الفجوة بين الجنسين تتحوّل «هاوية» في الانتخابات الرئاسية الأميركية

ترمب يستقطب الرجال والمسنين... والنساء يدعمن هاريس بأغلبية كبيرة

هاريس تجيب عن سؤال أحد الحضور في فعالية انتخابية نظّمتها شبكة «سي إن إن» 23 أكتوبر (أ.ف.ب)
هاريس تجيب عن سؤال أحد الحضور في فعالية انتخابية نظّمتها شبكة «سي إن إن» 23 أكتوبر (أ.ف.ب)
TT

الفجوة بين الجنسين تتحوّل «هاوية» في الانتخابات الرئاسية الأميركية

هاريس تجيب عن سؤال أحد الحضور في فعالية انتخابية نظّمتها شبكة «سي إن إن» 23 أكتوبر (أ.ف.ب)
هاريس تجيب عن سؤال أحد الحضور في فعالية انتخابية نظّمتها شبكة «سي إن إن» 23 أكتوبر (أ.ف.ب)

مع اقتراب موعد انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، تظهر أكثر فأكثر مؤشرات متزايدة على اتساع فجوة التصويت المتوقعة بين الجنسين.

تدل كل القياسات على أن النساء سيصوّتن على الأرجح أكثر لمصلحة المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، خلافاً للرجال الذين يميلون بنسب أكبر نحو المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب.

توحي الاستطلاعات والمقارنات بالانتخابات الرئاسية السابقة بأن العامل الجندري يمكن أن يؤدي إلى دعم حظوظ هاريس في خمس من الولايات السبع المتأرجحة، لتبقى ولايتان مع ترمب. وتالياً سيكون السباق من ناحية الحسابات النظرية لمصلحة المرشحة الديمقراطية على رغم كونها أولاً امرأة، وثانياً امرأة سوداء من أصول أفريقية وآسيوية.

امرأة أمام رسم غرافيتي لنائبة الرئيس الأميركي المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في أتلانتا - جورجيا (أ.ف.ب)

منذ ثمانينات القرن الماضي، لوحظ بوضوح الاختلاف النمطي في الطريقة التي يُصوّت فيها كل من الرجال والنساء عموماً: تميل النساء إلى الاقتراع بشكل متكرر لمصلحة المرشحين الديمقراطيين. أما الرجال فيفضّلون المرشحين الجمهوريين. ومنذ عام 1980، تراوح حجم الفجوة بين الجنسين من 4 نقاط و12 نقطة. أما انتخابات العام الحالي فيبدو أنها ستحوّل الفجوة بين الجنسين هاوية، وتدفعها إلى مقدمة المعركة الانتخابية لأسباب ثلاثة: تمثل هاريس اختباراً لا سابق له؛ لأنها من أصول أفريقية وآسيوية. وهذان الأمران يمثلان تحديين أمام الناخبين الأميركيين، الذين سيضعون في الحسبان عاملاً ثالثاً هو الإجهاض باعتباره قضية أساسية بالنسبة للنساء، وقد يزيد من نسبة مشاركتهن في الانتخابات.

وفي ظلّ التقارب الشديد بين هاريس وترمب في الولايات السبع المتأرجحة، يمكن أن يؤدي هذا العامل إلى نتيجة حاسمة في كل من أريزونا، وبنسلفانيا، وجورجيا، وميشيغان، وويسكونسن، ونورث كارولينا ونيفادا. وبالتالي، قد يكون هذا العامل بمثابة مزيل للعوائق في الطريق إلى البيت الأبيض.

