ميشيغان وطلقة تحذير لبايدن

هل ينجح الناخبون في تغيير سياسة الإدارة تجاه إسرائيل؟

ناخبة ديمقراطية في ميشيغان تحمل لافتة تدعو إلى عدم الالتزام بالتصويت لبايدن في 27 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
ناخبة ديمقراطية في ميشيغان تحمل لافتة تدعو إلى عدم الالتزام بالتصويت لبايدن في 27 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

ميشيغان وطلقة تحذير لبايدن

ناخبة ديمقراطية في ميشيغان تحمل لافتة تدعو إلى عدم الالتزام بالتصويت لبايدن في 27 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
ناخبة ديمقراطية في ميشيغان تحمل لافتة تدعو إلى عدم الالتزام بالتصويت لبايدن في 27 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

أطلق ناخبو ميشيغان الديمقراطيون رصاصة تحذير للرئيس الأميركي جو بايدن في انتخابات الولاية التمهيدية، فالولاية التي شكّلت في السابق جزءاً أساسياً من الحائط الأزرق تيمناً بدعمها للديمقراطيين، لم تخف استياءها من بايدن الذي تعرض لنيرانها الصديقة بسبب سياساته تجاه إسرائيل، فعمد الناخبون فيها إلى الاحتجاج في صناديق الاقتراع، وصوّت أكثر من 100 ألف منهم لصالح «عدم الالتزام» أملاً منهم بالضغط على الرئيس الأميركي لتغيير سياساته قبل الانتخابات الرئاسية.

لكن هذه الاستراتيجية هي سيف ذو حدين، فمقابل بايدن يقف دونالد ترمب، الذي انتزع الولاية في عام 2016 ليكون أول جمهوري يفوز بها منذ عام 1988، وتصويت عدم الالتزام يعني فعلياً تصويتاً لصالح ترمب في الانتخابات الرئاسية.

يستعرض «تقرير واشنطن» وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق» تفاصيل هذه الاحتجاجات وانعكاساتها على حظوظ بايدن بالاحتفاظ بالبيت الابيض، إضافة إلى خطط المحتجين الطويلة الأمد واحتمالات تأثيرها على سياسته تجاه إسرائيل.

لافتة في ميشيغان تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

احتجاجات ومطالب

يتحدث المسؤول الديمقراطي في مجلس مقاطعة واين، ميشيغان سام بيضون، عن تنامي تحرك المحتجين ضد بايدن في الولاية بسبب سياساته في غزة، مشيراً إلى أنه لا يقتصر على الأميركيين العرب والمسلمين فحسب، بل يضم الأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية. وأعرب سام، وهو من المنظمين للتحرك الذي دعا الناخبين للتصويت بـ«عدم الالتزام»، عن مفاجأته بـ«تحقيق الحملة هذا المستوى من النجاح وتخطي 100 ألف صوت غير ملتزم في الولاية»، مضيفاً : «لقد اتحدنا بعضنا مع بعض، وأردنا أن نرسل رسالةً إلى الرئيس بايدن. إن مضمون هذه الرسالة واضح جداً؛ نحن نطالب بوقف فوري لإطلاق النار قبل أن نعلن عن دعمنا لك في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذه خطوة أولى نطالب بها، فنحن نريد إيقاف إراقة الدماء وقتل المدنيين الأبرياء في فلسطين».

ويوافق وائل الزيات، المستشار السابق للمندوبة الأميركية في «الأمم المتحدة» والمدير التنفيذي لمنظمة (إيمغايج) المعنية بتنسيق جهود الناخبين المسلمين، على أن رقم 100 ألف ناخب معارض في ميشيغان هو رقم كبير، مؤكداً على أن «رسالة هؤلاء الناخبين لبايدن واضحة، ومفادها أنه إن لم يحدث تغيير حقيقي في سياسته يؤدي إلى وقف نار فوري وأمور إضافية من ضمنها زيادة الدعم الإنساني للفلسطينيين، فهو يخاطر بخسارة صوتهم في انتخابات ميشيغان».

بطاقة انتخابية ديمقراطية تظهر خيار «غير ملتزم» في ميشيغان (أ.ف.ب)

أما إيلينا شنايدر، مراسلة «بوليتيكو» للشؤون الانتخابية، فتتحدث عن زيارتها للولاية لاستطلاع آراء الناخبين فيها، فتشير إلى تنامي المعارضة لبايدن في صفوف الشباب كذلك، وتتحدث عن التحديات التي تواجهها حملته في الولاية، فتقول: «هذا تحدٍ حقيقي تواجهه حملة بايدن، فبعض المحتجين يسعون إلى تغيير في السياسة، ما يعني أنه لو كان هناك أي نوع من التغيير في السياسة فهذا سيعيد هؤلاء الناخبين إلى معسكره. لكن هناك قسماً أكثر تشدداً من المحتجين الذين يقولون إنه خسر صوتهم، لأنه لم يتخذ موقفاً أخلاقياً، ولذا لن يصوتوا له حتى لو تغيرت سياساته».

ترمب خلال مشاركته في مؤتمر للمحافظين في ماريلاند في 24 فبراير 2024 (أ.ب)

ترمب «أهون الشرين»!

ومع تنامي المعارضة الديمقراطية، يحذر البعض من أن عدم التصويت لبايدن يعني تصويتاً لترمب الذي فاز في الولاية في عام 2016 بفارق 11 ألف صوت، ويرفض بيضون هذه التحذيرات فيقول: «في عام 2020، كانت الجالية العربية الأميركية والمجتمع المسلم في ميشيغان مدركين لموقف الرئيس بايدن حول إسرائيل. فقد صرّح علناً بأنه صهيوني... لكننا اخترنا أهون الشرين. لكن هذا المجتمع في ميشيغان لن يقبل خيار (أهون الشرين) بعد الآن. من واجب رئيس الولايات المتحدة أن يغير المسار السياسي. هو الوحيد الذي يمكنه منع دونالد ترمب من العودة إلى البيت الأبيض».

ويتابع بيضون شارحاً الأهمية الكبيرة للولاية «البنفسجية» في الانتخابات الرئاسية مؤكداً: «من يفوز في ميشيغان، فسيفوز في الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة». ولدى سؤاله عما إذا كان المحتجون على سياسة بايدن، وهو من ضمنهم، سوف يصوتون لصالحه في حال غيّر سياساته، قال بيضون: «هناك بعض الذين قالوا لي إن الرئيس بايدن قد تخطى مرحلة الخلاص. لن نصوّت أبداً لشخص كان متواطئاً في قتل أكثر من 30 ألفاً من أطفالنا في غزة ولبنان خلال الحروب المستمرة. حتى الآن رفض الدعوات بوقف إطلاق للنار... وهذا محبط للغاية هنا في ميشيغان». وعدّد بيضون مطالب المحتجين، التي لا تقتصر على وقف إطلاق النار، بل تتعداها لتشمل «إطلاق سراح كل المعتقلين، من ضمنهم الـ65 ألف فلسطيني المعتقلون بشكل غير قانوني من دون أي اتهامات في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى وصول المساعدات الإنسانية إلى داخل غزة، وإعادة إعمار نحو 70 أو 80 بالمائة من المنازل التي دمّرت». ويختم بيضون: «يواجه الرئيس بايدن مهمة شاقة من الآن حتى نوفمبر. لا أدري إن كان يستطيع أن يستعيد ثقة بعض من الكثيرين الذين صوّتوا (غير ملتزمين) يوم الثلاثاء».

