هل نسّقت كييف هجوم كورسك مع واشنطن؟

واشنطن وافقت على استخدام أسلحتها في ضرب أراضٍ روسية «تنطلق منها الهجمات»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصل إلى غرفة اجتماعات مجلس الأمن القومي الروسي لمناقشة الهجوم الأوكراني على كورسك (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصل إلى غرفة اجتماعات مجلس الأمن القومي الروسي لمناقشة الهجوم الأوكراني على كورسك (إ.ب.أ)
TT

هل نسّقت كييف هجوم كورسك مع واشنطن؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصل إلى غرفة اجتماعات مجلس الأمن القومي الروسي لمناقشة الهجوم الأوكراني على كورسك (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصل إلى غرفة اجتماعات مجلس الأمن القومي الروسي لمناقشة الهجوم الأوكراني على كورسك (إ.ب.أ)

على الرغم من عدم وضوح الأهداف الحقيقية للهجوم الأوكراني المفاجئ على منطقة كورسك الروسية، فإن تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين والغربيين قد تساعد في جلاء بعض الغموض. واللافت أن هذا الهجوم لم يُثر حفيظة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حتى الآن، بيد أنه يُنفّذ بأسلحة أميركية وغربية، كانت واشنطن تضع قيوداً على استخدامها في مهاجمة عمق الأراضي الروسية. وطرح ذلك تساؤلات عمّا إذا كان هذا الهجوم تمّ بمساعدة، أو حتى بتنسيق، مع حلفائها الغربيين.

دعم أميركي

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مبنى البنتاغون (أ.ف.ب)

عدّت إدارة بايدن الهجوم الأوكراني الأخير «استخداماً مقبولاً» للأسلحة الأميركية لضرب روسيا، بما يتوافق مع تغيير السياسة المتعلقة باستخدامها في مايو (أيار)، الذي سمح لأوكرانيا باستهداف القوات الروسية داخل روسيا «إذا كانت تستعد لشن هجمات على أوكرانيا».

وقالت المتحدثة باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، للصحافيين، الخميس: «في حين يرون هجمات قادمة عبر الحدود، عليهم أن يكونوا قادرين على الرد». ليلحقها المتحدث باسم الخارجية، ماثيو ميلر، قائلاً إن روسيا شنت هجمات على أوكرانيا من منطقة كورسك، وإن الولايات المتحدة تؤيد حقّ كييف في الدفاع عن نفسها. وأضاف ميلر: «في المنطقة التي يعملون فيها، رأينا هجمات تأتي من هناك».

موقف تبناه مسؤولون ألمان أيضاً، إذ قال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية لصحيفة «واشنطن بوست» إن هدف برلين المعلن هو «دعم أوكرانيا في صراعها الدفاعي ضد المعتدي الروسي»، مُشيراً إلى تصريحات سابقة تؤكد «حق أوكرانيا بموجب القانون الدولي في الدفاع عن نفسها ضد هذه الهجمات».

وبدا أن الهجوم المفاجئ على كورسك، على بُعد حوالي 500 كيلومتر جنوب موسكو، كان يهدف إلى نقل الحرب إلى روسيا، لإجبارها على تحويل بعض مواردها العسكرية من جبهات أخرى، خصوصاً من المناطق التي حقّقت فيها تقدماً في الآونة الأخيرة، وتمكين كييف من الحصول على موقف أفضل في أي مفاوضات مستقبلية لوقف الحرب.

أفضل دفاع هو «الهجوم الجيد»

تقول إيفانا سترادنر، كبيرة الباحثين في الشأن الروسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن الهجوم الأوكراني يشكل خطوة في الاتجاه الصحيح. وأضافت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «هذا من شأنه أن يسمح لكييف بقلب السيناريو على موسكو». ورأت أن هذا الأمر مهم، لأنه سيتعين على روسيا بذل وقت وطاقة وموارد في الدفاع عن نفسها، بدلاً من مهاجمة أوكرانيا، لأن أفضل دفاع هو الهجوم الجيد. وفيما أكّدت أن استخدام الأسلحة الأميركية لا ينتهك السياسات، لأن أوكرانيا دولة ذات سيادة، ويمكنها أن تقرر كيف تدافع عن نفسها ضد العدوان الروسي، أضافت قائلة: «إذا قررت أوكرانيا التفاوض مع روسيا، فإن هذا من شأنه أن يمنحها المزيد من النفوذ في المفاوضات».