تجارب سابقة

شاب يحمل صورة للرئيس الجمهوري السابق قبل تجمُّع انتخابي في زيبولون - جورجيا 23 أكتوبر (أ.ف.ب)

تشير هذه الفجوة الجندرية إلى الفارق بين نسبة النساء ونسبة الرجال الذين يصوتون لمرشح معيّن، وعادة ما يكون المرشح الفائز. وحتى عندما يفضّل النساء والرجال المرشح نفسه، يمكن أن يفعلوا ذلك بنسب مختلفة؛ مما يؤدي إلى اتساع هذه الفجوة. وفي كل انتخابات رئاسية منذ عام 2000، فضَّلت النساء والرجال مرشحين مختلفين، باستثناء عام 2008 عندما انقسم الرجال بالتساوي تقريباً في تفضيلاتهم للديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين. وعام 2020، فضَّلت غالبية النساء الفائز الديمقراطي جو بايدن، بينما صوّتت أكثرية الرجال للمرشح الجمهوري دونالد ترمب.

وتفيد بيانات الانتخابات السابقة بأن النساء لا يشكلن كتلة تصويتية متجانسة. وبين الناخبين البيض والسود واللاتينيين والآسيويين، كانت النساء أكثر تصويتاً من الرجال للمرشح الديمقراطي. ومع ذلك، صوَّتت أكثرية النساء البيضاوات للمرشح الجمهوري منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2000 عندما انقسمت هذه الفئة بالتساوي تقريباً بين الديمقراطي آل غور والفائز الجمهوري جورج دبليو بوش.

وعلى النقيض من ذلك، دعمت أكثرية كبيرة من النساء من أصول أفريقية ولاتينية وآسيوية المرشح الديمقراطي طوال الفترة الزمنية التي كانت البيانات فيها متاحة بحسب الجنس والعرق.

وهناك دوامة بسبب التقارب والتقلبات التي تظهرها الاستطلاعات الحالية، مثل عزوف الشباب الديمقراطيين عن الانتخاب، أو تدفق اللاتينيين نحو الجمهوريين، أو ابتعاد الرجال السود عن هاريس.

وعلى رغم أن الباحثين في استطلاعات الرأي يستخدمون الجنس والمعلومات الديموغرافية الأخرى لـ«ترجيح» نتائجهم، لا يمكن التنبؤ منذ الآن بالإقبال لعام 2024. ومع ذلك، إذا شارك الرجال والنساء في التصويت بأعداد متساوية، فإن التوقعات تفيد بأنه إذا فضّل الرجال ترمب بالهامش نفسه الذي تفضّل فيه النساء هاريس، فإن الأصوات ستلغي بعضها بعضاً، وفي المحصلة النهائية، لن تكون الفجوة بين الجنسين مهمة. لكن في الواقع، في الانتخابات الأخيرة، شاركت النساء أكثر من الرجال؛ مما جعل أثر الفجوة بين الجنسين أمراً حاسماً. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، شكّلت النساء 54.7 في المائة من الناخبين مقابل 44 في المائة للرجال. وفي الولايات السبع المتأرجحة، شكَّلت النساء حصة أكبر من الناخبين عام 2020 مقارنة بالرجال، باستثناء واحد، هو ويسكونسن، حيث تساوت نسب التصويت 50 في المائة للرجال و50 في المائة للنساء.

بنسلفانيا لهاريس؟

المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس وعضوة الكونغرس السابقة ليز تشيني خلال حملة انتخابية في ويسكونسن (أ.ب)

وجد تقرير لمركز «بروكينغز»، استند إلى استطلاعات أجرتها مؤسسة «ماريست» في بنسلفانيا، أن النساء في هذه الولاية أيّدن هاريس بنسبة 55 في المائة مقابل 43 في المائة لترمب، بينما أيَّد الرجال هاريس بنسبة 44 في المائة وترمب بنسبة 54 في المائة. وفي انتخابات عام 2020 في الولاية، صوَّتت النساء بنسبة أكثر من الرجال؛ إذ شكّلن 53 في المائة من الناخبين مقابل 47 في المائة للرجال. وكان إجمالي عدد أصوات النساء في بنسلفانيا لعام 2020، نحو ثلاثة ملايين و665 ألف صوت. وإذا ظلت الفجوة بين الجنسين في الإقبال على التصويت خلال عام 2024 كما كانت عام 2020، وظلت استطلاعات الرأي التفضيلية لعام 2024 كما هي، فستحصل هاريس على نحو مليوني صوت من النساء مقابل أكثر من مليون ونصف المليون صوت لترمب. علاوة على ذلك، سيكون هناك مليون و400 ألف صوت لهاريس بين الرجال، مقابل مليون و755 ألف صوت لترمب بين الرجال. وبهذه العملية الحسابية، يمكن أن تفوز هاريس ببنسلفانيا بفارق نحو 100 ألف صوت فقط.

