تعرّض الرئيس السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري، دونالد ترمب، لمحاولة اغتيال هي الثانية خلال شهرين؛ إذ تواترت الأنباء، مساء الأحد، عن وقوع إطلاق نار في نادي الغولف الخاص به في ويست بالم بولاية فلوريدا، حينما كان يمارس رياضة الغولف مع أصدقائه.
وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن عملاء «الخدمة السرية» شاهدوا رجلاً مختبئاً وسط الشجيرات المحيطة بالنادي وأطلق النار عدة مرات قاصداً إصابة الرئيس السابق. وانتشر عدد من القناصة في المكان مزوّدين بالأسلحة لمعرفة الاتجاه الذي أُطلقت منه الطلقات، وسارع عملاء «الخدمة السرية» بإطلاق النار على المشتبه به؛ ما دفعه إلى الهرب في سيارته تاركاً خلفه حقيبتين وبندقية من طراز «AK47» سريعة الطلقات.
وخلال ساعات قليلة أُلقي القبض عليه على الطريق السريع في سيارة «نيسان» سوداء، بعد أن التقطت الطائرات المسيّرة، التي تراقب المكان، صور المركبة التي استقلها الرجل ومكّنت رجال إنفاذ القانون من الوصول إليه واقتياده للتحقيق.
وعدّ مكتب التحقيقات الفيدرالي الحادث بأنه محاولة اغتيال، كاشفاً بعد ساعات هويّة مطلق النار الذي تبيّن أنه ريان ويسلي روث (58 عاماً) الذي لديه سجل طويل لدى شرطة ولاية نورث كارولاينا من المخالفات المرورية وحوادث السرقة، وسجل من الهوس بالحرب في أوكرانيا، وسعيه إلى تجنيد متطوعين للقتال فيها، وبحثه -وفقاً لكتاباته عبر وسائل التواصل الاجتماعي- عن قضية كبيرة تُحدث تغييراً حقيقياً في العالم.
مخاوف سياسية
أثارت محاولة اغتيال ترمب للمرة الثانية خلال شهرين مخاوف سياسية متزايدة حول العنف السياسي في أميركا، وما يمكن أن تؤدي إليه خطابات الانقسام والاستقطاب، وتساؤلات عما إذا كانت محاولة الاغتيال الثانية التي نجا منها هي حلقة أخرى من العنف السياسي قد تليها محاولات أخرى، وما يمكن أن يحدث خلال أقل من خمسين يوماً على التصويت، وصورة الديمقراطية الأميركية التي تبدو مهزوزة في خضم هذا العنف السياسي المتصاعد، ومدى تأثير هذه المحاولة في حظوظ ترمب الانتخابية، وزيادة التعاطف معه، واستغلال المرشح الجمهوري لهذه اللحظة الدرامية والفرصة السياسية في تعزيز صورته أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس التي تمكّنت من سرقة الأضواء بعد المناظرة الرئاسية بينهما، وتقدمت في استطلاعات الرأي في ولايات متأرجحة وحاسمة في السباق. ولا جدال أن التعاطف مع ترمب سيدفع حملة هاريس إلى التخفيف من الهجمات ضد المرشح الجمهوري والابتعاد عن انتقاده.
وقد وضعت المحاولة الثانية للاغتيال المرشح الجمهوري ترمب في مكانة جديدة، إذ عدّه أنصاره «شهيداً» وضحية لمحاولات الانتقام منه وإقصائه. وأصبغوا عليه مرة أخرى الهالة الدينية التي وصفوها به، بصفته محاطاً بالعناية الإلهية التي تنقذه وتحميه. وانطلقت اتهامات أنصار ترمب صوب الديمقراطيين بوصفهم المروجين لخطاب بغيض يستهدف مرشحهم واصفين إياه بأنه خطر على الديمقراطية.
وقد أعادت هذه المحاولة صورة محاولة الاغتيال الأولى التي تعرّض لها ترمب خلال التجمع الانتخابي في مقاطعة باتلر في ولاية بنسلفانيا في 13 يوليو (تموز) الماضي، بعد أن أصابت رصاصة أذنه، وأحاط به عملاء «الخدمة السرية» ووجهه مليء بالدماء، وظهر ترمب في صورة القائد القوي والمتحدي حينما لوّح بقبضته في الهواء، وحثّ أنصاره على القتال، وحشد ترمب كثيراً من الدعم والزخم السياسي في ذلك الوقت، قبل أن يقبل رسمياً ترشيح الحزب الجمهوري.
