هل اقترب الاتفاق بين بايدن والجمهوريين على تمرير صفقة أوكرانيا وأمن الحدود؟

القيادة الأميركية لجهود دعم كييف «محرجة»

الرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)
TT

هل اقترب الاتفاق بين بايدن والجمهوريين على تمرير صفقة أوكرانيا وأمن الحدود؟

الرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن (د.ب.أ)

هل اقتربت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من التوصل إلى اتفاق مع الجمهوريين لتمرير المساعدات الأميركية لأوكرانيا؟ سؤال طرح نفسه بقوة في اليومين الماضيين، مع إعلان كثير من المشرعين الذين حضروا الاجتماع بين قادة الكونغرس من الحزبين مع بايدن بعد ظهر الأربعاء، أن هناك اتفاقاً واسع النطاق على الحاجة إلى تمويل أوكرانيا في المستقبل.

الرئيس الأوكراني يصافح نظيره الليتواني ويبدو الرئيس الأميركي وعدد من القادة الأوروبيين خلال اجتماع «مجلس أوكرانيا - الناتو» في فيلنيوس الشهر الماضي (أ.ف.ب)

ورغم ذلك، نقلت وسائل إعلام أميركية عدة عن النائب الجمهوري، مايكل مكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب قوله: «عندما يكون لديك إجماع، فإن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل».

مؤشرات مشجعة

بيد أن مؤشرات عدة شجعت كثيراً على التفاؤل بأن الاتفاق قد يكون قريباً بالفعل. وعلى رأس تلك المؤشرات، الضغوط الأوروبية، خصوصاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي أعلنت في الأيام الماضية توقيع كثير من الاتفاقيات مع أوكرانيا لتزخيم المساعدات العسكرية لها، تحت مظلة مجموعة الاتصال الدفاعية لأوكرانيا التي ترأسها الولايات المتحدة. وهو ما عد إحراجاً لواشنطن، التي كان من المفترض أن تكون هي التي تقود هذه الجهود، في الوقت الذي تصب فيه الالتزامات الأوروبية، في مصلحة دعوات الجمهوريين، خصوصاً من أنصار الرئيس السابق دونالد ترمب، التي كانت تدعو إلى زيادة حصة الأوروبيين في «الدفاع عن أنفسهم».

وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأربعاء، خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، لتؤكد هذا الإحراج.

قال : «إذا لم نحصل على هذه الأموال، فستكون مشكلة حقيقية. إنها مشكلة حقيقية لأوكرانيا. أعتقد أنها مشكلة لنا ولقيادتنا في جميع أنحاء العالم». وأضاف أن إدارة بايدن «تعمل بجد» لتأمين تمويل إضافي لأوكرانيا من الكونغرس، محذراً من أن الفشل في القيام بذلك سيكون «مشكلة حقيقية».

وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال مشاركته في «منتدى دافوس» (رويترز)

مصلحة الجمهوريين التوافق مع الديمقراطيين

وعلى الرغم من عدم خروج اجتماع البيت الأبيض بنتيجة فورية، فإن اللغة التي استخدمها قادة الكونغرس، بدت في معظمها إيجابية. وما عزز هذه التوقعات، تصريحات عدد من النواب والسناتورات الجمهوريين، على رأسهم زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، السناتور ميتش ماكونيل، التي أشارت إلى أن من مصلحتهم التوصل إلى اتفاق الآن، وعدم الانتظار أو الرهان على نتائج الانتخابات العامة والرئاسية، لأنه من غير المحتمل أن يوافق الديمقراطيون بعدها، «لأنهم لن يخسروا شيئا».

زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ شاك شومر متحدثاً إلى الصحافيين الأربعاء مع زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز بعد خروجهما من اجتماع بالبيت الأبيض (أ.ب)

وقال: «أحد الأشياء التي أظل أذكّر بها أعضاء فريقي هو أنه إذا كانت لدينا حكومة جمهورية بنسبة 100 في المائة، من رئيس ومجلس نواب ومجلس شيوخ، فمن المحتمل ألّا نحصل على صوت ديمقراطي واحد» لإصلاح أمن الحدود. «هذه فرصة فريدة لإنجاز شيء ما في حكومة منقسمة».

وقال النائب الأول لماكونيل، السناتور النافذ جون ثون، إن الوقت ينفد لمساعدة أوكرانيا. وقال إن اجتماع البيت الأبيض «سيخلق شعوراً بالإلحاح بشأن إنجاز ذلك، خاصة في ما يتعلق بأوكرانيا».

زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل (رويترز)

وما زاد من هذه المخاوف، أن يكون الجمهوريون في مجلس النواب، مضطرين للتوافق مع الديمقراطيين، ويحتاجون إلى أصواتهم لتمرير أي تشريع حقيقي في عام 2024 كله، بسبب تعليق قاعدة تسمى «الحكم في ظل التعليق». ويتجاوز هذا الإجراء بشكل أساسي لجنة القواعد بمجلس النواب، مما يمنع المحافظين من خنق التشريعات قبل أن تصل إلى قاعة المجلس.

وسبق لرئيس المجلس، مايك جونسون، أن استخدمه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لتمرير إقراره الضريبي توجاوز اعتراضات المحافظين. ووفق موقع «أكسيوس»، فقد أرسل قادة الحزب الجمهوري برقية إلى نوابهم، مفادها أن أي تشريع مهم هذا العام، مثل تمويل الحكومة أو مشروع قانون ضريبي محتمل، سيتم طرحه على الأرض في ظل تعليق تلك القواعد. وهو ما سيتطلب لتمرير أي قانون، الحصول على أغلبية الثلثين، أو ما يقرب من 290 صوتاً، الأمر الذي يجعل مجلس النواب من الناحية العملية شبيهاً بمجلس الشيوخ، حيث يحتاج التشريع إلى أغلبية 60 صوتاً حتى يصبح قانوناً.

ويدرس الكونغرس 3 تشريعات مهمة هذا الشتاء: مشروع قانون التمويل والحدود لأوكرانيا، واقتراح ضريبي يقايض فترات الراحة التجارية بإعفاء ضريبي للأطفال، وتشريع لإبقاء الحكومة مفتوحة (والتي من المرجح أن تكون عبارة عن مشروعي قانون منفصلين). وفيما أن المشروعين الأولين اختياريان إلى حد ما، غير أن المشروع الثالث أكثر إلحاحاً، إذا أراد المشرعون تجنب إغلاق الحكومة.

جونسون ينسق مع ترمب

ورغم ذلك لا يزال رئيس المجلس جونسون يشدد على «الأولوية القصوى» في أي صفقة محتملة، مكرراً الموقف المتشدد الذي يشير إلى أن مجلس النواب لن يقبل التسوية التي سيتم مناقشتها في مجلس الشيوخ. كما ظهرت مشكلة جديدة عندما أكد جونسون في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» مساء الأربعاء، أنه كان يتحدث مع دونالد ترمب «في كثير من الأحيان» حول صفقة الحدود التي يتم التفاوض عليها في مجلس الشيوخ، التي يحث الرئيس السابق الجمهوريين على معارضتها. وقال: «علينا أن نحتفظ بموقفنا لنرى ما سينتج عنه»، مضيفاً أن الاتفاق «لا يبدو جيداً حتى الآن».

ومع ذلك، قال زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، السناتور تشاك شومر، إن المفاوضين يحرزون «تقدماً جيداً حقاً»، بينما توقع زعيم الأقلية الجمهورية، السناتور ميتش ماكونيل، أنه يمكن النظر في مشروع قانون يجمع بين أمن الحدود والمساعدات الأوكرانية الأسبوع المقبل.

ويحض ماكونيل الجمهوريين، على عدم التركيز فقط على بند أمن الحدود من الصفقة، بل النظر على نطاق أوسع إلى الاحتياجات الأمنية الملحة للبلاد. وقال: «باقي مشروع القانون مهم. لكن نحن نتعرض لإطلاق النار. الحوثيون يطلقون النار على سفننا وعلى السفن التجارية. لدينا حرب في إسرائيل، وحرب في أوكرانيا. أنا متأكد من أن الصينيين لم يكونوا راضين عن نتيجة الانتخابات الرئاسية في تايوان قبل أيام قليلة... أعتقد أن الوقت قد حان للمضي قُدماً في الملف الإضافي، وأتوقع أن يكون أمامنا الأسبوع المقبل».

وأطلع خبراء أمنيون في اجتماع البيت الأبيض، يوم الأربعاء، الذي حضره مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومديرة المخابرات الوطنية أفريل هاينز، جونسون والقادة الآخرين، على الوضع «المزري» الذي تواجهه أوكرانيا. ويقول المشرعون إن الهدف كان تسليط الضوء على أن الوقت ينفد لدى الكونغرس لتمرير ملحق طارئ، وأن الشخص المستهدف الأساسي هو جونسون.


