تتطلّع المرشّحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية نائبة الرئيس، كامالا هاريس، إلى إعادة بناء ما بات يُعرَف باسم «الجدار الأزرق»: بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، بوصفه ضمانةً أولى هي الأسهل لتعبيد طريق عودتها - هذه المرة رئيسةً - إلى البيت الأبيض. غير أن هذا الطريق ليس ممراً إلزامياً لكي يحتفظ الديمقراطيون بسيطرتهم على المنصب الأول للسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة.
كانت هذه الولايات الثلاث، المُصنّفة أيضاً بأنها من بين 7 ولايات «متأرجحة» أو «ميادين معارك» أساسية في الانتخابات الأميركية، التي لم يتبقَّ أمام موعدها في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) سوى حفنة من الأيام، بوابةَ الفوز للرئيسَين الديمقراطيين الأخيرين، مرة للرئيس جو بايدن عام 2020، ومرّتين للرئيس الأسبق باراك أوباما عامَي 2008 و2012.
وتشير الحسابات الحالية للمجمع الانتخابي، المؤلف من 538 صوتاً، إلى أن هاريس لديها نظرياً الآن 225 صوتاً، مقابل 219 لمنافسها الرئيس السابق دونالد ترمب. وإذا تمكّنت من الفوز في «الجدار الأزرق»؛ الذي يشمل بنسلفانيا التي لديها 19 صوتاً في المجمع الانتخابي، وميشيغان (15 صوتاً) وويسكونسن (10 صوتاً)، فإنها تحتاج إلى صوت واحد آخر «شارد» يمكن أن يأتي من مقاطعة أوماها في نبراسكا، التي لديها مع ماين خصوصية في توزيع أصوات كل منهما في المجمع الانتخابي، لتصل إلى الرقم 270 السحري وتنتزع النصر. وستكون بذلك ليس فقط الرئيسة الأولى، بل أيضاً أول امرأة سوداء وآسيوية تعتلي الكرسي الأول في الدولة العظمى.
صوت في أوماها
تعقد حملة هاريس الأمل على هذا الصوت الواحد في أوماها، خشية ألا تتمكّن من إحداث اختراق للفوز بواحدة على الأقل من ولايات «حزام الشمس» المتأرجحة، التي تشمل أريزونا (11 صوتاً في المجمع الانتخابي)، ونيفادا (6 أصوات)، وجورجيا (16 صوتاً)، ونورث كارولاينا (16 صوتاً).
وتمنح كل الولايات الأميركية جلّ أصواتها في المجمع الانتخابي للفائز بالتصويت الشعبي، باستثناء ماين ونبراسكا اللتين تحظيان بوضع مختلف. وتُخصّص كل منهما صوتين انتخابيين للفائز بالتصويت الشعبي على مستوى الولاية، ثم صوتاً انتخابياً واحداً للفائز بالتصويت الشعبي في كل دائرة انتخابية (2 في ماين، و3 في نبراسكا)، مما يؤدي إلى تقسيم الأصوات الانتخابية.
وكانت حملة هاريس، وحملة بايدن من قبلها، تُركّز على هذا المسار، علماً بأن ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا ذهبت معاً لمصلحة الديمقراطيين في 7 من آخر 8 انتخابات رئاسية. أما المرة الوحيدة التي لم يحدث فيها ذلك منذ عام 1992، فكانت عام 2016 عندما فاز ترمب. ولكن السؤال يبقى: ما الذي يمكن أن يحصل إذا حصل تصدع ما في «الجدار الأزرق» بخسارة واحدة أو أكثر من هذه الولايات الثلاث التي تصوّت تاريخياً بشكل متشابه؟
إذا فاز ترمب بميشيغان أو ويسكونسن، فسيكون الأمر نذير شؤم حتى لو ضمنت هاريس بنسلفانيا، التي زارتها 15 مرة منذ تسلّمها مهمة الترشيح مكان الرئيس جو بايدن في يوليو (تموز) الماضي. ويقول مسؤول كبير في الحملة الديمقراطية إنه «كان هناك اعتقاد بأن ميشيغان أو ويسكونسن قد تتراجعان»، علماً بأن «القلق الأكبر» يتعلق بميشيغان. وإذ أشارت إلى وجود هاريس في الولاية هذا الأسبوع، قالت الناطقة باسم الحملة لورين هيت: «نحن نتنافس بالتأكيد للفوز بميشيغان. نعتقد بأننا سنفوز بولاية ميشيغان»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ويسكونسن.
طريق «أكثر وعورة»
وعلى الرغم من أن «الجدار الأزرق» يبقى الطريق الأفضل لتأمين الفوز، فإن عدداً من مستشاري هاريس أشاروا إلى الجمع بين الأصوات الانتخابية في نورث كارولاينا ونيفادا بوصفه مساراً بديلاً قوياً لهاريس إذا فاز ترمب ببنسلفانيا. غير أن طريق الديمقراطيين للفوز بنورث كارولاينا، حيث يحافظ الديمقراطيون على تنظيم قوي هناك، «أكثر وعورة» من طريق بنسلفانيا. وساءت أحوال الديمقراطيين هناك أكثر بعد إعصار «هيلين»، والتضليل المتفشي الذي أعقبه.
