باتت أكثر تعقيداً وصعوبة في التتبع... كيف تطوّرت طرق التأثير في الانتخابات الأميركية؟

اتهامات واسعة تطول روسيا والصين وإيران

مركز للاقتراع المبكر في نورث كارولاينا (إ.ب.أ)
مركز للاقتراع المبكر في نورث كارولاينا (إ.ب.أ)
TT

باتت أكثر تعقيداً وصعوبة في التتبع... كيف تطوّرت طرق التأثير في الانتخابات الأميركية؟

مركز للاقتراع المبكر في نورث كارولاينا (إ.ب.أ)
مركز للاقتراع المبكر في نورث كارولاينا (إ.ب.أ)

في عام 2016 اتُّهمت روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، بهدف دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، وذلك بنشر منشورات مثيرة للانقسام والتحريض عبر الإنترنت لإثارة الغضب تجاه منافسته، آنذاك، هيلاري كلينتون.

لكن، الآن، بعد ثماني سنوات أصبح التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية أكثر تعقيداً وأكثر صعوبة في التتبع، حسب ما أكده تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».

وأشار التقرير إلى أن الأمر لم يعد يقتصر على نشر المعلومات المضللة من الخارج، خصوصاً من روسيا والصين وإيران، وإنما تحوّل إلى تهديد ثابت وخبيث؛ إذ تطوّرت الحملات، وتكيّفت مع المشهد الإعلامي المتغير وانتشار الأدوات الجديدة التي تجعل من السهل خداع الجماهير الساذجة، وفقاً لعدد من مسؤولي الاستخبارات والدفاع الأميركيين وشركات التكنولوجيا والباحثين الأكاديميين.

وأكد التقرير أن القدرة على التأثير حتى في جيب صغير من الأميركيين يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على الانتخابات الرئاسية.

ووفقاً لتقييمات الاستخبارات الأميركية، تهدف روسيا إلى دعم فوز ترمب، في حين تفضّل إيران منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. ويبدو أن الصين ليس لديها مرشح مفضّل.

وفيما يلي الطرق التي تطوّر بها التأثير الأجنبي في الانتخابات الرئاسية الأميركية:

التضليل أصبح موجوداً في كل مكان تقريباً

كانت روسيا هي المهندس الرئيسي للتضليل المتعلق بالانتخابات الأميركية في عام 2016، وكانت منشوراتها تُنشر غالباً على «فيسبوك».

لكن الآن، تشارك إيران والصين في جهود مماثلة للتأثير في الانتخابات الأميركية، وتنشر الدول الثلاث جهودها عبر عشرات المنصات، من المنتديات الصغيرة التي يتحدث الأميركيون فيها عن الطقس المحلي إلى مجموعات المراسلة عبر التطبيقات المختلفة.

وحسب التقرير، تستقي الدول الثلاث إشارات من بعضها، رغم وجود جدال حول ما إذا كانت قد تعاونت بشكل مباشر في الاستراتيجيات.

وهناك عدد كبير من الحسابات الروسية على «تلغرام» تبث مقاطع فيديو مثيرة للانقسام وأحياناً لاذعة وصور ساخرة ومقالات حول الانتخابات الرئاسية.

وهناك مئات الحسابات أيضاً من الصين التي استهدفت إثارة الفتن والانقسامات والتوترات في الجامعات الأميركية.

كما أن كلا البلدين لديه حسابات على «Gab»، وهي منصة تواصل اجتماعي أقل شهرة يفضّلها اليمين المتطرف؛ حيث عملوا على الترويج لنظريات المؤامرة بها، وفقاً للتقرير.

كما حاول عملاء روس دعم ترمب على موقع «Reddit» والمنتديات التي يفضّلها اليمين المتطرف، مستهدفين الناخبين في ست ولايات متأرجحة، إلى جانب الأميركيين من أصل إسباني، ولاعبي ألعاب الفيديو، وغيرهم ممن حددتهم روسيا بوصفهم متعاطفين محتملين مع ترمب، وفقاً لوثائق داخلية كشفت عنها وزارة العدل في سبتمبر (أيلول).

