شعر بالعزلة والإحباط والغضب... كواليس قرار بايدن الانسحاب من سباق الرئاسة

الأداء «الكارثي» أمام ترمب واستطلاعات الرأي وفرار المانحين عجّلت بقراره

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
TT

شعر بالعزلة والإحباط والغضب... كواليس قرار بايدن الانسحاب من سباق الرئاسة

الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

وسط مجموعة من المستشارين الموثوقين والسيدة الأولى جيل بايدن في منزل عطلته على ساحل ديلاوير مساء (السبت)، فكر الرئيس جو بايدن في مسيرته السياسية التي امتدت لأكثر من نصف قرن، وبدأ يستنتج أنها قاربت على الوصول لنهايتها.

وبحسب أشخاص مطلعين على كواليس القرار، فإن بايدن شعر بالعزلة والإحباط والغضب، وشعر بالخيانة من قبل الحلفاء الذين انقلبوا عليه في وقت احتياجهم. وقال شخص على اتصال بالدائرة الداخلية لبايدن: «هو غاضب حقاً»، حسبما نقلت شبكة «إن بي سي».

وقال أحد كبار مستشاري حملة بايدن لشبكة «سي إن إن» إن قراره النهائي بمغادرة السباق تم التوصل إليه في الـ48 ساعة الماضية، حيث استشار العائلة وكبار المستشارين عبر الجوال أثناء تعافيه من «كوفيد - 19». وقال مصدر مطلع على الأمر للشبكة الأميركية إن خطط الخروج من السباق بدأت مساء السبت وتم الانتهاء منها يوم الأحد.

وأتى الإعلان عن انسحاب بايدن من السباق الرئاسي في وسط النهار أمس (الأحد) بالتوقيت المحلي. وبعد تكهنات استمرت ثلاثة أسابيع بسبب تراجع قدراته الذهنية ووضعه الجسدي، حزم الرئيس السادس والأربعون للولايات المتحدة جو بايدن البالغ 81 عاماً أمره وقرر عدم خوض الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في مواجهة دونالد ترمب.

دائرة ضيقة... وتوقيت مفاجئ

وأشار تقرير «إن بي سي» إلى أن بايدن أصبح يقبل على مضض أنه لا يستطيع الحفاظ على حملته مع تراجع أرقام استطلاعات الرأي، وفرار المانحين، ودفعه نجوم الحزب إلى الخروج. وأفاد التقرير بأن بايدن ربما كان أبطأ من الديمقراطيين الآخرين في إجراء هذه الحسابات، لكنه فهمها بالكامل بحلول ليلة السبت.

وفي مكالمات هاتفية منفصلة أمس (الأحد)، أخبر بايدن نائبته كامالا هاريس، ورئيس موظفي البيت الأبيض، جيف زينتس، ورئيسة حملته، جين أومالي ديلون، أنه سيتخلى عن محاولة إعادة انتخابه.

ولم يتشاور بايدن إلا مع عدد قليل جداً من مساعديه المقربين بشأن القرار. وقد تُرك بعض أعضاء دائرته الداخلية دون علم حتى دقائق قبل أن ينشر إعلانه على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك أحد أقرب مستشاري الاتصالات له، أنيتا دان، وفقا لـ«سي إن إن». وعدت وسائل إعلام أميركية اضطرار بايدن لإبلاغ مستشاريه بهذه الطريقة أنها تؤكد مدى تضييق دائرته في الأيام الأخيرة على أفراد الأسرة وعدد قليل من المساعدين والمستشارين القدامى مايك دونيلون، وستيف ريتشيتي، وأنتوني برنال، وآني توماسيني.

الرئيس الأميركي جو بايدن يحضر حفل وسام الشرف في البيت الأبيض بواشنطن 3 يوليو 2024 (أ.ب)

وعلى الرغم من أن انسحاب بايدن من السباق الرئاسي ليس مفاجأة للبيت الأبيض ومسؤولي الحملة، فإن التوقيت كان مفاجأة حقيقية عندما نشر بايدن منشوره على موقع «إكس». وسارع كبار مساعدي بايدن إلى عقد اجتماعات منفصلة للتحدث مع الموظفين في البيت الأبيض والحملة، لطمأنة المساعدين السياسيين بأن وظائفهم آمنة.

وأشار تقرير «إن بي سي» إلى أن أداء بايدن في المناظرة في 27 يونيو (حزيران) أمام ترمب كان «الأكثر كارثية» في التاريخ السياسي الأميركي الحديث، إذ فشل بايدن في طمأنة زملائه الديمقراطيين، أو ما يكفي منهم، في ظهوره العلني التالي. كما عجل بالقرار قطع كبار المانحين الأموال عن حملته والحزب. حيث بدأ المسؤولون المنتخبون في مطالبته بالتخلي عن محاولته. قالت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي من كاليفورنيا، والعضو البارز في الحزب الديمقراطي، إنه لا يزال يتعين عليه اتخاذ قرار، بعد أن أصر على أنه اختار البقاء في السباق.

وفي السياق، أشار تقرير لشبكة «سي إن بي سي» الأميركية نقلاً عن شخص لديه معرفة مباشرة بأن بايدن تحدث مع بيلوسي أول من أمس (السبت)، رغم نفي رسمي لمكتبها عقب تلك الأنباء.

توقيت غير مسبوق

إلى ذلك، عدَّ تقرير لسبكة «سي إن إن» أن إعلان بايدن انسحابه من السباق الرئاسي كان بطريقة بسيطة من خلال منشور عبر موقع «إكس»، للكشف عن أحد أكثر القرارات التاريخية في السياسة الأميركية الحديثة، لكن الوقت لم يكن في صالح بايدن للتوصل إلى قرار أو إصدار إعلان.

وأفادت «سي إن إن» بأنه لم يحدث من قبل أن غادر أي رئيس سباق إعادة انتخابه بهذا القدر من القرب من يوم الانتخابات. ولمدة 24 يوماً بدا كما لو أنه كان يخطط بعناد للتغلب على العاصفة التي أعقبت مناظرته أمام ترمب في أتلانتا. كما أشار تقرير لشبكة «سي إن إن» إلى أن بايدن أصبح أكثر عزلة من أي وقت مضى، ولم يتمكن من الصمود أمام الضغط الذي يجري وراء الكواليس وفي العلن.

الرئيس جو بايدن يغادر بعد أن تحدث من غرفة روزفلت بالبيت الأبيض في واشنطن 24 أغسطس 2021 (أ.ب)

وتوقع كبار مساعدي بايدن أن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، وهما ديمقراطيان، من المرجح أن يدعو كلاهما بايدن علناً إلى التنحي بعد اجتماعه المرتقب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع.

والتقى بايدن أيضاً مع دونيلون وريكيتي يوم السبت. وأشار تقرير شبكة «إن بي سي» إلى أنهما أطلعا بايدن «بكل شيء حرفياً» - بما في ذلك استطلاعات الرأي القاتمة في الولايات التي تشهد منافسة - حول المسار المحتمل للمضي قدماً، ووفقاً لمصادر، فإن المساعدين الموثوقين لم يقدما أي توصية بشأن ما يجب عليه فعله. وكان شعورهما أن بايدن قد اتخذ قراره بالفعل بالانسحاب، وأن تلك المناقشة عززت قراره.

رجل يخاطر بإرثه

والخميس، قال كبير موظفي البيت الأبيض السابق رون كلاين إن بايدن «يشعر بالضغط». وفي ليلة الجمعة، وفقاً للشخص الذي كان على اتصال بدائرته الداخلية، فإنه لم يكن قد غيّر رأيه بعدُ.

وقد أخبره أصدقاؤه أنه يخاطر بإرثه - بوصفه الرجل الذي هزم دونالد ترمب وسن سلسلة من القوانين الرئيسية - ويمكن أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح كبش فداء إذا تعرض الديمقراطيون لهزيمة كبيرة في نوفمبر. وكان لا يزال يعتقد، حتى نهاية هذا الأسبوع على الأقل، أنه قادر على الفوز مرة أخرى.

وفي عام 2020 وعد بايدن بأن يكون «الجسر» للجيل التالي. وفي النهاية، لم يكن يريد أن يكون جسراً بين فترتين لترمب.

وقال سيدريك ريتشموند، المسؤول السابق في البيت الأبيض، والذي كان رئيساً مشاركاً لحملة بايدن لعام 2020، أمس (الأحد): «لقد أصبح الوضع لا يتجه نحو الفوز. وبمجرد نضوب الأموال وسحب المسؤولين المنتخبين دعمهم، سيصبح من المستحيل الفوز».

وبحلول الوقت الذي أجرى فيه بايدن مكالمة هاتفية مع مجموعته الكاملة من كبار المستشارين في الساعة 1:45 مساءً بالتوقيت المحلي أمس (الأحد)، تم بالفعل كتابة بيان رسمي يعلن قراره. وبعد دقيقة واحدة، نشر حساب بايدن عبر موقع «إكس» الخاص به هذا البيان، وأخبر الجمهور أنه سيبقى في منصبه لكنه سيتنازل عن ترشيح حزبه - مما جعله أول رئيس حالي مؤهل يفعل ذلك منذ ليندون جونسون في عام 1968.

وقال بايدن في رسالته: «أعتقد أنه من مصلحة حزبي وبلدي أن انسحب، وأن أركّز فقط على مهامي بوصفي رئيساً إلى حين انتهاء ولايتي».

وبعد أقل من 30 دقيقة من ذلك، أيد بايدن كاميلا هاريس، بوصفها «الخيار الأفضل» للتغلب على ترمب في سباق ينطلق بعد أربعة أشهر. وجاء في بيان التأييد أنه يمكنها تقديم رؤية واضحة وموحدة لمستقبل الولايات المتحدة.

الرئيس جو بايدن مع نائبته كاميلا هاريس في البيت الأبيض (أرشيفية - أ.ب)

وبعد إعلانه، أجرى بايدن ما بين 40 إلى 50 مكالمة هاتفية بشأن قراره مساء أمس (الأحد).

وفي الأيام الأخيرة، مع تزايد الدعوات المطالبة بالتنحي، طلب بايدن الاطلاع على استطلاعات الرأي التي طلبتها حملته حول كيفية أداء هاريس، ووفقاً لشخصين مطلعين على الأمر، قالوا لشبكة «إن بي سي» إنه قام أيضاً بمراجعة الاستطلاعات العامة لأنه يريد معرفة المزيد عن موقفها ضد ترمب. وقال الشخصان المطلعان على الأمر إن استطلاعات رأي هاريس كانت متشددة للغاية، ولم يتم تعميمها إلا على عدد قليل من كبار مساعدي الحملة، بما في ذلك دونيلون وأومالي ديلون.

عوامل سياسية أم صحية؟

وأشار تقرير «إن بي سي» إلى أن قرار بايدن يتوقف بالكامل على عوامل سياسية، وليس على مخاوف بشأن صحته أو قدرته على القيام بعمله. وقال مسؤول كبير في الإدارة إنه لا توجد معلومات طبية جديدة تحدد قرار بايدن، رغم أنه قال بنفسه مؤخرا إنه قد يعيد النظر في ترشيحه إذا ظهرت «حالة طبية ما». كما أكد مسؤول كبير في البيت الأبيض لشبكة «سي إن إن» أن قرار بايدن لا علاقة له بأي مشاكل طبية.

ولا يزال بايدن يتعافى من تشخيص إصابته بفيروس «كورونا - 19»، وبقي في منزله في ريهوبوث بيتش بولاية ديلاوير طوال عطلة نهاية الأسبوع مع زوجته السيدة الأولى جيل بايدن.

وراقب أطباء حالة بايدن الصحية في الأيام الأخيرة بعد إعلان تشخيصه بالإصابة بـ«كوفيد - 19» وقام بإجراء فحوصات الدم المتعلقة به، ولم يخضع بايدن لأي اختبارات أو فحوصات طبية مكثفة في الأيام الأخيرة. وذكر التقرير أن آخر حالة بدنية شاملة له كانت في فبراير (شباط).

وأوضح بايدن أنه «سيتحدث إلى الأمة في وقت لاحق من هذا الأسبوع بمزيد من التفاصيل حول قرار الانسحاب».


مقالات ذات صلة

إرث بايدن: إنجازات لم تُترجم إلى دعم سياسي

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث قبل التوقيع على أوامر تنفيذية بشأن الرعاية الصحية في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة... 28 يناير 2021 (أ.ف.ب)

إرث بايدن: إنجازات لم تُترجم إلى دعم سياسي

بدأت رئاسة الرئيس الأميركي جو بايدن تعمل بهدف شفاء أمة أميركية مصدومة تواجه وباءً وتضخماً. وعلى الرغم من ثقته الأولية، فإن الدعم للرئيس بايدن تآكل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب محاط بعملاء الخدمة السرية الأميركية أثناء مساعدته على الخروج من تجمع انتخابي في بتلر بولاية بنسلفانيا في 13 يوليو 2024 (أ.ب)

جهاز الخدمة السريّة الأميركي يقر بفشله في حماية ترمب

أقرّت مديرة جهاز الخدمة السريّة الأميركي كيمبرلي تشيتل، الاثنين، بأن الوكالة فشلت في مهمة منع محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (يسار) تصفق بينما يتعانق الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس السابق باراك أوباما خلال مناسبة بالبيت الأبيض بالعاصمة الأميركية بواشنطن في 5 أبريل 2022 (أ.ف.ب)

لماذا لم يدعم أوباما ترشيح كامالا هاريس؟

يمكن تفسير موقف أوباما، وفق «سكاي نيوز»، على أنه دعوة لمسابقة مفتوحة بين المرشحين عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ نسخ من صحف اليوم التالي لإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سيتخلى عن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة في مدينة نيويورك الاثنين (رويترز)

انسحاب بايدن يمنح الديمقراطيين فرصة جديدة بقدر ما يثير الغموض مخاوفهم

يمنح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن، من خوض الانتخابات في الولايات المتحدة، الحزب الديمقراطي فرصة جديدة وإنْ متأخرة لإعادة إطلاق حملة شابتها العثرات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يقف بجوار نائبه جي دي فانس في تجمع انتخابي في ميشيغان (رويترز)

حملة ترمب تغير استراتيجيتها لمهاجمة كامالا هاريس

بدأت حملة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس في إجراء تغييرات تكتيكية كبيرة لتحويل الهجمات نحو كامالا هاريس.

هبة القدسي (واشنطن)

في استطلاعات الرأي الأميركية… دعم ديمقراطي لهاريس وتفوق طفيف لترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن مع نائبته كامالا هاريس (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن مع نائبته كامالا هاريس (د.ب.أ)
TT

في استطلاعات الرأي الأميركية… دعم ديمقراطي لهاريس وتفوق طفيف لترمب

الرئيس الأميركي جو بايدن مع نائبته كامالا هاريس (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن مع نائبته كامالا هاريس (د.ب.أ)

على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن أيد نائبته كامالا هاريس لتحل محله في السباق الرئاسي، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة لا تجد فرقاً كبيراً بين شعبيتها هي وبايدن ضد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.

وحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، كشفت استطلاعات الرأي تفوق ترمب على هاريس بنسبة 1.5 نقطة مئوية، أي أقل بقليل من تقدمه على بايدن البالغ 1.9 نقطة في الاستطلاعات نفسه.

وأظهر استطلاع آخر للرأي أجرته «واشنطن بوست» مع شبكة «أي بي سي نيوز» و«إيبسوس» هذا الشهر أن 70 في المائة من الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية يقولون إنهم راضون عن تنحي بايدن وترشح هاريس.

في الاستطلاع نفسه، رشح 29 في المائة من الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية هاريس كخيارهم بعد بايدن. بينما أيد 7 في المائة حاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم.

وكذلك حصلت كل من ميشيل أوباما، ووزير النقل بيت بوتيجيج، وحاكمة ميشيغان جريتشين ويتمير على 3 في المائة من الأصوات.

في وقت سابق من شهر يوليو (تموز)، استطلعت مجلة «الإيكونوميست» و«يو جوف» آراء الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية حول المرشحين المحتملين لاستبدال بايدن، وحصلت هاريس على أعلى نسبة موافقة.

وبعيداً عن بايدن، فقد احتشد بالفعل العديد من الديمقراطيين البارزين الآخرين حول هاريس. ومع ذلك، لا تزال بحاجة إلى أن يتم اختيارها من قبل المندوبين الديمقراطيين لتصبح مرشحة الحزب.