نورث كارولينا

وفي نورث كارولينا، حيث يظهر تأثير فجوة تفضيلات الرئاسة بين الجنسين، يُوضّح استطلاع «ماريست» أن هاريس تجتذب الآن 54 في المائة من أصوات النساء، مقابل النسبة ذاتها من أصوات الرجال لترمب. وبالتالي، إذا صوَّت الرجال والنساء بالأعداد نفسها، فإن هذه الأصوات ستلغي بعضها بعضاً. ولكن قياساً بعام 2020، شكّلت النساء 56 في المائة من إجمالي الناخبين. وإذا طبقت الفجوة بين الجنسين في تفضيل الرئاسة عام 2024 على الإقبال عام 2020، ستفوز هاريس بفارق ضئيل يصل في أحسن الحالات إلى 35 ألف صوت؛ مما يضع الولاية ضمن اللون الأزرق، علماً بأن ترمب فاز عام 2020 بفارق نحو 75 ألف صوت.

أنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يحملون لافتات خلال تجمُّع انتخابي (د.ب.أ)

ميشيغان

في ولايات مثل ميشيغان، حيث تبدو الفجوة بين الجنسين كبيرة لجهة الإقبال على التصويت، يمكن أن تكون النتائج لافتة. ويظهر استطلاع «ماريست» أن 56 في المائة من النساء يفضلن حالياً هاريس، و52 في المائة من الرجال يفضلون ترمب. وخلال عام 2020، كان الناخبون في ميشيغان 54 في المائة نساءً و46 في المائة رجالاً. وبذلك، يؤدي تطبيق التفضيل الرئاسي لعام 2024 على نسبة الإقبال في عام 2020 إلى فوز هاريس بأكثر من 300 ألف صوت، علماً بأن بايدن فاز هناك عام 2020 بفارق 150 ألف صوت.

طلاب من جامعة ويسكونسن ماديسون في طابور للإدلاء بأصواتهم في انتخابات 2024 بويسكونسن (أ.ب)

وفي ويسكونسن، حيث من النادر أن تصوّت النساء والرجال بأعداد متساوية على غرار ما حصل عام 2020، تفضل النساء حالياً هاريس بنسبة 56 في المائة، ويفضّل الرجال ترمب بنسبة 53 في المائة. وبالتالي، إذا ظلت الفجوة قائمة بين الجنسين عام 2024، يجب أن تفوز هاريس بالولاية بفارق أكثر من 80 ألف صوت. وعام 2020، فاز بايدن بالولاية بفارق نحو 20 ألف صوت فقط.

وفي نيفادا، يفيد استطلاع أجرته جامعة «إيمرسون» بأن 53 في المائة من النساء يُفضّلن حالياً هاريس، بينما يُفضّل 52 في المائة من الرجال ترمب. وخلال عام 2020، كان 52 في المائة من الناخبين نساء و48 في المائة رجال. ويؤدي تطبيق المعادلة ذاتها إلى فوز هاريس بنحو 18 ألف صوت.

