كيف أعاد ترمب إحياء مسيرته السياسية بعد السقوط في الهاوية؟

فوزه في انتخابات الثلاثاء سيكون حدثاً تاريخياً

المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (رويترز)
المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (رويترز)
TT

كيف أعاد ترمب إحياء مسيرته السياسية بعد السقوط في الهاوية؟

المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (رويترز)
المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (رويترز)

عندما خسر المرشح الجمهوري دونالد ترمب أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2020، بدا أن ذلك كان بمثابة «ناقوس الموت» في مسيرته السياسية، وفق ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وانتهت فترة ولاية ترمب الأولى بالفوضى والإدانة، حتى من أعضاء حزبه. وإذا فاز في الانتخابات، الثلاثاء المقبل، فستكون هذه هي المرة الثانية فقط التي يعود فيها أي شخص إلى البيت الأبيض بعد خسارته في السابق محاولة إعادة انتخابه للرئاسة.

قبل 4 سنوات، بدا ترمب رجلاً مهزوماً. وكان بايدن قد هزمه بفارق انتخابي مريح في انتخابات عام 2020. ورفضت المحاكم محاولاته للطعن في تلك النتائج. وتسبب تشكيكه في نتائج هذه الانتخابات واتهاماته المتكررة بلا أدلة بأنها كانت «مزورة» في انفصال العديد من حلفائه عنه.

وامتدّ الانفصال عن ترمب إلى عالم الشركات؛ حيث أعلنت العشرات من الشركات الكبرى - بما في ذلك «أميركان إكسبريس» و«مايكروسوفت» وغيرهما - أنها ستعّلق دعمها للجمهوريين الذين طعنوا في نتائج انتخابات عام 2020.

«ترمب: النهاية»

في يوم تنصيب بايدن، كسر ترمب تقليداً دام 152 عاماً برفضه حضور الحفل. وتقول مريديث ماكغراو، مؤلفة كتاب «ترمب في المنفى»، الذي يروي الفترة التي قضاها الرئيس السابق بعد مغادرة البيت الأبيض، إن ترمب «كان مزاجه متجهماً» و«كان غاضباً ومحبطاً وغير متأكد من كيفية قضاء أيامه ودون خطة لمستقبله السياسي».

وعكست التغطية الإعلامية والأحاديث السياسية في ذلك الوقت حالة عدم اليقين بشأن مستقبله، وكان بعضها أكثر حسماً حيث أشارت صراحة إلى أنه «ليس هناك طريق للعودة لترمب».

وجاء في أحد مقالات الرأي في صحيفة «ذا هِل - The Hill»: «وهكذا، تنتهي الحياة السياسية الجريئة والقابلة للاشتعال والرائعة في بعض الأحيان لدونالد ترمب». وجاء العنوان الفرعي لمقال رأي نُشر في يناير (كانون الثاني) 2021 في صحيفة «نيويورك تايمز»: «لقد انتهت التجربة الرهيبة»، فيما كان العنوان الرئيسي أكثر مباشرة: «الرئيس دونالد ترمب: النهاية».

لكن قبل أن يغادر ترمب إلى فلوريدا يوم تنصيب بايدن، ألمح إلى ما سيأتي. وقال في تصريحات لمؤيديه على مدرج قاعدة للقوات الجوية بولاية ميريلاند: «نحن نحبكم... سوف نعود بشكل ما».

وبعد أسبوع، أصبح من الواضح أن ترمب لن يُضطر إلى الانتظار طويلاً لتأكيد نفوذه السياسي المستمر. حيث قام عضو الكونغرس عن كاليفورنيا وزعيم الجمهوريين السابق في مجلس النواب، كيفن مكارثي، بزيارة الرئيس السابق في منتجع «مارالاغو»، والتقط صورة بجانب «ترمب المبتهج».

وحتى عندما كان مجلس الشيوخ الأميركي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون يستعد لإجراء محاكمة عزل ترمب، بعد اتهامه بـ«تحريض» أنصاره في أعمال الشغب والاقتحام التي شهدها مبنى الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، أوضحت زيارة مكارثي أن أحد أقوى الجمهوريين في الكونغرس لا يزال ينظر إلى الرئيس السابق باعتباره «صانع الملوك».

وتقول ماكغراو إن زيارة مكارثي «فتحت الباب بالفعل أمام ترمب». وتضيف: «لقد كانت بمثابة إذن للجمهوريين الذين انتقدوا ترمب ليسامحوه ويمضوا قدماً».

