استراتيجية أميركية جديدة بالتنسيق مع الحلفاء لضمان دعم كييف على المدى الطويل

بايدن يضغط على الجمهوريين المؤيدين لترمب في ملفي الهجرة وأوكرانيا

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

استراتيجية أميركية جديدة بالتنسيق مع الحلفاء لضمان دعم كييف على المدى الطويل

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

مع اقتراب تحول سباق الرئاسية الأميركية بشكل مبكر، إلى تنافس ثنائي، بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب، بدا أن الملفات «الرخوة» التي يسعيان لاستخدامها للضغط على بعضهما البعض، باتت نقطة مواجهة ساخنة، على رأسها ملف أمن الحدود.

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون (رويترز)

ومساء الجمعة، صعد بايدن من ضغوطه على الجمهوريين، وخصوصا على الجناح اليميني المدعوم من ترمب، في هذا الملف، الذي يعد نقطة ضعف أساسية له، على أمل حشرهم سياسيا، بشأن المفاوضات الصعبة في الكونغرس حول دعم أوكرانيا مقابل الهجرة، في مؤشر إضافي إلى اشتداد الحملة الانتخابية.

بايدن مستعد للتوقيع

ودعا بايدن في بيان، المحافظين في الكونغرس إلى عدم عرقلة مشروع قانون الهجرة، بعدما أحرزت المفاوضات بشأنه بين الحزبين، تقدما في الأيام الأخيرة في مجلس الشيوخ، مؤكدا أنه سيشكل في حال إقراره «حزمة الإصلاحات الأكثر صرامة والأكثر عدلا على الإطلاق لتأمين الحدود». وأضاف أن «ذلك سيمنحني بصفتي رئيسا، سلطة طوارئ جديدة لإغلاق الحدود عندما تصبح مكتظة» مؤكدا: «إذا ما أُعطيتُ هذه السلطة، فسأستخدمها في اليوم نفسه الذي أوقّع فيه مشروع القانون ليصبح نافذا». وقال بايدن: «إذا كنتم جادين بشأن أزمة الحدود، فمرروا مشروع قانون يحظى بموافقة الحزبين وسأوقعه».

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك خلال اجتماعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

بيد أن ملف المساعدات لأوكرانيا، بدأت تطرأ عليه تغييرات جذرية، تشير إلى استراتيجيات جديدة، لطالما جرى الحديث عنها في الأسابيع والأشهر الماضية، بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد العام الماضي. وبحسب تقرير جديد لصحيفة «واشنطن بوست»، فقد بدأت إدارة بايدن، بوضع استراتيجية جديدة من شأنها أن تقلل من تركيز أوكرانيا على استعادة أراضيها المحتلة، والتركيز بدلاً من ذلك على مساعدتها على صد أي محاولة تقدم روسية جديدة، مع التحرك نحو هدف طويل المدى يتمثل في تعزيز قواتها العسكرية والاقتصاد.

ورغم ذلك، لا تزال المعارضة اليمينية لتمرير المساعدات التي تشتد حاجة أوكرانيا إليها، تعرّض للخطر إمدادات الأسلحة والمعدات الأساسية للجيش الأوكراني مع تعثر المحادثات حول سياسة الهجرة.

الاتفاق مات في المهد

وعدّ بيان بايدن، ردا على رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، الذي عبّر مرارا وتكرارا، أنه ينسق بشكل تام مع ترمب، حين حذر يوم الجمعة أيضا، بأن أي نص حول تمويل جديد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، كما لتعزيز الأمن على الحدود مع المكسيك، سيكون «ميتا في المهد». وعدّ تصريح جونسون، تنفيذا لضغوط ترمب، الذي يتجه إلى حسم التنافس الجمهوري مع نيكي هايلي، على نواب حزبه لعرقلة مطالب بايدن بشأن الميزانية الطارئة بقيمة 106 مليارات دولار، لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان وأمن الحدود.

وجعل ترمب من الهجرة إحدى المسائل الرئيسية لهجومه على خصمه، مطلقا عليها «أزمة بايدن الحدودية». وأكد جونسون في رسالة إلى النواب الأميركيين: «إذا كانت الشائعات حول مضمون مشروع القانون (الذي يجري التفاوض بشأنه حاليا في مجلس الشيوخ) صحيحة، فسيكون ميتا في المهد حتى قبل وصوله إلى مجلس النواب». وعدت رسالته مؤشرا سلبيا إضافيا، على النتيجة المتوقعة للمفاوضات المعقدة الجارية في الكونغرس المنقسم بين مجلس شيوخ ذي غالبية ديمقراطية ومجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون.

