ترمب وهوليوود... حربٌ من طرفٍ واحد؟

انطلق ترمب من عالم الشهرة والإعلام لكن الرئيس الأميركي ليس محبوب المشاهير (أ.ف.ب)
انطلق ترمب من عالم الشهرة والإعلام لكن الرئيس الأميركي ليس محبوب المشاهير (أ.ف.ب)
TT

ترمب وهوليوود... حربٌ من طرفٍ واحد؟

انطلق ترمب من عالم الشهرة والإعلام لكن الرئيس الأميركي ليس محبوب المشاهير (أ.ف.ب)
انطلق ترمب من عالم الشهرة والإعلام لكن الرئيس الأميركي ليس محبوب المشاهير (أ.ف.ب)

مع خسارتها المدوية أمام دونالد ترمب، تحوّل شعار كامالا هاريس الانتخابيّ من «لن نعود إلى الوراء» إلى «لن نعود»، وذلك على الأقل للسنوات الـ4 المقبلة أي حتى انتهاء الولاية الرئاسية الثانية لمنافسها الجمهوري. فشعبيّة المرشّحة الديمقراطية ومساندة نجوم الصف الأول لها، أمثال بيونسيه وتايلور سويفت ومادونا، لم تحصّناها ضد الفشل في الانتخابات الأميركية. أما غريمُها، الذي لم يكن يوماً محبوب المشاهير مكتفياً بدعم أسماء مغمورة منهم له، فقد أثبت ألّا ثقلَ فعلياً لهوليوود في المعركة الرئاسية لعام 2024.

ما زال النجوم الأميركيون وصنّاع السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة، قابعين تحت وطأة الذهول الذي أصابهم بفوز ترمب. وإذا شكّلت ولايته الأولى (2017 – 2021) مناسبةً صبَّ فيها الفنانون جام غضبهم على الرئيس الأميركي، فإنه من المستبعد أن تنسحب عاصفة الانتقادات على الولاية الثانية.

عام 2018 جرى تحطيم نجمة دونالد ترمب على ممشى المشاهير في هوليوود (أ.ب)

لا طاقة على مواجهة ترمب

في أوساط هوليوود، يبدو أن الاستسلام سيكون سيّد الموقف هذه المرة، ليس لأنّ الالتفاف الفني حول هاريس لم يُجدِ نفعاً في صناديق الاقتراع فحسب، بل لأنّ قطاع صناعة السينما والترفيه يعاني ما يكفي من اضطرابات داخلية وأزمات مالية بعد جائحة «كورونا»، وإضرابات الممثلين والكتّاب العام الماضي، والتحديات التي فرضها الذكاء الاصطناعي. ليس الوقت مناسباً بالتالي لاستفزاز الرئيس واستثارة غضبه.

غضبٌ، إن ثار، فستدفع هوليوود ثمنَه ضرائبَ مالية، وتضييقاً على تصدير المسلسلات والأفلام، وقمعاً للحريات. لذلك، فمن المرجّح أن تأتي الأعمال الناقدة لسياسة ترمب من خارج الدائرة الهوليوودية، أي من الفنانين المستقلّين أو حتى من خارج حدود الولايات المتحدة.

ليس الوقت مناسباً بالنسبة إلى هوليوود لاستفزاز ترمب عبر أفلام ومسلسلات تنتقده (رويترز)

طبق الانتقام يؤكل بارداً

في حديثٍ مع صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، يقول عميد كلية الأفلام والإعلام في جامعة تشابمن في كاليفورنيا، ستيفن غالوواي: «لو كنت ثرياً اليوم لما استثمرت بشراء أسهم في قطاع الترفيه الأميركي»، متوقعاً اضطرابات كثيرة في هذا القطاع خلال ولاية ترمب الثانية.

من المستبعد أن يرمي الرئيس الجديد سترة النجاة لقطاع السينما والتلفزيون، فوفق غالوواي، «هوليوود الليبراليّة هي العدوّ، على الرغم من أن ترمب صنع اسمه أساساً في عالم الترفيه». أكثر ما يخشاه القيّمون على القطاع، نيّةٌ دفينة لديه بأن يتناول طبق الانتقام بارداً من الشركات المنتجة التي نفّذت أفلاماً ومسلسلات تنتقده، أو تتعرّض بشكلٍ مباشر أو غير مباشر لسياسته.

من برنامج ترمب التلفزيوني The Apprentice الذي أطلقه إلى النجومية (شبكة إن بي سي)

أعمال وموجات فنية استفزت ترمب

لا تَندُر الأمثلة عن أفلامٍ ومسلسلات وموجات ثقافية رفعت الصوت ضد ترمب. فقد واكبت ولايتَه الأولى حركة فنية مناهضة له، عنوانها حقوق المرأة والاعتراض على حُكم الأثرياء. من بين تلك الأعمال، مسلسل «The White Lotus (زهرة اللوتس البيضاء)» الذي أبصر النور خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، والذي انتقد الأثرياء الذين يدوسون على سائر الطبقات الاجتماعية الأخرى ويواصلون السير. وشكّلت هذه الكوميديا السوداء ظاهرة فنية، حصدت الجوائز وإعجاب كلٍ من النقاد والجماهير.

حمل مسلسل The White Lotus رسائل مبطّنة كثيرة لسياسات ترمب المالية والاجتماعية (منصة HBO)

تُضاف إلى ذلك حركة «#MeToo» التي فضحت الممارسات اللاأخلاقية التي تعرّضت لها نجمات هوليوود من قِبل المنتجين والمخرجين، وبعضُهم أصدقاء مقرّبون من ترمب؛ وقد بلغت تلك الحركة ذروتها خلال فترة حكمه.

كما تعرّض الرئيس الأميركي لانتقادات لاذعة عبر السينما، لإهماله الملف البيئي؛ على غرار ما فعله الكاتب والمنتج الأميركي آدم ماكاي في فيلم نتفليكس «Don’t Look Up».

أما أحدث الأعمال التي رأى فيها ترمب تشويهاً لصورته، فهو فيلم «The Apprentice» الذي يروي سيرة رجل الأعمال وصعوده في عالم التطوير العقاري. فبعد أن هدّد فريق ترمب القانوني بمقاضاته، واجه الفيلم معاناةً من أجل إيجاد موزّع، وقد انعكس الأمر فشلاً على شبّاك التذاكر.

هدّد ترمب بمقاضاة فيلم The Apprentice الجديد الذي يروي جزءاً من سيرته (إكس)

ترفيه لا يسيء للرئيس

قد يكون «The Apprentice» آخر عملٍ يتعرّض لترمب، وذلك لسببٍ جوهريّ فرضته نتائج الانتخابات. إذ سيبدو أي انتقادٍ فني له الآن وكأنه تعرُّضٌ لمفهوم الديمقراطية الأميركية وللناخبين الذين أتوا به رئيساً فائزاً بالأغلبية الشعبية وفي الولايات المتأرجحة كافةً.

لا تتوقف المخاوف عند هذا الحدّ، إذ يُخشى أن ينفّذ ترمب تهديده بوضع اليد على «هيئة الاتصالات الفيدرالية» وإلغاء تراخيص القنوات التي تنتقده. يُضاف إلى ذلك توجّهٌ محتمل لديه إلى زيادة التعرفة المالية للواردات والصادرات، ما قد يؤدي إلى امتناع دولٍ كبرى على رأسها الصين، عن استيراد الأفلام والمسلسلات. وما يعزز تلك الفرضية أن ترمب، وخلال ولايته الرئاسية الأولى، حاول بشكلٍ متكرر إلغاء التمويل الفيدرالي للفنون.

في وجه هذا الواقع المستجدّ الذي فرض ترمب رئيساً قوياً، يبقى أمام الصناعة الهوليوودية ونجومها ألّا يخوضوا المعركة هذه المرة، فتظلّ حرباً من طرف واحد. بالتالي، ستهرب الإنتاجات الكبرى على الأرجح من المحتوى ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية وتتّجه نحو المواضيع الترفيهية غير المسيئة للرئيس.

ستتفادى هوليوود في المرحلة المقبلة استفزاز دونالد ترمب (رويترز)

«نهاية أميركا»

إلا أن هذا الصمت المتوقّع استَبَقته ردود فعلٍ صاخبة من الفنانين الأميركيين على فوز ترمب. ففور الإعلان عن نتائج الانتخابات، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشوراتٍ تراوحت بين اليأس والغيظ.

كتبت الممثلة كريستينا أبلغيت على منصة «إكس»: «رجاءً توقّفوا عن متابعتي إذا اقترعتم ضد حقوق المرأة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. لا أريد هكذا متابعين». أما زميلتها جيمي لي كورتيس فقالت إن «فوز ترمب يعني عودة مؤكدة لزمن الخوف والقيود والإجراءات الصارمة».

من جانبها، نشرت المغنية بيلي أيليش عبر «إنستغرام» العبارة التالية: «إنها حربٌ ضد النساء». وقد اتفق معها نجم كرة السلّة ليبرون جيمس في هذا الموقف القلق على حقوق المرأة، إذ سارع إلى نشر صورة مع ابنته واعداً بأن يحميها.

وفي ردّ فعلٍ على فوز ترمب، انتقل الممثل الكوميدي مايكل إيان بلاك من أقصى الكوميديا إلى أقصى الدراما كاتباً على «إكس»: «لنجعل منها أفضل نهاية لأميركا على الإطلاق». أمّا مغنية الراب كاردي بي ففجّرت غضبها قائلةً على «إنستغرام»: «أكرهكم جميعاً! احرقوا قبّعاتكم... أنا حزينة جداً». كما انسحبت التعليقات المستاءة على الممثلة ووبي غولدبرغ التي قالت: «إنه الرئيس لكني لن أذكر اسمه أبداً».

وكان عددٌ من المشاهير قد صرّحوا سابقاً بأنهم سوف يغادرون الولايات المتحدة في حال فوز ترمب، من بينهم باربرا سترايسند وشارون ستون وشير. يبقى للأيام أن تُثبت ما إذا كان الكلام سيتحوّل إلى أفعال.


مقالات ذات صلة

صناديق الأسهم العالمية تحقق تدفقات أسبوعية تاسعة على التوالي

الاقتصاد متداولون في قاعة بورصة نيويورك (رويترز)

صناديق الأسهم العالمية تحقق تدفقات أسبوعية تاسعة على التوالي

زاد المستثمرون العالميون مشترياتهم من صناديق الأسهم في الأسبوع المنتهي في 27 نوفمبر، مدفوعين بتوقعات بنمو قوي للاقتصاد الأميركي في ظل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد سبائك ذهبية في مصنع «أويغوسا» لفصل الذهب والفضة في فيينا (رويترز)

رغم الارتفاع... الذهب يتجه لتسجيل أكبر انخفاض شهري في عام

ارتفعت أسعار الذهب، يوم الجمعة، بدعم من ضعف الدولار وتصاعد التوترات الجيوسياسية، لكنها لا تزال على مسار تسجيل أكبر انخفاض شهري في أكثر من عام بعد فوز ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيسان الأميركيان جو بايدن ودونالد ترمب خلال اجتماعهما في البيت الأبيض 13 نوفمبر الماضي (أ.ب)

بايدن يحذّر من الإضرار بالعلاقات مع كندا والمكسيك

حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من الإضرار بالعلاقات مع كندا والمكسيك وذلك بعد تصريحات لخليفته المنتخب دونالد ترمب بشأن فرض رسوم جمركية على البلدين الجارين.

