روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف، لقيادة المفاوضات. مؤكداً، أنه يشعر بقوة «أن هذه المفاوضات ستنجح».
وعبر منصة «تروث سوشيال» أيضاً، قال يوم الخميس: «حديث رائع مع روسيا وأوكرانيا بالأمس، واحتمال جيد لإنهاء هذه الحرب الدموية المرعبة للغاية». وأضاف: «أعتقد أننا في طريقنا إلى تحقيق السلام».
وعندما سُئل ترمب عن مشاركة أوكرانيا بوصفها عضواً متساوياً في عملية السلام، أجاب: «سؤال مثير للاهتمام. أعتقد أنهم يجب أن يصنعوا السلام».
وأحدثت هذه المكالمات وتبادل السجناء جدلاً حول توجهات إدارة ترمب، وقدرة واشنطن وموسكو على العمل معاً للتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال في أوكرانيا، وتجاوز الحكومة الأوكرانية، على خلاف سياسات إدارة بايدن السابقة التي أصرت بثبات على أن كييف ستكون مشاركاً كاملاً في أي قرارات تتخذ حول الحرب.
وأشار محللون إلى تغيير ترمب للمسار والتعامل مع بوتين بوصفه «اللاعب الوحيد المهم» في التفاوض لإنهاء القتال، وتهميش الرئيس الأوكراني والحكومات الأوروبية في أي مفاوضات سلام.
غضب أوكراني
وقال الرئيس الأوكراني، الخميس، إنه لن يقبل بأي اتفاقات لا تشمل مشاركة بلاده في المحادثات... وأكد في أثناء زيارته لمحطة الطاقة النووية في غرب أوكرانيا: «لا يمكننا القبول بأي اتفاقيات (يتم التوصل إليها) دوننا بوصفنا دولة مستقلة، وهذا واضح، لا بد من مفاوضات ثنائية حول أوكرانيا، وليس حول مواضيع أخرى. وأي محادثات دوننا لن نقبلها». وشدد على أنه «لا يمكن السماح لكل شيء أن يسير وفقاً لخطة بوتين».
وفي وقت سابق، عرضت أوكرانيا إبرام صفقة مع ترمب لمواصلة المساعدات العسكرية الأميركية في مقابل تطوير صناعة المعادن في أوكرانيا، والتي يمكن أن توفر مصدراً قيماً للعناصر الأرضية النادرة التي تعد ضرورية للعديد من أنواع التكنولوجيا. وقد أرسل الرئيس ترمب وزير الخزانة سكوت بيسنت إلى كييف للتفاوض على صفقة بقيمة 500 مليار دولار مع الرئيس زيلينسكي.
في المقابل، أبدت الدوائر الروسية موقفاً مرحباً بتقدير ترمب لدور الرئيس بوتين، واحتفت وسائل الإعلام بالمحادثة مع بوتين على أنها انتصار. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الخميس: «بالنسبة لنا فإن موقف الإدارة الأميركية الحالية أكثر جاذبية». وقال إن ترمب «دعا إلى وقف سريع للأعمال العدائية والتوصل إلى تسوية سلمية، وإن الرئيس بوتين، بدوره، أكد الحاجة إلى إزالة الأسباب الجذرية للصراع، واتفق مع ترمب على أنه يمكن تحقيق تسوية طويلة الأجل من خلال محادثات السلام».
وقال بيسكوف للصحافيين، الخميس: «أيد الرئيس الروسي إحدى الأطروحات الرئيسية للرئيس الأميركي بأن الوقت قد حان لكي تعمل بلداننا معاً»، وأشار إلى أن الرئيس الروسي «قدم دعوة للرئيس ترمب لزيارة موسكو، وأعرب عن استعداده لاستضافة مسؤولين أميركيين في روسيا؛ لمناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك، بما في ذلك أوكرانيا والتسوية الأوكرانية».
وقال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري ميدفيديف، في بيان عبر الإنترنت: «لقد تحدث رئيسا روسيا والولايات المتحدة أخيراً. وهذا مهم جداً في حد ذاته». وقال النائب البارز أليكسي بوشكوف إن المكالمة «ستُسجل في تاريخ السياسة والدبلوماسية العالمية». وأضاف: «أنا متأكد من أنهم في كييف وبروكسل وباريس ولندن يقرأون الآن بيان ترمب المطول بشأن محادثته مع بوتين برعب، ولا يمكنهم تصديق أعينهم».
وقالت وكالة الأنباء الروسية الرسمية «ريا نوفوستي»: «لقد ألحقت الولايات المتحدة الضرر أخيراً بزيلينسكي»، مضيفة أن ترمب وجد «أرضية مشتركة» مع بوتين، وهذا يعني أن صيغة «لا شيء عن أوكرانيا دون أوكرانيا - البقرة المقدسة لزيلينسكي والاتحاد الأوروبي والإدارة الأميركية السابقة - لم تعد موجودة. وعلاوة على ذلك، فإن رأي كييف وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) لا يهم ترمب على الإطلاق».
وأثار ترمب بعض الأفكار في السابق حول رؤيته لوقف الحرب، مستبعداً الموافقة على طلب أوكرانيا في أن تصبح جزءاً من حلف شمال الأطلسي، والذي قال أعضاء حلف «الناتو» قبل أقل من عام إنها خطوة «لا رجعة فيها»، واستبعد ترمب أيضاً استعادة أوكرانيا لأجزاء من أراضيها سيطر عليها الجيش الروسي خلال الحرب وتقدر بنحو 20% من البلاد.
وقال: «لقد كانوا يقولون ذلك لفترة طويلة إن أوكرانيا لا يمكن أن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، وأنا موافق على ذلك»، وهو النهج القريب من رؤية موسكو لكيفية إنهاء الحرب، والمخالف أيضاً لسياسات الإدارة السابقة التي تعهدت بأن عضوية أوكرانيا في التحالف العسكري الغربي «حتمية».
انزعاج أوروبي
وقد تسبب ذلك في إثارة القلق والتوتر داخل حلف شمال الأطلسي المكون من 32 دولة، والاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة. وانزعجت بعض الحكومات الأوروبية التي تخشى أن تكون بلدانها أيضاً في مرمى نيران الكرملين من المسار الجديد لواشنطن، قائلة إنها يجب أن يكون لها مقعد على طاولة المفاوضات.
وكتب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على وسائل التواصل الاجتماعي، الأربعاء: «يجب على أوكرانيا وأوروبا والولايات المتحدة العمل معاً على هذا الأمر». ورفض آخرون مبادرات ترمب، وصبوا الماء البارد على توقعاته المتفائلة.
وقال وزير خارجية إستونيا مارغوس تساهكنا: «كما أن بوتين ليس لديه نية لوقف الأعمال العدائية حتى في أثناء المحادثات المحتملة، يجب علينا الحفاظ على الوحدة الغربية وزيادة الدعم لأوكرانيا، والضغوط السياسية والاقتصادية على روسيا... يجب أن تظهر أفعالنا أننا لا نغير المسار».