الانتخابات الأميركية أمام تحدي مواجهة حملات التضليل المعلوماتي

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس خلال المناظرة في فيلادلفيا ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية في 10 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس خلال المناظرة في فيلادلفيا ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية في 10 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

الانتخابات الأميركية أمام تحدي مواجهة حملات التضليل المعلوماتي

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس خلال المناظرة في فيلادلفيا ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية في 10 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالية كامالا هاريس خلال المناظرة في فيلادلفيا ببنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية في 10 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

تستعد الولايات المتحدة لخوض الانتخابات المقبلة وسط تفاقم المخاوف من تأثير التضليل الرقمي والذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية، إلى جانب التراجع في قدرة المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني على مواجهة هذه التحديات. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يزداد القلق من قدرة بعض الجهات الفاعلة على التأثير في مسار الديمقراطية الأميركية.

ويقول أليكس كراسودومسكي، الباحث في مجال أبحاث الإعلام الرقمي، في تقرير نشره «المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)»، إن الانتخابات الأميركية ستُقام في أكثر بيئة معلومات ملوثة ومتدهورة في الذاكرة الحية. وكانت المخاوف المبالغ فيها من نهاية العالم التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في بداية العام غير مبررة.

لكن تدفق الرسائل غير المرغوب فيها المدعومة بالذكاء الاصطناعي التوليدي والتزوير العميق و«الميمات» قد زاد من تأجيج الاتجاهات طويلة الأمد في الإعلانات السياسية الرقمية المخصصة، وتفكك وسائل الإعلام المحلية، وهشاشة البنية التحتية الديمقراطية الرقمية تجاه الاستخدام السيئ والإساءة، حسب «وكالة الأنباء الألمانية».

ويقول كراسودومسكي إن الانتخابات الأميركية ستُقام تحت حجاب كثيف، حيث يجد الأشخاص والمنظمات، الذين كانوا في السابق يسلطون الضوء على تهديد المعلومات المضللة، أنفسهم في حالة من الإقصاء، ويواجهون الأساليب القانونية والمضايقات، ويتم تقليص وصولهم إلى البيانات، وتخفيض تمويلهم.

وهذا تغيير نسبي حديث. وعلى الرغم من بعض التوترات، فإن الحكومات ومنصات التكنولوجيا والمجتمع المدني كانت في السابق على تواصل، بينما كانوا يتجادلون حول شكل وقواعد وقيم الحياة عبر الإنترنت.

فجوة المساءلة

وعمل الصحافيون والأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني على سد فجوة المساءلة التي تركتها اللوائح البطيئة وإدارة السياسات القائمة على تردد الحكومات الغربية في التدخل في الإعلام أو الحريات الشخصية.

وعمل «مجتمع المساءلة» هذا على لفت الانتباه إلى الأماكن التي كانت فيها العمليات السياسية والديمقراطية، والمؤسسات، والقواعد تتآكل بسبب الانتقال إلى الإنترنت، في بعض الأحيان حتى قبل أن يكون لدى الشركات المشرفة على التكنولوجيا وعي بذلك. وشمل ذلك الكشف عن محاولات استخدام منصات التكنولوجيا لزعزعة العمليات الديمقراطية في الولايات المتحدة، مثل «فضيحة كامبريدج أناليتيكا» في عام 2018.

ولسنوات، كانت مثل هذه القصص والمنظمات التي تقف وراءها موضع ترحيب (على مضض في بعض الأحيان) من قبل كل من الصناعة وصانعي السياسات. ولكن مع بقاء أقل من ستين يوماً على الانتخابات الأميركية، فإن هذه الصداقة تبدو منتهية، ووجد مجتمع المساءلة نفسه يخوض حرب عصابات، فهو يعاني دوماً من نقص التمويل ويفتقر دائماً إلى الموارد، ولكنه الآن أيضاً في صراع مع منصات التكنولوجيا وعناصر المشهد السياسي الأميركي المستقطب.

ويرى كراسودومسكي أن هذا أمر مقلق في سياق مزاعم جديدة عن حملة تضليل مدعومة من روسيا تهدف إلى التأثير في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني)، واختراق إيراني مشتبه به لحملة المرشح الجمهوري دونالد ترمب، وبينما يقوم الحزبان الأميركيان بتجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في اتصالاتهما عبر الإنترنت.

ويتضاءل الوصول إلى البيانات، وهي عنصر حاسم في فهم ما يحدث في الفضاء عبر الإنترنت.

وكانت هذه البيانات هي التي كشفت عملاء متحالفين مع روسيا يزعم أنهم يستخدمون المنصات الرقمية للتحريض على الصراع الاجتماعي في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2016.