وبعدما تخلّى الرئيس بايدن عن السعي إلى الترشيح وتأييد هاريس، توسّعت خريطة الديمقراطيين لتشمل الولايات الست المتأرجحة التي فاز بها بايدن عام 2020، بالإضافة إلى نورث كارولاينا. وبينما قامت الحملة بإعداد البنية التحتية في تلك الولايات تحت قيادة بايدن، فإن تقييماته المنخفضة فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة أبقت فقط ولايات «الجدار الأزرق» ضمن السباق. ولكن الأمر تغير عندما دخلت هاريس المعركة الانتخابية.
كذلك، تُطرح سيناريوهات معقولة بأن تكرّر هاريس خريطة بايدن لعام 2020 مع خسارة جورجيا وبنسلفانيا؛ ما سيؤدي إلى خسارتها الرئاسة لأنها ستنتهي بـ268 صوتاً في المجمع الانتخابي، أي أقل بصوتين عن الأصوات الـ270 الضرورية للفوز. وبالمثل، إذا خسرت ميشيغان وبنسلفانيا، فسيتبقى لها 269 صوتاً لتتعادل مع ترمب، مما قد يؤدي إلى إرباك المصادقة على الانتخابات في الجلسة المشتركة للكونغرس داخل مجلس النواب. وهناك سيناريوهات أخرى أشد سوءاً من ذلك.
«حزام الشمس»
لتفادي هذه السيناريوهات، سعت هاريس إلى تأمين مسار بديل للفوز من خلال بناء جسر فيما يُسمى «حزام الشمس» المرتفع النمو، وبعض الولايات الجنوبية الشرقية؛ حيث صار الحزب فجأة تنافسياً، مثل أريزونا ونيفادا وجورجيا ونورث كارولاينا، التي صارت من الولايات المتأرجحة لانتخابات عام 2024، وربما من المفاتيح لمستقبل الحزب الديمقراطي.
إذا خسرت هاريس «الجدار الأزرق» بالكامل، فسيكون عليها أن تفوز بكل ولايات «حزام الشمس». وهذا من شأنه أن يجعلها تحصل على 275 صوتاً انتخابياً. ولا تزال نتائج هاريس متقاربةً للغاية في هذه الولايات، بسبب سكانها الجدد من الناخبين السود واللاتينيين والآسيويين الأميركيين، لكن نتائجها أسوأ قليلاً في «حزام الشمس» قياساً بـ«الجدار الأزرق»، لذلك يبدو اكتساح هذا الحزام أقل احتمالاً.
وبينما تشير الاستطلاعات إلى أن 43 من الولايات الـ50 ستصوِّت وفقاً للخطوط الحزبية المتوقعة، وهو ما يمثل أكثر من 80 في المائة من إجمالي الأصوات، يترقب العالم ما إذا كانت هاريس ستتمكّن فعلاً من استخدام «سلاح سرّي» يشمل «خليطاً» من ولايات «حزام الصدأ» التي تشمل ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا و«حزام الشمس» الذي يضم نيفادا وأريزونا وجورجيا ونورث كارولاينا؛ لضمان وصولها إلى البيت الأبيض.
طريق ترمب
بحسابات الرياضيات، يجب أن يحصل واحد من أمرين حتى يفوز ترمب أو هاريس بالرئاسة، شريطة عدم خسارة الولايات التقليدية المحسوبة على الجمهوريين أو الديمقراطيين. وبالتالي يتعين على ترمب أن يفوز بإحدى ولايات «الجدار الأزرق»، أو يتوجب على هاريس الفوز بواحدة من ثلاث: بنسلفانيا أو نورث كارولاينا أو جورجيا.
وبعبارة أخرى: لا يوجد طريق رئاسة لترمب من دون الفوز بواحدة من ولايات «الجدار الأزرق». بها، يمكنه الحصول على 270 صوتاً انتخابياً، حتى من دون أي من الأصوات الأخرى. وهو يتقدم حالياً بفارق ضئيل للغاية في أريزونا. ولذلك، لا يُرجّح أن يفوز في بنسلفانيا ونورث كارولاينا وجورجيا، ولا يفوز بأريزونا أيضاً. وهذا من شأنه أن يضعه عند 281، حتى لو خسر نيفادا وميشيغان وويسكونسن.
وإذا تمكّن من الفوز بولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا على غرار ما فعل عام 2016، فيمكنه أن يفوز حتى لو خسر نورث كارولاينا وجورجيا ونيفادا. ولكن سيتعين عليه فقط الفوز بأريزونا من «حزام الشمس» في مثل هذا السيناريو.