مقالات ذات صلة

أوكرانيا تقصف شبكة الكهرباء في منطقة دونيتسك التي تحتلها روسيا

أوروبا الدمار يظهر في مدينة كوستيانتينيفكا الواقعة على خط المواجهة بمنطقة دونيتسك الأوكرانية (إ.ب.أ)

أوكرانيا تقصف شبكة الكهرباء في منطقة دونيتسك التي تحتلها روسيا

تسببت هجمات المسيرات الأوكرانية في أضرار بالغة لشبكة الكهرباء في الجزء الذي تحتله روسيا من منطقة دونيتسك، بحسب ما أعلنته إدارة الاحتلال اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا ناقلة غاز طبيعي مُسال (رويترز - أرشيفية)

الاتحاد الأوروبي: هجوم روسيا على ناقلة للغاز الطبيعي المُسال «تصعيد متهور»

قال الاتحاد الأوروبي إن الهجوم الروسي على ناقلة للغاز الطبيعي المُسال في جنوب أوكرانيا، أمس الاثنين، يُعَدّ تصعيداً متهوراً جديداً من جانب موسكو.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا صورة مأخوذة من مقطع فيديو وزعته وزارة الدفاع الروسية في 18 نوفمبر 2025 تُظهر جندياً روسياً يطلق قذيفة مدفعية على مواقع للجيش الأوكراني في مكان غير معلوم في أوكرانيا (إ.ب.أ)

وزير الدفاع الروسي يتفقد قواته في شرق أوكرانيا

قالت قناة «زفيزدا»، التابعة لوزارة الدفاع الروسية، اليوم الثلاثاء، إن وزير الدفاع أندريه بيلوسوف أجرى تفقداً دورياً للقوات المقاتلة في شرق أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جانب من جولة المفاوضات المباشرة الثالثة بين الوفدين الروسي والأوكراني في إسطنبول في 23 يوليو الماضي (د.ب.أ)

ويتكوف يلتقي زيلينسكي في تركيا لبحث استئناف المفاوضات مع روسيا

أطلقت تركيا مسعى جديداً لاستئناف مفاوضات وقف الحرب الروسية الأوكرانية بعد 4 جولات سابقة لم تحرز تقدماً كبيراً على صعيد وقف إطلاق النار بين الطرفين وإن كان نتج

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا مستودع لسكة حديدية يحترق بعد هجوم بمسيّرة روسية في دنيبرو الثلاثاء (رويترز)

الكرملين يتهم باريس بـ«تأجيج الحرب» بعد صفقة «رافال»

توعد الكرملين، الثلاثاء، بمواجهة تداعيات إبرام صفقة لتزويد كييف بـ100 مقاتلة فرنسية من طراز «رافال»، واتهم باريس بـ«تأجيج مشاعر الحرب».

رائد جبر (موسكو)

مجلس النواب الأميركي يصوّت الثلاثاء على نشر ملفات جيفري إبستين

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يتحدث إلى الإعلام في مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة واشنطن... 18 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يتحدث إلى الإعلام في مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة واشنطن... 18 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

مجلس النواب الأميركي يصوّت الثلاثاء على نشر ملفات جيفري إبستين

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يتحدث إلى الإعلام في مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة واشنطن... 18 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)
رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون يتحدث إلى الإعلام في مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة واشنطن... 18 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)

يصوّت النواب الأميركيون، الثلاثاء، على مشروع قانون يُلزم بنشر سجلات حكومية متعلّقة بجيفري إبستين المدان بجرائم جنسية.

ويبدو من المؤكد أن مجلس النواب سيمرر، ربما بالإجماع، «قانون الشفافية في ملفات إبستين» الذي يُلزم بنشر وثائق غير سريّة عن تفاصيل التحقيق بشأن أنشطة المليونير المُدان ووفاته في السجن عام 2019.

منصة بلافتة تطالب بالشفافية في ملف إبستين تم وضعها قبل المؤتمر الصحافي الصباحي خارج مبنى الكابيتول الأميركي في العاصمة واشنطن... 18 نوفمبر 2025 (إ.ب.أ)

ويرى نواب أن من حق العامة الحصول على إجابات في قضية يشتبه بأن عدد ضحاياها تجاوز الألف.

سيكون من الصعب الدفاع عن رفض مشروع القانون في مجلس الشيوخ بعد تصويت غير متوازن في مجلس النواب، وقد تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعدم استخدام حق النقض ضد التشريع إذا وصل إلى مكتبه.