تحول غير عادي

ستنتهي محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ بالبراءة؛ حيث صوّت معظم الجمهوريين - بما في ذلك بعض المنتقدين الصريحين له - ضد الإدانة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى منع الرئيس السابق من تولي منصب انتخابي في المستقبل. وتخوف الجمهوريون من أن ينشئ الرئيس السابق حزباً جديداً يسحب الدعم من حزبهم.

وبحلول نهاية فبراير (شباط) 2021، ومع انحسار ضجة السادس من يناير (كانون الثاني)، كان ترمب مستعداً لعقد أول حدث عام له وهو مؤتمر العمل السياسي المحافظ؛ حيث ظهر أن الرئيس السابق لا يزال يحظى بولاء القاعدة الجمهورية مع استمتاعه بابتهاج الآلاف من أنصاره؛ إذ ألمح أمامهم إلى أنه قد يهزم الديمقراطيين في عام 2024.

وأكّد استطلاع للحاضرين في المؤتمر ما كان واضحاً في ذلك الوقت؛ حيث قال 68 في المائة من المشاركين إن ترمب يجب أن يترشح مرة أخرى، وقال 55 في المائة إنهم سيصوتون له في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري كمرشح للرئاسة.

وبعد توقف قصير، أعاد ترمب تنشيط حياته السياسية بدفقات مستمرة من رسائل البريد الإلكتروني لجمع التبرعات من المؤيدين كما استأنف عقد تجمعاته الخارجية «الشبيهة بالكرنفال»، وفق «بي بي سي».

وحول هذا التحول غير العادي، يقول بريان لانزا، الذي كان مستشاراً سياسياً للرئيس السابق منذ عام 2016، «لقد سقط (ترمب) أرضاً ثم نهض بتركيز مضاعف... لا أعتقد أن أحداً يجب أن يتفاجأ بهذه العودة».

صعود وهبوط

إذا كان عام 2021 يشير إلى استمرار نفوذ ترمب داخل الحزب الجمهوري، فإن الانتخابات النصفية لعام 2022 أكدت ذلك، فأربعة من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين الستة الذين صوتوا لصالح عزل ترمب وكانوا يترشحون لإعادة انتخابهم، تعرضوا للهزيمة من قبل المرشحين المدعومين من ترمب في الانتخابات التمهيدية للحزب. وفي الوقت نفسه، تقدم مرشحو مجلس الشيوخ في الانتخابات التمهيدية بفضل دعم ترمب.

وقال بريان سيتشيك، الذي عمل مديراً لحملة ترمب في ولاية أريزونا عام 2016، إن «تأييده يضمن لك فوزاً أساسياً».

لكن، إذا كان النصف الأول من عام 2022 بمثابة خطوات جيدة للرئيس السابق، فإن انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) رسمت صورة مختلفة كثيراً. فمن بين 4 مرشحين بارزين في مجلس الشيوخ يدعمهم ترمب، هُزم واحد فقط. وبينما استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب بفارق ضئيل، كان أداء الحزب ضعيفاً إلى حد كبير واحتفظ الديمقراطيون بالسيطرة على مجلس الشيوخ.

استشاط ترمب غضباً، وألقى اللوم في تراجع الحزب الجمهوري على دعم الحزب لقيود الإجهاض التي لا تحظى بشعبية و«عدم الولاء الكافي لعلامته الشعبوية المحافظة». وبعد أسابيع قليلة فقط من الانتخابات النصفية، عندما كان النقاد لا يزالون يتساءلون عما إذا كانت اللحظة السياسية للرئيس السابق قد انتهت، أطلق ترمب رسمياً حملته الرئاسية لعام 2024.

وحسب «بي بي سي»، جاء الإعلان الرسمي لإطلاق الحملة في توقيت غير مناسب وجعل الحملة تبدو منعزلة وغير مناسبة للواقع السياسي الراهن حينذاك. وتلقى فريق ترمب زخماً «من مصادر غير متوقعة»؛ المدعين العامين في نيويورك وجورجيا، ووزارة العدل في واشنطن العاصمة.

اتهامات ومحاكمات

وجد ترمب نفسه ملاحقاً لاحتفاظه بوثائق سرية في مقر إقامته الخاص بمنتجع «مارالاغو»، ووجد مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث في أغسطس (آب) 2022 داخل مقره عن «وثائق الأمن القومي الحساسة»، وبلغ الأمر ذروته بسلسلة من لوائح الاتهام في عام 2023، وأصبح خطر الاتهامات الجنائية «قضية مركزية» في معركة الترشح للانتخابات الرئاسية.

