يستضيف الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، ورئيس الفلبين، فرديناند ماركوس، بالبيت الأبيض، الخميس، في قمة ثلاثية تستهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية والدفاعية في مواجهة طموحات الصين وقوتها المتنامية في أعقاب التدريبات العسكرية الرباعية بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين وأستراليا يوم الأحد في بحر الصين الجنوبي، التي أثارت غضب بكين.
وهذه أول قمة ثلاثية بين الولايات المتحدة والحليفتين الآسيويتين، وتأتي في إطار استراتيجية بايدن لدمج التحالفات الثنائية القائمة في تحالفات أوسع لزيادة نفوذ الولايات المتحدة في آسيا، وتستهدف تعزيز التعاون البحري الثلاثي في بحر الصين الجنوبي لمواجهة بكين. وقد استضاف بايدن قمة ثلاثية مشابهة مع اليابان وكوريا الجنوبية العام الماضي لمناقشة التهديدات المقبلة من كوريا الشمالية.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، في بيان إن القادة «سيناقشون التعاون الثلاثي لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والتكنولوجيات الناشئة، وتعزيز سلاسل إمدادات الطاقة النظيفة والتعاون المناخي، وتعزيز السلام والأمن في المحيط الهادي وفي جميع أنحاء العالم». وأضافت أن الزعماء الثلاثة «سيؤكدون مجدداً أيضاً التحالفات القوية بين الولايات المتحدة والفلبين والولايات المتحدة واليابان».
وأوضحت جان بيير أن بايدن سيعقد اجتماعاً فردياً مع الرئيس ماركوس لمناقشة العلاقات الثنائية، والتأكيد على التحالف الصارم بين الولايات المتحدة والفلبين، وتجديد التزام الولايات المتحدة بدعم القانون الدولي، وتعزيز منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة والمفتوحة.
استقبال حافل لكيشيدا
وقبل انعقاد القمة الثلاثية، يستقبل بايدن رئيس الوزراء الياباني، يوم الأربعاء، في أجواء احتفالية واسعة، حيث بدأ البيت الأبيض في تعليق الأعلام اليابانية والأميركية على أعمدة الإنارة على طول طريق بنسلفانيا المؤدية إلى البيت الأبيض، إضافة إلى عقد حفل عشاء رسمي، مساء الأربعاء، على شرف رئيس الوزراء الياباني، دُعي إليه عدد كبير من كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية والكونغرس ورجال الأعمال.
ويعقد الزعيمان مؤتمراً صحافياً بحديقة الزهور، كما يلقي كيشيدا خطاباً أمام الكونغرس بمجلسيه صباح الخميس قبل اجتماعه مع الرئيس الفلبيني والرئيس بايدن. وسيكون كيشيدا أول رئيس وزراء ياباني، منذ زيارة شينزو آبي عام 2015، يتم استقباله بكل هذا التكريم في واشنطن.
وقال كيشيدا، يوم الجمعة، في تصريحات لوسائل الإعلام إن التعاون الوثيق بين اليابان والولايات المتحدة والفلبين أمر بالغ الأهمية من أجل الحفاظ على نظام حر ومفتوح يقوم على سيادة القانون من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادي للمنطقة. وأضاف: «إننا نشهد العدوان الروسي في أوكرانيا والحرب الإسرائيلية في غزة والوضع المتوتر في شرق آسيا، لذا فنحن نواجه نقطة تحول تاريخية تسعى فيها اليابان إلى تعزيز قدرتها الدفاعية، وإجراء تغييرات في سياسة اليابان الأمنية لمواجهة أي تهديدات».
ويسعى كيشيدا إلى استعراض عضلات طوكيو الدبلوماسية وعلاقتها القوية مع واشنطن، وتحسين شعبيته المتراجعة في اليابان، وسط منافسة ساخنة على زعامة الحزب «الليبرالي الديمقراطي» الحاكم في سبتمبر (أيلول) المقبل.
وتركز محادثات بايدن مع كيشيدا في جانبها السياسي على تقوية التحالفات الإقليمية، وفي جانبها الاقتصادي على صفقة الاستحواذ لشركة «نيبون ستيل» اليابانية على شركة «يو إس ستيل» لصناعة الصلب الأميركية بقيمة 15 مليار دولار، وهي الصفقة التي أثارت انتقادات من قبل الرئيس السابق دونالد ترمب ضد إدارة بايدن.
ويخشى كيشيدا من احتمالات فوز الرئيس السابق دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ومن احتمال سعيه، إذا عاد إلى البيت الأبيض، للتوصل إلى اتفاق مع الصين يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، وأن يزيد من التدابير التجارية الحمائية، أو يطالب اليابان بدفع المزيد من الأموال مقابل التعاون مع القوات الأميركية.
وقد غيرت اليابان من عقيدتها العسكرية بصورة متزايدة في عهد كيشيدا، وتعهدت بمضاعفة الإنفاق الدفاعي إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مما جعلها أكبر الدول إنفاقاً عسكرياً في العالم، ولديها خطط للحصول على مئات من صواريخ كروز التي يمكنها ضرب أهداف على بُعد ألف كيلو متر، وشراء صواريخ توما هوك الأميركية، وإنشاء قيادة عمليات مشتركة.
وترى الولايات المتحدة أن اليابان يمكن أن تصبح قاعدة إنتاج محتملة للذخائر، بما في ذلك أنظمة باتريوت «PAC3» المضادة للصواريخ، والتي يمكن إعادة تصديرها إلى أوكرانيا. ويوجد حوالي 54 ألف جندي أميركي في اليابان تابعين لقيادة المحيطين الهندي والهادي في هاواي.
ومن المتوقع، وفقاً لمسؤولي البيت الأبيض، أن تتناول قمة بايدن - كيشيدا مشاركة اليابان في اتفاقية الدفاع الثلاثية «أكوس» (AUKUS) التي أبرمتها الولايات المتحدة مع أستراليا وبريطانيا، لكنّ المسؤولين يشيرون إلى وجود عقبات تتعلق بحاجة اليابان إلى تطوير دفاعات إلكترونية أفضل، وقواعد أكثر صرامة للأمن السيبراني. وأشار مسؤول بالإدارة إلى أن واشنطن وطوكيو تسعيان إلى عقد صفقات في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والطيران، وهو ما سيسهم في خلق المزيد من الوظائف الأميركية.
ومجال الفضاء هو مجال آخر للتعاون، حيث تأمل اليابان في إشراك أول رائد فضاء لها للهبوط على سطح القمر من خلال مشروع أرتميس الأميركي للفضاء.
الفلبين وتوترات بحر الصين
ويعقد بايدن، صباح الخميس، اجتماعاً ثنائياً مع الرئيس الفلبيني قبل أن ينضم إليهما رئيس الوزراء الياباني كيشيدا. وتزدحم أجندة لقاء القمة الثلاثية بمجموعة من القضايا على خلفية التوترات في بحر الصين الجنوبي، حيث تقوم الصين بعمليات توغل متكررة بشكل متزايد في المياه التي تطالب بها الفلبين. وقد أدى ذلك إلى سلسلة من المواجهات الخطيرة بين البلدين في الآونة الأخيرة، حيث اصطدام خفر السواحل الصيني بسفينة تابعة لخفر السواحل الفلبيني، وأصيب أربعة من أفراد البحرية الفلبينية.
وقع الحادث وغيره من الحوادث المشابهة بالقرب من منطقة سكند توماس شول، وهي منطقة تحتلها الفلبين في جزر سبراتلي، والتي أقامت الصين حولها حصاراً غير رسمي، مما أدى إلى مضايقة المحاولات الفلبينية لإعادة إمداد وحدة مشاة البحرية التابعة لها المتمركزة في المياه الضحلة. تحاول واشنطن تهدئة مخاوف الفلبين التي ترتبط مع الولايات المتحدة بمعاهدة الدفاع المشترك الموقعة عام 1951.
وقال الرئيس الفلبيني إن الهدف من الاجتماع مع بايدن وكيشيدا «هو مواصلة خطة تعزيز التعاون بين الدول الثلاث - الولايات المتحدة واليابان والفلبين». حيث تريد مانيلا تنفيذ خطط طموحة للقيام بدوريات بحرية مشتركة بين الدول الثلاث، لكن البيت الأبيض رفض تأكيد هذه الخطط التي قد تؤدي إلى رد فعل قوي من بكين.
وقال منسق الاتصالات بمجلس الأمن القومي جون كيربي للصحافيين خلال مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض يوم الخميس الماضي: «من المؤكد أن التوترات في بحر الصين الجنوبي لن تختفي، وقد أثار الرئيس الصيني شي جينبينغ في مكالمته مع الرئيس بايدن هذه القضايا».
وقد عززت كل من واشنطن وطوكيو تعاونهما الأمني والبحري مع مانيلا على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، وسلمت اليابان العام الماضي إلى الفلبين مجموعة من الرادارات الجوية. ويتفاوض البلدان حاليا على اتفاقية وصول متبادلة تسهل على القوات اليابانية القيام بعمليات تدريبية متبادلة. ويسعى الرئيس الفلبيني إلى مناقشة ملفات أخرى بجانب الملفات الدفاعية، منها التعاون الاقتصادي ومشاريع للبنية التحتية، وفي مجال الطاقة.
مخاوف مشتركة
وتسعى إدارة بايدن إلى تعزيز هذا التعاون الثلاثي، حيث تنظر إلى كل من الفلبين واليابان بوصفهما من الدول الأكثر موثوقية للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادي، إضافة إلى أستراليا. وتشترك هذه الدول في مخاوفها بشأن النفوذ البحري المتنامي للصين، ومبدأ «منطقة المحيط الهادي الهندي الحرة والمفتوحة».
وتخشى إدارة بايدن من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا الذي قد يشجع بكين على التحرك ضد تايوان، وهي الجزيرة الاستراتيجية التي تتمتع بالحكم الذاتي، وتنتج أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم، وتستورد منها الولايات المتحدة معظم احتياجاتها من أشباه الموصلات التي تدخل في صناعات السيارات، وأجهزة الكومبيوتر والكثير من الصناعات.
وقال كيرت كامبل مسؤول ملف الصين والمحيطين الهندي والهادي في مجلس الأمن القومي للصحافيين إن الرئيس بايدن يريد أن تخرج القمة بخطط لتطوير القيادة العسكرية الأميركية في اليابان لجعلها أكثر قدرة على التعامل مع الهجمات الإرهابية، وتعزيز التعاون بين الجانبين الأميركي والياباني لمواجهة الأزمات، إضافة إلى الاتفاق على خطط تسمح بإنتاج ثلاثي مشترك للمعدات العسكرية والدفاعية. وشدد على أن هذه القمة التي تعد الأولى من نوعها ستمهد الطريق لتعميق التعاون الثلاثي في الأشهر والسنوات المقبلة.