عند وفاته التي خلص المحقق الطبي حينها إلى أنها تمّت انتحاراً، كان إبستين يخضع لمحاكمة فيدرالية لاتهامه بالاتجار بالجنس وباستغلال قاصرات، بعدما أدين عام 2008 بالتحريض على الدعارة، بما في ذلك من قاصر.

رجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين في صورة لقسم خدمات العدالة الجنائية في ولاية نيويورك في 28 مارس 2017 (رويترز)

لكن التوقعات بكشف حقائق جديدة دامغة في ملف إبستين قد تكون سابقة لأوانها، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تتمتع وزارة العدل بسلطة واسعة في حجب أي معلومات إذا كان نشرها «يُعرّض تحقيقاً فيدرالياً جارياً للخطر»، وقد أمر ترمب مسؤولين بالتحقيق في علاقات إبستين مع شخصيات ديمقراطية بارزة، في تدخل لاقى انتقادات واسعة الأسبوع الماضي، في حين يوجه الديمقراطيون الاتهام إلى ترمب على اعتبار أنه كان على علاقة صداقة مع إبستين.

ونفى ترمب، اليوم الثلاثاء، أي علاقة له بجيفري إبستين، وقال للصحافيين في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض «في ما يتعلق بملفات إبستين... لا علاقة لي بجيفري إبستين. طردتُه من ناديَّ قبل سنوات طويلة لأنني كنتُ أرى فيه منحرفاً مريضاً».

وكشفت قضية إبستين عن انقسامات نادرة من نوعها في دعم الرئيس الجمهوري الذي تعهّد خلال حملته الانتخابية بنشر الملفات قبل أن يتراجع بعد توليه السلطة، متّهماً الديمقراطيين باختلاق «خدعة» إبستين.

بعد محاولات متعددة من جانب زعماء الحزب الجمهوري لمنع التصويت، وقّع جميع الديمقراطيين وأربعة جمهوريين على «عريضة إعفاء» - في إجراء استثنائي يحتّم نقل مشروع القانون إلى مجلس النواب.

وقال ترمب على شبكات التواصل الاجتماعي ليل الأحد إن على مجلس النواب التصويت لصالح نشر الملفات، مؤكداً: «ليس لدينا ما نخفيه».


الشراكة الدفاعية السعودية - الأميركية تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي

جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
TT

الشراكة الدفاعية السعودية - الأميركية تعيد رسم ملامح الأمن الإقليمي

جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)
جانب من مناورات عسكرية استضافتها السعودية في 9 نوفمبر (واس)

قبل ساعات من وصول الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي إلى البيت الأبيض، كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن موافقته على بيع مقاتلات «إف - 35»، الأكثر تقدّماً في العالم، للرياض.

وتندرج صفقة مقاتلات «إف - 35» ضمن اتفاقية دفاعية أوسع تُمهّد لمرحلة جديدة في العلاقات بين الرياض وواشنطن، ولتعاون استراتيجي يشمل قطاعات الأمن والسياسة والتكنولوجيا والاستثمار.

وينظر مراقبون إلى الزيارة التي تأتي بعد ستة أشهر على توقيع حزمة اتفاقات دفاعية واستثمارية غير مسبوقة في مايو (أيار) الماضي، على أنها اختبار حقيقي لمدى قدرة الطرفين على ترجمة التعهدات الكبرى التي أعلن عنها حينها، والتي شكّلت انعطافة في العلاقات الثنائية عقب سنوات من التباينات في الملفات الإقليمية.

شراكة استراتيجية واسعة

شهدت العلاقات الأميركية السعودية، في مايو الماضي، واحدة من أكبر حزم التعاون الدفاعي والاقتصادي في تاريخ البلدين، شملت عقود تسليح وتعاون عسكري مباشر بلغت قيمتها 142 مليار دولار. لكن جزءاً كبيراً من هذه العقود لا يزال قيد التنفيذ أو المراجعة.

وتُعد زيارة ولي العهد فرصة لمتابعة ما تحقّق فعلياً، وحسم الملفات العالقة، سواء في مجال التسليح أو الاستثمار أو التعاون الأمني.

مقاتلة «إف - 35» الأميركية المتطورة (أرشيفية)

ووفق مصادر أميركية، من المتوقع أن يبحث الأمير محمد بن سلمان والرئيس ترمب إمكانية التوصل إلى اتفاق دفاعي – أمني ثنائي يجري العمل على صياغته منذ أشهر.