المحتوى أصبح أكثر تحديداً للأهداف

إن التضليل الجديد الذي تروّج له الدول الأجنبية لا يستهدف الولايات المتأرجحة فحسب، وإنما يستهدف أيضاً مناطق محددة داخلها، ومجموعات عرقية ودينية معينة داخل تلك المناطق.

وكلما كان التضليل أكثر تحديداً لأهدافه زادت احتمالية نجاحه، وفقاً لما أكده عدد من الباحثين والأكاديميين الذين درسوا حملات التأثير الجديدة.

وقالت مديرة الأبحاث في «معهد الحوار الاستراتيجي» -وهي منظمة بحثية مقرها لندن- ميلاني سميث: «عندما يتم تصميم التضليل خصوصاً لجمهور معين من خلال التركيز على مصالحهم أو آرائهم، فإنه يصبح أكثر فاعلية».

وأشار تقرير «نيويورك تايمز» إلى أن إيران على وجه الخصوص أنفقت الكثير من الأموال لإعداد جهود تضليل سرية لجذب مجموعات بعينها.

وقد نشر موقع إلكتروني بعنوان: «ليست حربنا» الذي يستهدف المحاربين القدامى في الجيش الأميركي، نظريات مؤامرة ومقالات عن الافتقار إلى الدعم للجنود الذين لديهم آراء معادية لآراء الحكومة السياسية والخارجية.

ومن بين المواقع الأخرى «أفرو ماجوريتي» الذي أنشأ محتوى يستهدف الأميركيين السود، و«سافانا تايم» الذي سعى إلى التأثير في الناخبين المحافظين بولاية جورجيا المتأرجحة.

واتبعت الصين وروسيا نمطاً مماثلاً. في هذا العام، نشرت وسائل الإعلام الصينية الحكومية روايات كاذبة باللغة الإسبانية عن المحكمة الأميركية العليا التي تداولها المستخدمون الناطقون بالإسبانية على «فيسبوك» و«يوتيوب» بعد ذلك، وفقاً لـ«Logically»، وهي منظمة تراقب المعلومات المضللة عبر الإنترنت.

وقال خبراء في مجال التضليل الصيني، إن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي غير الأصلية المرتبطة ببكين أصبحت أكثر إقناعاً وجاذبية، وإنها تتضمّن الآن بيانات لا يمكن للشخص العادي اكتشاف حقيقة أمرها، تشير إلى أن مالك الحساب أميركي أو محارب قديم في الجيش.

وفي الأسابيع الأخيرة، وفقاً لتقرير من «مركز تحليل التهديدات» التابع لشركة «مايكرسوفت»، استهدفت حسابات غير أصلية مرتبطة بـ«Spamoflage» الصينية أعضاء جمهوريين في مجلس النواب والشيوخ يسعون إلى إعادة انتخابهم في ألاباما وتينيسي وتكساس.

المرشحة الرئاسية الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس والمرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (أ.ب)

الذكاء الاصطناعي يعزّز قدرات التضليل

لقد عزّزت التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي قدرات التضليل إلى ما هو أبعد مما كان ممكناً في الانتخابات السابقة.

وأفادت شركة «أوبن إيه آي»، المطورة لأداة «تشات جي بي تي» هذا الشهر، بأنها عطّلت أكثر من 20 عملية أجنبية استخدمت منتجات الشركة بين يونيو (حزيران) وسبتمبر للتأثير في الانتخابات. وشملت هذه الجهود سعي روسيا والصين وإيران ودول أخرى لإنشاء مواقع على الإنترنت ونشر الدعاية والأكاذيب بها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بل وتحليل منشورات محددة والرد عليها.

وقالت مديرة وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية، جين إيسترلي، في مقابلة: «يجري استغلال قدرات الذكاء الاصطناعي لتعزيز حملات التضليل وزيادة التأثير في الانتخابات. هذه القدرات أكثر تعقيداً من تلك التي لطالما استخدمتها الجهات الأجنبية في حملاتها التضليلية».

مثال على ذلك ما فعله جون مارك دوغان، وهو نائب عمدة سابق في فلوريدا، يعيش الآن في روسيا بعد فراره من اتهامات جنائية في الولايات المتحدة.