وقال مسؤول أميركي إن التقييمات تشير إلى أن الأوكرانيين يحاولون عرقلة تحرك القوات الروسية إلى منطقة خاركيف، جنوب شرقي سومي. وقال مسؤول آخر إنه يبدو من المرجح أن ترغب أوكرانيا في إرهاق الوحدات الروسية بدلاً من الاستيلاء على الأراضي، والاحتفاظ بها على المدى الطويل. وأضاف أن «روسيا ليس لديها القوة البشرية التي تمكنها من خلالها إرسال تعزيزات (...) مع الحفاظ على وضع قوتها الحالي وأعدادها، سواء في منطقة خاركيف أو في الشرق. لكن عليها أن تسحب القوات من مكان ما».

نافذة موسكو قد تغلق قريباً

وفي تحليل نشرته مجلة «فورين أفيرز»، الخميس، رأت أن الجيش الروسي أُتيحت له الفرصة لإحداث تحول حقيقي في الحرب قرب نهاية عام 2023. «فقد فشل هجوم أوكرانيا المضاد، واستنفدت كميات كبيرة من الذخائر وأنظمة الدفاع الجوي، وواجهت صعوبة في تجنيد المزيد من العناصر، وتأخرت أميركا في تقديم حزمة الدعم بقيمة 61 مليار دولار نحو 6 أشهر». لكن على مدى الأشهر الستة الماضية، فشلت روسيا بشكل عام في الاستفادة من هذه الفرص. ورغم شنّها هجمات جوية وصاروخية ضد البنية التحتية الأوكرانية، لم تتمكن من السيطرة إلا على أجزاء صغيرة من الأرض، لكن بكلفة بشرية عالية تجاوزت 180 ألف ضحية روسية، حسب تقديرات استخبارية غربية.

جنود أوكرانيون مع مسعفين يعملون على انتشال ضحايا قصف روسي على منطقة دونيتسك في 9 أغسطس (أ.ف.ب)

وتوقع التقرير ألّا تتمكن روسيا من مواصلة هذا النوع من الهجمات المكلفة إلى الأبد، وبأن النافذة المتاحة لها قد تغلق قريباً. وهذا يعني أن أوكرانيا يجب أن تبدأ في التخطيط لأفضل السبل للاستفادة من تراجع روسيا الوشيك، من بينها دراسة ساحة المعركة عن كثب، بحثاً عن علامات الضعف الروسي. ويمكنها العمل مع حلف شمال الأطلسي للتدريب والاستعداد لهجمات جديدة، وابتكار نظرية جديدة للنصر، وإبقاء توقيت العمليات الهجومية المستقبلية ومكانها سراً من أجل منح كييف أفضل فرصة لمفاجأة موسكو، وجعل موقفها العسكري غير قابل للدفاع عنه. وآنذاك فقط سوف تتمكن أوكرانيا من التفاوض بشروط مواتية وتحقيق فوز دائم.

وهو ما أكده ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني، خلال مقابلة على التلفزيون الوطني، الخميس، من دون أن يشير إلى عملية التوغل في كورسك، قائلاً: «إن أي أعمال عسكرية على الأراضي الروسية يمكن أن تحسن موقف أوكرانيا خلال المفاوضات المستقبلية مع روسيا لإنهاء الحرب».

ويتوافق هذا التصريح مع إعراب المسؤولين الأوكرانيين عن شعورهم بالحاجة لتحسين موقفهم العسكري، قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)، خاصة إذا فاز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب، الذي قال إنه سيدفع الجانبين بسرعة للتوصل إلى تسوية تفاوضية للحرب.


مقالات ذات صلة

ترمب يروي قصة نجاته من الموت في مروحية... لكن زلة لسان تثير الجدل

الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب خلال تجمع انتخابي في موانتانا (أ.ف.ب)

ترمب يروي قصة نجاته من الموت في مروحية... لكن زلة لسان تثير الجدل

بدا أن المرشح الجمهوري دونالد ترمب قد خلط بين رئيس بلدية سان فرنسيسكو السابق ويلي براون، وبين حاكم ولاية كاليفورنيا السابق جيري براون.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يزال يعتقد أن إيران لا تعمل حالياً على بناء جهاز نووي (رويترز)

تقييم استخباراتي أميركي: إيران في وضع أفضل لإطلاق برنامجها للأسلحة النووية

تجري إيران أبحاثاً تجعلها في وضع أفضل لإطلاق برنامجها للأسلحة النووية، وفقاً لتقييم جديد أجرته وكالات الاستخبارات الأميركية، بحسب تقرير.