وتشير معلومات من واشنطن إلى أن بعض الصفقات الدفاعية خضعت بالفعل لمراجعة «لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة»، وبلغت مرحلة متقدمة تسمح بإنجازها خلال الأسابيع المقبلة.

وشملت العقود المعلنة سابقاً تزويد المملكة بطائرات «إف – 15» و«إف – 16»، وأنظمة دفاع جوي وصاروخي، إضافة إلى تحديث الأسطول الجوي السعودي، بمشاركة كبرى الشركات الأميركية مثل «لوكهيد مارتن»، «بوينغ»، «ريثيون»، «نورثروب غرومان» و«جنرال دايناميكس».

لكن المميز في الحزمة الأخيرة هو انتقال العلاقة من شراء السلاح إلى شراكة تصنيع ونقل تكنولوجيا داخل المملكة، انسجاماً مع «رؤية 2030» التي تستهدف توطين 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول 2030.

وتشمل هذه الشراكة إنشاء خطوط إنتاج محلية وصيانة للطائرات والأنظمة الدفاعية، وتدريب كوادر سعودية، وتطوير سلاسل إمداد وطنية.

كما توسعت الاتفاقات إلى مجالات الفضاء والطاقة النووية المدنية والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في تحوّل يعكس اندماج التكنولوجيا المتقدمة في صلب التعاون الأمني.

مقاتلات «إف - 35»

تحتل صفقة بيع مقاتلات «إف - 35» موقعاً مركزياً في أجندة الزيارة، مع تأكيد ترمب على دعمه بيع مقاتلات «إف - 35» للسعودية.

وقال الرئيس الأميركي للصحافيين، الاثنين: «سنقوم بذلك، سنبيع مقاتلات (إف - 35)... لقد كان (السعوديون) حليفاً عظيماً».

وتقول إليزابيث دينت، الزميلة البارزة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى لشؤون الخليج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الموافقة الأميركية على بيع «إف – 35» للمملكة ستكون «أول عملية من نوعها لجيش عربي»، ما يمثل «تحوّلاً كبيراً» في السياسة الأميركية.

ويرى محللون أن حصول الرياض على الطائرة المتقدمة سيمنحها قدرة استراتيجية نوعية، ويعيد رسم ميزان القوة في الخليج، خصوصاً في ضوء التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي برزت خلال السنوات الأخيرة، سواء كان في المنطقة أو في حرب أوكرانيا.

اتفاق أمني جديد

على الصعيد الأمني، تأتي الزيارة في لحظة تشابكت فيها الملفات الإقليمية؛ من حرب غزة، إلى جهود «حصر السلاح» في لبنان، مروراً بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر، والضبابية بشأن البرنامج النووي الإيراني.

وفي هذا المناخ، تعمل إدارة ترمب على تطوير سياساتها في المنطقة عبر تقوية التحالفات الإقليمية وتعزيز الرّدع.

الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب لدى زيارة الأخير إلى الرياض 13 مايو 2025 (أ.ب)

وبحسب مصادر أميركية، يجري العمل على صياغة اتفاق أمني ثنائي يتضمن التزامات دفاع متبادل، وتعاوناً استخباراتياً أوسع، وترتيبات تخُصّ أمن الملاحة في البحر الأحمر والخليج. كما يتضمن آليات مشتركة للتعامل مع التهديدات الإيرانية وشبكاتها الإقليمية.

وتصف هذه المصادر الاتفاق المرتقب بأنه بمثابة «إعلان نوايا استراتيجي» يشبه في روحه أطر الدفاع التي تجمع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.

وفي هذا السياق، رجّح دانيال بينيم، الزميل في معهد الشرق الأوسط والمسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الخليج، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «تعزيزاً أمنياً في العلاقات الأميركية – السعودية خلال الزيارة»، يشمل «ضماناً أمنياً غير تقليدي».

إعادة ترتيب معادلات الأمن الإقليمي

شكّلت حرب غزة نقطة تحوّل في الحسابات الإقليمية لكل من واشنطن والرياض. فالتصعيد الذي شمل لبنان واليمن والعراق كشف عن هشاشة منظومة الردع القائمة، ودفع الولايات المتحدة إلى تعزيز منظومات الدفاع الجوي لدى حلفائها.