تفضيل ترمب

المرشّح الجمهوري خلال تجمُّع انتخابي في دولوث - مينيسوتا 23 أكتوبر (د.ب.أ)

يبقى أن جورجيا وأريزونا هما الولايتان المتأرجحتان، حيث تصبّ «الفجوة الجندرية» لمصلحة ترمب في عام 2024. ففي جورجيا، وجد استطلاع أجرته شبكة «سي بي إس» للتلفزيون أن نسبة 56 في المائة من الرجال يخططون للتصويت لصالح ترمب، مقارنة بـ53 في المائة النساء واللواتي سيصوّتن لصالح هاريس. وخلال عام 2020، أدلت النساء بنسبة كبيرة من الأصوات. غير أن تطبيق أرقام الفجوة بين الجنسين لعام 2024 على أرقام الإقبال لعام 2020، يظهر أن ترمب سيفوز بالولاية بفارق أكثر من مائة ألف صوت، علماً بأن الرئيس بايدن سجل فوزاً ضيقاً للغاية بفارق نحو 12 ألف صوت في جورجيا.

وتصبّ الفجوة الحالية بين الجنسين في مصلحة ترمب أيضاً في أريزونا. ويفيد استطلاع، بأن عدد الرجال الذين يفضّلون ترمب (53 في المائة) يتجاوز عدد النساء اللواتي يفضّلن هاريس (52 في المائة). وإذا تشابهت نسب الإقبال هذا العام مع ما كانت عليه عام 2020، سيفوز ترمب على الأرجح بالولاية بفارق لا يزيد على 26 ألف صوت في الولاية التي حقق بايدن أضيق فوز له، بفارق نحو عشرة آلاف صوت فقط.

إذا صحت هذه التوقّعات، ستفوز هاريس على الأرجح في بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن ونيفادا، وربما أيضاً في نورث كارولينا. وسيفوز ترمب في أريزونا وجورجيا. فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى فوز هاريس في المجمع الانتخابي، وبالتالي بالطريق إلى البيت الأبيض. إلا أن طبيعة السباق المتقاربة للغاية تفتح الباب أمام جلّ السيناريوهات، ولا سيّما مع مستويات الإقبال الواسعة على التصويت المبكّر في الولايات المتأرجحة.


مقالات ذات صلة

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

أسقطت وزارة العدل الأميركية قضيتين جنائيتين رفعتا ضد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بتهم محاولته قلب نتائج انتخابات عام 2020، ونقل وثائق سرية إلى منزله في فلوريدا.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)

لن يرد بالمثل... بايدن يحضر حفل تنصيب ترمب

أعلن البيت الأبيض، الاثنين، أنّ الرئيس جو بايدن سيحضر حفل تنصيب دونالد ترمب في يناير، على الرغم من أنّ الأخير تغيّب قبل 4 سنوات عن مراسم أداء القسم الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب: القضايا المرفوعة ضدي «فارغة ولا أسس قانونية لها»

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الاثنين، على منصته «تروث سوشيال»، إن القضايا القانونية ضده «فارغة ولا أسس قانونية لها وما كان يجب رفعها».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي «حماس» تقول إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض (أ.ف.ب)

قيادي في «حماس»: الحديث عن هدنة 5 أيام في غزة مرفوض

قال القيادي في حركة «حماس» أسامة حمدان اليوم الاثنين إن عرض هدنة في قطاع غزة لمدة 5 أيام هو أمر مرفوض، مؤكدا أن الحركة معنية في الوقت نفسه بوقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ مبنى الكابيتول في واشنطن (أ.ف.ب)

أزمة في الكونغرس بسبب «الحمامات» مع وصول أول نائبة متحولة جنسياً

وافق رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون على تشريع قدمته النائبة الجمهورية نانسي ماس مؤخراً يحظر على النساء المتحولات جنسياً استخدام حمام النساء.

«الشرق الأوسط» (لندن)

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)

تحرّك المستشار القانوني الخاص المُعين من وزارة العدل الأم، جاك سميث، لإسقاط القضيتين الجنائيتين ضد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، منهياً تحقيقات تاريخية نشأت بسبب محاولة ترمب إلغاء هزيمته أمام الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020، وكذلك الاحتفاظ بوثائق سريّة بعد خروجه من البيت الأبيض.