وفي مارس (آذار) 2023، وجد ترمب نفسه أمام لائحة اتهام جديدة في نيويورك تتعلق بـ«دفعات مالية» دفعها الرئيس السابق لإسكات نجمة أفلام إباحية «لإسكاتها» عن فضح علاقتهما.

لكن بحلول خريف عام 2023، كان ترمب قد حقق «تقدماً هائلاً» في معظم استطلاعات الرأي الأولية للحزب الجمهوري، وانتهت المعركة التمهيدية للحزب سريعاً، وترشح ترمب لخوض الانتخابات الرئاسية الثالثة على التوالي.

ربما كانت الدراما التي تعرض لها الرئيس السابق في قاعات المحكمة بمثابة «نعمة لرصيده السياسي»، لكنها جاءت أيضاً مصحوبة بخطر قانوني حقيقي. ففي مايو (أيار) 2024، أدانت هيئة محلفين في مانهاتن ترمب بـ34 تهمة جنائية تتعلق بدفع أموال سرية لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز.

ومع ذلك، يبدو أن كل انتكاسة قضائية يتبعها نصر أكبر. فقد تم تأجيل الحكم عليه إلى ما بعد الانتخابات، وتم تجاهل لوائح الاتهام الخاصة بقضية الوثائق السرية في فلوريدا، وقضت المحكمة العليا بأن الرؤساء يتمتعون بحصانة شاملة فيما يتعلق بالأعمال الرسمية.

الثلاثاء الحاسم

خارج قاعات المحكمة، كانت حملة ترمب تنتقل من فوزه بترشيح الحزب إلى المواجهة في الانتخابات العامة. وأدى الأداء المتعثر والمرتبك للرئيس جو بايدن في مناظرتهما الأولى في أواخر يونيو (حزيران)، إلى إصابة الديمقراطيين بحالة من الذعر التام.

وكانت معدلات تأييد ترمب وأرقام استطلاعات الرأي المباشرة في ارتفاع مستمر. وبعد إصابته بـ«رصاصة قاتل» في ولاية بنسلفانيا في منتصف يوليو (تموز)، وصل ترمب إلى المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي في اليوم التالي باعتباره «بطلاً لا يُقهر» في نظر أنصاره، وكان الفخر الجمهوري بترمب في ارتفاع.

وفي تلك اللحظة، بدا الأمر وكأن عودة ترمب إلى البيت الأبيض «شبه محسومة». لكن، بعد 3 أيام من قبول ترمب رسمياً ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، تخلّى بايدن عن محاولة إعادة انتخابه وأيّد نائبته كامالا هاريس.

وفي غضون أسابيع قليلة، عزّزت هاريس أرقام حزبها، وضخّت حماساً جديداً في صفوف الديمقراطيين، بل وتقدمت على الرئيس السابق في بعض استطلاعات الرأي المباشرة.

والآن، ومع بقاء ساعات على يوم الانتخابات (الثلاثاء)، تتقارب الأرقام في استطلاعات الرأي بين ترمب وهاريس، فهل يتمكن الرئيس السابق من تحقيق «عودة مظفرة» أم تنتهي رحلته السياسية؟


مقالات ذات صلة

حكومة ترمب الجديدة تحمل بصمات نجله

الولايات المتحدة​ ترمب ونجله دونالد جونيور (أ.ف.ب)

حكومة ترمب الجديدة تحمل بصمات نجله

اختتم الرئيس المنتخب دونالد ترمب ترشيحات حكومته الجديدة، بإعلان رئيسة مركز «أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت»، بروك رولينز، وزيرةً للزراعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تصفق بحرارة في الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 29» (د.ب.أ)

«كوب 29»: مضاعفة التمويل المناخي إلى 300 مليار دولار

بعد أسبوعين من النقاشات الحامية، انتهى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (كوب 29)، باتفاق على مضاعفة التمويل المتاح لمساعدة الاقتصادات النامية.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الولايات المتحدة​ بروك رولينز مرشحة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لمنصب وزير الزراعة (أ.ب)

ترمب يرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لمنصب وزير الزراعة

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إنه سيرشح المعاونة السابقة بالبيت الأبيض بروك رولينز لشغل منصب وزير الزراعة في إدارته المقبلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم أسلحة (أ.ب)

السجن 4 سنوات لأميركي باع أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني لأشخاص في إسرائيل

قالت شبكة «فوكس 32» شيكاغو إن رجلاً من مدينة بالوس هيلز الأميركية حُكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات تقريباً بتهمة شحن أجزاء من أسلحة بشكل غير قانوني

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

نجل ترمب أسهم في تشكيل حكومة والده الجديدة

دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس الأميركي السابق (أ.ف.ب)
دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس الأميركي السابق (أ.ف.ب)
TT

