مع اقتراب السباق الرئاسي الأميركي من شوطه الأخير، سعت المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى إيجاد توازن دقيق يتمثل بالابتعاد مسافة كافية عن الرئيس جو بايدن، الذي تدنت شعبيته إلى مستويات قياسية، مع الحفاظ على ولائها له والإفادة قدر الإمكان مما بقي له من تأثير على بعض أوساط الناخبين الأميركيين.
وفي حين تواجه اتهاماً بأنها تدور في فلك إدارة بايدن، يركز المسؤولون في حملة هاريس على المزايا الشخصية للمرشحة الديمقراطية، وعلى مواقفها من قضايا رئيسية تراوح بين حقوق الإجهاض وأمن الحدود وحرب غزة. وتمثل خطاباتها المباشرة الأخيرة حول هذه المواضيع جهداً لتمييز نهجها عن بايدن، على رغم أن نفوذه لا يزال موجوداً على مسار الحملة الانتخابية لهاريس.
ونظراً إلى حساسية هذه العلاقة وعلى رغم أنهما ظهرا معاً مرة واحدة من انتقال البطاقة الانتخابية منه إليها في يوليو (تموز) الماضي، لم تعلن حملة الديمقراطيين أو البيت الأبيض حتى الآن أي موعد لمناسبة مشتركة إضافية بين بايدن وهاريس، علماً أنه لم يبق هناك إلا 27 يوماً قبل موعد الانتخابات.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية للتلفزيون عن مستشار لدى نائبة الرئيس أن «التحدي» المتمثل في وجود القليل من الوقت حتى موعد الانتخابات في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل هو أنه «عندما تحاول الوصول إلى الناخبين الذين لم يحسموا خيارهم، فكيف يمكنك بالفعل توصيل الاختلاف مع بايدن؟»، مع الوضع في الحسبان أن الترشح امتداداً للرئيس بايدن لا يمثل موقفاً قوياً، والاستعاضة عن ذلك بالتأكيد أن هاريس تمثل موقفاً صلباً في الكثير من القضايا التي تشغل هؤلاء الناخبين.
ويفيد أحد كبار المساعدين بأن هاريس «تريد إيجاد مساحة، على ألا تكون كبيرة للغاية»؛ لأنها «تريد أن تكون مخلصة». وفي الوقت ذاته «تريد الفوز» ضد منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب.
التباعد الانتخابي
ولا تزال هاريس تضغط على بايدن، الذي يسافر الثلاثاء إلى ميلووكي بولاية ويسكونسن المتأرجحة لحضور مناسبة يعلن فيها المزيد من المشروعات التي صارت ممكنة بفضل جهود إدارته، من أجل تشجيع أعضاء النقابات على الالتزام بالتصويت لمصلحتها، أو حتى الذهاب بنفسه إلى بنسلفانيا، وهي أيضاً ساحة معركة انتخابية رئيسية، لدفع جهود حملتها السياسية في الأسابيع الأخيرة. غير أن أعضاء فريقها غير منزعجين من حقيقة أن بايدن سيتوجه لمدة أسبوع كامل من الشهر الحالي إلى كل من أنغولا وألمانيا في رحلة دبلوماسية غير ملحة. وأوردت «سي إن إن» أن «البعض يتمنى أن يغيب لفترة أطول».
ولوحظ أن كلاً من بايدن وهاريس ظهرا بشكل منفصل خلال التعامل مع أضرار إعصار هيلين الأربعاء الماضي، على رغم إعلان بايدن الجمعة أنهما «يغنيان النغمة ذاتها». وتأكد التباعد عندما قرر بايدن الذهاب إلى نورث كارولينا؛ مما اضطر هاريس إلى إرجاء رحلتها إلى هذه الولاية المتأرجحة.
شبح سيناريو 2016
ويرى كثيرون من الديمقراطيين في بايدن تجسيداً للقلق من تكرار شبح سيناريو انتخابات 2016، حين فاز ترمب بصورة غير متوقعة على المرشحة الرئاسية عامذاك وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون. وهم يشعرون بالإحباط لأنه حتى الآن، يبدو أن تصريحات ترمب الهجومية، وأكاذيبه، ومشاكله القانونية لم تهز الدعم الذي يتلقاه من قاعدة شعبية ثابتة على تأييده. وهذا ما دفع مرشح الديمقراطيين لمنصب نائب الرئيس حاكم مينيسوتا تيم والز الذي قال صراحة: «سأذهب إلى قبري من دون أن أفهم السبب، لكنني أعلم أنه من المؤكد أن هذا سيكون سباقاً ضمن هامش الخطأ».
