إدارة ترمب تضاعف الجهود لدفع قطاع التقنية الأميركية أمام المنافسة الصينية

«ديب سيك» هزّ ثقة الشركات الأميركية بعد أيام قليلة من إطلاق مشروع «ستارغيت»

ترمب خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» في البيت الأبيض 21 يناير 2025 (أ.ف.ب)
ترمب خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» في البيت الأبيض 21 يناير 2025 (أ.ف.ب)
TT
20

إدارة ترمب تضاعف الجهود لدفع قطاع التقنية الأميركية أمام المنافسة الصينية

ترمب خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» في البيت الأبيض 21 يناير 2025 (أ.ف.ب)
ترمب خلال الإعلان عن مشروع «ستارغيت» في البيت الأبيض 21 يناير 2025 (أ.ف.ب)

في أسبوعه الأول من الرئاسة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن مشروع ضخم لإنشاء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي بقيمة نصف تريليون دولار بتمويل خاص، باسم مشروع المستقبل: «ستارغيت». وترافق هذا المشروع مع قرار رئاسي برفع القيود والضوابط، التي تعرقل، بحسب البعض، من عمل الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة. يقول ترمب إن أحد أسباب مشروع من هذا النوع هو التصدي للمنافسة الصينية، التي تمثلت هذا الأسبوع في إطلاق منافس صيني لا يستهان به هو «ديب سيك» (DEEPSEEK)، الذي هزّ عرش «أوبن إيه آي» (OPEN AI) الأميركي.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق» تفاصيل «ستارغيت»، وما إذا كان سيضمن الصدارة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى المنافسة الصينية وخطر التجسس، مجدداً.

مشروع المستقبل

تحتدم المنافسة في الذكاء الاصطناعي بين أميركا والصين (رويترز)
تحتدم المنافسة في الذكاء الاصطناعي بين أميركا والصين (رويترز)

يشيد جيسون بالمر، مؤسس شركة «ستيلث» للذكاء الاصطناعي والمرشح السابق للرئاسة الأميركية، بمشروع «ستارغيت» الذي أعلن عنه ترمب بالتعاون مع 3 شركات ضخمة، وهي «أوبن إيه آي» و«أوراكل» و«سوفت بنك». ويرى أنه إشارة إيجابية تدلّ على رغبة الحكومة في أن تكون رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأنها ستعمل مع شركاء مختلفين لتحقيق ذلك، على خلاف إدارة بايدن «التي كانت تفكر في الذكاء الاصطناعي بصفتها قضية تنظيمية فحسب». ويشير بالمر إلى وجود غموض في التفاصيل المتعلقة بمبلغ الـ500 مليار دولار فيقول: «إنه مبلغ كبير جداً، والسؤال هو كم من المال سيأتي فعلياً من الحكومة الفيدرالية مقارنة بالاستثمارات الخاصة؟».

وهنا، يرى رايان فيديشيك، مدير منظمة The Future Society للذكاء الاصطناعي والمستشار السابق للعلاقات الأميركية - الصينية في الخارجية الأميركية، أنه من المنطقي لترمب أن يرغب في جمع أكبر شركات التكنولوجيا في البلاد في الأسبوع الأول له في منصبه؛ لأنه «صانع صفقات». لكنه يذكر في الوقت نفسه أن هذا المشروع «ليس جديداً»، بل كان قيد التطوير لفترة طويلة، وأن معظم التمويل فيه يأتي من القطاع الخاص. ويضيف: «لا يجب أن ننظر إليه وكأنه تدخلٌ للحكومة الأميركية على نطاق واسع في مجال الذكاء الاصطناعي. إنه أقرب إلى الاعتراف بالدور الرئيسي الذي تلعبه شركات التكنولوجيا في تشكيل مسار الولايات المتحدة، وتعزيز الازدهار الاقتصادي في الدولة».

رفع الضوابط

وقَّع ترمب على قرار تنفيذي يخفف القيود على الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)
وقَّع ترمب على قرار تنفيذي يخفف القيود على الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

وتذكّر سارة أولام، كبيرة الباحثين في معهد السياسة التقنية، بأن الإعلان عن مشروع «ستارغيت» تزامن مع قرار تنفيذي أصدره ترمب من شأنه أن يزيل الحواجز أمام القيادة الأميركية في الذكاء الاصطناعي، عادَّة أنه يطرح سياسات تهدف إلى تعزيز الذكاء الاصطناعي وإزالة المبادئ الوقائية التقييدية. وتضيف أن «الأمر التنفيذي الجديد هو وسيلة يظهر فيها الرئيس الأميركي رغبة الإدارة في تعزيز صناعة الذكاء الاصطناعي داخلياً، وفرض تنظيمات خفيفة ودعم القطاع الخاص».