انقسام جمهوري

غير أن الكثير من الجمهوريين، وعلى رأسهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونيل، أعلنوا انهم ليسوا بصدد التراجع عن الاتفاقات التي توصل إليها مفاوضو الحزبين في ملف الهجرة. وقال مؤيدو الاتفاق إن السلطات الممنوحة لبايدن، ستجبره على تطبيق المعايير الجديدة لقبول المهاجرين وطالبي اللجوء، وتقوي أيضا يد ترمب، في حال فاز في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كما يأملون.

زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور ميتش ماكونيل (أ.ب)

وقال السيناتور الجمهوري توم تيليس: «هذه فرصة لوضع قوانين يمكن لأي شخص مهتم حقا بتأمين الحدود استخدامها». وأضاف: «طلب الرئيس ترمب عام 2017 سن قوانين مثل هذه. سنحقق له ذلك، وإذا أصبح رئيسا، فسيكون سعيدا بذلك».

ومن شأن الاتفاق الذي لم يقر بعد في مجلس الشيوخ، بعد تأجيل جلسة طرحه يوم الخميس، أن يمنح وزارة الأمن الوطني سلطة الطرد إذا وصلت موجات المهاجرين على الحدود إلى متوسط ​​4 آلاف شخص يوميا على مدار الأسبوع. وستصبح هذه السلطة إلزامية إذا كان متوسط ​​عدد العابرين يوميا أكثر من 5 آلاف شخص لمدة أسبوع، أو بلغ ذروة أكثر من 8 آلاف شخص في أحد الأيام.

استراتيجية جديدة لأوكرانيا

في هذا الوقت، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين، أن الاستراتيجية الجديدة لدعم أوكرانيا، تتضمن أربع مراحل: القتال، والبناء، والتعافي، والإصلاح. وعدت تغييرا حادا عن العام الماضي، عندما سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إرسال المعدات المتطورة وتدريب الأوكرانيين، على أمل أن تتمكن بسرعة من استعادة الأراضي التي تحتلها روسيا شرق وجنوب البلاد. لكن مع تعثر الحملة، بسبب حقول الألغام الروسية شديدة التحصين وخنادق الخطوط الأمامية، توصل المخططون إلى اقتناع بصعوبة تكرار الهجوم نفسه.

وقال مسؤول كبير في الإدارة، إن الفكرة الآن هي وضع أوكرانيا في موقعها في ساحة المعركة في الوقت الحالي، ولكن «وضعها على مسار مختلف لتكون أقوى بكثير بحلول نهاية عام 2024... ووضعها على مسار أكثر استدامة».

الرئيس السابق دونالد ترمب المرشح الجمهوري الأوفر حظا في خوض سباق الرئاسة ضد الرئيس جو بايدن (أ.ب)

ويعد التخطيط الأميركي جزءا من جهد متعدد الأطراف، تبذله ما يقرب من ثلاثين دولة تدعم أوكرانيا للتعهد بتقديم دعم أمني واقتصادي طويل الأمد، بدأ تنفيذه على الأرض، لتحديد التزامات حلفاء أوكرانيا. وأعلنت بريطانيا اتفاقا لمدة 10 سنوات مع أوكرانيا، الأسبوع الماضي، ووقعه رئيس الوزراء ريشي سوناك والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف. وحددت المساهمات في «الأمن البحري، والجوي، والدفاع الجوي، والمدفعية والمدرعات»، بالإضافة إلى الدعم المالي والوصول إلى قطاعها المالي. ومن المتوقع أن تكون فرنسا هي التالية، مع الزيارة المرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون إلى أوكرانيا.

حماية كييف من ترمب

لكن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد بشكل شبه كامل على الولايات المتحدة، أكبر جهة مانحة للأموال والمعدات لأوكرانيا، والتي تقوم بتنسيق جهود الأطراف الأخرى.

ومع سعي إدارة بايدن لتطبيق التزامها لمدة 10 سنوات هذا الربيع، تأمل في دعم العمليات العسكرية قصيرة المدى بالإضافة إلى بناء قوة عسكرية أوكرانية مستقبلية يمكنها ردع الهجوم الروسي. كما تضمن وعوداً وبرامج محددة للمساعدة في حماية وإعادة بناء وتوسيع القاعدة الصناعية والتصديرية لأوكرانيا، ومساعدتها في إجراء الإصلاحات السياسية اللازمة للاندماج الكامل في المؤسسات الغربية.

