نتائج «الثلاثاء الكبير» تعزز فرص ترمب في السباق الرئاسي

نيكي هايلي تنسحب من السباق... ورجل أعمال مجهول يهزم بايدن في إقليم ساموا

جانب من خطاب ترمب في نادي مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا (رويترز)
جانب من خطاب ترمب في نادي مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا (رويترز)
TT

نتائج «الثلاثاء الكبير» تعزز فرص ترمب في السباق الرئاسي

جانب من خطاب ترمب في نادي مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا (رويترز)
جانب من خطاب ترمب في نادي مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا (رويترز)

احتفل دونالد ترمب بـ«ليلة مذهلة» مع اقترابه من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، عبر تحقيقه فوزاً سهلاً في الانتخابات التمهيدية خلال «الثلاثاء الكبير»، ما يعني تكرار المشهد الانتخابي لنوفمبر (تشرين الثاني) 2020 متمثّلاً في المنافسة بين الرئيس الجمهوري السابق وخلفه الديمقراطي جو بايدن. وشهدت 15 ولاية ومنطقة أميركية واحدة، انتخابات تمهيدية في إطار «الثلاثاء الكبير» الذي يعد محطة حاسمة في السباق إلى انتخابات عام 2024، فيما يسعى المرشحان الأوفر حظا لولاية ثانية في البيت الأبيض. وكانت ولايتا تكساس وكاليفورنيا من الانتصارات الرئيسية لدونالد ترمب على نيكي هايلي التي اقتصر فوزها على ولاية واحدة، هي فيرمونت. وشمل فوز دونالد ترمب الثلاثاء ولايات ليبرالية مثل فيرجينيا، فضلا عن تلك المحافظة مثل الولايات الجنوبية.

أما في المعسكر الديمقراطي، فلم يواجه بايدن أي منافسة تذكر من مرشحين اثنين آخرين، ما يجعل فوزه بترشيح الحزب مجرد إجراء شكلي. ويلقي بايدن خطاب حال الاتحاد أمام مجلسي الكونغرس، الخميس، ما يشكل فرصة لعرض برنامج حملته الانتخابية. وفاز الرئيس البالغ 81 عاما في كل الولايات التي شهدت انتخابات في «الثلاثاء الكبير»، باستثناء خسارته في منطقة ساموا الأميركية الصغيرة في المحيط الهادي. وحذر الرئيس الديمقراطي من أن ترمب «مصمم على تدمير» الديمقراطية الأميركية. وقال في بيان صادر عن حملته إن ترمب «سيفعل أو يقول أي شيء للوصول إلى السلطة».

صورة تجمع بايدن وترمب وهايلي (أ.ب)

الرقم السحري

تمكن الرئيس السابق والمرشح الجمهوري ترمب من حصد 1002 مندوب منذ بداية الانتخابات التمهيدية، في مقابل منافسته نيكي هايلي التي حصلت على إجمالي 92 مندوبا.

وأعلنت نيكي هايلي انسحابها من السباق الجمهوري، ليصبح ترمب المرشح الجمهوري الوحيد الباقي في السباق والأقرب للحصول على الرقم السحري بحصد أصوات 1215 مندوبا، والفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي. ومع ترقّب إجراء الانتخابات التمهيدية في فلوريدا وأوهايو وأريزونا، في 12 و19 مارس (آذار)، تتوقع حملة ترمب تأمينه العدد الكافي من المندوبين قبل نهاية الشهر الحالي. وسيصدر ترشيح الحزب الجمهوري رسميا في المؤتمر الوطني للحزب الذي يعقد في يوليو (تموز) المقبل.