وفي حين يشدد فيديشيك على أهمية هذا المشروع، يُحذّر في الوقت نفسه من خطورة عدم تطبيقه بالطريقة الصحيحة. ويفسر قائلاً إن «الأمر يتعدى كونه محركاً للنمو الاقتصادي. نحن نتحدّث عن خلق أشكال من الحياة الرقمية التي قد تكون في بعض الأحيان أذكى من الإنسان، وهذا يجلب معه مستوى عالياً من المسؤولية؛ لذا من المهم مع تعاون الشركات الخاصة أن يكون لدينا نوع من المبادئ التوجيهية أو حتى بعض النظم التي تحرص على أن يكون هذا التعاون آمناً وصحيحاً».

وتوافق أولام على هذه المراقبة، لكنها ترى أنه من الأهم مراقبة الأضرار التي يسببها الذكاء الاصطناعي بدلاً من منع ابتكاره، وتضيف: «لندع القطاع يبني الذكاء الاصطناعي من دون وضع أي ممانعات، فهذا يختلف عن المبادئ الوقائية بل يعتمد على مبدأ المسؤولية المدنية أو المقاضاة بعد وقوع الحدث». وتشير إلى أن هذه هي مقاربة ترمب بفضل توجيهات الفريق الذي أحاط نفسه به من كبار المستشارين «المقربين جداً من قطاع الذكاء الاصطناعي، والذين يلاحقون النمو وما يجب أن يتوفر للشركات الأميركية، لكي تستطيع الابتكار بالسرعة نفسها التي تقوم بها الصين».

المنافسة مع الصين و«ديب سيك»

أطلقت الصين تطبيق «ديب سيك» الذي يعزّز المنافسة مع الولايات المتحدة (رويترز)
أطلقت الصين تطبيق «ديب سيك» الذي يعزّز المنافسة مع الولايات المتحدة (رويترز)

وقد أعلن ترمب خلال إطلاق المشروع أن الهدف الأساسي هو التصدي للمنافسة الصينية التي تمثلت بإطلاق تطبيق «ديب سيك»، وهو ما وصفه الرئيس الأميركي بـ«طلقة تحذيرية». ويعدّ بالمر أن أموراً من هذا النوع تشير إلى وجود منافسة عالمية، «وهذا جيد» على حد تعبيره. ويقارن بين التطبيقين، فيقول: «إثر مراجعة سريعة، أقول بأن ديب سيك بنفس جودة OpenAi، لكني سأنتظر إلى أن تتم المقارنة الحقيقية، ولا يمكن أن يكون بنفس الجودة والنوعية لكل استخدام محتمل».

ويشير هنا إلى وجود استخدامات ركز عليها سام ألتمان وفريق Open AI في مجال الرعاية الصحية والعمل مع وزارة الدفاع، عادَّاً أن Open AI رائد في المجالات المتخصصة من الذكاء الاصطناعي والتي ستكون الأهم في المرحلة المقبلة، وليس فقط إن كان البرنامج يملك نموذج لغوي مثل ChatGPT بالجودة نفسها.

من ناحيتها، تقول أولام إنه ومع وجود الكثير من برامج الذكاء الاصطناعي، ستتركز المنافسة الحقيقية على كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في عالمنا الحالي. وتفسر: «أعتقد أن الرعاية الصحية مثلاً هو قطاع يشهد تنافساً حاداً في الولايات المتحدة، كشركات تصنيع الأدوية وعلاجات السرطان، برأيي هذه المجالات هي التي ستعود بالفائدة الأكبر في السنوات المقبلة».

تكلفة منخفضة... مع مخاطر

سام ألتمان خلال حفل تنصيب ترمب 20 يناير 2025 (أ.ف.ب)
سام ألتمان خلال حفل تنصيب ترمب 20 يناير 2025 (أ.ف.ب)

من أهم ميزات «ديب سيك» تكلفته المنخفضة مقارنة بالتكنولوجيا الأميركية؛ إذ وصلت إلى قرابة 6 ملايين دولار فقط مقارنة بمليارات الدولارات التي أنفقتها شركات مثل «Open AI». ويقول فيدشيك إن هذا أمر جيد؛ لأنه «يجعل التكنولوجيا أقل ثمناً وأكثر توفراً للناس». لكن فيدشيك يحذّر من تطبيقات صينية كـ«ديب سيك»، التي تجمع معلومات الأميركيين وبياناتهم على غرار «تيك توك»، قائلاً: «أعتقد أنه يجدر التفريق بين التكنولوجيا الداعمة التي طورتها DeepSeek، وهي مفتوحة المصادر ومتوفرة ويمكن استخدامها وتطوير تطبيقات حولها تستخدم البيانات بأشكال مختلفة، وبين التطبيق نفسه الذي طوّرته DeepSeek الشركة والذي يأخذ بيانات المستخدم ويرسلها إلى أجهزة الخادم في الصين».

ويضيف محذراً: «هذه ليست أي بيانات؛ إذ يمكن قراءة قوانين الاستخدام على متجر التطبيقات، ويمكن أن نرى أن DeepSeek تجمع معلومات عن جهازك، وعنوان IP الخاص بك، الذي يمكن أن يتم فك تشفيره وتتبعك من خلاله، وحتى ضغط المفاتيح والأنماط الفردية لما تكتبه على هاتفك».