وفي الوقت نفسه، بعد استحواذ إيلون ماسك على تويتر («إكس» حالياً) في عام 2022، أصبح الوصول إلى البيانات على نطاق واسع مكلفاً للغاية، بعد أن كان مجانياً للباحثين، لدرجة أن الباحثين أبلغوا عن زيادة ما يطلب منهم دفعه. وقامت منصة «ريتدت» بخطوة مماثلة العام الماضي. وأصبحت هذه المساحات، وأجزاء مهمة من البنية التحتية السياسية الغربية، مظلمة.

«الأخبار المزيفة»

وخلال فترة مماثلة، دخلت «الأخبار المزيفة» إلى المعجم الأميركي، وأصبحت أبحاث المعلومات المضللة مشحونة سياسياً. واتهم الباحثون، حتى أولئك الذين يركزون على تدخل الدول الأجنبية، على نحو متزايد بالشروع في إسكات المعارضة السياسية الداخلية.

وفي مارس (آذار) من العام الماضي، أصدرت اللجنة الفرعية للنائب الأميركي جيم جوردان حول تسليح الحكومة الاتحادية، رسائل إلى الجامعات الأميركية تطلب معلومات عن أي شخص يدعم «نظام الرقابة» من خلال «تقديم المشورة بشأن ما تُسمى (المعلومات المضللة)».

وتم تضخيم تعميم نظريات المؤامرة التي تستهدف ممولي عمل مساءلة المنصات في الكونغرس، لا سيما مؤسسة المجتمع المفتوح.

ثم جاءت الدعاوى القضائية. وأقامت منصة «إكس» دعوى قضائية ضد «المركز البريطاني لمكافحة الكراهية الرقمية» بعد أن نشر المركز بحثاً يدعي زيادة خطاب الكراهية على المنصة. وتم رفض القضية، ولكن دعوى مماثلة في الولايات المتحدة، تستهدف جماعة مراقبة غير ربحية تُسمى «ميديا ماترز» من المقرر نظرها العام المقبل.

وهناك قضايا أخرى في الولايات المتحدة قد أصابت هدفها بالفعل، حيث تم إغلاق «التحالف العالمي للإعلام المسؤول»، وهو مجموعة إعلانية غير ربحية، من قبل المنظمة الأم بعد أن رفعت «إكس» دعوى قضائية تتهمه بالتآمر لحجب إيرادات الإعلانات.

والتأثيرات المروعة لهذا الرد واضحة، والباحثون في مجال المعلومات المضللة اليوم أكثر حذراً في التعبير عن آرائهم. وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن «الأكاديميين والجامعات والوكالات الحكومية يعيدون هيكلة أو إنهاء برامج بحثية مصممة لمكافحة انتشار المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، في ظل حملة قانونية يقودها سياسيون ونشطاء محافظون يتهمونهم بالتآمر مع شركات التكنولوجيا لفرض رقابة على الآراء اليمينية».

وفي أفضل حالاته، نجح العمل في مكافحة المعلومات المضللة في جمع القطاع والحكومة والمجتمع المدني لهدف مشترك، مع الاعتراف بأن الرقمنة السريعة للديمقراطيات قد أدخلت نقاط ضعف خطرة، وأن معالجتها كانت في مصلحة الجميع. ويقول كراسودومسكي: «مع اقترابنا من ذروة هذا العام الانتخابي، يظل العالم بعيداً عن تلك النقطة العالية».

ويرى أن عكس هذا الارتداد المفاجئ أمر مهم، على الرغم من أنه سيأتي متأخراً بالنسبة للانتخابات الأميركية في نوفمبر.

ويعدّ عمل مجتمع المساءلة ضرورياً لمراقبة كيفية تشكيل العالم الرقمي للديمقراطيات. ومن الضروري أن يستمر الدعم الخيري للصحافة الاستقصائية المتعلقة بالمعلومات المضللة.

هناك حاجة إلى حماية أفضل للمبلغين عن المخالفات، واقتراحات حكومية لتقييد «الحروب القانونية»؛ للحفاظ على نزاهة الانتخابات، وحماية الثقة العامة في النتائج. كما أن الاستثمار في بنية تحتية سياسية بديلة هو أيضاً مشروع يستحق المتابعة.


مقالات ذات صلة

هاريس: ترمب غير متزن ويسعى إلى سلطة غير مقيَّدة

الولايات المتحدة​ كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا (أ.ف.ب)

هاريس: ترمب غير متزن ويسعى إلى سلطة غير مقيَّدة

هاجمت المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب واصفة إياه بأنه «غير مستقر» و«غير متوازن».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس في صورة مركبة (رويترز)

ترمب يثير المخاوف بتشدده مع المهاجرين و«أعداء الداخل»

جهدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس، لوقف تآكل شعبيتها بين السود واللاتينيين، فيما أثار الرئيس السابق، دونالد ترمب، المخاوف من سياساته ضد المهاجرين و«أعداء الداخل».

علي بردى (واشنطن)
تحليل إخباري إيلون ماسك يقفز على المسرح بينما يتحدث المرشح الرئاسي دونالد ترمب خلال تجمع في بتلر (بنسلفانيا) يوم 5 أكتوبر (أ.ب)

تحليل إخباري لماذا بدّل إيلون ماسك بوصلته السياسية وقرر دعم ترمب؟

أصبحت صورة إيلون ماسك، وهو يقفز في الهواء من الفرح خلف دونالد ترمب خلال تجمع جماهيري في مدينة بتلر بولاية بنسلفانيا واحدة من الصور المثيرة للانتباه.

هبة القدسي (واشنطن)
الاقتصاد نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس في ولاية ويسكونسن والرئيس السابق دونالد ترمب في نيوجيرسي (رويترز)

هاريس أم ترمب... أيهما يهدّد الاقتصاد الأوروبي؟

تُقدّم انتخابات الولايات المتحدة في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) فرصة تُعدّ «الأقل سوءاً» للاقتصاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

القبض على مسلح قرب تجمع انتخابي لترمب

ألقت السلطات الأميركية القبض على رجل كان يحمل بندقية وعدة جوازات سفر مزيفة في سيارته، خارج تجمع انتخابي للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هاريس: ترمب غير متزن ويسعى إلى سلطة غير مقيَّدة

كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا (أ.ف.ب)
كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا (أ.ف.ب)
TT

هاريس: ترمب غير متزن ويسعى إلى سلطة غير مقيَّدة

كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا (أ.ف.ب)
كامالا هاريس خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا (أ.ف.ب)

هاجمت المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، واصفة إياه بأنه «غير مستقر» و«غير متوازن»، ويسعى إلى «السلطة غير المقيدة».

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فقد جاء ذلك خلال تجمع انتخابي في مقاطعة إيري بولاية بنسلفانيا، حضره نحو 6000 شخص، حيث عرضت هاريس مقطع فيديو يظهر بعض تصريحات ترمب المثيرة للجدل، مشيرة إلى أنها «مثال على نظرته للعالم ونياته».

وتضمن المقطع تصريحات قال فيها الرئيس السابق إن منتقديه الديمقراطيين هم «أعداء الداخل»، وأنهم أكثر خطورة من الخصوم الأجانب مثل روسيا والصين، و«يجب أن يُوضعوا في السجن».

وقالت هاريس: «بعد كل هذه السنوات، نحن نعرف من هو دونالد ترمب. إنه شخص لن يتوقف عن فعل أي شيء للفوز بالسلطة».

وتابعت: «إنه يتحدث عن العدو داخل بلدنا. إنه يتحدث عن أنه يعتبر أي شخص لا يدعمه، أو لن ينحني لإرادته، عدواً لبلدنا».

وانتقدت هاريس ترمب أيضاً لقيامه بمهاجمة المسؤولين الذين لا يجدون أصواتاً إضافية له في الانتخابات، والقضاة الذين لا يتفق مع أحكامهم، والصحافيين الذين لا يحب تغطيتهم.

وأضافت: «هذا من بين الأسباب التي تجعلني أعتقد بقوة أن ولاية ترمب الثانية ستكون خطرة للغاية على أميركا. إنه غير مستقر وغير متزن، وهو يسعى إلى السلطة غير المقيدة».

كما أطلقت حملة هاريس يوم الاثنين إعلاناً جديداً بعنوان «العدو الداخلي»، مستوحى من تعليقات ترمب الأخيرة، ويضم اثنين من مساعديه السابقين للأمن القومي، هما أوليفيا تروي وكيفن كارول.

وقالت تروي في الإعلان: «أتذكر اليوم الذي اقترح فيه ترمب أن نطلق النار على الناس في الشوارع»، فيما قال كارول: «ستكون فترة ولاية ثانية أسوأ».

وهذا الإعلان مشابه لذلك الذي بثته الحملة في الولايات المتأرجحة هذا الشهر، حيث أصدر كبار المسؤولين في الأمن القومي تحذيرات شديدة بشأن لياقة ترمب لمنصبه.

وتعتبر زيارة هاريس لإيري، وهي مقاطعة رائدة حاسمة لتحقيق نصر على مستوى الولاية، هي الأولى لها كمرشحة رئاسية. وقد فاز ترمب بأصوات ناخبي المقاطعة في عام 2016، لكنه خسرها بفارق ضئيل أمام بايدن في عام 2020.