جانب من خطاب ترمب في نادي مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا (رويترز)

وفي خطاب ألقاه في منتجعه في ولاية فلوريدا، تفادى ترمب ذكر منافسته نيكي هايلي وركز على انتصاره الكاسح في انتخابات «الثلاثاء الكبير» ومهاجمة الرئيس بايدن. وكعادته، انتقد ترمب سياسات الهجرة التي تنتهجها إدارة بايدن، واصفا إياه «بالرئيس الأسوأ في التاريخ». وقال لأنصاره: «سنفوز في هذه الانتخابات، وسيكون الخامس من نوفمبر أهم يوم في تاريخ بلادنا». وشدد على أنه يتعين الفوز بهذه الانتخابات، «لأنه إذا خسرنا، فلن يتبقى لنا بلد».

الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه شكوكاً كبيرة حول قدرته البدنية والذهنية على القيام بأعباء الرئيس في ولاية ثانية لمدة أربع سنوات (إ.ب.أ)

ديمقراطيا، فاز الرئيس بايدن بجميع الولايات الخمس عشرة باستثناء إقليم ساموا الواقع في المحيط الهادي، لكنه لم يلق خطابا. واكتفى بإصدار بيان وصف فيه ترمب بأنه تهديد للديمقراطية الأميركية. وقال: «اليوم، جعل ملايين الناخبين في جميع أنحاء البلاد أصواتهم مسموعة، ما يظهر أنهم مستعدون لمواجهة خطة دونالد ترمب المتطرفة لإعادتنا إلى الوراء». وأضاف أن «نتائج انتخابات الليلة تترك للشعب الأميركي خيارا واضحا: هل سنواصل المضي قدما؟ أم سنسمح لدونالد ترمب بجرّنا إلى الوراء في الفوضى والانقسام والظلام التي اتسمت بها فترة ولايته؟». وتابع: «رسالتي للبلاد أن كل جيل من الأميركيين سيواجه لحظة يتعين عليه فيها الدفاع عن الديمقراطية والحرية الشخصية، والدفاع عن حقنا في التصويت وحقوقنا المدنية». وأضاف أن «هذه هي معركتنا، وسننتصر معا». ومن المقرر أن يلقي بايدن خطاب حالة الاتحاد الخميس، قبل توجّهه يومي الجمعة والسبت إلى ولايتي بنسلفانيا وجورجيا المتأرجحتين.

مباراة العودة

وبهذه النتيجة، تتّجه الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى مباراة عودة بين ترمب (77 عاما) وبايدن (81 عاما)، وهي أول منافسة متكررة بين مرشحين في انتخابات الرئاسة الأميركية منذ عام 1956 ولا تجد الكثير من الحماس بين الناخبين، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن معدلات التأييد لكليهما منخفضة.

فعلى الجانب الجمهوري، تلاحق ترمب مشكلات قانونية كثيرة، وهو يدافع عنه نفسه ضد 91 تهمة في أربع قضايا منفصلة. ورغم أنه أصغر من بايدن بأربع سنوات، فإنه ارتكب مؤخرا عدة أخطاء خلال الحملة الانتخابية؛ فخلط بين نيكي هايلي ونانسي بيلوسي، وبين بايدن و(باراك) أوباما. وتتخوّف تيّارات داخل الحزب من تصريحاته التحريضية ضد الأقليات والمهاجرين، ومن ميله إلى خطط «انتقامية» ضد خصومه السياسيين إذا فاز بالانتخابات.

ويتوقع مراقبون أن تتجه ولاية ترمب الثانية نحو الحمائية التجارية، وتشديد قواعد الهجرة، وخفض الضرائب، وانتهاج سياسة خارجية انعزالية.

ورغم ذلك، يتمتع ترمب بشعبية كبيرة بين الناخبين من جميع الأعمار والأعراق، بما في ذلك الجمهوريون من الطبقة العاملة وخريجي الجامعات، وفقا لاستطلاعات الرأي.