لكن بالمر يعتقد أنه، ورغم وجود مخاوف حقيقية من وكالات الاستخبارات حيال تطبيقات كـ«ديب سيك»، فإن الأميركيين سيستمرون في استخدام المنتج الأقل سعراً. ويستبعد أي محاولة من قبل الإدارة حظر «ديب سيك»، كما فعلت إدارة بايدن مع «تيك توك»، لكنه يرجح حظر استخدامه إثر دعوى قضائية قد ترفعها OpenAI.

وفي ظل هذه المخاوف الاستخباراتية، تشير أولام إلى أهمية «التخلص من الحواجز» بين أميركا والصين في هذا الإطار، وتذكر بأن عدداً كبيراً من الأميركيين قاموا بتنزيل تطبيق Rednote والتحدث مع مواطنين صينيين، مضيفة: «إنهم يخترقون حواجز الحماية الصينية؛ لأن الصين تحظر الأميركيين من الوصول إلى منصاتها. هناك مواطنون صينيون يطلعون على رواتب الأميركيين وأنماط حياتهم، وقد تم إغلاق هذه الحسابات لأن الصين لا تريد نشر هذا النوع من المعلومات». وتختم: «أعتقد أن الأمر متبادل: الولايات المتحدة قلقة من تأثير الصين، ولكن الصين قلقة أيضاً من تأثير أميركا».


مقالات ذات صلة

ترمب يعيّن طفلاً ناجياً من السرطان في الخدمة السرية

الولايات المتحدة​ الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)

ترمب يعيّن طفلاً ناجياً من السرطان في الخدمة السرية

استغلّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس، أمس، للكشف عن عضو جديد بجهاز الخدمة السرية، وهو طفل ناجٍ من سرطان الدماغ عمره 13 عاماً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي يلقي كلمة في جلسة مشتركة للكونغرس في مبنى «الكابيتول» (رويترز)

ترمب: نسعى لتوسيع استخراج المعادن في أميركا... وتصاريح خط أنابيب ألاسكا صدرت

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال خطابه أمام الكونغرس، عن خطة لزيادة الإنتاج المحلي واستخراج «المعادن الحرجة والأتربة النادرة» بشكل كبير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ألقى دونالد ترمب خطابا استغرق ساعة و40 دقيقة ليصبح بذلك أطول خطاب على الإطلاق يلقيه رئيس أميركي خلال جلسة مشتركة للكونغرس (أ.ب)

خطاب ترمب الأطول على الإطلاق لرئيس أميركي أمام الكونغرس

حطّم خطاب الرئيس الجمهوري الرقم القياسي السابق الذي سجّله الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2000.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ النائب المخضرم من ولاية تكساس آل غرين خلال إخراجه من القاعة (رويترز)

طرد برلماني ديموقراطي لإطلاقه صيحات استهجان خلال خطاب ترمب

طُرد برلماني ديموقراطي من قاعة مجلس النواب الأميركي بسبب إطلاقه صيحات استهجان خلال إلقاء الرئيس دونالد ترمب أول خطاب له أمام الكونغرس بمجلسيه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال خطابه في الكونغرس أمس (أ.ف.ب) play-circle

ترمب: «أميركا عادت»... وستضم غرينلاند وتستعيد قناة بنما

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطاب أمام الكونغرس، مساء الثلاثاء، أنّ «أميركا عادت»، وأنّ الحلم الأميركي «لا يمكن إيقافه».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يعيّن طفلاً ناجياً من السرطان في الخدمة السرية

الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)
الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)
TT
20

ترمب يعيّن طفلاً ناجياً من السرطان في الخدمة السرية

الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)
الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)

استغلّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس، أمس الثلاثاء، للكشف عن عضو جديد في جهاز الخدمة السرية، وهو طفل ناجٍ من سرطان الدماغ عمره 13 عاماً واسمه دي جيه دانيال.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال خطابه في الكونغرس أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال خطابه في الكونغرس أمس (أ.ف.ب)

وقال ترمب إن الصبي، الذي ارتدى زي شرطة هيوستن وجلس مع والده في قاعة مجلس النواب، حلم دائماً بأن يصبح شرطياً.

وأضاف ترمب، وسط تصفيق حارّ من الحاضرين: «في عام 2018، جرى تشخيص إصابة دي جيه بسرطان الدماغ، وقدَّر الأطباء أنه سيعيش لخمسة أشهر، على الأكثر. كان ذلك منذ أكثر من ست سنوات».

وتابع ترمب قائلاً إنه منذ ذلك الحين، عُين دي جيه ضابطاً فخرياً لإنفاذ القانون عدة مرات.

الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)
الطفل دي جيه في الكونغرس (رويترز)

وقال: «أقسام الشرطة تُحبه. والليلة، يا دي جيه سنقدم لك أعظم شرف على الإطلاق. أطلب من مدير جهاز الخدمة السرية الجديد، شون كوران، أن يجعلك رسمياً عميلاً بجهاز الخدمة السرية للولايات المتحدة».

واتسعت عينا الصبي من الدهشة وحمله والده، وسلَّمه كوران ما بدا أنها بطاقة اعتماد من الخدمة السرية، ورفعها الصبي ليراها الحضور ثم عانق كوران.