هل يضع الكونغرس شروطاً على المساعدات لإسرائيل؟

مسؤولون سابقون يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن الاحتمالات و«الاستياء المتزايد» من نتنياهو

تزايد أصوات المشرعين الداعية لفرض شروط على المساعدات لإسرائيل (أ.ف.ب)
تزايد أصوات المشرعين الداعية لفرض شروط على المساعدات لإسرائيل (أ.ف.ب)
TT

هل يضع الكونغرس شروطاً على المساعدات لإسرائيل؟

تزايد أصوات المشرعين الداعية لفرض شروط على المساعدات لإسرائيل (أ.ف.ب)
تزايد أصوات المشرعين الداعية لفرض شروط على المساعدات لإسرائيل (أ.ف.ب)

لطالما كانت المساعدات الأميركية لإسرائيل ملفاً حساساً لا يستقطب كثيراً من الانتقاد أو التدقيق، لكن هذه المعادلة تغيّرت في الأسابيع الأخيرة مع اهتمام الرأي العام الأميركي المتزايد بالأزمة في المنطقة، وبزوغ موجة من المظاهرات المعارضة لسياسة الرئيس جو بايدن تجاه إسرائيل، ناهيك عن غضب الناخبين الشباب والعرب المتزايد من الإدارة الأميركية، الأمر الذي، إن استمر، قد يقضي على حظوظ بايدن بالفوز في ولاية ثانية في البيت الأبيض.

ورغم أن الإدارة الأميركية لا تزال متحفظة عن دعم أي جهود لفرض شروط على المساعدات الأميركية لحليفتها إسرائيل، فإن الكونغرس لا يشاركها هذا التحفظ؛ إذ شهد المجلس التشريعي في الأيام الأخيرة سلسلة من المساعي والدعوات غير المسبوقة لتقييد المساعدات الضخمة التي تقدمها الولايات المتحدة لتل أبيب بسبب ممارساتها في غزة.

فشل السيناتور ساندرز بحشد الدعم اللازم لإقرار مشروعه لفرض شروط على المساعدات (أ.ف.ب)

حظوظ المعترضين

بدأت أصوات المعترضين على ممارسات إسرائيل في قطاع غزة بالتعالي في الأيام الأخيرة، وافتتح هذه الجهود السيناتور التقدمي المستقل بيرني ساندرز الذي يدفع جاهداً لفرض قيود على المساعدات، وقال ساندرز في خطاب في المجلس متوجهاً إلى زملائه: «مهما كان رأيكم حيال هذه الحرب الفظيعة، لا يمكننا الاختباء... فمنذ بداية النزاع لم نناقش مشروعاً واحداً تطرق إلى الدمار غير المسبوق والأزمة الإنسانية واستعمال أسلحة أميركية في حملة عسكرية خلّفت الكثير من القتلى والجرحى والنازحين».

مارا رودمان

لكن مارا رودمان، النائبة السابقة للمبعوث الأميركي للشرق الأوسط، والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي في إدارتي كلينتون وأوباما، تستبعد أن يتمكن الكونغرس من فرض شروط على المساعدات، وتقول رودمان لـ«الشرق الأوسط»: «إن طبيعة عمل الكونغرس في هذه الأيام تُظهر أنه لن يتمكن من فرض شروط بطريقة حكيمة أو فعالة». وتضيف رودمان أن إدارة بايدن بدأت بـ«التأقلم» مع الوضع. وتشرح قائلة: «على سبيل المثال، رفضت الإدارة تقديم بنادق عندما لم تحاكم حكومة (بنيامين) نتنياهو بعض المستوطنين في الضفة الغربية».

غيث العمري

ويوافق غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مع تقييم رودمان، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «من المستبعد أن يفرض الكونغرس شروطاً، فدعم الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) لإسرائيل لا يزال واسع النطاق، ورغم تزايد الأصوات الداعية لتقييد المساعدات فإنها لا تزال هامشية».

ويعتبر العمري أنه وعلى الرغم من وجود كثير من الانتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي من قِبل المشرعين بشكل عام، والديمقراطيين بشكل خاص، فإن «الدعم الأميركي لإسرائيل يعطي الإدارة نفوذاً أكبر للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي». ويضيف: «إن الرؤساء الأميركيين الذين يعدّهم الإسرائيليون داعمين لإسرائيل كبيل كلينتون مثلاً كانوا قادرين على التأثير على القرارات الإسرائيلية والتحركات السياسية أكثر من الرؤساء الذين ابتعدوا عن إسرائيل كباراك أوباما مثلاً».

لكن تحرك السيناتور ساندرز لفرض قيود على المساعدات، رغم فشله في الحصول على الأصوات المطلوبة للإقرار، دفع بعدد من المشرعين للبدء بالحديث عن النظر في شروط، فأشار زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر إلى أن الحزب «يناقش» وضع شروط من دون أن يتعهد بدعم هذه الجهود، كما لمح السيناتور الديمقراطي المقرب من بايدن كريس كونز إلى «انفتاحه» على النظر في فرض قيود.