الولايات المتحدة​ عناصر من الجيش الإسرائيلي ينفذون عملية بغزة (أ.ف.ب)

واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة بالجيش الإسرائيلي قتلت فلسطينياً-أميركياً

أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أمس (الجمعة) أنها لن تفرض عقوبات على كتيبة عسكرية إسرائيلية متورطة في مقتل رجل يحمل الجنسيتين الفلسطينية والأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ طائرة يُعتقد أنها كانت تقل تاجر المخدرات المكسيكي إسماعيل «إل مايو» زامبادا وخواكين غوزمان لوبيز نجل شريك زامبادا السابق خواكين «إل تشابو» اللذين تم القبض عليهما في إل باسو بولاية تكساس شوهدت على مدرج مطار مقاطعة دونا آنا الخاص في سانتا تيريزا نيومكسيكو (رويترز)

نجل إل تشابو بارون المخدرات المكسيكي يسلم نفسه طواعية للولايات المتحدة

قالت السفارة الأميركية في المكسيك أمس (الجمعة) إن خواكين غوزمان لوبيز، نجل بارون المخدرات «إل تشابو»، سلم نفسه طواعية.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لقوات أميركية بريف الرميلان بمحافظة الحسكة شرق سوريا (أ.ف.ب)

«مسيّرة» تستهدف القوات الأميركية بشمال شرقي سوريا

قال مسؤول أميركي، اليوم، إن القوات الأميركية في سوريا تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة، لكن الأنباء الأولية تفيد بعدم وقوع إصابات جراء ذلك.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

البيت الأبيض: بايدن لن يسمح «للمتطرفين» بإخراج محادثات غزة عن مسارها

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي (د.ب.أ)
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي (د.ب.أ)
TT

البيت الأبيض: بايدن لن يسمح «للمتطرفين» بإخراج محادثات غزة عن مسارها

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي (د.ب.أ)
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي (د.ب.أ)

قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، اليوم (الجمعة)، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن تسمح «للمتطرفين»، بما في ذلك بإسرائيل، بإخراج محادثات وقف إطلاق النار بقطاع غزة عن مسارها.

واتهم كيربي وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بإطلاق ادعاءات كاذبة، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

ووصف كيربي مزاعم سموتريتش بأن اتفاق وقف إطلاق النار سيكون استسلاماً لحركة «حماس» الفلسطينية، بأنها مزاعم «خاطئة تماماً».

وأضاف أن سموتريتش يضلل الجمهور الإسرائيلي، وأن إشاراته بأن حرب غزة قد تستمر للأبد «خاطئة تماماً».

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي إن «مسؤولية التوصل إلى اتفاق في غزة تقع على عاتق الطرفين»، وأضاف أن «قطر أكدت لنا أنها ستعمل على أن يكون هناك تمثيل لـ(حماس) في المفاوضات».

وأشار إلى أن الاجتماع الخاص بوقف إطلاق النار في غزة يوم 15 أغسطس (آب)، سينعقد في الدوحة أو القاهرة.

وتحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ أشهر ترتيب اتفاق لوقف إطلاق النار مقابل الإفراج عن الرهائن، لكنها تصطدم باستمرار بعقبات من إسرائيل و«حماس».

ويعتقد مسؤولون أميركيون أن الطرفين كانا أقرب ما يمكن، عبر أحدث مقترح، من التوصل إلى ترتيب للإفراج عن الرهائن من النساء والمرضى وكبار السن المحتجزين لدى «حماس» في غزة في مقابل وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع على الأقل.

وقال كيربي للصحافيين «نريد التوصل إلى اتفاق. نعتقد أن من الممكن فعل ذلك... لكنه سيتطلب بعضاً من روح القيادة من جميع الأطراف وبعض التنازلات».

ودعا زعماء الولايات المتحدة ومصر وقطر، أمس الخميس، إسرائيل و«حماس» إلى الاجتماع للتفاوض في 15 أغسطس (آب) لوضع اللمسات النهائية على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن.