مستقبل السياسة الخارجية الأميركية... إلى أين؟

كامالا هاريس تتحدث خلال تجمع انتخابي في مطار «ديترويت متروبوليتان» في رومولوس بولاية ميشيغان (أ.ف.ب)
كامالا هاريس تتحدث خلال تجمع انتخابي في مطار «ديترويت متروبوليتان» في رومولوس بولاية ميشيغان (أ.ف.ب)
TT

مستقبل السياسة الخارجية الأميركية... إلى أين؟

كامالا هاريس تتحدث خلال تجمع انتخابي في مطار «ديترويت متروبوليتان» في رومولوس بولاية ميشيغان (أ.ف.ب)
كامالا هاريس تتحدث خلال تجمع انتخابي في مطار «ديترويت متروبوليتان» في رومولوس بولاية ميشيغان (أ.ف.ب)

في ظلّ التحوّلات العالمية السريعة والتحديات المتزايدة، تبقى السياسة الخارجية الأميركية موضوعاً حيوياً ومثيراً للنقاش، برزت حوله تساؤلات حول آفاقها المستقبلية تحت إدارة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وكيفية التعامل مع القوى العالمية مثل الصين وروسيا، فضلاً عن القضايا العاجلة التي تتطلّب تعاوناً دولياً مكثفاً.

يقول الباحثان الأميركيان ستيفن سيمبالا ولورانس كورب، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست»، إن أول مناظرة رئاسية بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترمب أدت إلى موجة إعلامية من الهستيريا حول أداء بايدن، التي استمرت حتى المؤتمر الجمهوري وأدت في النهاية إلى انسحابه من السباق.

وقد دعت هيئة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز» ومواقع إعلامية مرموقة أخرى، بدعم من بعض كبار الممولين والسياسيين الديمقراطيين، بمن فيهم قادة مجلس الشيوخ والنواب الديمقراطيون، إلى انسحاب بايدن من السباق نحو البيت الأبيض.

ويقول الباحثان إنه من المفهوم إلى حد ما أن الوسائل الإعلامية، التي تركّز بصفة مهنية على التواصل، وعديداً من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الديمقراطيين، الذين يهتمون بانتخاباتهم الخاصة، يعدّون أداء بايدن كارثياً.

من ناحية أخرى، فيما يتعلّق بجوهر السياسات، بدلاً من جانب الأداء على المسرح، كانت المناظرة مجرد لحظة عابرة في رحلة تتطلّب مزيداً من الأشهر من الحملات الانتخابية بين الرئيس السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس للتوصل إلى نتيجة.

في هذا الصدد، تُعدّ المواقف المتعلقة بالسياسة الخارجية واستراتيجية الجيش الأميركي للمرشحين ذات أهمية بالغة. ويشهد العالم تحولاً من الارتياح الكبير الذي أعقب الحرب الباردة والفوز الأميركي إلى صورة أكثر تعقيداً. فالعودة إلى الحروب والصراعات بين القوى الكبرى، خصوصاً فيما يتعلّق بقدرات الصين وروسيا وطموحاتهما المتزايدة، تخلق حالة من عدم اليقين بشأن الأهداف السياسية والاستعداد العسكري للولايات المتحدة في أوروبا وآسيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات غير المسبوقة في تغيّر المناخ والأوبئة والجهود الرامية لإزاحة الدولار بصفته عملة مرجعية للمعاملات الدولية والهجرة الجماعية بأعداد غير مسبوقة والتقنيات الجديدة للحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والاستخدامات العسكرية للفضاء؛ كلها تُسهم في احتمالية حدوث موجات من زعزعة استقرار الأنظمة السياسية وإرباك التخطيط العسكري.

وما كان مؤكداً للسياسيين ومستشاريهم العسكريين اليوم قد يتحوّل إلى حالة من عدم اليقين في الغد. لذا، عند اختيار المرشحين الرئاسيين المتنافسين، من الضروري فهم رؤاهما بشأن هذا البيئة الدولية المعقدة وعدم اليقين العسكري. ولا يمكن لدولة لديها موارد غير محدودة، وحتى الولايات المتحدة، التي تواجه عجزاً تراكمياً يزيد على 35 تريليون دولار، الاستمرار في الإنفاق المفرط على الأولويات المحلية والأجنبية دون قيود.

ويتساءل الباحثان: ما التوجه الجيوسياسي المفضّل لأميركا أو الاستراتيجية الكبرى في المستقبل؟ ما الالتزامات والواجبات العسكرية التي تنبثق عن هذه الاستراتيجية الكبرى؟ وأخيراً، ما الافتراضات التي يجب أن توجّه استعداداتنا العسكرية لردع الحروب، وإذا لزم الأمر، للقتال فيها؟

بوجه عام، تشمل خيارات الولايات المتحدة لاستراتيجيتها الكبرى:

1- «غودزيلا ريكس»، أو ما يُطلق عليه أحياناً «الهيمنة الليبرالية».

2- التوازن الخارجي.

3- العولمة غير المحدودة.

4- الانخراط الانتقائي والتوسع.

وقد استُبعدت العزلة بوصفها خياراً؛ لأنه في عالم اليوم المعقد والمترابط والمليء بالإعلام، لن تكون ممكنة، حتى إذا عدّها بعضهم مرغوبة.

وحسب الباحثين، كان «غودزيلا ريكس» هو الموقف الأميركي في التسعينيات بعد نهاية الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي. وباتت الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة دون منافس عسكري جاد. ومع ذلك، قلّص الرئيس الأسبق كلينتون التركيز الوطني على الأمن والدفاع، بما في ذلك الاستخبارات، وهو ما عاد ليطارد أميركا بعد هجمات «11 سبتمبر». ومع ذلك، غزت الولايات المتحدة أفغانستان للإطاحة بـ«طالبان» في عام 2001.

وأسقطت نظام صدام حسين في العراق في عام 2003، وأعلنت «الحرب العالمية على الإرهاب»، وأصبح الصراعان «حربين أبديتين» استمرتا حتى العقد الثاني من القرن الحالي.

ويرى الباحثان أن التوازن الخارجي استراتيجية كبرى بديلة كانت تفضّلها بعض الأوساط الأكاديمية ومحللو السياسات البارزون. ومن هذا المنظور، يجب على الولايات المتحدة أن تحد من التدخلات العسكرية واسعة النطاق إلى التهديدات من قوة معادية تهدف إلى السيطرة على منطقة أساسية بطرق تتعارض مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها. وتشمل القوى الإقليمية المتنافسة روسيا المتجددة في أوروبا، والصين الصاعدة في آسيا، والمزعجين الأقل، ولكنهم لا يزالون خطيرين في آسيا (كوريا الشمالية) أو الشرق الأوسط (إيران).

ووفقاً لهذا النهج، ستسعى الولايات المتحدة أولاً إلى الاعتماد على الحلفاء الإقليميين لتولي القيادة إذا كانوا مستعدين لذلك، رغم أن الولايات المتحدة ستتصرّف إذا كانت مصالحها الحيوية مهدّدة.

ثمة استراتيجية كبرى ثالثة، يفضّلها عديد من السياسيين ما بعد الحداثة ومجتمع النشطاء العالمي، ستؤكد التحديات العابرة للحدود بدلاً من الصراعات الوطنية. وتقترح هذه الاستراتيجية أن تكون الأولوية لقضايا؛ مثل: تغير المناخ والفقر والهجرة والتوسع الحضري والأوبئة ونزع السلاح، على جدول الأعمال الوطني. من هذا المنظور، تُعدّ الصراعات الكبرى والحروب من أجل الهيمنة بقايا متقادمة من القومية المفرطة والتأثير العسكري المفرط في السياسة. وينبغي تحويل الموارد المخصصة للدفاع والحرب إلى التعاون العلمي الدولي وحفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة أو هيئات دولية أخرى.

وهناك استراتيجية كبرى رابعة هي الانخراط والتمدد الانتقائي. هذا النهج كان مدعوماً من قِبل البعض في إدارة بيل كلينتون، وأكد النمو الاقتصادي من خلال التعاون والاستثمار الدولي.

من بين هذه الاستراتيجيات الكبرى المتنافسة، تضمّنت السياسات الخارجية والدفاعية لإدارة بايدن بعض العناصر من كل من الخيارات الثلاثة الأولى.

ومن المرجح أن توسّع إدارة هاريس، حال وصولها للبيت الأبيض، هذه السياسات. وتظهر ميزانيات الدفاع المتزايدة والدعم العسكري القوي من الولايات المتحدة وحلف «الناتو» لأوكرانيا ضد الغزو الروسي أن «غودزيلا ريكس» لا يزال طموحاً بين كل من الديمقراطيين والعديد من الجمهوريين في واشنطن. والدعم الأميركي لإسرائيل في الشرق الأوسط قريب من استراتيجية التوازن الخارجي ضد المنافسين الإقليميين الخطيرين (إيران ووكلاؤها)، ويعكس الالتزام الأميركي التاريخي بالدفاع عن سيادة إسرائيل ضد الأعداء الإقليميين.

لكن ما يُسمّى التقدميين في إدارة بايدن اعترضوا على تكتيكات إسرائيل العسكرية في الحرب ضد «حماس» في غزة. وفيما يتعلّق بالصين، كانت سياسة بايدن منقسمة بين الخيارين الأول والثاني: تأكيد بناء الدفاع الأميركي، والاستعداد الأكبر لمحاولة الصين العسكرية للاستيلاء على تايوان أو رؤية الصين بصفتها منافساً اقتصادياً ومعلوماتياً أكثر من تهديد عسكري فوري، رغم أن القدرات المتزايدة للصين في الحرب السيبرانية وفي الفضاء هي مصدر قلق كبير. ومع ذلك، يرى آخرون أن صعود الصين يشكّل تحدياً في العلوم والتكنولوجيا يجب ألا يتطوّر إلى سباق تسلّح أو حرب، وهو ما يشبه الخيار الثالث.


مقالات ذات صلة

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

موسكو لا تستبعد أي احتمال من جانبها فيما يتعلق بالرد على العقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف قطاع النفط.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
الولايات المتحدة​ أحد رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا قبل اندلاع حريق باليساديس يوم الثلاثاء 14 يناير 2025 (أ.ب)

الأعاصير النارية... ظاهرة نادرة وخطيرة تهدد رجال الإطفاء في كاليفورنيا

في الوقت الذي يواجه فيه رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا الأميركية تحديات كبيرة بالفعل، قد يتعين عليهم أيضاً التعامل مع الأعاصير النارية.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا (الولايات المتحدة))
الولايات المتحدة​ جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)

مستشارا بايدن وترمب للأمن القومي يجتمعان لتسليم «الشعلة»

وضع مستشارا الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب خلافاتهما جانباً، على الأغلب، في حدث رمزي «لتسليم الشعلة» ركَّز على قضايا الأمن القومي.

«الشرق الأوسط»
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه بقادة كوبيين أميركيين بالبيت الأبيض في واشنطن يوم 30 يوليو 2021 (رويترز)

بايدن يعلن حظر التكنولوجيا الصينية والروسية في السيارات «لحماية الأمن القومي»

أعلن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، الثلاثاء، حظراً على التكنولوجيا الصينية والروسية في السيارات؛ مشيراً إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه بقادة كوبيين أميركيين بالبيت الأبيض في واشنطن 30 يوليو 2021 (رويترز)

بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب

قال مسؤول أميركي رفيع المستوى، اليوم الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي جو بايدن قرر رفع كوبا عن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مستشارا بايدن وترمب للأمن القومي يجتمعان لتسليم «الشعلة»

جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)
جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)
TT

مستشارا بايدن وترمب للأمن القومي يجتمعان لتسليم «الشعلة»

جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)
جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)

وضع مستشارا الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب خلافاتهما جانباً، على الأغلب، في حدث رمزي «لتسليم الشعلة» ركَّز على قضايا الأمن القومي أمس (الثلاثاء).

وسلَّم مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان عصا رمزية إلى عضو مجلس النواب مايك والتز الذي اختاره ترمب للمنصب نفسه، في إحياء لطقوس في واشنطن ينظمها معهد الولايات المتحدة للسلام منذ عام 2001.

جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)

وعادة ما يظهر الرجلان في وسائل الإعلام للدفاع عن وجهات النظر المتعارضة للرئيسين، بشأن أوكرانيا والشرق الأوسط والصين.

وبحث والتز وسوليفان أمس (الثلاثاء) عن أرضية مشتركة في حدث يقام خصيصاً لتسليط الضوء على تداول السلطة في الولايات المتحدة.

ويقدم الحدث لمحة عامة عما سيحدث يوم الاثنين المقبل، عندما يتم تنصيب ترمب رئيساً.

يأتي هذا الانتقال السلمي للسلطة -وهو السمة المميزة للديمقراطية الأميركية منذ أكثر من قرنين- بعد 4 سنوات من رفض ترمب الاعتراف بهزيمته في انتخابات عام 2020.

جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)

لكن هذه المرة تواصل الجانبان. وبناء على طلب بايدن، أطلع سوليفان والتز في حديث خاص على تفاصيل سياسة الإدارة الحالية على المستوى الدولي، في حين يقول مساعد ترمب دوماً إن الفريق الجديد سينتهج مساراً مختلفاً تماماً عن هذه السياسة.

ويعمل مبعوث ترمب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ومبعوث بايدن بريت ماكغورك، معاً، هذا الأسبوع، لإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، مقابل الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى «حماس».

جيك سوليفان ومايك والتز (أ.ف.ب)

وعندما سئلا عن التحديات الرئيسية التي تواجه الإدارة الجديدة، أشار والتز وسوليفان إلى حرائق الغابات في كاليفورنيا والصين.

وذكر سوليفان أيضاً اتفاق الرهائن والذكاء الاصطناعي، باعتبارهما قضيتين رئيستين، بينما تطرق والتز إلى الحدود الأميركية مع المكسيك، وهي المنطقة التي أطاح فيها ترمب بنهج بايدن؛ لكنه أشاد بإدارة بايدن فيما يتعلق بتعزيز العلاقات بين حلفاء الولايات المتحدة في آسيا.