«الشرق الأوسط» (ماساتشوستس )
أوروبا هل يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بورتسودان؟ (أ.ب) play-circle 00:20

كيف يمكن إجراء محادثات سلام ناجحة مع بوتين؟

قالت مجلة «إيكونوميست» إن لإجراء محادثات سلام ناجحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجب توفير ضمانات أمنية قوية للأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)

تقرير: إيران تتبنى لهجة تصالحية مع عودة ترمب وإضعاف «حزب الله»

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن إيران، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية، تتبنى حالياً لهجة تصالحية مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

واشنطن تعلن الإفراج عن 3 أميركيين محتجزين في الصين

الصين تفرج عن 3 مواطنين أميركيين «محتجزين ظلماً» (أ.ب)
الصين تفرج عن 3 مواطنين أميركيين «محتجزين ظلماً» (أ.ب)
TT

واشنطن تعلن الإفراج عن 3 أميركيين محتجزين في الصين

الصين تفرج عن 3 مواطنين أميركيين «محتجزين ظلماً» (أ.ب)
الصين تفرج عن 3 مواطنين أميركيين «محتجزين ظلماً» (أ.ب)

أفرجت الصين عن ثلاثة مواطنين أميركيين «محتجزين ظلماً» حسبما أعلن مسؤولون أميركيون اليوم الأربعاء، وذلك قبل أسابيع قليلة من تسليم الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن السلطة إلى الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أكد المسؤولون الأميركيون أن مارك سويدان وكاي لي وجون ليونغ أُطلق سراحهم في مقابل الإفراج عن مواطنين صينيين محتجزين في الولايات المتحدة، لم تُحدّد هويتهم.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية عشية عطلة عيد الشكر في نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة «سيعودون قريباً ويجتمعون مع عائلاتهم للمرة الأولى منذ سنوات».

وأضاف «بفضل جهود هذه الإدارة، سيعود جميع الأميركيين المحتجزين ظلماً في الصين إلى ديارهم».

وأكد مصدر مطلع على الملف إطلاق سراح الأميركيين الثلاثة في إطار تبادل مع بكين شمل ثلاثة مواطنين صينيين مسجونين في الولايات المتحدة.

وأوقف مارك سويدان في العام 2012 خلال رحلة عمل بتهمة حيازة مخدرات.

وتؤكد عائلته وداعموه عدم وجود أي دليل على ذلك، معتبرين أن سائقه اتهمه زوراً.

وخلال احتجازه، حُرم سويدان من النوم والطعام لدرجة أنه خسر نحو 45 كيلوغراماً من وزنه، وفقاً لجمعية دعم السجناء في الصين «دوي هوا».

واعتبرت والدته كاثرين التي تعيش في تكساس، خلال جلسة استماع في الكونغرس في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن إدارة بايدن لم تبذل جهوداً كافية للتوصل إلى إطلاق سراح ابنها.

وقالت «إن أحباءنا ليسوا بيادق سياسية».

وكان المواطن الأميركي جون ليونغ يقيم بشكل دائم في هونغ كونغ، وأوقف في العام 2021 ودين بالتجسس.

أما كاي لي فولد في شنغهاي لكنه يحمل الجنسية الأميركية، وهو رجل أعمال اتهم بالتجسس في العام 2016.

وفي سبتمبر، أُطلق سراح القس الأميركي ديفيد لين المحتجز في الصين منذ 2006.

وكان قد حكم على ديفيد لين بالسجن مدى الحياة بتهمة الاحتيال بحسب وسائل إعلام أميركية، لكن واشنطن اعتبرت أن الإدانة لا أساس لها.

وأثار الرئيس بايدن قضية هؤلاء السجناء خلال اجتماعه الأخير مع الرئيس الصيني شي جينبينغ الشهر الماضي على هامش قمة «أبيك» في ليما.

ويُحاط إطلاق سراح هؤلاء الأميركيين بأكبر قدر من التكتم بخلاف عمليات تبادل السجناء الأخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا حين استقبل الرئيس بايدن المفرج عنهم في المطار.

وفي المجموع، تمكنت إدارة بايدن من ضمان إطلاق سراح نحو 70 أميركياً في كل أنحاء العالم تعتبرهم محتجزين ظلماً، بحسب مسؤولين.