وحصل سميث على موافقة من القاضية الفيدرالية في واشنطن، تانيا تشوتكان، الاثنين، لإسقاط التهم الموجهة إلى ترمب بأنه حاول منع فوز بايدن، بعدما استشهد بإرشادات وزارة العدل بأنه لا يمكن المضي في القضية، لأن ترمب رئيس حالي. ووافقت تانيا تشوتكان بسرعة على التخلّي عن القضية من دون تحيز. وهذا ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال توجيه اتهامات مرة أخرى بمجرد مغادرة ترمب منصبه. ومن خلال موافقتها على رفض القضية، أوضحت تانيا تشوتكان أنها ستترك فرصة لمحكمة مستقبلية لإحيائها. وكتبت أن «الفصل دون تحيز يتوافق أيضاً مع فهم الحكومة أن الحصانة الممنوحة للرئيس الحالي مؤقتة، وتنتهي عندما يغادر منصبه».

وبعد فترة وجيزة، قدّم سميث طلباً للتخلّي عن استئناف قدّمه هذا الصيف بشأن رفض القاضية، آيلين كانون، في فلوريدا، القرار الاتهامي الخاص بالوثائق السرية التي اتُهم فيها ترمب بالاحتفاظ بمواد سريّة بشكل غير قانوني، وعرقلة جهود الحكومة لاستعادتها.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لدى مغادرته المحكمة في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)

«ثابرت... وانتصرت»

ويُمثل ذلك خاتمة بالغة الأهمية لفصل غير مسبوق في التاريخ السياسي وتاريخ تنفيذ القانون في الولايات المتحدة؛ حيث حاول المسؤولون الفيدراليون محاسبة الرئيس السابق، بينما كان مرشحاً في الوقت نفسه لولاية أخرى. وخرج ترمب منتصراً، بعدما نجح في تأخير التحقيقات عبر مناورات قانونية، ثم فاز بإعادة انتخابه، رغم القرارات الاتهامية التي وصفت أفعاله بأنها تهديد للأسس الدستورية للبلاد.

وكتب ترمب في منشور على موقعه «تروث سوشيال» ومنصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «ثابرت رغم كل الصعاب، وانتصرت». وقال إن «هذه القضايا، مثل كل القضايا الأخرى التي اضطررت إلى المرور بها، فارغة وخارجة عن القانون، وما كان ينبغي رفعها مطلقاً».

صورة مركبة تجمع بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والمستشار القانوني الخاص لوزارة العدل جاك سميث (رويترز)

وخلال إعداد هاتين الدعويين بدا أن ترمب يدرك أن أفضل أمل له لتجنُّب المحاكمات هو الفوز بالرئاسة مرة أخرى، وهي حقيقة أكدها نائب الرئيس المنتخب، جاي دي فانس، الذي كتب على منصة «إكس» أنه «لو خسر دونالد ترمب الانتخابات، لربما أمضى بقية حياته في السجن». وأضاف: «كانت هذه الملاحقات القضائية دائماً سياسية. والآن حان الوقت لضمان عدم تكرار ما حدث للرئيس ترمب في هذا البلد مرة أخرى».

دور المستشار القانوني

وكان وزير العدل الأميركي، ميريك غارلاند، قد عيّن سميث، وهو مدعٍ عام سابق للفساد حقق في جرائم حرب في لاهاي، لتولي تحقيقات ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بعد أيام من إعلان كل من ترمب وبايدن أنهما سيترشحان للرئاسة مرة أخرى. وعدّ غارلاند أن هناك حاجة إلى مستشار قانوني خاص يتمتع باستقلالية أكبر من المدعي العام التقليدي لوزارة العدل لضمان ثقة الجمهور في التحقيقات.

وفي الدعوى المرفوعة في واشنطن العاصمة، واجه ترمب 4 تهم تتعلّق بالتآمر لعرقلة نتائج انتخابات 2020. واتُهم باستخدام مزاعم كاذبة عن تزوير الناخبين للضغط على المسؤولين الفيدراليين في الولايات لتغيير نتائج الانتخابات، وحرمان الشعب الأميركي من حقه في احترام أصواته.

وبدأ التحقيق في الوثائق السرية خلال ربيع 2022، بعد أشهر من الخلاف بين ترمب وإدارة المحفوظات والسجلات الوطنية حول صناديق الوثائق التي تبعت ترمب من البيت الأبيض إلى مارالاغو؛ منزله في فلوريدا وناديه الخاص.

وتقول أوراق المحكمة إن أكثر من 300 وثيقة مصنفة بأنها سرية عثر عليها في منزل ترمب، بما في ذلك بعض الوثائق ردّاً على أمر استدعاء، وأكثر من 100 وثيقة أثناء تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» للممتلكات بتفويض من المحكمة. وجرى تخزين الوثائق بشكل عشوائي.

رسم توضيحي للمدعية سوزان هوفينغر ستورمي دانيلز أمام القاضي خوان ميرشان خلال محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في محكمة ولاية مانهاتن 7 مايو 2024 (رويترز)

«دوافع سياسية»

وحاول فريق الدفاع عن ترمب مراراً تأطير القضايا المرفوعة ضده على أنها محاولات ذات دوافع سياسية لإضعاف فرصه في الانتخابات، علماً بأنه لا دليل على تورط بايدن في التحقيقات. ومنذ انتخابه، اختار ترمب عدداً من محامي الدفاع الجنائيين الشخصيين في هذه القضايا للعمل في مناصب عليا في وزارة العدل في إدارته. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست»، الجمعة، أن ترمب يخطط لطرد سميث وكل الفريق الذي يعمل معه، بمن في ذلك المحامون المهنيون الذين يتمتعون عادة بالحماية من الانتقام السياسي.

وأصدرت القرارات الاتهامية الفيدرالية بحق ترمب في غضون أشهر من توجيه الاتهام إليه في نيويورك بتهم تزوير سجلات أعمال للتغطية على دفع أموال مقابل الصمت عام 2016، وفي جورجيا بتهم محاولة عرقلة نتائج الانتخابات في تلك الولاية.

وأجريت المحاكمة فقط في قضية نيويورك؛ حيث أدين ترمب بـ34 تهمة جنائية، لكن النطق بالحكم عليه تأجَّل مرتين منذ هذا الصيف. ويتوقع أن يقرر قاضي المحاكمة الشهر المقبل ما إذا كان سيُؤجل الأمر إلى ما بعد الولاية الثانية لترمب.

نسخ من صحيفة «نيويورك تايمز» بعد إعلان إدانة الرئيس السابق دونالد ترمب في قضية «أموال الصمت» (أرشيفية - رويترز)

ونفى ترمب ارتكاب أي مخالفات في كل هذه القضايا، واستأنف الحكم الصادر في نيويورك. وأصبحت الملاحقات القضائية محوراً رئيساً لحملته الرئاسية؛ حيث حشد ترمب وحلفاؤه المؤيدين الذين اعتقدوا أنه مستهدف بشكل غير عادل.

وبمجرد فوز ترمب في الانتخابات، لم يكن أمام سميث سوى خيارات قليلة لإبقاء القضيتين الفيدراليتين. وقال أشخاص مطلعون على خططه إنه يعتزم الاستقالة قبل أن يصير ترمب رئيساً، ما يمنع ترمب من الوفاء بوعده بإقالته.

وقبل ذلك، يمكن أن يسلم سميث إلى غارلاند تقريراً يوضح نتائج التحقيقات. وسيكون الأمر متروكاً لغارلاند، الذي قال بشكل عام إن مثل هذه التقارير يجب نشرها علناً، ليُقرر مقدار المواد التي سينشرها سميث.