ورغم أن صناع السياسة الأميركيين، يتوقعون أن تنتهي الحرب في نهاية المطاف من خلال المفاوضات، لكنهم يعتقدون أيضا أن بوتين لن يكون جادا بشأن هذه المفاوضات، على الأقل خلال هذا العام، لرهانه جزئيا على احتمال عودة ترمب إلى السلطة، الذي طالما ردد أنه قادر على إنهاء الحرب خلال 24 ساعة. وقال مسؤول أميركي إنه ليس من قبيل الصدفة أن الأمل هو أن الوعد طويل الأجل، بافتراض موافقة الكونغرس مرة أخرى، سوف يقدم أيضا مساعدات «مثبتة في المستقبل» لأوكرانيا، ضد احتمال فوز الرئيس السابق ترمب.


مقالات ذات صلة

بيكهام يصنع تاريخ الدوري الأميركي... أول من يتوَّج بطلاً لاعباً ومالكاً

رياضة عالمية ديفيد بيكهام يحتفل بلقب الدوري الأميركي مع نجم ميامي ليونيل ميسي (أ.ب)

بيكهام يصنع تاريخ الدوري الأميركي... أول من يتوَّج بطلاً لاعباً ومالكاً

منذ أن وطئت قدم ديفيد بيكهام أرض الولايات المتحدة عام 2007، وهو يفتح أبواباً جديدة في عالم كرة القدم الأميركية.

The Athletic (ميامي)
شؤون إقليمية صور لقادة عسكريين وعلماء نوويين قُتلوا في الضربات الإسرائيلية على إيران خلال يونيو الماضي (رويترز)

عراقجي: مستعدون لمفاوضات نووية جدّية مع واشنطن

«إن الخلاف الرئيسي لا يزال يتمثل في رفض واشنطن الاعتراف بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية البيت الأبيض وضع ملصقات لأشخاص وُصفوا بأنهم مهاجرون غير شرعيين تم القبض عليهم (أرشيفية - رويترز)

50 إيرانياً سيعودون من الولايات المتحدة بعد تشديد سياسة الهجرة الأميركية

خدمات الهجرة الأميركية قررت طرد نحو 400 إيراني موجودين حالياً في الولايات المتحدة، معظمهم دخلوا بشكل غير قانوني.

«الشرق الأوسط» (طهران)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف (رويترز)

الكرملين يرحب بإنهاء صفة «التهديد المباشر" في الاستراتيجية الأميركية

رحب الكرملين بالخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لمراجعة استراتيجية الأمن القومي والتوقف عن وصف روسيا بأنها «تهديد مباشر».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ برج مراقبة... البوابة الرئيسية للمعتقل الموجود بقاعدة غوانتانامو الأميركية في جزيرة كوبا يوم 16 أكتوبر 2018 (أ.ف.ب) play-circle

رفض طلب إدارة ترمب إسقاط دعوى تطعن على احتجاز مهاجرين في غوانتانامو

رفضت قاضية فيدرالية طلباً من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفض دعوى قضائية تطعن على احتجاز مهاجرين في القاعدة البحرية الأميركية بخليج غوانتانامو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

قاضية أميركية تمنع استخدام أدلة قديمة لتوجيه اتهامات جديدة لكومي

جيمس كومي (رويترز)
جيمس كومي (رويترز)
TT

قاضية أميركية تمنع استخدام أدلة قديمة لتوجيه اتهامات جديدة لكومي

جيمس كومي (رويترز)
جيمس كومي (رويترز)

أصدرت قاضية فيدرالية أميركية، السبت، قراراً يمنع وزارة العدل، مؤقتاً، من استخدام مجموعة من الأدلة لتوجيه اتهامات جديدة إلى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي.

ومنذ عودته إلى السلطة في يناير (كانون الثاني)، يحضّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزارة العدل على الملاحقة القضائية لكومي، البالغ 64 عاماً، ولغيره من خصومه السياسيين.

وفي سبتمبر (أيلول)، وُجّه الاتهام إلى كومي بتقديم بيانات كاذبة إلى الكونغرس وعرقلة إجراءات الهيئة التشريعية، لكن القاضية الفيدرالية كامرون كاري ردّت في الشهر الماضي القضية، بعدما خلصت إلى أن المدعية العامة التي وجّهت الاتهام عُيّنت خلافاً للقانون.