ويعترف الزيات بأن المحتجين على سياسات بايدن يواجهون خيارات صعبة، خاصة مع وجود ترمب منافساً للرئيس الأميركي، فيقول: «معظمنا يعي بشكل جيد من هو دونالد ترمب وماذا يمثّل... فمجتمعاتنا هي أولى ضحاياه... الحقيقة هي أنه لن يصوّت أحد لجو بايدن إلا في حال كان هناك وقف إطلاق للنار، واستجابة إنسانية ضخمة بقيادة الولايات المتحدة». وينتقد الزيات إرسال الإدارة لمساعدات عسكرية لإسرائيل من دون موافقة الكونغرس، مشيراً إلى أن هذا يظهر تضارباً في سلوك الرئيس «الذي يقول من جهة إنه لا يريد رؤية الأبرياء يقتلون ثم يعمد إلى تخطي الكونغرس وإرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل».

بايدن يجيب على أسئلة في محل مثلجات مع سيث مايرز في 26 فبراير 2024 (رويترز)

تغيير في السياسات

وبمواجهة هذه الاعتراضات، سعى بايدن إلى تغيير لهجته حيال إسرائيل في الأيام الأخيرة، لكن شنايدر تقول إن هذا التغيير لا يرضي الأشخاص الذين يطالبون بخطوات أسرع أو أكثر قوة. وتضيف: «هناك بعض الدلائل التي تشير علناً أنهم يدركون الحاجة للضغط أكثر على الحكومة الإسرائيلية، إذ إنهم يخسرون دعم الشعب الأميركي حول ما يحصل في غزة، لكن هذا ليس كافياً بالنسبة إلى كثير من الناخبين. يريدون وقف إطلاق نار فورياً وشروطاً لتوجه المساعدات إلى إسرائيل... ومن غير الواضح إن كان سيكون هناك أي تغيير أو تحركات حول هذا النوع من المطالبات، على الرغم أننا نعلم أن الإدارة تعمل حالياً للوصول إلى نوع من وقف النار المؤقت، لكنها ليست خطوة فورية».

وينتقد بيضون بشدة لهجة بايدن قائلاً: «أنا كأميركي دافع للضرائب وكمسؤول منتخب، أرغب أن أرى رئيس الولايات المتحدة يقف في المكتب البيضاوي في غرفة الصحافيين مطالباً بوقف إطلاق للنار، وليس في محل مثلجات، برفقة كوميدي، ويتحدث عن الأمر وهو يتناول المثلجات... فهذا أمر مهين لنا». وذلك في إشارة إلى تصريح بايدن بشأن وقف إطلاق النار وهو يتناول البوظة في برنامج «سيث مايرز».

وزير الدفاع الأميركي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب في 1 يناير 2024 (أ.ف.ب)

أما الزيات، فيشير إلى فارق في لهجة الخطاب بين بايدن وعدد من المسؤولين في إدارته كنائبته كامالا هاريس، ووزير الدفاع لويد أوستن، «اللذين تحدثا بلهجة واضحة جداً عن موقف الولايات المتحدة في غزة، ما تقبل به ولا تقبل به، كما تحدث كلاهما عن رفض الولايات المتحدة لأي تهجير قصري للفلسطينيين على سبيل المثال، خارج غزة». ويسلط الزيات الضوء على تنامي المعارضة لممارسات إسرائيل في الكونغرس، مضيفاً كذلك أن المعارضة لم تعد تقتصر على التقدميين فحسب، بل تخطتها لتشمل بعض الديمقراطيين المعتدلين الذين بدأوا بالإدلاء برأيهم حول هذا الموضوع. ويشير إلى أن هؤلاء يطالبون بمعرفة «كيفية استخدام كل هذه المساعدات الأميركية، ولماذا يتم قتل المدنيين؟». مضيفاً: «نحن بحاجة إلى تحديد المسؤولية ونوع من الحماية للحرص على ألا يتم صرف أموالنا في خرق للحقوق الإنسانية».