في المقابل، أعادت الرياض تقييم موقعها ضمن المنظومة الأمنية، مع الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن الذي يشكل ركيزة لأمن الطاقة العالمي والممرات البحرية.

ويلفت مراقبون إلى أن المملكة بلورت دوراً إقليمياً يقوم على الشراكات المتوازنة مع الشرق والغرب، وعلى توزيع الأعباء الأمنية في المنطقة بصورة أكثر اتساقاً مع حجم الأدوار الاقتصادية والسياسية الجديدة.

استثمارات في التكنولوجيا والدفاع

تحمل الزيارة أيضاً جدولاً واسعاً من المشاريع الاقتصادية والتقنية. فقد افتتحت «بوينغ» مركزاً متقدماً للتدريب والصيانة في الرياض، فيما وقعت «لوكهيد مارتن» اتفاقاً لإنشاء خطوط إنتاج محلية لمنظومات «ثاد» و«باتريوت».

كما تتوسع الشراكات في مجالات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، مع دخول شركات كبرى مثل «مايكروسوفت»، و«أمازون» و«غوغل كلاود»، في مشاريع متصلة بالبنية الرقمية الدفاعية.

ويرى خبراء أن هذه الاستثمارات باتت تُمثّل «الركيزة الثالثة» في التحالف الجديد، إلى جانب التعاون الدفاعي والاقتصادي، بما ينسجم مع أهداف «رؤية 2030» في بناء صناعة تقنية وعسكرية متكاملة داخل المملكة.


بسبب علاقته بإبستين... وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز يعتذر وينسحب من الحياة العامة

وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز (أ.ف.ب)
وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز (أ.ف.ب)
TT

بسبب علاقته بإبستين... وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز يعتذر وينسحب من الحياة العامة

وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز (أ.ف.ب)
وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز (أ.ف.ب)

أعلن وزير الخزانة الأميركي الأسبق لاري سامرز أنه «سينسحب» من الحياة العامة بعدما نشر الكونغرس رسائل إلكترونية تظهر اتصالات وثيقة بينه وبين جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية.

وقال سامرز في بيان أرسل لوسائل إعلام أميركية: «أتحمل المسؤولية الكاملة عن قراري الخاطئ بمواصلة التواصل مع إبستين».

وأضاف الرئيس الأسبق لجامعة هارفارد، والذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد بيل كلينتون: «بينما أواصل الوفاء بالتزاماتي التعليمية، سأنسحب من الالتزامات العامة كجزء من جهدي الأوسع لإعادة بناء الثقة، وإصلاح العلاقات مع الأشخاص الأقرب إلي».

وجاء إعلان سامرز عقب نشر لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي في مجلس النواب الأميركي مراسلات تعود إلى سبع سنوات بينه وبين إبستين.

ووفق ما نشرت صحيفة «فوكس نيوز»، أظهرت الوثائق أن الرجلين واصلا تبادل الرسائل حتى الخامس من يوليو (تموز) 2019، أي قبل يوم واحد فقط من توقيف إبستين بتهم جديدة تتعلق بالاتجار الجنسي.

وتضمّنت مئات الرسائل المعلنة ما يشير إلى أن سامرز وضع ثقته في إبستين، كما باح له بشأن مساعيه لإقامة علاقة عاطفية مع امرأة وصفها بأنها كانت من «المتدرّبات» لديه.

ومن بين الرسائل المنشورة رسالة تعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وصف فيها إبستين نفسه بأنه «الجناح المساند» لسامرز، بينما استمر لعدة أشهر في تزويده بنصائح مرتبطة بتلك العلاقة.

وكتب سامرز في بيانه لصحيفة «هارفارد كريمسون»: «أنا أشعر بخزي عميق من أفعالي، وأدرك الألم الذي تسببتُ فيه».

وأضاف: «أتحمّل المسؤولية الكاملة عن قراري المضلَّل بالاستمرار في التواصل مع السيد إبستين».

ويشغل سامرز عدة مناصب في حياته المهنية، من بينها زميل أقدم في مركز التقدّم الأميركي، وكاتب مدفوع في «بلومبرغ نيوز»، وعضو في مجلس إدارة شركة «أوبن إيه آي».

كما يواصل سامرز عمله أستاذاً جامعياً في هارفارد، ويشغل منصب مدير مركز موسافار-رحماني للأعمال والحكومة في كلية كيندي بجامعة هارفارد، وهو منصب سيستمر في تولّيه، وفق ما نقلت الصحيفة عن المتحدث باسمه.