وفي تطوّر جديد، السبت، أصدرت القاضية كولين كولار-كوتيلي أمراً يقع في 4 صفحات يمنع الحكومة، أقله حتى يوم الجمعة، من الوصول إلى فحوى اتصالات جرت بين كومي وحليفه المقرب والمحامي السابق دانيال ريتشمان.

هذا القرار يمنع عملياً إدارة ترمب من استخدام الأدلة نفسها لتوجيه اتهامات جديدة في الأيام المقبلة.

وكان محامي ريتشمان قد دفع أمام المحكمة بأن الإدارة الأميركية انتهكت حقه في التعديل الدستوري الرابع الذي ينص على عدم جواز المساس بحق الناس بأن يكونوا بمنأى من تفتيشهم وتفتيش منازلهم ومستنداتهم ومقتنياتهم من دون سبب، وكذلك من إصدار مذكرة بهذا الخصوص إلا في حال وجود سبب معقول.

وقال المحامي إن السلطات «تحتفظ بنسخة كاملة من جميع الملفات على حاسوبه الشخصي».

وعُيّن كومي مديراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2013، وأقاله ترمب في 2017.

وجاءت الاتهامات بعد أيام على حضّ ترمب وزيرة العدل بام بوندي علناً على التحرّك ضدّ كومي وغيره ممن يعدهم أعداءً وخصوماً سياسيين.

وجرى توجيه الاتهام إلى كومي على خلفية شهادة أدلى بها تحت القسم أمام لجنة في مجلس الشيوخ في عام 2020، في إطار تحقيق بشأن ما إذا كان أعضاء في فريق حملة ترمب للانتخابات الرئاسية تعاونوا مع موسكو من أجل إيصاله إلى السلطة في انتخابات عام 2016.

إضافة إلى قضية كومي، ردّت القاضية كامرون كاري القضية المرفوعة ضد المدعية العامة لنيويورك ليتيشا جيمس، للسبب نفسه.


قلق أميركي من تعميق الشراكة الروسية - الهندية

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

قلق أميركي من تعميق الشراكة الروسية - الهندية

مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)
مودي لدى استقباله بوتين في نيودلهي يوم 4 ديسمبر (إ.ب.أ)

أثارت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند حالة من اليقظة في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي عدّت الشراكة المتجددة بين نيودلهي وموسكو بمثابة تقويض مباشر لجهودها الرامية لوقف تمويل حرب روسيا في أوكرانيا. ويجمع محللون على أن الزيارة، برمزيتها وما أفرزته من اتفاقيات، تمثل رسالة «تحدٍ» و«استقلالية استراتيجية» واضحة موجهة إلى واشنطن.

غير أنه وبالرغم من توقيعها سلسلة اتفاقيات جديدة تعيد تثبيت علاقاتها مع روسيا إلى مستوياتها الاستراتيجية، تجد الهند نفسها في مرحلة شديدة التعقيد في سياستها الخارجية، في وقت تشهد فيه العلاقات الهندية - الأميركية توتراً متصاعداً بسبب إصرار نيودلهي على الحفاظ على شراكتها التاريخية مع الكرملين.

ومنذ لحظة الاستقبال الحار الذي خصّ به رئيس الوزراء ناريندرا مودي ضيفه الروسي، مروراً بالعشاء غير الرسمي في مقر إقامته، وصولاً إلى مراسم الوداع، حرصت نيودلهي على إظهار أن العلاقة مع موسكو «ثابتة مثل النجمة القطبية»، كما قال مودي بعد توقيع الاتفاقيات. وقد منح مودي بوتين إشادات لافتة، مثنياً على «قيادته وبصيرته»، في رسالة واضحة لواشنطن بأن الهند لا تعتزم التخلي عن سياسة «الاستقلال الاستراتيجي» التي تُبقي خطوطها مفتوحة مع جميع الأطراف.