وعلى الرغم من الإشادة بسرعة أداء رجال «الخدمة السرية» في تحييد محاولة القاتل، فإن تكرار محاولة اغتيال ترمب للمرة الثانية تزيد من مطالب التحقيق والتدقيق في عمل جهاز «الخدمة السرية» ومستويات الحماية المقدمة إلى ترمب بصفته رئيساً سابقاً، وأسباب الثغرات الأمنية التي تمكّن شخصاً مسلحاً من الاقتراب من الرئيس السابق على بُعد بضع مئات من الأمتار من دون أن يلاحظه أحد، وكيفية ضمان سلامته الشخصية وسط التهديدات الموجهة إليه. كما تسلط الضوء على المخاطر المتزايدة لانتشار الأسلحة التي ربما تدفع الجمهوريين إلى تغيير موقفهم العنيد الرافض لفرض قيود على امتلاك الأسلحة شديدة الخطورة.
ترمب يستغل الحادث انتخابياً
ولم يهدر الرئيس السابق والمرشح الجمهوري أي وقت في التواصل مع كبار المتبرعين لحملته، وفي غضون ساعات قليلة من إطلاق النار، أرسل ترمب رسالة بريد إلكتروني بعنوان: «تنبيه من ترمب»، قال فيها: «كانت هناك طلقات نارية في محيطي، لكن قبل أن تبدأ الشائعات في الخروج عن السيطرة أردت أن تسمعوا هذا أولاً، أنا آمن وبصحة جيدة ولا شيء سيوقفني». وعبّر عن امتنانه لرجال «الخدمة السرية»، مشيداً بدورهم في حمايته للمرة الثانية، وكتب: «لن أستسلم أبداً، سأحبكم دائماً لدعمكم لي».
وأعرب المشرعون من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي عن إدانتهم للحادث، وقلقهم بشأن نقاط الضعف في حماية المرشح الجمهوري، وانطلقت المطالبات بإجراء التحقيقات وعقد جلسات الإحاطة لرجال «الخدمة السرية» المكلفين بحماية ترمب. وكانت تصريحات الجمهوريين وتعليقاتهم حول إدانة محاولة اغتيال ترمب للمرة الثانية مقرونة بمناشدات الحصول على المال لحملته الانتخابية.
وحين بدأت أخبار إطلاق النار وتفاصيل الحادث تنتشر، أصدر البيت الأبيض بياناً سريعاً، قال فيه إن «الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس أُبلغا، وأنهما مرتاحان لمعرفة أنه آمن». وأكدت هاريس عبر منصة «إكس» أنها سعيدة؛ لأنه آمن، مشددة على أن العنف لا مكان له في أميركا.
وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الجمهوري من لويزيانا: «لم يتحمّل أي زعيم في التاريخ الأميركي مزيداً من الهجمات ويظل قوياً» مضيفاً: «ترمب لا يمكن إيقافه».
وعدّ الجمهوريون محاولة الاغتيال الثانية نتيجة لخطابات هاريس وبايدن ووصفهم لمناصري ترمب من أتباع حركة «ماغا» (اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى) بأنهم إرهابيون وفاشيون، وخطاب تيم والز المرشح لمنصب نائب الرئيس مع هاريس، ووصفه للمرشح الجمهوري ترمب بأنه فاشيّ ويهدد الديمقراطية، وأنه سيعرّض حياة الناس للخطر.
وتداول الموظفون في حملة ترمب رسالة بريد إلكتروني تطالبهم بالحرص والبقاء يقظين. وقالت الرسالة: «سلامتكم هي أولوية قصوى، ومع دخولنا آخر 50 يوماً من حملة الرئيس ترمب يجب أن نتذكّر أننا لن نتمكن من إنقاذ أميركا من أولئك الذين يسعون إلى تدميرها إلا من خلال العمل معاً فريقاً واحداً».