وأنشأ دوغان عشرات المواقع الإلكترونية التي تنتحل صفة منافذ إخبارية أميركية، واستخدمها لنشر معلومات مضللة، وذلك بسهولة عبر استخدام الذكاء الاصطناعي.

وقد تداولت مواقع دوغان الكثير من الادعاءات المهينة عن كامالا هاريس وتيم والز، المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيسة، وفقاً لشركة «نيوزغارد»، وهي الشركة التي تتبعت هذه المواقع بالتفصيل.

كما استخدمت الصين مجموعة أدوات متقدمة بشكل متزايد، تتضمّن ملفات صوتية تم التلاعب بها بوساطة الذكاء الاصطناعي، وصوراً ساخرة واستطلاعات رأي مزيفة للناخبين في الحملات الانتخابية في جميع أنحاء العالم.

أصبح من الصعب للغاية التعرّف إلى المعلومات المضللة

أكد التقرير أن الدول الثلاث، روسيا والصين وإيران، أصبحت أفضل في إخفاء آثارها وتأثيرها في الانتخابات.

وفي الشهر الماضي، حاولت روسيا إخفاء محاولاتها للتأثير في الأميركيين من خلال دعمها سراً مجموعة من المعلقين الأميركيين المحافظين الذين يعملون في «Tenet Media»، وهي منصة رقمية أُنشئت في ولاية تينيسي في عام 2023.

وكانت الشركة تنشر عشرات مقاطع الفيديو التي تحتوي على تعليقات سياسية حادة بالإضافة إلى نظريات مؤامرة حول تزوير الانتخابات، و«كوفيد- 19» والمهاجرين وحرب روسيا مع أوكرانيا.

حتى المؤثرون الذين حصلوا على أموال سرية مقابل ظهورهم على «Tenet» قالوا إنهم لم يعرفوا أن الأموال جاءت من روسيا، حسب ما كشف عنه التقرير.

ومن جهة أخرى، كان العملاء الصينيون يستخدمون شبكة من المؤثرين الأجانب للمساعدة في نشر المعلومات المضللة، وفقاً لتقرير صدر في الخريف الماضي عن «المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية».

وقال المدير الأول في «مختبر أبحاث العلوم الجنائية الرقمية»، غراهام بروكي، إن التكتيكات الجديدة جعلت من الصعب على الوكالات الحكومية وشركات التكنولوجيا رصد حملات التأثير والتضليل وإزالتها.

شركات التكنولوجيا لا تبذل الكثير من الجهد لوقف التضليل

أشار تقرير «نيويورك تايمز» إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة لا تبذل الجهد الكافي لمكافحة التضليل.

وحسب التقرير، فقد قلّصت أكبر الشركات، بما في ذلك «ميتا» و«غوغل» و«أوبن إيه آي» و«مايكروسوفت»، محاولاتها لتصنيف وإزالة المحتوى المضلل منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لا توجد لدى شركات أخرى فرق على الإطلاق.

وقال مسؤولون أمنيون ومديرون تنفيذيون في شركات التكنولوجيا، إن الافتقار إلى سياسة مشتركة بين شركات التكنولوجيا جعل من المستحيل تشكيل جبهة موحدة ضد التضليل الأجنبي.


مقالات ذات صلة

الذهب يحلّق إلى قمم جديدة قبل الانتخابات الأميركية

الاقتصاد موظف يضع سبائك ذهب بغرفة العمل خلال عملية الإنتاج بمصنع «كراستسفيتم» للمعادن الثمينة في روسيا (رويترز)

الذهب يحلّق إلى قمم جديدة قبل الانتخابات الأميركية

ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق يوم الخميس، متجهة نحو أفضل شهر لها في 7 أشهر، مدفوعةً بالطلب على الملاذ الآمن قبيل الانتخابات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ شعار منصة «إكس» (رويترز)