في المقابل، يحاول ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس السناتور جاي دي فانس تصوير هاريس على أنها الرئيسة الحالية، ويتحدثان كما لو كانت هي التي وقَّعت الأوامر التنفيذية خلال السنوات الثلاث الماضية. وهي تجد نفسها مضطرة إلى الموازنة بين إقناع الناخبين الذين يتطلعون إلى التغيير، والرد على الجمهوريين الذين يتساءلون عن سبب عدم تنفيذها وعودها بالتغيير وهي لا تزال موجودة في البيت الأبيض نائبةً للرئيس.
الشرق الأوسط
ولا توجد عند هاريس قضية شائكة أكثر من العنف المتصاعد في الشرق الأوسط بعد عام من الذكرى السنوية الأولى لهجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي نفَّذتها «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بغزة، في ظل وجود مئات الآلاف من الأصوات على المحك في ميشيغان، وهي أيضاً ساحة معركة انتخابية. وعلى رغم جهودها الشخصية وجهود مجموعة من المسؤولين الذين يدفعونها إلى النأي بنفسها عن خط بايدن فيما يتعلق بحرب غزة والآن «الغزو الإسرائيلي المحدود» للأراضي اللبنانية. لكن مساعديها يدركون أن الناخبين من أصول عربية ومسلمة يعرفون أنها تجلس على يمين بايدن في غرفة العمليات.
وعندما سُئلت عن الدور الذي تريده لبايدن في الشوط الأخير من حملة هاريس، تجنبت النائبة الديمقراطية عن ميشيغان ديبي دينجل، التي كانت من مؤيدي بايدن، أن تدق ناقوس الخطر في ولايتها «الجدار الأزرق».
«أنا لست بايدن»
وأظهر مسح داخلي أجرته حملة هاريس حول المناظرة الرئاسية اليتيمة التي أجرتها مع ترمب في سبتمبر (أيلول) الماضي، أن إحدى أكثر اللحظات شعبية لنائبة الرئيس كانت عندما قالت: «من الواضح أنني لست جو بايدن».
وبعد أسابيع من شكوى بعض مساعدي البيت الأبيض، علق بايدن الأسبوع الماضي بأن هاريس «كانت لاعباً رئيسياً في كل ما فعلناه، بما في ذلك تمرير التشريع الذي قيل لنا إننا لا نستطيع تمريره أبداً»، مضيفاً أنها «كانت، وموظفوها متشابكون معي فيما يتعلق بكل الأمور التي نقوم بها».
وفي منتصف الشهر الماضي، أجرت مبادرة «بلوبرينت» للبحث والاستطلاع الديمقراطي مسحاً وطنياً لاختبار سلسلة التصريحات المحتملة التي يمكن أن تدلي بها هاريس عن نفسها وبايدن، فتبيَّن أن الذين حققوا أفضل أداء «هم الذين أظهروا انفصالاً واضحاً بينها وبين بايدن»، في حين أن أولئك الذين حققوا أسوأ أداء كانوا «الذين صوَّروا إدارة هاريس المستقبلية على أنها تبني على إنجازات حقبة بايدن».
ووجد الاستطلاع أن أي ذِكر لبايدن أدى إلى انخفاض الدعم حتى لو كان الموقف الذي اتخذته هاريس هو نفسه.
المقارنة مع ترمب
وأفادت «سي إن إن» بأن الانفصال عن ترمب أقل حرجاً بكثير من الانفصال عن بايدن. قال حاكم بنسلفانيا الديمقراطي جوش شابيرو إن «هناك تبايناً واضحاً مع ترمب، وبقدر ما يمكن عرض هذا التباين الواضح، فهذا أمر جيد. كل يوم يقارن فيه الناس فوضى دونالد ترمب بآراء وقيم كامالا هاريس هو يوم جيد لكامالا هاريس». وأكد أن بايدن «قدم الكثير لبنسلفانيا - خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية ووظائف الطاقة. تذكروا: في عهد جو بايدن وكامالا هاريس ذهب عدد أكبر بكثير من الناس إلى العمل مقارنة بعهد دونالد ترمب».
وأيَّده السناتور الديمقراطي مارك كيلي من أريزونا المتأرجحة بعدما انضم إلى هاريس خلال زيارتها إلى الحدود الأسبوع الماضي. وقال: «لا أعتقد أن الرئيس ونائبة الرئيس متماثلان تماماً في كل قضية. أعتقد أن لديها خطة ذكية وهي عبَّرت عنها بشكل جيد هناك». وأضاف: «هناك فرق كبير بينها وبين دونالد ترمب في شأن هذه القضية».