نجل ترمب أسهم في تشكيل حكومة والده الجديدة

دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس الأميركي السابق (أ.ف.ب)
دونالد ترمب جونيور نجل الرئيس الأميركي السابق (أ.ف.ب)

استكمل الرئيس المنتخب دونالد ترمب ترشيحات حكومته الجديدة، بإعلان رئيسة مركز «أميركا فيرست بوليسي إنستيتيوت (إيه إف بي آي)»، بروك رولينز، وزيرةً للزراعة. وكانت رولينز، وهي محامية، تشغل منصب مديرة مجلس السياسة الداخلية بالبيت الأبيض في نهاية فترة ولاية ترمب الأولى، قبل أن تؤسس مركز «إيه إف بي آي» عام 2021، مع شخصيتين أخريين مقربتين من المرشح الجمهوري، هما لاري كودلو وليندا مكماهون التي رُشحت لتولي حقيبة التعليم.

دور رولينز

بروك رولينز برفقة الرئيس ترمب بالبيت الأبيض في يناير 2018 (أ.ف.ب)

قال ترمب في بيان إن «التزام بروك رولينز تجاه المزارعين الأميركيين ومن أجل الدفاع عن الاكتفاء الغذائي الذاتي للولايات المتحدة وإعادة تنشيط المدن الصغيرة التي تعتمد على الزراعة، هو أمر لا مثيل له». وأضاف: «ستكون مهمتها حماية مزارعينا، العمود الفقري لبلدنا». وبصفتها وزيرة للزراعة، ستشرف رولينز على برامج الزراعة والأغذية الحكومية والبحوث وتجارة الأغذية، فضلاً عن سلامة الغذاء ورعاية الحيوانات وصحة النبات. وكان يُنظر إلى وزيرة الزراعة الجديدة على أنها مرشحة محتملة لتتبوأ منصب كبيرة موظفي البيت الأبيض، قبل أن يعهد ترمب بهذا المنصب في نهاية المطاف إلى سوزي وايلز. وبهذا التعيين الجديد، ومع سلسلة التعيينات المعلنة، مساء الجمعة، يكون ترمب قد أكمل اختيار الشخصيات في حكومته، وسيكون قادراً الآن على التركيز على المناصب الرئيسية في الإدارة الفيدرالية، كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

تأثير دونالد جونيور

تيفاني ترمب (يسار) برفقة أخيها إريك وزوجته لارا وأخيها الثاني دونالد ترمب جونيور خلال مؤتمر الحزب الجمهوري (أ.ف.ب)

ومع اكتمال تشكيلة حكومة ترمب في انتظار المصادقة عليها من مجلس الشيوخ، برز تأثير نجل ترمب دونالد جونيور على تعييناته وتوجهاته السياسية. وقالت 6 مصادر مطلعة إن دونالد ترمب الابن برز بوصفه أكثر أفراد عائلة الرئيس المنتخب نفوذاً خلال عملية انتقال السلطة، وذلك في الوقت الذي يعكف فيه والده على تشكيل أكثر الحكومات إثارة للجدل في التاريخ الأميركي الحديث، مع اعتماده على أشخاص محدودي الخبرة في شغل المناصب العليا في إدارته.

دونالد ترمب جونيور يتحدث إلى أنصار والده في ساوث كارولاينا في 24 فبراير (أ.ف.ب)

وكثيراً ما اعتمد ترمب على أفراد عائلته في الحصول على المشورة السياسية، لكن هذه المرة لعب ابنه دوراً في اختيار المرشحين لشغل المناصب الوزارية واستبعاد آخرين، مثل دعمه للسيناتور جيه. دي. فانس لمنصب نائب الرئيس، واستبعد وزير الخارجية السابق مايك بومبيو من الحكومة، وفقاً للمصادر التي تشمل متبرعين لحملة ترمب وأصدقاء شخصيين وحلفاء سياسيين.
ومن المقرر أن ينضم دونالد الابن إلى صندوق «1789 كابيتال» الاستثماري، لكن أحد المصادر قال إنه سيستمر في تقديم برنامجه الحواري على منصات بودكاست، الذي يركز على السياسة ودعم المرشحين الذين يتبنون سياسات والده. وأضاف المصدر أن دونالد الابن سيقدم المشورة لوالده داخل البيت الأبيض، لكنه استبعد مشاركته في المداولات اليومية.