متظاهرون في سان فرانسيسكو يدعون إلى وقف إطلاق النار في غزة في 22 فبراير 2024 (رويترز)

تغيير نبض الشارع الأميركي

وتقول شنايدر إن تنامي المعارضة في صفوف الحزب الديمقراطي أدى إلى «تمزيق» الحزب الديمقراطي الذي يواجه قاعدة شعبية غاضبة من الملف، وتفسّر التغيير في توجهات الناخب الأميركي الذي لطالما اعتمد على السياسة الداخلية في تصويته، مضيفة: «هناك شعور بعدم الاستقرار مع هذه الحروب المستمرة في أوكرانيا وفي غزة... فإذا استمررنا برؤية صور عن هذه الحروب واستمرار سقوط الضحايا، فقد تصبح مشكلة حقيقية وتؤثر على قسم معين من الناخبين. ولا يتطلب الأمر سوى بضعة آلاف صوت في ويسكنسن وميشيغان وبنسلفانيا لإحداث تغيير في هذا السباق».

ويشرح بيضون سبب التغيير في نبض الشارع الأميركي واهتمامه بالسياسات الخارجية، فيقول إنه يعود بجزء أساسي إلى الدعوة للتركيز على احتياجات الأميركيين بدلاً من إرسال أموال دافع الضرائب إلى الخارج، مضيفاً: «أنا مفوّض في مدينة ديربورن، ونحن مسؤولون عن الطرقات والجسور والبنى التحتية. عندما تكون طرقاتنا وجسورنا في حالة يرثى لها، وبحاجة إلى استبدال، وليس لدينا التمويل الكافي للقيام بذلك، لكننا نرسل 95 مليار دولار لتمويل حروب لا تنتهي في الخارج، فإن الشعب ينادي بالاستثمار في بلادنا، ويريد أن نهتم باحتياجاتنا أولاً». ويضيف بيضون: «لدينا عدد كبير من الطلاب الذين يتعاملون مع ديون طلابية خانقة، ولا يمكنهم أن يدفعوا الأقساط المتوجبة عليهم. إذاً، إن مسألة السياسة الخارجية هذه قد أصبحت مسألة قومية بالنسبة إلى كل دافعي الضرائب في هذه البلاد».

ويختم بيضون بتحذير واضح لبايدن وحملته الانتخابية في موسم الانتخابات الحامي، فيقول: «هذه الحركة الشعبية لا تزال في بدايتها... وقد وجّهت رسالة قوية وواضحة للرئيس بايدن من ميشيغان؛ في حال لم يغير مساره ولم يطالب بوقف إطلاق نار فوري، ويتم الإقرار على إرسال المساعدات الإنسانية، ستستمر هذه المجموعة بالعمل والتعاون مع آخرين من خارج الولاية في جورجيا وبنسلفانيا وويسكونسن، وهذا ما سيخلق مشكلات كبيرة له».


مقالات ذات صلة

احتجاجات حول العالم تطالب بوقف الحرب في الشرق الأوسط

العالم متظاهرون في برشلونة يطالبون بـ«وقف الإبادة» 6 أكتوبر (إ.ب.أ)

احتجاجات حول العالم تطالب بوقف الحرب في الشرق الأوسط

خرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في عدة مدن رئيسية بأنحاء العالم، السبت، للمطالبة بوقف إراقة الدماء بقطاع غزة ولبنان ومنطقة الشرق الأوسط.

شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (أ. ف. ب)

غالانت محذّرا إيران: من يحاول أذيتنا فلينظر إلى غزة وبيروت

حذر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إيران اليوم الأحد من أنها قد تتعرّض لدمار يشبه ما يحصل في غزة وبيروت في حال ألحقت الأذى ببلاده.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفله وأغراضه على كرسي متحرك بعد إخلائه منزله في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي: قصفنا «مجمع قيادة وسيطرة» داخل مدرسة شمال غزة

قال الجيش الإسرائيلي، الأحد، إنه شنّ غارة على ما وصفه بأنه «مجمع قيادة وسيطرة في منطقة استُخدمت سابقاً مدرسة خليفة بن زايد بشمال قطاع غزة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي من مدينة حمص السورية (أرشيفية - رويترز)

غارة جوية إسرائيلية تستهدف 3 سيارات محملة بمواد طبية وإغاثية في حمص

ذكرت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الأحد)، أن غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات محملة بمواد طبية وإغاثية داخل المدينة الصناعية في حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)
TT

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)

قال خبراء، لموقع «بيزنس إنسايدر»، السبت، إن الضربة الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنّته طهران ضدها الثلاثاء، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر، ما يخلق صداعاً لحملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس، إذا استهدفت المنشآت النفطية الإيرانية.

فتاريخياً، لا يحقق الرؤساء نتائج جيدة في مناصبهم عندما ترتفع أسعار النفط، ووجد خبراء السياسة أن ارتفاع أسعار النفط يرتبط بانخفاض الشعبية، ولا يحقق الرؤساء نتائج جيدة عادةً عندما يُنظر إليهم على أنهم بلا شعبية كبيرة، وفقاً للموقع.

وسواء أكان ذلك الأمر عادلاً أم غير عادل، يلوم الأميركيون الرئيس عندما يكلفهم الوقود أموالاً أكثر، حتى لو كانت الأحداث التي تسببت في ارتفاع الأسعار خارجة عن سيطرته.

وقال المحللون إن جميع الأطراف لديها في الوقت الحالي حوافز لتجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار المنطقة.

وذكر باتريك دي هان، رئيس تحليل شؤون البترول في «غاز بادي»: «أعتقد أن هناك قليلاً من الاستقرار، ولم يكن الأمر مثل غزو روسيا لأوكرانيا، ولكنّ هناك كثيراً من الضغوط على الجانبين لمنع تصعيد الأمر إلى حرب، أعتقد أنه سيكون من الاستثنائي حقاً أن نرى هذا التصعيد خارج نطاق السيطرة».

وأشار دي هان إلى كيفية استجابة أسواق النفط للهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل (نيسان)؛ حيث ارتفعت لفترة وجيزة قبل أن تنخفض مرة أخرى، والقلق الرئيسي هذه المرة هو أن القادة الإسرائيليين يبدو أنهم يريدون رداً أكبر بكثير مما حدث وقتها.

وذكر الخبير الاستراتيجي كلاي سيجل: «في أبريل، شهدنا رداً إسرائيلياً محدوداً للغاية؛ حيث ضربت بطارية دفاع جوي واحدة في وسط إيران، وكان المقصود من ذلك إرسال رسالة إلى طهران، مفادها أن إسرائيل يمكنها استهداف وتدمير القدرات الإيرانية بنجاح على مسافات طويلة إذا لزم الأمر».

وأضاف: «لكن في يوليو (تموز)، دمرت إسرائيل منشأة نفطية يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، بينما كان للهجوم تأثير محدود على الحوثيين، كانت الرسالة واضحة لإيران، مما يسلط الضوء على حقيقة أن الأصول النفطية مدرجة على قائمة أهداف الإسرائيليين، وتكررت الرسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع بهجوم إسرائيلي ثانٍ على منشآت النفط والطاقة التي يسيطر عليها الحوثيون».

ويقول المحللون إن الهجوم المباشر على مصافي النفط الإيرانية أو الاضطرابات الكبرى في المنطقة من شأنه أن يؤثر على طرق الشحن في مضيق هرمز.

وتمكنت السوق من استيعاب المخاوف بشأن الأحداث الماضية، وقال كيت هاينز، المحلل في شركة «إنرجي إسبيكت»، إن «المخاوف بشأن قضايا العرض المتعلقة بالعقوبات بعد غزو روسيا لأوكرانيا لا تتطابق إلى حد كبير مع الوضع الحالي، لأن القلق هذه المرة يتعلق باضطرابات محتملة أوسع نطاقاً في المنطقة».

وأضاف: «هذه المرة، أعتقد أن الناس قلقون للغاية، لقد رأينا أشياء تسوء في الشرق الأوسط من قبل، ولكن في الواقع، هناك إمكانية كبيرة هنا أن تؤثر على الإمدادات لا يتعلق الأمر بالضرورة بما ستفعله أي ضربة إسرائيلية».

وتعدّ إيران منتجاً مهماً للنفط ولديها احتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة، وفي أعقاب الهجوم على إسرائيل، ارتفعت أسعار النفط بالفعل، مما أثار مخاوف من أنه في حالة اتساع الصراع وتورط القوات الأميركية بالمنطقة، فقد ترتفع أسعار النفط بشكل كبير.

وقال سيجل إن أسعار السوق تميل إلى «التقلب في أوقات نقص العرض، حيث يعاد تسعير قيمة سلعة نادرة بشكل مزداد مقارنة بالطلب»، مشيراً إلى أن تعطيل العرض مرتبط في المقام الأول بعاملين: كمية النفط المتوقفة ومدة انقطاعها.

وإذا ضربت إسرائيل النفط الإيراني، فمن المرجح أن يكون لها هدفان رئيسيان؛ الأول هو مصافي النفط، التي تزود البلاد بوقود النقل، والثاني هو مرافق الإنتاج والتصدير الإيرانية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

وقال سيجل إنه «إذا ضربت إسرائيل - حتى عدداً قليلاً من مصافي النفط، فإنها قد تخلق نقصاً في وقود النفط في إيران، لكن هذا لن يؤثر بالضرورة على إمدادات النفط العالمية، وإذا ضربت مرافق إنتاج وتصدير النفط الإيرانية، فإن ذلك ستكون له تداعيات أكبر بكثير».

وتابع: «العملية العسكرية التي تقطع هذا الإنتاج من شأنها أن تترك العالم مع إمدادات أقل من الخام، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار هذا الأسبوع، وللمرة الأولى، بدأت الأسواق أخيراً بالتفكير في هذا السيناريو؛ فقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 5 في المائة».

وأوضح نيكولاس كارل، في معهد «أميركان إنتربرايز» الذي يركز على إيران: «طوال هذه الأحداث، كان هناك خطر غير عادي من سوء التقدير لكلا الجانبين».

وإذا دعمت الولايات المتحدة ضرب منشآت النفط، فسوف يتعارض ذلك مع موقف واشنطن من قيام أوكرانيا بالشيء نفسه لروسيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، حثت الولايات المتحدة أوكرانيا على وقف هجماتها على البنية التحتية للطاقة في روسيا، محذرة من أن ضرباتها بطائرات من دون طيار قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية واستفزاز الانتقام.

في ذلك الوقت، كانت أوكرانيا تستخدم طائرات من دون طيار لضرب مصافي النفط الروسية المختلفة والمحطات ومرافق التخزين والمستودعات، بهدف الإضرار بقدرتها الإنتاجية.

وتعد روسيا واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم، على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا عقوبات شديدة على صناعاتها.

وجاءت مخاوف واشنطن في الوقت الذي بدأ فيه بايدن في بدء حملته لإعادة انتخابه وقبل انسحابه.

وقال سيجل: «صناع السياسات والسياسيون الأميركيون أكثر تفانياً لأمن إسرائيل من تفانيهم لأمن أوكرانيا، لكن في الخفاء، يشعر مسؤولو بايدن بقلق بالغ بشأن تأثير مثل هذه الضربة».

وإذا استهدفت إسرائيل صناعة النفط الإيرانية، فقد تهتز الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بسبب ارتفاع أسعار النفط قبل التصويت.

وكانت أسعار النفط تتجه بشكل ملحوظ نحو الانخفاض في الأشهر التي سبقت هجوم الصواريخ الباليستية الإيرانية على إسرائيل.

وفي سبتمبر (أيلول)، انخفضت أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها في ما يقرب من 3 سنوات، وشهدت الولايات المتحدة عاماً تاريخياً لإنتاج النفط.

ولكن إذا ارتفعت الأسعار جراء الاضطرابات في الخارج وسط مخاوف محلية بشأن قضايا مثل التضخم، فقد يكون ذلك مشكلة.

وقد يكون التنبؤ بأسعار النفط أمراً صعباً، نظراً لمدى التحول الكبير الذي يمكن أن تحدثه الأسواق، لكن دي هان قال إنه لا يتوقع أن «ترتفع الأسعار بشكل كبير خارج نطاق السيطرة».