جايسون ستاينبوم

ويسلط جايسون ستاينبوم، كبير الموظفين السابق في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، الضوء على المعارضة الديمقراطية، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن أرقام الدعم موجودة حتى الآن في الكونغرس لفرض شروط على المساعدة لإسرائيل، لكن هناك قلقاً متزايداً من الشق اليساري في الحزب الديمقراطي. وكان التصويت على مشروع السيناتور ساندرز لفرض شروط بمثابة اختبار لهذه المواقف، وحصل على دعم 11 صوتاً فقط وهذا غير كاف». إلا أن ستاينبوم شدد على أهمية مواقف من هذا النوع في موسم انتخابي حامٍ، فقال: «الرئيس بايدن يعلم أنه بحاجة إلى كل صوت في الخريف، وفي نهاية المطاف هو لا يريد فقدان الدعم في صفوف القاعدة الديمقراطية».

أما لورا كيلي، مراسلة الشؤون الخارجية في صحيفة «ذي هيل» فتقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم أنه من المستبعد أن يفرض الكونغرس شروطاً بارزة على المساعدات لإسرائيل فإن ما هو مهم اليوم هو الجهود الساعية لذلك، والمشرعون الداعمون لها». وتشرح كيلي: «في الوقت الحالي، عدد هؤلاء المشرعين صغير، لكنه يكبر مع تعدد المبادرات، فالسيناتور بيرني ساندرز حصل على دعم 10 من أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت لصالح مشروعه لفرض قيود على المساعدات لإسرائيل، فيما يسعى السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن لإقرار تعديل ضمن موازنة الأمن القومي تتطلب من أي بلد يحصل على مساعدات عسكرية الالتزام بالقوانين الإنسانية الدولية».

بايدن ونتنياهو خلال زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل في 18 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو «شوكة في خاصرة» الإدارة

وبالتزامن مع المساعي لفرض قيود على المساعدات الأميركية لإسرائيل، بدأ صبر المشرعين ينفد حيال نتنياهو، فوصفه السيناتور كونز بـ«الشريك الصعب بشكل استثنائي». وتقول رودمان إن هذا ليس بالأمر الجديد، مضيفة: «إن كون نتنياهو شريكاً صعباً هو ليس بالأمر الجديد لأميركا، والرئيس بايدن لديه تاريخ حافل مع نتنياهو بوصفه شريكاً صعباً». وأشارت رودمان إلى أن الإدارة وضعت هذا في حساباتها للتعامل معه فتقول: «سوف تستمر (الإدارة) بالتركيز على ما سيخدم مصالح الأمن القومي الأميركي، بما فيه كيفية إحقاق سلام وأمن مستديمين في المنطقة، وستستمر في استعمال كل الأدوات الخلّاقة والمتوفرة للتوصل إلى ذلك الهدف».

ويعدّ العمري أن الاستياء من نتنياهو لا يقتصر على الكونغرس فحسب، «بل يصل إلى الإدارة»، فيقول: «على الأرجح أننا سنرى المزيد من الخلافات العلنية حيال طريقة شن حرب غزة، خاصة فيما يتعلق بضرورة حماية المدنيين والخطط المرتبطة بيوم ما بعد الحرب، والالتزام بمسار نحو حل الدولتين». وأشار إلى أن هذه الخلافات «مصمَّمَّة» لإرغام نتنياهو على الاختيار ما بين مواجهة المتشددين من ائتلافه ما سيدفع بحكومته للانهيار، أو مواجهة الرئيس الأميركي وهو أمر لا يحظى بشعبية كثيرٍ من الإسرائيليين الذين يرون بايدن حليفاً لإسرائيل، على حد تعبيره.

ويذكر ستاينبوم أنه «لطالما كان نتنياهو (شوكة في خاصرة) الولايات المتحدة وجهودها لترويج السلام وحل الدولتين، لذا هذه الحساسية مع الرؤساء الأميركيين ليست بالجديدة». ويضيف: «ما هو جديد هنا هو التغيير في المشاعر الإسرائيلية والغضب تجاه رئيس الوزراء بسبب عدم حمايتهم من (حماس) وفشله في إعادة الرهائن». ويحذر ستاينبوم من حساسية المواقف في الموسم الانتخابي فيقول: «كلما طالت مدة الحرب واقتربت الانتخابات الرئاسية، زادت فرصة أن يؤثر ذلك على شدة الدعم الأميركي لإسرائيل. أتصور أن قلق الرئيس بايدن قد يترجم أولاً بامتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار غير ملزم للأمم المتحدة يعرب عن شكل من أشكال الانتقاد لإسرائيل. وسيكون هذا بمثابة طلقة تحذير يسمع صداها في كل أنحاء العالم».

لورا كيلي

من ناحيتها، تقول كيلي إن بايدن يفصل بشكل واضح بين علاقته بنتنياهو ودعمه لإسرائيل، مستبعدة أن يتخلى عن موقفه «المتشدد» الداعم لتل أبيب، وأضافت: «نراه يحاول التأثير على إسرائيل فيما يتعلق بطريقتها في شن الحملة العسكرية، ونراه منخرطاً بالمفاوضات لإطلاق سراح الرهائن... لكن الرئيس الأميركي سوف يضع دعم إسرائيل في المرتبة الأولى».

إشارة إلى أن أميركا تقدم مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل بقيمة 3.8 مليار دولار، كما أن إدارة بايدن طلبت من الكونغرس الموافقة على مبلغ 14.3 مليار دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن المشرعين لم يوافقوا على المبلغ حتى الساعة بسبب خلافات داخلية متعلقة بإصلاح قانون الهجرة، الأمر الذي دفع بالبيت الأبيض إلى السعي لتخطي صلاحيات الكونغرس عبر قانون الطوارئ وإرسال مساعدات عسكرية بقيمة 106 ملايين دولار تقريباً لإسرائيل في ديسمبر (كانون الأول)


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».