الولاء أولاً

قال عدد قليل من المصادر لوكالة «رويترز» إن دونالد الابن سيسعى لضمان ولاء المرشحين لوالده إلى جانب استقطاب من يتبنون رؤية عالمية مناهضة للدور المؤسسي، بما في ذلك السياسات الاقتصادية الحمائية والحد من التدخلات العسكرية والمساعدات الخارجية.
وتظهر تعليقات دونالد الابن على منصة «إكس» أنه سيسلك هذا النهج.

روبرت كينيدي جونيور يتحدّث في ميلووكي بويسكونسن 1 نوفمبر (أ.ب)

ولعب دونالد الابن دوراً كبيراً في الضغط على والده لاختيار صديقه المقرب فانس مرشحاً لمنصب نائب الرئيس. وكان فانس يحظى بشعبية بين قاعدة ترمب، لكن خطابه المناهض للشركات ومعارضته للمساعدات المقدمة لأوكرانيا وتعليقاته السابقة ضد النساء من الحزب الديمقراطي أثارت الريبة في نفوس بعض المتبرعين والمؤيدين.

ترمب وفانس خلال فعاليات الذكرى الـ23 لهجمات 11 سبتمبر في نيويورك (أ.ب)

وذكر أحد المصادر أن ترمب عبَّر عن سعادته باختيار فانس في نهاية المطاف، وهو ما منح دونالد الابن نفوذاً سياسياً إضافياً للقيام بدور استشاري خلال الفترة الانتقالية. ومع ذلك، لم يحصل جميع من اختارهم دونالد الابن على وظائف في الإدارة الجديدة.
وقال مصدر مطلع إن دونالد الابن كان حريصاً على اختيار صديقه الشخصي ريك غرينيل وزيراً للخارجية، لكن الأمر انتهى باختيار السيناتور ماركو روبيو لشغل هذا المنصب.

تحديات المصادقة في «الشيوخ»

مرشحة الرئيس المنتخب لإدارة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد (أ.ف.ب)

ويواجه اثنان من المرشحين المدعومين من دونالد جونيور، صعوبة محتملة في اجتياز عملية المصادقة على تعيينهما داخل مجلس الشيوخ؛ هما روبرت إف. كينيدي جونيور، الذي رشحه ترمب لأعلى منصب صحي بالبلاد، وتولسي غابارد، التي رشحها لمنصب رئيسة الاستخبارات الوطنية.

وترجع الصعوبة إلى أن كينيدي، وهو ناشط بيئي، نشر معلومات مضللة حول اللقاحات، بينما ذكرت غابارد، عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي سابقاً، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لديه أسباب وجيهة لغزو أوكرانيا. كما أثارت الجدل عندما التقت الرئيس السوري بشار الأسد عام 2017.

على خطى أخته 

ترمب متوسطاً ابنته إيفانكا وابنه دونالد جونيور خلال اتجاههم إلى طائرة الرئاسة 4 يناير 2021 (أ.ف.ب)

احتلت ابنة ترمب، إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر، موقعاً بارزاً في حملته الرئاسية لعام 2016، والفترة الانتقالية وخلال فترة ولايته الرئاسية الأولى.

إلا أن الزوجين يبدوان أقل نشاطاً هذه المرة، رغم أن كوشنر وهو مستشار بارز سابق لترمب ركز على الشرق الأوسط، قال في تصريحات لـ«رويترز» إنه يقدم إحاطات لمساعدة مستثمر العقارات ستيف ويتكوف في وظيفته الجديدة مبعوثاً خاصاً للمنطقة. كما قالت مصادر مقربة من كوشنر، إنهم يتوقعون منه أن يشارك في صياغة السياسات تجاه الشرق الأوسط بصفة غير رسمية. 

إيفانكا ترمب وجاريد كوشنر انضما إلى الرئيس المنتخب لدى إعلانه الفوز في الانتخابات ليلة 5 نوفمبر (أ.ب)

وبحسب ممثليهم وكذلك مصادر «رويترز»، لا يخطط كوشنر أو إيفانكا أو شقيقها إريك ترمب، الذي يدير أعمال منظمة ترمب، للانضمام إلى الإدارة الجديدة. وأوضح أحد المصادر القريبة من العملية الانتقالية أنه «لا يبدو أن ترمب بحاجة إلى عائلته للحصول على المشورة بقدر ما كان في الماضي»، وذلك بفضل مساعدين مثل سوزي وايلز، التي ساعدت في إدارة أكثر حملاته الانتخابية انضباطاً حتى الآن.

وعين ترمب وايلز في منصب رئيسة موظفي البيت الأبيض، وهو منصب رفيع في واشنطن. وتابع مصدر عن فريق ترمب الحالي: «الأمور محكمة حقاً. قد لا يحتاج إلى العائلة هذه المرة كما كان في السابق».