تقرير: إخفاق منصة «إكس» في مواجهة المعلومات المضللة عن الانتخابات الأميركية

قال مركز مكافحة الكراهية الرقمية إن ميزة تقصِّي الحقائق التي تستند إلى الجمهور في منصة «إكس»، «تخفق في مواجهة الادعاءات الكاذبة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ظهر ترمب مستقلا شاحنة لجمع القمامة (أ.ب)

في سخرية من تصريحات بايدن... ترمب يظهر مستقلاً شاحنة لجمع القمامة

في لقطة مفاجئة وغير متوقعة، الغرض منها السخرية من بايدن، ظهر دونالد ترمب مستقلاً شاحنة لجمع القمامة تحمل اسمه وشعار حملته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ يقوم موظفان من مقاطعة أليغيني بإعادة صناديق الاقتراع من مواقع الاقتراع عبر الأقمار الاصطناعية إلى مستودع انتخابات مقاطعة أليغيني قبل يوم الانتخابات في بيتسبرغ ببنسلفانيا (أ.ف.ب)

استطلاع: معظم الأميركيين قلقون أو محبطون بشأن حملة الانتخابات الرئاسية

أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «أ ب - نورك» لأبحاث الشؤون العامة أن نحو 7 من كل 10 أميركيين عبّروا عن شعورهم بالقلق أو الإحباط بشأن الحملة الرئاسية لعام 2024.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب مخاطباً أنصاره في حدث انتخابي ببنسلفانيا - 29 أكتوبر (إ.ب.أ)

«زلّة بايدن» تلقي بظلالها على حملة هاريس

ألقت زلّة الرئيس الأميركي، جو بايدن، «المسيئة»، حول مؤيدي الرئيس السابق دونالد ترمب، بظلالها على حملة منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، قبل أيام من موعد

إيلي يوسف (واشنطن)

تقرير: إخفاق منصة «إكس» في مواجهة المعلومات المضللة عن الانتخابات الأميركية

شعار منصة «إكس» (رويترز)
شعار منصة «إكس» (رويترز)
TT

تقرير: إخفاق منصة «إكس» في مواجهة المعلومات المضللة عن الانتخابات الأميركية

شعار منصة «إكس» (رويترز)
شعار منصة «إكس» (رويترز)

قال مركز مكافحة الكراهية الرقمية إن ميزة تقصي الحقائق التي تستند إلى الجمهور في منصة «إكس» المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، «تُخفق في مواجهة الادعاءات الكاذبة» المتعلقة بالانتخابات الأميركية.

وأضاف المركز في تقرير، الأربعاء، أن 209 منشورات مضللة من أصل 283 حللها المركز لم تُظهر ملاحظات دقيقة لجميع مستخدمي المنصة فيما يتعلق بتصحيح ادعاءات كاذبة ومضللة عن الانتخابات.

وقال المركز: «حصلت المنشورات المضللة في عينة البحث لدينا وعددها 209... على 2.2 مليار مشاهدة، ولم تعرض ملاحظات المجتمع لجميع المستخدمين»، طالباً من المنصة الاستثمار في السلامة والشفافية، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

وأطلقت المنصة ميزة «كوميونيتي نوتس» أو «ملاحظات المجتمع» العام الماضي، التي تسمح للمستخدمين بالتعليق على المنشورات للإشارة إلى احتوائها على محتوى كاذب أو مضلل مما يتيح تقصي الحقائق من خلال الجمهور.

ويأتي التقرير بعد أن خسرت المنصة دعوى قضائية رفعها مركز مكافحة الكراهية الرقمية في وقت سابق من هذا العام اتهمها فيها بالسماح بارتفاع خطاب الكراهية على منصة التواصل الاجتماعي.

وحث مسؤولون كبار في خمس ولايات أميركية ماسك في أغسطس (آب)، على إصلاح روبوت الدردشة الذكي التابع للمنصة، قائلين إنه نشر معلومات مضللة تتعلق بانتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني).

وأعلن ماسك تأييده للمرشح الجمهوري دونالد ترمب في يوليو (تموز)، لكنه يواجه هو نفسه اتهامات بنشر معلومات مضللة أيضاً.

وتُظهر استطلاعات الرأي تقارب المنافسة بين ترمب والديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات.