ترمب 2024... «تسونامي» من المواعيد في عام الانتخابات والمحاكمات

إدانته تعني أحكاماً تتراوح بين السجن والغرامات الضخمة ونزع أهليته مرشحاً رئاسياً

المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب في أحد التجمعات الانتخابية (رويترز)
المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب في أحد التجمعات الانتخابية (رويترز)
TT

ترمب 2024... «تسونامي» من المواعيد في عام الانتخابات والمحاكمات

المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب في أحد التجمعات الانتخابية (رويترز)
المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب في أحد التجمعات الانتخابية (رويترز)

خلال عام 2016 سأل أحد الدبلوماسيين صحافياً عن احتمالات وصول المرشح الرئاسي عامذاك دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. كان الجواب سلبياً تلقائياً، لأن اعتقاداً ساد أن المرشحة ضده هيلاري كلينتون ستصل على «موجة زرقاء». ثم نزلت المفاجأة الحمراء كالصاعقة. «هذه هي الولايات المتحدة!»، قال الدبلوماسي.

في بلاد المفاجآت الانتخابية، يبدو التكهن منذ الآن بالنتيجة التي ستُفضي إليها انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، مجرّد ضرب في الرمل. إذا ظلّت الأمور على حالها اليوم، سيكون ترمب مرشحاً وفير الحظوظ للعودة إلى البيت الأبيض الذي أخرجه منه غريمه الديمقراطي جو بايدن.

رسم للرئيس السابق دونالد ترمب يستمع إلى محامي الدفاع عنه كريستوفر كيس خلال محاكمة بالاحتيال ضد منظمة ترمب في المحكمة العليا لولاية نيويورك (رويترز)

في المحاكم... والحملات

تنطلق الانتخابات التمهيدية والتجمعات الانتخابية في منتصف يناير (كانون الثاني) 2024، خلال التجمعات الانتخابية لولاية أيوا، ثم تنتقل إلى الولايات الأخرى، وصولاً إلى المؤتمر العام للحزب الجمهوري لاختيار مرشحه النهائي بين 15 يوليو (تموز) و18 منه في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن، والمؤتمر العام للحزب الديمقراطي واختيار مرشحه بين 19 أغسطس (آب) و22 منه في مدينة شيكاغو بولاية إيلينوي.

مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (أ.ب)

خلال تلك الفترة الحاسمة من الانتخابات، سيكون جدول مواعيد ترمب في المحاكم والحملات الانتخابية بمثابة «تسونامي»، إذ إنه يواجه، بالإضافة إلى الجدول المزدحم للحملات الرئاسية، أربع محاكمات رئيسية، يواجه فيها 91 تهمة تتعلق بأعماله ومسيرته السياسية: اثنتان منها رفعهما المستشار القانوني الخاص المعيّن من وزارة العدل جاك سميث، وواحدة من المدعية العامة في نيويورك ليتيسيا جيمس، والأخيرة من المدعية العامة في جورجيا فاني ويليس.

بالإضافة إلى ذلك، توجد قضايا عالقة في نحو 20 ولاية، بعضها يتمحور حول ما إذا كان ينبغي استبعاد ترمب من بطاقات الاقتراع استناداً إلى التعديل الرابع عشر من الدستور الأميركي، على غرار الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا لكولورادو، الذي يرى أن الرئيس السابق «فقد أهليته» لتورطه في تمرد، عندما حاول قلب نتائج انتخابات 2020 التي فاز فيها الرئيس بايدن، وتحريضه على أعمال الشغب في 6 يناير 2021 خلال اقتحام الكابيتول.

واستأنف وكلاء الدفاع عن ترمب الحكم أمام المحكمة العليا الأميركية. وهذا ما يمكن أن يحصل أيضاً إذا صدرت أحكام مشابهة في كل من ميشيغان ومينيسوتا.

دعوى نيويورك

بدأت هذه المحاكمات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدعوى مدنية رفعتها المدعية العامة جيمس، تتويجاً لمعركة قضائية استمرت أربع سنوات مع ترمب وأبنائه البالغين وشركتهم، متهمةً إياهم بأنهم ضخّموا ثروتهم بمليارات الدولارات عن طريق الاحتيال. وتسعى جيمس، وهي مدعية ديمقراطية، إلى «استرداد» 250 مليون دولار من ترمب، وأقنعت بالفعل القاضي المشرف على القضية بتجريد ترمب من السيطرة على ممتلكاته في نيويورك، مما وجَّه ضربة إلى قلب أعمال عائلته.

القاضي آرثر إنغورون مترئساً إحدى جلسات قضية محاكمة بالاحتيال المدني ضد منظمة ترمب في مدينة نيويورك (رويترز)

ووجهت جيمس اتهامات إلى ترمب بأنه كذب على المقرضين وشركات التأمين من خلال المبالغة في تقدير قيمة أصوله بشكل احتيالي بمليارات الدولارات، مفترضةً أن الهدف من عملية الاحتيال هذه هو الحصول على شروط قروض وبوالص تأمين مواتية. وفي بعض السنوات، ضخّم ترمب صافي ثروته بما يصل إلى ملياري دولار.

وعندما أُحيلت القضية إلى المحاكمة في 2 أكتوبر، كان ترمب في وضع غير مواتٍ بالفعل. وكان القاضي المشرف على القضية، آرثر إنغورون، قد حكم بأن الرئيس السابق ارتكب عمليات احتيال باستمرار، وقرر أنه ليست هناك حاجة إلى محاكمة لتحديد الادعاء الذي يشكّل جوهر الدعوى القضائية التي رفعتها المدعية العامة. وكعقوبة أولية، قرّر القاضي إنغورون إلغاء تراخيص ترمب لتشغيل ممتلكاته في نيويورك، وهي خطوة يمكن أن تسحق الكثير من الأعمال المنضوية تحت «منظمة ترمب».

وفي المحاكمة، تسعى المدعية العامة جيمس إلى الحصول على مزيد من القاضي إنغورون، الذي سيَفصل في القضية، بدلاً من هيئة المحلفين. إنها تريد تغريم ترمب ما يصل إلى 250 مليون دولار، ومنعه بشكل دائم من إدارة الأعمال التجارية في نيويورك. وستحدّد المحاكمة العقوبة التي يتعين على الرئيس السابق دفعها، وما إذا كان سيُطرَد نهائياً من عالم العقارات في نيويورك، الذي جعله مشهوراً.

ونفى ترمب ارتكاب جميع المخالفات، ووصف القاضي الديمقراطي إنغورون بأنه «مختل»، كما جادل وكلاء الدفاع عن ترمب بأن المصارف ليست ضحايا، إذ إنها كسبت الكثير من المال من التعامل مع ترمب، ولم تعتمد على بياناته المالية.

كانت ابنة ترمب الكبرى، إيفانكا، أيضاً ضمن المستهدفين بالدعوى، لكنّ الدعوى ضدها أُسقطت في يونيو (حزيران) بمضيّ الزمن أمام المدعية العامة. وتحمل هذه القضايا الجنائية تداعيات أكثر خطورة على ترمب، الذي يمكن أن يواجه السجن لسنوات عدة.

قضية جورجيا

تعد القضية التي رفعتها المدعية العام لمقاطعة فولتون في جورجيا، فاني ويليس، ضد ترمب في 14 أغسطس 2023، أكبر الاتهامات حتى الآن ضد الرئيس السابق، نظراً إلى تدبيره «مشروعاً إجرامياً» لقلب نتائج انتخابات الولاية لعام 2020 وتقويض إرادة الناخبين. وشملت الاتهامات أيضاً 18 من محاميه ومستشاريه ومؤيديه بوصفها جزءاً من قضية ابتزاز واسعة النطاق. وأقرّ أربعة من المتهمين معه، بينهم ثلاثة محامين، بأنهم مذنبون. وأورد القرار الاتهامي الذي أصدرته ويليس 41 تهمة ضد بعض أبرز مستشاري ترمب، وبينهم رئيس بلدية نيويورك سابقاً رودولف جولياني، الذي عمل محامياً شخصياً له، وكبير موظفي البيت الأبيض في عهده مارك ميدوز، بالإضافة إلى مسؤول كبير سابق في وزارة العدل والرئيس السابق للحزب الجمهوري في جورجيا، والمحامين الذين كانوا جزءاً من «القوة الضاربة المنتخبة» التي ضخّمت ادعاءات ترمب. هؤلاء متهمون بموجب قانون الابتزاز «ريكو»، الذي صمَّمته في جورجيا أصلاً لتفكيك مجموعات الجريمة المنظمة. ويؤكد ممثلو الادعاء أن ترمب يترأس مشروعاً إجرامياً بهدف البقاء في السلطة.

رودي جولياني المحامي الشخصي السابق للرئيس ترمب يغادر المحكمة في واشنطن العاصمة (أ.ف.ب)

يواجه ترمب نفسه 13 تهمة، منها الابتزاز والتآمر لارتكاب التزوير. وأبرز ممثلو الادعاء مساعيه مع المسؤولين في جورجيا بعد الانتخابات، بما في ذلك مكالمة سيئة السمعة حض فيها وزير الخارجية براد رافينسبيرغر على «إيجاد 11780 صوتاً» يحتاج إليها للتغلب على غريمه بايدن هناك.

وشُكّلت هيئة محلفين كبرى خاصة في مايو (أيار) 2022 في مقاطعة فولتون، واستمعت إلى شهادة 75 شاهداً خلف أبواب مغلقة على مدار أشهر. وعلى الأثر، أصدر المحلفون في سبتمبر (أيلول) تقريراً نهائياً، أوصوا فيه بتوجيه الاتهام إلى عدد كبير من حلفاء ترمب. ومنذ صدور لائحة الاتهام هذه، اعترف أربعة متهمين بالذنب. بينهم ثلاثة محامين عملوا على نطاق واسع في الجهود المبذولة لإبقاء ترمب في السلطة: سيدني بأول، وكينيث تشيسيبرو، وجينا إليس، الذين وافقوا على التعاون مع النيابة العامة والشهادة ضد المتهمين الباقين.

وطلب عدد من المتهمين، وبينهم ميدوز، نقل قضاياهم من محكمة الولاية إلى المحكمة الفيدرالية، رغم عدم نجاح أي منهم حتى الآن.

كبير موظفي البيت الأبيض سابقاً مارك ميدوز يتحدث مع الصحافيين خارج البيت الأبيض في أكتوبر 2020 (أ.ب)

انتخابات 2020

وقبل أسبوعين من كشف القرار الاتهامي في جورجيا، وجّه سميث أربع تهم تتعلق بجهود الرئيس السابق للبقاء في منصبه بعد خسارته انتخابات عام 2020، ودوره في الأحداث التي أدت إلى اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021، وتغطي الحالتان بعض الأسباب نفسها. لكنّ القرار الاتهامي الموجه من سميث، والذي سُلم إلى المحكمة الفيدرالية في واشنطن العاصمة مع مطلع أغسطس، تضمَّن قضية أضيق، فيها ثلاث تهم بالتآمر في ما يتعلق بجهوده للبقاء في السلطة؛ إحداها الاحتيال على الولايات المتحدة، والثانية عرقلة إجراء حكومي رسمي يتعلق بمصادقة الكونغرس على انتخابات جو بايدن رئيساً للبلاد، والثالثة حرمان الناس من الحقوق المدنية التي ينص عليها القانون الفيدرالي أو الدستور.

الرئيس السابق دونالد ترمب خلال إحدى المحاكمات في نيويورك (أ.ب)

ووفقاً للمخطط الذي كشف عنه سميث، فإن «الغرض من المؤامرة كان إلغاء النتائج المشروعة للانتخابات الرئاسية لعام 2020 باستخدام ادّعاءات كاذبة عن عمد بشأن تزوير الانتخابات لعرقلة وظيفة الحكومة الفيدرالية التي يجري من خلالها جمع تلك النتائج وفرزها والمصادقة عليها». وأضاف أن ترمب وستة متآمرين مشاركين لم يذكر أسماءهم، دفعوا المشرعين في الولاية ومسؤولي الانتخابات إلى تغيير الأصوات الانتخابية التي فاز بها بايدن وإعطائها لترمب.

وتضمَّن المخطط إعداد قوائم مزيَّفة للناخبين الذين دعموا ترمب، وإرسال تلك الأرقام غير الشرعية إلى الكونغرس لتعكير صفو الأمور. كذلك قال إنه «بحجة ادعاءات تزوير لا أساس لها، دفع المدعى عليه المسؤولين في ولايات معينة إلى تجاهل التصويت الشعبي، وحرمان ملايين الناخبين من حقهم في التصويت، وإقالة الناخبين الشرعيين». وأكّد أن الهدف «في نهاية المطاف، كان التسبب في التأكد من تصويت الناخبين غير الشرعيين لصالح المدعى عليه».

الرئيس السابق دونالد ترمب يخرج من قاعة المحكمة في نيويورك (أ.ب)

كما اتّهم الادّعاء ترمب بأنه جنّد ناخبين مزيفين في الولايات المتأرجحة التي فاز بها بايدن، وحاول استخدام سلطة وزارة العدل لتغذية نظريات المؤامرة الانتخابية، وضغط على نائب الرئيس (السابق) مايك بنس لتأخير المصادقة على الانتخابات أو رفض شرعية الناخبين. وأخيراً، اتهم سميث كلاً من ترمب وآخرين باستغلال أعمال الشغب التي وقعت في 6 يناير لمضاعفة «جهوده لفرض مزاعم كاذبة عن تزوير الانتخابات وإقناع أعضاء الكونغرس بمزيد من تأخير التصديق على أساس تلك الادعاءات».

وحدّدت القاضية الفيدرالية التي تشرف على القضية، تانيا تشوتكان، موعداً للمحاكمة في 4 مارس (آذار) 2024، ووضعت جدولاً زمنياً كان قريباً من الطلب الأوّلي للحكومة في يناير، ورفضت اقتراح ترمب تأجيل المحاكمة إلى أبريل (نيسان) 2026.

المستندات السريّة

كما قاد سميث التحقيق في تعامل ترمب مع الوثائق الحكومية السريّة والحسّاسة التي أخذها معه عندما ترك منصبه، وما إذا كان قد عرقل الجهود المبذولة لاستعادتها.

ولأكثر من عام، قاوم ترمب جهود الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك أمر باستعادة هذه المواد. في أغسطس 2022، بناءً على أمر تفتيش وافقت عليه المحكمة، داهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) مقر إقامته وناديه في مارالاغو بمدينة بالم بيتش بولاية فلوريدا، واكتشفوا نحو 100 وثيقة تحمل علامات مصنفة سريّة. وأفاد القرار الاتهامي المؤلف من 49 صفحة، بأن بعض الوثائق التي احتفظ بها ترمب تضمَّنت أسراراً تتعلق ببرامج نووية حساسة، وأخرى توضح بالتفصيل نقاط الضعف المحتملة في الولايات المتحدة أمام هجوم عسكري.

وفي أحد الأدلة الأكثر إشكالية بالنسبة للرئيس السابق، روى القرار الاتهامي كيف أنه في مرحلة ما خلال الجهود التي بذلتها الحكومة لاستعادة الوثائق، قام ترمب، وفقاً لرواية أحد محاميه، بـ«انتزاع الوثائق»، وسأله: «لماذا لا تأخذها معك إلى غرفتك في الفندق، وإذا كان هناك أي شيء سيئ حقاً هناك، كما تعلم، قُمْ بإزالته».

صورة جويّة لمنتجع مارالاغو الخاص بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في بالم بيتش بفلوريدا (أ.ب)

وفي البداية، وجَّه الادعاء إلى ترمب 37 تهمة جنائية تغطي 7 انتهاكات مختلفة للقانون الفيدرالي، بمفرده أو بالاشتراك مع مساعده الشخصي والت ناوتا، الذي ورد اسمه أيضاً في القرار الاتهامي. وفي أواخر يوليو، قدم مكتب سميث قراراً اتهامياً محدثاً أُضيفت فيه ثلاث تهم جديدة ضد ترمب. وأضاف مدير عقارات مارالاغو، كارلوس دي أوليفيرا، متهماً في القضية.

ودفع ترمب ببراءته في أثناء مثوله للمرة الأولى أمام المحكمة في 13 يونيو. وأشار القاضي المشرف على القضية إلى أن المحاكمة ستبدأ في مايو 2024، علماً بأن الحكومة الفيدرالية طلبت تحديد موعد المحاكمة في ديسمبر (كانون الأول) 2023، بينما طلب محامو ترمب إرجاءها إلى أجل غير مسمى.


مقالات ذات صلة

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

أوروبا الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) يصافح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون (رويترز)

بسبب «الكثير من الخطوات»... جونسون يكشف رفض بايدن زيارة حاملة طائرات بريطانية

رفض الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة حاملة الطائرات الرائدة للبحرية البريطانية بسبب عدد الخطوات خلال زيارته إلى المملكة المتحدة عام 2021.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يرد على أسئلة الصحافيين في البيت الأبيض (أرشيفية - إ.ب.أ)

بايدن غير واثق من أن انتخابات الرئاسة الأميركية ستكون سلمية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه غير واثق من أن الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل ستكون سلمية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن: على إسرائيل البحث عن بدائل لاستهداف منشآت نفطية إيرانية

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم (الجمعة)، إن إسرائيل لم تحسم أمرها بعد بشأن الرد على الضربة الإيرانية التي استهدفتها، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في نيويورك (أ.ف.ب)

«لو موند»: دور أميركا في الشرق الأوسط تحول إلى «متفرج»

تحول انتباه العالم الآن من غزة إلى لبنان، حيث تستمر إسرائيل بضرب بيروت، وتواصل القوات الإسرائيلية تنفيذ عمليات في جنوب لبنان ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (باريس)

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
TT

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

بينما كانت إسرائيل تقصف شمال قطاع غزة بغارات جوية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتأمر بإجلاء أكثر من مليون فلسطيني من المنطقة، وجّهت مسؤولة كبيرة في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تحذيراً صريحاً للبيت الأبيض.

فقد كتبت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط آنذاك، في رسالة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 13 أكتوبر (تشرين الأول) إلى كبار مساعدي الرئيس جو بايدن تقول إن النزوح الجماعي سيشكل كارثة إنسانية، وقد يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، ما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات إلى إسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وذكرت سترول، في الرسالة، أنها كانت تنقل تقييماً للجنة الدولية للصليب الأحمر «جمّد الدماء في عروقها»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

وبينما تقترب حرب غزة من إتمام عامها الأول، ويتأرجح الشرق الأوسط على شفا حرب أوسع نطاقاً، تظهر رسائل سترول عبر البريد الإلكتروني، ومراسلات أخرى لم ترد تقارير عنها من قبل، صراع إدارة بايدن من أجل الموازنة بين المخاوف الداخلية إزاء ارتفاع أعداد القتلى في غزة ودعمها العلني لإسرائيل في أعقاب هجوم حركة «حماس» الفلسطينية في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل، التي تقول إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص.

وراجعت «رويترز» 3 مجموعات من الرسائل المتبادلة عبر البريد الإلكتروني بين كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، التي يرجع تاريخها إلى الفترة من 11 إلى 14 أكتوبر، أي بعد أيام قليلة من اندلاع الأزمة. وأدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 41 ألفاً و800 فلسطيني في غزة، ما فجّر احتجاجات في الولايات المتحدة، قادها نشطاء عرب أميركيون ومسلمون.

قلق مبكر... وكارثة أسوأ

تكشف رسائل البريد الإلكتروني، التي لم ترد تقارير عنها من قبل، عن قلق مبكر في وزارة الخارجية والبنتاغون، من أن ارتفاع عدد القتلى في غزة قد ينتهك القانون الدولي ويعرّض العلاقات الأميركية مع العالم العربي للخطر. وتُظهر الرسائل أيضاً ضغوطاً داخلية في إدارة بايدن لتغيير رسالتها، من إظهار التضامن مع إسرائيل إلى الحديث عن التعاطف مع الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ولا يزال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيد المنال، على الرغم من مرور أشهر من المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة. والآن أصبح جزء كبير من غزة خراباً. ويلوح خطر اندلاع حرب إقليمية مع إيران في الأفق بعد الهجمات التي شنّتها إسرائيل على لبنان واغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية، المدعومة من طهران، الأسبوع الماضي، والهجمات الصاروخية الإيرانية على إسرائيل.

ويقول مسؤولون كبار في إدارة بايدن إنهم يعتقدون أن ضغوط البيت الأبيض على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك الأيام الأولى من الحرب أحدثت فرقاً، ومنعت وقوع كارثة أسوأ.

وفي أحاديث خاصة، طلب البيت الأبيض من إسرائيل تأجيل هجومها البري لمنح منظمات الإغاثة مزيداً من الوقت لإعداد المساعدات للنازحين وإعطاء إسرائيل مزيداً من الوقت للتوصل إلى اتفاق مع «حماس»، وذلك وفقاً لما قاله مسؤولون في الإدارة للصحافيين في إفادات غير علنية حينها.

بطء في التعامل مع معاناة الفلسطينيين

لكن 3 مسؤولين أميركيين كباراً شاركوا في عملية صنع القرار قالوا إن واشنطن كانت بطيئة في التعامل مع معاناة الفلسطينيين. ورغم أن الغزو البري تأخر في نهاية المطاف نحو 10 أيام، عزا المسؤولون الثلاثة ذلك التأخير إلى الاستعدادات العملياتية للجيش الإسرائيلي أكثر من الضغوط الأميركية.

وبعد نشر هذه القصة، قال السيناتور الديمقراطي، كريس فان هولن، إن رسائل البريد الإلكتروني تُظهر أن «الكارثة الإنسانية التي تكشّفت في غزة كانت واضحة بشكل مؤلم منذ الأيام الأولى للحرب، إذ نبّه خبراء كبار إلى انتهاك المعايير الدولية»، وإلى تجاهل البيت الأبيض «لمخاوف مشروعة».

وقال البيت الأبيض رداً على أسئلة بشأن رسائل البريد الإلكتروني: «كانت الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة»، و«كان ذلك وسيظل أولوية قصوى». وأضاف أنه قبل «تدخل (الولايات المتحدة)، لم يكن هناك طعام أو ماء أو دواء يدخل إلى غزة».

جرائم حرب

يجري التحقيق بشأن ارتكاب قادة في إسرائيل و«حماس» جرائم حرب في أعقاب الهجمات التي شنّتها الحركة الفلسطينية.

ففي يونيو (حزيران)، خلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة إلى وجود أدلة موثوقة على أن «حماس» وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى ارتكبت جرائم حرب تشمل التعذيب واحتجاز رهائن. كما وجدت اللجنة أدلة على ارتكاب إسرائيل جرائم حرب نتيجة لاستخدامها قنابل ضخمة في غزة في الأشهر الأولى من الحرب.

ولا تزال إدارة بايدن والحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كامالا هاريس عالقة بين مجموعتين انتخابيتين قويتين، هما الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل والتقدميون الأصغر سناً الداعمون للفلسطينيين.

ويقول منافس هاريس عن الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب، إنه «سيحسم» الحرب «سريعاً» إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني)، دون أن يخوض في تفاصيل عن كيفية ذلك. لكن محللي السياسة الخارجية يستبعدون أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، بالنظر إلى دعم كلا الحزبين طويل الأمد لها.

وتُظهِر رسائل البريد الإلكتروني التي راجعتها وكالة «رويترز» محاولات حثيثة داخل إدارة بايدن لتحذير البيت الأبيض من الأزمة الوشيكة، ومقاومة مبدئية من البيت الأبيض لوقف إطلاق النار خلال الأيام الأولى الفوضوية من الحرب. وبدأ تبادل المجموعات الثلاث من رسائل البريد الإلكتروني في 11 أكتوبر، أي في اليوم الخامس من الغارات الجوية الإسرائيلية بعد هجوم «حماس».

«فقدان المصداقية»

في مرحلة مبكرة، تزايدت المخاوف داخل الإدارة بشأن صورة الولايات المتحدة في نظر حلفائها العرب.

وبعد أن استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية مستشفيات ومدارس ومساجد غزة، أبلغ كبير مسؤولي شؤون الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية، بيل روسو، كبار المسؤولين في الوزارة بأن واشنطن «تفقد مصداقيتها بين الجماهير الناطقة بالعربية» بعدم تعاملها مع الأزمة الإنسانية مباشرة، وذلك وفقاً لرسالة بالبريد الإلكتروني أرسلت يوم 11 أكتوبر. وذكرت السلطات الصحية في غزة في ذلك اليوم أن عدد القتلى بلغ نحو 1200 شخص.

وبينما دافعت إسرائيل عن الضربات، قائلة إن «حماس» تستخدم المباني المدنية لأغراض عسكرية، كتب روسو أن الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط يراقبون التقارير الإعلامية العربية التي تتهم إسرائيل بشنّ «إبادة جماعية» وواشنطن بالتواطؤ في جرائم حرب.

كما كتب روسو أن «عدم استجابة الولايات المتحدة للأوضاع الإنسانية للفلسطينيين ليس غير فعال وله نتائج عكسية فقط، بل إننا متهمون أيضاً بالتواطؤ في جرائم حرب محتملة من خلال التزام الصمت حيال أفعال إسرائيل بحق المدنيين».

وبينما خاطب روسو كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حثّ على التحرك سريعاً لتغيير موقف الإدارة المعلن المتمثل في الدعم غير المشروط لإسرائيل وعمليتها العسكرية في غزة. وكتب: «إذا لم يتم عكس هذا المسار بسرعة، ليس عبر الرسائل فقط، وإنما بالأفعال، فإن هناك مخاطرة بالإضرار بموقفنا في المنطقة لسنوات مقبلة».

واستقال روسو في مارس (آذار)، عازياً ذلك لأسباب شخصية. وأحجم عن التعليق.

«تخفيف السرعة»

في يوم 13 أكتوبر، أي بعد يومين من رسالة روسو، ألقت طائرات إسرائيلية منشورات على شمال غزة تأمر مليون شخص من سكان القطاع بمغادرة منازلهم. وأعطى نتنياهو السكان مهلة 24 ساعة للفرار، في حين بدأت القوات الإسرائيلية مدعومة بالدبابات هجوماً برياً داخل القطاع الذي تديره «حماس»، والذي يبلغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وتعهّد نتنياهو بالقضاء على «حماس» بسبب هجومها.

وأثارت أوامر الإخلاء قلق وكالات الإغاثة والأمم المتحدة. وبحلول ذلك الوقت، كانت الغارات الجوية الإسرائيلية قد محت أحياء بأكملها.

وأصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف بياناً قالت فيه إن الأمر الإسرائيلي «لا يتوافق مع القانون الدولي الإنساني» لأن من شأنه أن يقطع الغذاء والمياه والاحتياجات الأساسية الأخرى عن غزة. وفي محادثة هاتفية في ذلك اليوم مع سترول، كان فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر، أكثر وضوحاً، كما تظهر رسائل البريد الإلكتروني.

فقد قالت سترول، في رسالتها يوم 13 أكتوبر، التي وصفت فيها المحادثة بينهما، إن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست مستعدة لقول ذلك علناً، لكنها تدق ناقوس الخطر في أحاديث خاصة، بأن إسرائيل تقترب من ارتكاب جرائم حرب». وكانت رسالتها عبر البريد الإلكتروني موجهة إلى كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع.

وكتبت سترول: «هاجسهم الرئيسي هو أنه من المستحيل أن يتحرك مليون مدني بهذه السرعة». وقال أحد المسؤولين الأميركيين، في سلسلة رسائل البريد الإلكتروني، إنه سيكون من المستحيل تنفيذ مثل هذا الإخلاء دون التسبب في «كارثة إنسانية».

وقال عدة مسؤولين أميركيين كبار لوكالة «رويترز» إن بعض كبار المسؤولين الأميركيين عبّروا عن قلقهم في أحاديث خاصة من عدم وجود طريق آمنة للخروج من القطاع المكتظ بالسكان.

بدورها، كتبت بولا توفرو، المسؤولة الكبيرة في البيت الأبيض المعنية بالاستجابة الإنسانية، في البريد الإلكتروني: «تقييمنا هو أنه ببساطة لا توجد طريقة لحدوث هذا النطاق من النزوح دون التسبب في كارثة إنسانية»، وسوف يستغرق الأمر «شهوراً» لتهيئة الهياكل اللازمة لتوفير «الخدمات الأساسية» لأكثر من مليون شخص. وطلبت من البيت الأبيض أن يطلب من إسرائيل إبطاء هجومها. وكتبت توفرو: «نحتاج من حكومة إسرائيل التخفيف من سرعة دفع الناس إلى الجنوب».

وحثّ آندرو ميلر، الذي كان نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية آنذاك، زملاءه على التحرك بسرعة.

وكتب ميلر: «إذا كنا نميل إلى التدخل لدى الإسرائيليين لثنيهم عن السعي إلى عمليات إخلاء جماعية، فسوف يتعين علينا فعل ذلك قريباً، وعلى مستوى رفيع وعبر نقاط اتصال متعددة». واستقال ميلر في يونيو (حزيران)، عازياً ذلك إلى أسباب عائلية.

تسريع التسليح

بينما كان المسؤولون الأميركيون يقيّمون الأزمة الإنسانية، ضغطت إسرائيل على واشنطن للحصول على مزيد من الأسلحة.

ووفقاً لرسائل البريد الإلكتروني، حثّ مسؤول كبير في السفارة الإسرائيلية في واشنطن وزارة الخارجية الأميركية في 14 أكتوبر على تسريع شحن 20 ألف بندقية آلية للشرطة الإسرائيلية.

وفي ذلك اليوم، اعتذر المستشار الدفاعي الإسرائيلي، أوري كتساف، في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى نظيرته في وزارة الخارجية الأميركية، عن إزعاجها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لكنه قال إن شحنة البنادق «عاجلة جداً»، ويجب أن توافق عليها الولايات المتحدة.

وقالت كريستين ميناريتش، وهي مسؤولة في إدارة ضوابط التجارة في الأصناف الدفاعية، القسم المعني بالموافقة على مبيعات الأسلحة في وزارة الخارجية، لكتساف إن البنادق لن تتم الموافقة عليها خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثماني والأربعين المقبلة. وقد تستغرق مثل هذه الشحنات الضخمة من الأسلحة وقتاً طويلاً، إذ تتطلب موافقة وزارة الخارجية وإخطار الكونغرس. وأحجم كتساف والسفارة الإسرائيلية عن التعليق.

وأعادت جيسيكا لويس، التي كانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية والعسكرية آنذاك، إرسال رسالة ميناريتش وطلب إسرائيل الحصول على البنادق إلى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان التابع لوزارة الخارجية. ويتولى المكتب مراجعة مبيعات الأسلحة الأميركية المحتملة لضمان عدم إرسالها إلى الجيوش الضالعة في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، طلبت لويس من المكتب تسريع مراجعته، وأن يشرح «بشكل عاجل» أي معارضة منه لصفقات أسلحة محددة لإسرائيل. واستقالت لويس في يوليو (تموز).

وأوصى كريستوفر لومون، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان، برفض أكثر من 12 صفقة أسلحة، بما في ذلك قاذفات قنابل، وقطع غيار، وبنادق. وفي ردّه على لويس، أشار إلى مخاوف بشأن «سلوك» وحدات معينة من الشرطة الإسرائيلية، مثل وحدة دوريات الحدود (يمام)، وهي وحدة من القوات الخاصة.

وكتب لومون أن هناك «تقارير كثيرة» عن تورط وحدة يمام في «انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان». وأبدى مكتب شؤون الديمقراطية والعمل وحقوق الإنسان اعتراضاً على 16 صفقة أسلحة منفصلة لإسرائيل، وفقاً لرسالة البريد الإلكتروني ومصدر مطلع.

وقال المصدر إنه تم المضي في جميع الصفقات تقريباً، على الرغم من اعتراضات المكتب.