توتر غير مسبوق

بالنسبة لإدارة الرئيس دونالد ترمب، باتت الهند جزءاً من ساحة ضغط أوسع على روسيا. فالإدارة ترى أن الشراكة الهندية - الروسية توفر لموسكو منفذاً اقتصادياً ودبلوماسياً يخفف من حدة العقوبات الغربية. ومُنذ عام 2022، عدّت واشنطن أن نيودلهي تحولت إلى «مغسلة للكرملين»، بعد أن قفزت وارداتها من النفط الروسي من 2 في المائة إلى أكثر من ثلث إجمالي وارداتها.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتحدثان خلال قمة منظمة شنغهاي في تيانجين يوم 1 سبتمبر (رويترز)

وأمام هذا المسار، رفعت الإدارة الأميركية الرسوم الجمركية على السلع الهندية إلى 50 في المائة، وفرضت عقوبات على شركات شحن وتأمين وبنوك تُسهّل تجارة النفط الروسي. وقد دفعت الضغوط الأميركية عدداً من كبرى التكتلات الهندية، مثل «ريلاينس»، إلى وقف معظم مشترياتها من الخام الروسي تفادياً للعقوبات الثانوية.

لكن موسكو تؤكد أن هذا التراجع «مؤقت»، وأنها تطور آليات التفاف جديدة لضمان استمرار تدفق النفط إلى السوق الهندية. وتراقب واشنطن من كثب أي تعمق إضافي في العلاقات الروسية - الهندية، خصوصاً بعد توقيع اتفاقيات جديدة تشمل الطاقة والتكنولوجيا والتصنيع.

وأشار معهد هدسون إلى أن الهند عادت إلى وضعها الافتراضي المتمثل في «التحوط» في تحالفاتها، «مرسلة إشارة إلى الولايات المتحدة بأن لديها خيارات متعددة». بل يرى بعض المحللين أنه «كلما زاد استهداف ترمب وإدارته للهند، ترسخت في الهند قناعة بأهمية علاقتها مع روسيا».

معادلة السلاح والتجارة

رغم الضغوط الأميركية، يبقى المجال الدفاعي حجر الزاوية في العلاقة الروسية - الهندية. إذ لا تزال أكثر من 60 في المائة من ترسانة الهند روسية المنشأ، من الطائرات المقاتلة إلى أنظمة الدفاع الجوي، وصواريخ «براهموس» المشتركة التطوير.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وخلال القمة الأخيرة، أكدت موسكو استعدادها لصفقات جديدة، بينما تواصل الهند تقدير المخاطر، خشية تفعيل واشنطن لعقوبات قانون «كاتسا». وفي خلفية هذا المشهد، تستخدم نيودلهي العروض الروسية بوصفها أداة مساومة مع واشنطن للحصول على أنظمة أميركية أكثر تقدماً، مُدركة أنها تحتاج إلى موافقة ضمنية من الولايات المتحدة قبل الدخول في صفقات كبرى جديدة مع موسكو. فالهند تُعدّ ركناً أساسياً في الرؤية الأميركية لموازنة صعود الصين، ما يمنحها هامشاً محدوداً لكنه مُهم، في مواجهة الضغوط.

التوازن مع الصين

الكرملين من جهته يسعى إلى تنويع شراكاته في آسيا، وتقليل اعتماده المفرط على الصين، التي تحولت إلى أكبر مشترٍ للطاقة الروسية.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أثناء لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وتحاول موسكو تعزيز وارداتها من السلع الصناعية والزراعية الهندية، ومعالجة الاختلال التجاري الكبير الذي تتجاوز فيه صادراتها إلى الهند 60 مليار دولار مقابل 5 مليارات فقط في الاتجاه المعاكس.

وتُشكّل المشاريع النووية، ومنها محطة «كودانكولام» التي تبنيها «روساتوم» في تاميل نادو، ومشاريع الصناعات الدوائية والطاقة، ركائز إضافية في هذا التوجه. وقد أكد بوتين استعداد بلاده لـ«استمرار الإمدادات غير المنقطعة من الطاقة» للاقتصاد الهندي المتنامي.

التكنولوجيا ساحة تنافس جديدة

التعاون التكنولوجي برز في الزيارة بصفته أحد أهم مجالات التعاون بين نيودلهي وموسكو. فإلى جانب عروض نقل تكنولوجيا المقاتلة «سو 57»، تكشف وثائق حصلت عليها أجهزة أوروبية، ونشرتها صحيفة «واشنطن بوست»، عن جهود روسية بقيادة أندريه بيزروكوف، الجاسوس السابق الذي أصبحت حياته أساس مسلسل اسمه «الأميركيون»، لاختراق قطاع التكنولوجيا الهندي عبر مشاريع مشتركة تشمل الأمن السيبراني والحوسبة المتقدمة.

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

وتُوضّح الوثائق أن هذه المبادرة لا تقتصر على تعزيز «السيادة التكنولوجية» الروسية، بل تهدف أيضاً لفتح أبواب النفوذ داخل الأنظمة التقنية الهندية، من خلال مشاريع، مثل تطوير معالجات وطنية تعتمد على «إلبروس» الروسية، أو إدخال نظام التشغيل «باس آلت» في مؤسسات حكومية، بما فيها الدفاعية. وقد أبدت نيودلهي اهتماماً ببعض هذه المشاريع، وجرى توقيع اتفاقيات أولية لمجمعات إنتاج مشتركة.

غير أن محللين غربيين يحذرون من أخطار «أبواب خلفية» أمنية قد تسمح لموسكو بالتسلل إلى البنية التحتية الرقمية الهندية، خصوصاً مع سوابق العقوبات الأميركية على شركات سيبرانية روسية مرتبطة بالاستخبارات. كما تشير الوثائق إلى تواصل روسي - صيني حول بعض هذه المشاريع، ما يثير تساؤلات إضافية بشأن تأثيرها على الأمن القومي الهندي.

كيف سترد واشنطن؟

أمام هذا المشهد المتشابك، يتوقع مراقبون أن تسعى واشنطن إلى رفع مستوى الضغط على نيودلهي إذا مضت قُدماً في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع موسكو.

عسكرياً، أي صفقة سلاح روسية كبرى مثل توسيع منظومة «إس 400»، أو تعاون في إنتاج «سو 57» قد يؤدي ذلك إلى تفعيل عقوبات «كاتسا»، مع ضعف احتمال منح إعفاء استراتيجي لنيودلهي في ظل الإدارة الحالية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسير إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في ألاسكا يوم 15 أغسطس (د.ب.أ)

اقتصادياً ونفطياً، ستواصل الولايات المتحدة مراقبة التزام الهند بسقف أسعار النفط الروسي، وقد توسع العقوبات على شركات شحن وتمويل مرتبطة بالتجارة النفطية لإغلاق أي ثغرات تمكّن موسكو من الالتفاف على سقف الأسعار.

تكنولوجياً، من المتوقع أن تدرس واشنطن استهداف الشركات الروسية المشاركة في مشاريع سيبرانية داخل الهند، وقد تضغط على الشركات الأميركية لعدم التعاون مع أطراف هندية منخرطة في المبادرات التكنولوجية الروسية.

تتقدم الشراكة الروسية - الهندية بثبات، لكنها تتقدم أيضاً داخل حقل ألغام دبلوماسي واقتصادي أميركي. الهند، التي تعتمد على روسيا في أمنها القومي وعلى الولايات المتحدة بوصفها بوابتها الاقتصادية والتكنولوجية نحو المستقبل، تحاول تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية وعدم الانحياز، فيما تسعى موسكو إلى استثمار هذا التوازن لمواجهة عزلتها الدولية، وتقليص هيمنة الصين عليها.

لكن قدرة نيودلهي على الحفاظ على هذا التوازن ستتوقف على عاملين: مدى نجاح روسيا في تجاوز العقوبات الغربية، ومدى استعداد واشنطن لتقبُّل دور للهند، بحيث لا تدور بالكامل في فلكها.


وزير الحرب الأميركي: سنجري اختبارات على الأسلحة النووية «مثلما يفعل الآخرون»

وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث (رويترز)
وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث (رويترز)
TT

وزير الحرب الأميركي: سنجري اختبارات على الأسلحة النووية «مثلما يفعل الآخرون»

وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث (رويترز)
وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث (رويترز)

أعلن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث، مساء السبت، أن الولايات المتحدة ستجري اختبارات على الأسلحة النووية ووسائل إطلاقها، «تماماً مثلما يفعل الآخرون»، في إشارة على ما يبدو إلى روسيا.

وقال هيغسيث، في كلمة ألقاها أمام منتدى للدفاع في كاليفورنيا، إن أميركا لا تحاول تغيير الوضع الراهن الخاص بتايوان.

وأضاف أن وزارته ستعمل على ضمان قدرة الرئيس دونالد ترمب على التفاوض من منطلق قوة في منطقة المحيط الهادئ، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية متفائلة بشأن إقدام الحلفاء في منطقتي المحيطين الهندي والهادئ على زيادة ميزانية الدفاع.

ووصف وزير الحرب الأميركي إسرائيل وكوريا الجنوبية وبولندا وألمانيا بأنها من بين «الحلفاء المثاليين»، لكنه شدد على أن الحلفاء الذين يتقاعسون في قضية الدفاع الجماعي يواجهون عواقب وخيمة، حسب تعبيره.