وفي الجانب الديمقراطي، يُعدّ ترشّح بايدن لولاية ثانية مقامرة محفوفة بالمخاطر، حيث تصاعدت المخاوف حيال قدرات بايدن الذهنية والبدنية. ومع تجاوزه 81 عاما، يخشى عدد كبير من الديمقراطيين من عدم قدرة بايدن على تولي منصب الرئيس لمدة أربع سنوات أخرى، في وقت تستعر فيه الحروب في أوروبا والشرق الأوسط، ويشهد الاقتصاد العالمي تراجعا في معدلات النمو. وتشمل أجندة بايدن لولاية ثانية خطط إحياء التصنيع المحلي، وتحسن البنية التحتية، ومكافحة التغير المناخي، كما سيعمل على زيادة الضرائب على الأثرياء وتعزيز التحالفات الأجنبية.

مفاجآت «الثلاثاء الكبير»

نيكي هايلي تحيي مؤيديها في حدث انتخابي في بورتلاند بولاية مين قبل ساعات من انسحابها من السباق (رويترز)

لم يواجه بايدن وترمب منافسة شديدة في الانتخابات التمهيدية في «الثلاثاء الكبير»، إلا أن ذلك لم يمنع المرشحة الجمهورية نيكي هايلي من سرقة بعض الأضواء من ترمب، وإن كانت أعلنت عن انسحابها بعد ذلك ببضع ساعات. وفازت هيلي بولاية واحدة في انتخابات الثلاثاء الكبير، وهي ولاية فيرمونت بنسبة 50 % مقابل 46% لترمب، في فوز مفاجئ حرم ترمب في اكتساح كامل للولايات الـ15. وتعد ولاية فيرمونت ولاية ليبرالية لم يستطع الحزب الجمهوري الفوز بها منذ 36 عاما. وقبل الثلاثاء الكبير حصدت هايلي فوزا وحيدا في انتخابات الحزب الجمهوري، وذلك في واشنطن العاصمة.

وأكّدت نتائج «الثلاثاء الكبير» إحكام ترمب قبضته على الحزب الجمهوري، مع اقترابه من الفوز بترشيحه.

وكان خصوم ترمب الجمهوريون يعوّلون على هايلي، رغم محدودية فرصها، لكنّها فشلت في الفوز في ولايات تشهد فيها شعبية ترمب تراجعا، مثل فرجينيا أو ماساتشوستس.

وقالت أوليفيا بيريز-كوباس، المتحدثة باسم حملة هايلي، في بيان الثلاثاء: «يشرفنا أن نتلقى دعم ملايين الأميركيين في جميع أنحاء البلاد اليوم، بما في ذلك في فيرمونت حيث أصبحت نيكي أول امرأة جمهورية تفوز بجولتين من الانتخابات التمهيدية الرئاسية». وأضافت: «لا تزال هناك كتلة كبيرة من الناخبين الجمهوريين لديهم مخاوف عميقة بشأن دونالد ترمب، ومعالجة مخاوف هؤلاء الناخبين من شأنها أن تجعل الحزب الجمهوري وأميركا أفضل». ورغم إعلان حملة نيكي هيلي خروجها من السباق الانتخابي، فإنها أشارت أنها لن تدعم الرئيس ترمب حينما يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري.

هزيمة في ساموا

المرشح الرئاسي الديمقراطي جيسون بالمر فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ساموا الأميركية (أ.ب)

كانت أبرز المفاجآت هي نتيجة الانتخابات في إقليم ساموا الأميركي، حين حقّق ديمقراطي مجهول فوزا على الرئيس بايدن. وحقق رجل الأعمال جيسون بالمر مفاجأة مذهلة بعد تغلبه على بايدن. ورغم أن ذلك لم يؤثر على فوز بايدن، لكنه شكل أول هزيمة لبايدن في الانتخابات التمهيدية وكان بمثابة إحراج ملحوظ لحملته.

ومن المتوقع أن يمنح التجمع الديمقراطي في ساموا الأميركية ثلاثة مندوبين لبالمر، وثلاثة لبايدن. وقال بالمر لوسائل الإعلام الأميركية إنه يدرك من غير المرجح أن يتفوق على بايدن في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، لكنه «وجه حملته نحو الأفكار والحلول في ظل استطلاعات للرأي تشير إلى أن 56% من الأميركيين لا يوافقون على قيادته». وأضاف: «لا أعتقد أنه يتعين علينا التنازل عن البيت الأبيض لإدارة جمهورية دون إجراء نقاش قوي يتضمن رؤية إيجابية ومتفائلة للمستقبل - يمكننا ويجب علينا أن نفعل ما هو أفضل لأميركا».

مينيسوتا والتصويت الاحتجاجي

ناشطة في منظمة «مينيسوتا غير ملتزمة» تخاطب وسائل الإعلام في مينيابوليس يوم «الثلاثاء الكبير» (أ.ف.ب)

على الرغم من فوزه المريح في غالبية الولايات التي شاركت في «الثلاثاء الكبير»، فإن حملة بايدن واجهت تصويتا احتجاجيا لا يستهان به في مينيسوتا وست ولايات أخرى، يعكس غضب شريحة من الناخبين من الدعم الأميركي لحرب إسرائيل على غزة. فمع فرز ما يقرب من 90 في المائة من الأصوات المتوقعة في مينيسوتا، وضع 19 في المائة من الناخبين الديمقراطيين المشاركين علامة «غير ملتزم» أمام الاختيار لإظهار معارضتهم لموقف بايدن من الحرب. وظهر اختيار «غير ملتزم» أيضا على بطاقات الاقتراع في انتخابات ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في ست ولايات أخرى في انتخابات «الثلاثاء الكبير»، وهي ولايات ألاباما وكولورادو وأيوا وماساتشوستس ونورث كارولاينا وتينيسي. وتراوح دعم بايدن في تلك الولايات بين 3.9% في أيوا و12.7% في نورث كارولاينا، مع فرز أكثر من 85 في المائة من الأصوات في هذه الولايات، بحسب شركة «إديسون ريسيرش». وسجل أكثر من 100 ألف شخص، أو 13 في المائة من إجمالي الناخبين، احتجاجهم بشكل مماثل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ميشيغن الأسبوع الماضي.


مقالات ذات صلة

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الثلاثاء) على أن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان «نبأ سار وبداية جديدة للبنان».

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)

ميقاتي: وقف إطلاق النار خطوة أساسية نحو الاستقرار بلبنان

تلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالاً من الرئيس الأميركي جو بايدن، تشاورا خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص دمار في ضاحية بيروت الجنوبية حيث اغتيل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله (أ.ف.ب)

خاص اتفاق وقف النار على 3 مراحل تبدأ بانسحابات متزامنة

أفادت مصادر بأن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب موافق على الخطوات التي تتخذها إدارة الرئيس جو بايدن لإقرار هدنة من 60 يوماً بين لبنان وإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يستقبل الرئيس المنتخب دونالد ترمب في البيت الأبيض في 13 نوفمبر 2024 (أ.ب)

لن يرد بالمثل... بايدن يحضر حفل تنصيب ترمب

أعلن البيت الأبيض، الاثنين، أنّ الرئيس جو بايدن سيحضر حفل تنصيب دونالد ترمب في يناير، على الرغم من أنّ الأخير تغيّب قبل 4 سنوات عن مراسم أداء القسم الرئاسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
TT

وزارة العدل الأميركية تُسقط كل الدعاوى الفيدرالية ضد ترمب

الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)
الرئيس دونالد ترمب خلال جلسة محاكمة ضده في نيويورك (أ.ف.ب)

تحرّك المستشار القانوني الخاص المُعين من وزارة العدل الأم، جاك سميث، لإسقاط القضيتين الجنائيتين ضد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، منهياً تحقيقات تاريخية نشأت بسبب محاولة ترمب إلغاء هزيمته أمام الرئيس جو بايدن في انتخابات 2020، وكذلك الاحتفاظ بوثائق سريّة بعد خروجه من البيت الأبيض.

وحصل سميث على موافقة من القاضية الفيدرالية في واشنطن، تانيا تشوتكان، الاثنين، لإسقاط التهم الموجهة إلى ترمب بأنه حاول منع فوز بايدن، بعدما استشهد بإرشادات وزارة العدل بأنه لا يمكن المضي في القضية، لأن ترمب رئيس حالي. ووافقت تانيا تشوتكان بسرعة على التخلّي عن القضية من دون تحيز. وهذا ما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال توجيه اتهامات مرة أخرى بمجرد مغادرة ترمب منصبه. ومن خلال موافقتها على رفض القضية، أوضحت تانيا تشوتكان أنها ستترك فرصة لمحكمة مستقبلية لإحيائها. وكتبت أن «الفصل دون تحيز يتوافق أيضاً مع فهم الحكومة أن الحصانة الممنوحة للرئيس الحالي مؤقتة، وتنتهي عندما يغادر منصبه».

وبعد فترة وجيزة، قدّم سميث طلباً للتخلّي عن استئناف قدّمه هذا الصيف بشأن رفض القاضية، آيلين كانون، في فلوريدا، القرار الاتهامي الخاص بالوثائق السرية التي اتُهم فيها ترمب بالاحتفاظ بمواد سريّة بشكل غير قانوني، وعرقلة جهود الحكومة لاستعادتها.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لدى مغادرته المحكمة في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)

«ثابرت... وانتصرت»

ويُمثل ذلك خاتمة بالغة الأهمية لفصل غير مسبوق في التاريخ السياسي وتاريخ تنفيذ القانون في الولايات المتحدة؛ حيث حاول المسؤولون الفيدراليون محاسبة الرئيس السابق، بينما كان مرشحاً في الوقت نفسه لولاية أخرى. وخرج ترمب منتصراً، بعدما نجح في تأخير التحقيقات عبر مناورات قانونية، ثم فاز بإعادة انتخابه، رغم القرارات الاتهامية التي وصفت أفعاله بأنها تهديد للأسس الدستورية للبلاد.

وكتب ترمب في منشور على موقعه «تروث سوشيال» ومنصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «ثابرت رغم كل الصعاب، وانتصرت». وقال إن «هذه القضايا، مثل كل القضايا الأخرى التي اضطررت إلى المرور بها، فارغة وخارجة عن القانون، وما كان ينبغي رفعها مطلقاً».

صورة مركبة تجمع بين الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والمستشار القانوني الخاص لوزارة العدل جاك سميث (رويترز)

وخلال إعداد هاتين الدعويين بدا أن ترمب يدرك أن أفضل أمل له لتجنُّب المحاكمات هو الفوز بالرئاسة مرة أخرى، وهي حقيقة أكدها نائب الرئيس المنتخب، جاي دي فانس، الذي كتب على منصة «إكس» أنه «لو خسر دونالد ترمب الانتخابات، لربما أمضى بقية حياته في السجن». وأضاف: «كانت هذه الملاحقات القضائية دائماً سياسية. والآن حان الوقت لضمان عدم تكرار ما حدث للرئيس ترمب في هذا البلد مرة أخرى».

دور المستشار القانوني

وكان وزير العدل الأميركي، ميريك غارلاند، قد عيّن سميث، وهو مدعٍ عام سابق للفساد حقق في جرائم حرب في لاهاي، لتولي تحقيقات ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بعد أيام من إعلان كل من ترمب وبايدن أنهما سيترشحان للرئاسة مرة أخرى. وعدّ غارلاند أن هناك حاجة إلى مستشار قانوني خاص يتمتع باستقلالية أكبر من المدعي العام التقليدي لوزارة العدل لضمان ثقة الجمهور في التحقيقات.

وفي الدعوى المرفوعة في واشنطن العاصمة، واجه ترمب 4 تهم تتعلّق بالتآمر لعرقلة نتائج انتخابات 2020. واتُهم باستخدام مزاعم كاذبة عن تزوير الناخبين للضغط على المسؤولين الفيدراليين في الولايات لتغيير نتائج الانتخابات، وحرمان الشعب الأميركي من حقه في احترام أصواته.

وبدأ التحقيق في الوثائق السرية خلال ربيع 2022، بعد أشهر من الخلاف بين ترمب وإدارة المحفوظات والسجلات الوطنية حول صناديق الوثائق التي تبعت ترمب من البيت الأبيض إلى مارالاغو؛ منزله في فلوريدا وناديه الخاص.

وتقول أوراق المحكمة إن أكثر من 300 وثيقة مصنفة بأنها سرية عثر عليها في منزل ترمب، بما في ذلك بعض الوثائق ردّاً على أمر استدعاء، وأكثر من 100 وثيقة أثناء تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» للممتلكات بتفويض من المحكمة. وجرى تخزين الوثائق بشكل عشوائي.

رسم توضيحي للمدعية سوزان هوفينغر ستورمي دانيلز أمام القاضي خوان ميرشان خلال محاكمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في محكمة ولاية مانهاتن 7 مايو 2024 (رويترز)

«دوافع سياسية»

وحاول فريق الدفاع عن ترمب مراراً تأطير القضايا المرفوعة ضده على أنها محاولات ذات دوافع سياسية لإضعاف فرصه في الانتخابات، علماً بأنه لا دليل على تورط بايدن في التحقيقات. ومنذ انتخابه، اختار ترمب عدداً من محامي الدفاع الجنائيين الشخصيين في هذه القضايا للعمل في مناصب عليا في وزارة العدل في إدارته. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست»، الجمعة، أن ترمب يخطط لطرد سميث وكل الفريق الذي يعمل معه، بمن في ذلك المحامون المهنيون الذين يتمتعون عادة بالحماية من الانتقام السياسي.

وأصدرت القرارات الاتهامية الفيدرالية بحق ترمب في غضون أشهر من توجيه الاتهام إليه في نيويورك بتهم تزوير سجلات أعمال للتغطية على دفع أموال مقابل الصمت عام 2016، وفي جورجيا بتهم محاولة عرقلة نتائج الانتخابات في تلك الولاية.

وأجريت المحاكمة فقط في قضية نيويورك؛ حيث أدين ترمب بـ34 تهمة جنائية، لكن النطق بالحكم عليه تأجَّل مرتين منذ هذا الصيف. ويتوقع أن يقرر قاضي المحاكمة الشهر المقبل ما إذا كان سيُؤجل الأمر إلى ما بعد الولاية الثانية لترمب.

نسخ من صحيفة «نيويورك تايمز» بعد إعلان إدانة الرئيس السابق دونالد ترمب في قضية «أموال الصمت» (أرشيفية - رويترز)

ونفى ترمب ارتكاب أي مخالفات في كل هذه القضايا، واستأنف الحكم الصادر في نيويورك. وأصبحت الملاحقات القضائية محوراً رئيساً لحملته الرئاسية؛ حيث حشد ترمب وحلفاؤه المؤيدين الذين اعتقدوا أنه مستهدف بشكل غير عادل.

وبمجرد فوز ترمب في الانتخابات، لم يكن أمام سميث سوى خيارات قليلة لإبقاء القضيتين الفيدراليتين. وقال أشخاص مطلعون على خططه إنه يعتزم الاستقالة قبل أن يصير ترمب رئيساً، ما يمنع ترمب من الوفاء بوعده بإقالته.

وقبل ذلك، يمكن أن يسلم سميث إلى غارلاند تقريراً يوضح نتائج التحقيقات. وسيكون الأمر متروكاً لغارلاند، الذي قال بشكل عام إن مثل هذه التقارير يجب نشرها علناً، ليُقرر مقدار المواد التي سينشرها سميث.