بدأ كبار مسؤولي الاستخبارات ومسؤولي وزارة الدفاع الأميركيين جولةً جديدةً في بولندا لإحياء المحادثات لإبرام صفقة لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة «حماس»، إذ اجتمع مدير الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز مع مدير الاستخبارات الإسرائيلية ديفيد بارنيا ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في العاصمة البولندية وارسو، يوم الاثنين، في أحدث تحرك لبحث صفقة لإطلاق سراح الرهائن، فيما يقوم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة جيمس براون بإجراء مناقشات مع حكومة الحرب في إسرائيل وصفها المسؤولون الأميركيون بأنها الأصعب.
ويتولى مدير الاستخبارات الأميركية هذا الملف المهم، وقد سافر مرتين إلى الدوحة، الشهر الماضي، للاجتماع مع نظيره الإسرائيلي وكبار المسؤولين القطريين. وأدت هذه المناقشات والمفاوضات إلى صفقة لإطلاق سراح أكثر من 100 رهينة مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ووقف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن هدنة وقف إطلاق النار التي استمرت أسبوعاً في بداية الشهر الحالي انهارت، وألقى كل جانب باللوم على الآخر في انهيارها.
وألقى البيت الأبيض باللوم على حركة «حماس» في توقف المحادثات السابقة بشأن إطلاق سراح النساء المتبقيات والمحتجزات لدى الحركة، وشدد مسؤول الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي على أن انهيار المحادثات جاء بسبب تعنت حركة «حماس» في الإفراج عن النساء المحتجزات، وشدد على أن إدارة بايدن تعمل على مدار الساعة من أجل التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح مزيد من الرهائن. وتشير التقارير الإسرائيلية إلى وجود 129 رهينة ما زالوا محتجزين لدى «حماس»، وتعتقد الإدارة الأميركية أن هناك 8 أميركيين من بين الرهائن المحتجزين لدى «حماس»، وهم 7 رجال وامرأة واحدة.
مطالب «حماس»
وقد أدى حادث قتل القوات الإسرائيلية لـ3 رهائن كانوا محتجزين لدى حماس يوم الجمعة الماضي (وكانوا يرفعون الراية البيضاء)، إلى زيادة الزخم لتسريع الجهود في محادثات صفقة إطلاق الرهائن. وقد أدى هذا الحادث إلى غضب واسع في إسرائيل وزيادة المطالب لإعطاء الأولوية لإطلاق الرهائن على حساب العمليات العسكرية.
وأشارت مصادر لصحيفة «وول ستريت» إلى أن من بين الأفكار المتبادلة بين الأطراف المتفاوضة أن تقوم حركة «حماس» بإطلاق سراح النساء وكبار السن والمدنيين وما لا يقل عن 6 جنود إسرائيليين تم احتجازهم رهائن في الهجوم في السابع من أكتوبر، مقابل إطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين البارزين في السجون الإسرائيلية.
وتضع حركة «حماس» شروطاً تتعلق بحقها في تحديد قائمة الرهائن التي سيتم إطلاق سراحهم، وتطلب أن تقوم إسرائيل بإطلاق سراح أعداد كبيرة من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية منذ سنوات طويلة، من بينهم مروان البرغوثي، القيادي في حركة «فتح»، الذي يقضي أحكاماً بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل إسرائيليين عام 2016، إضافة إلى زيادة المساعدات الإنسانية لسكان غزة.
ووصفت المصادر المحادثات الجارية بأنها صعبة وأكثر تعقيداً من الجولات السابقة، لكن إسرائيل والوسطاء المصريين والقطريين يطبقون كل ما لديهم من نفوذ على «حماس» للتوصل إلى اتفاق جديد. وأوضحت المصادر المطلعة على المحادثات أن ما يعقد المحادثات هو حقيقة أن «حماس» غير متأكدة من عدد الرهائن الأحياء لديها وعدد الرهائن الذين يمكنها جمعهم من القطاع لتسليمهم إلى إسرائيل في أي اتفاق مستقبلي.
وتواجه المفاوضات تعقيداً آخر يتعلق بزعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، الذي يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه يختبئ في أنفاق تحت مسقط رأسه في خان يونس بجنوب غزة ويريدون الاستمرار في العمليات العسكرية للقبض عليه.
ووفقاً للمسؤولين المصريين، التقى مدير الاستخبارات الإسرائيلية ديفيد بارنيا يوم السبت الماضي رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في أوسلو لمناقشة استئناف محادثات الرهائن. خلال الاجتماع، قال بارنيا إن إسرائيل منفتحة على زيادة المساعدات لغزة، وعلى فكرة قيام «حماس» بتحديد الأسماء في القائمة، لكن سيتعين أن تقوم إسرائيل بمراجعة الأسماء أولاً والجدول الزمني لأي إطلاق سراح.
وقال بارنيا أيضاً إن إسرائيل مستعدة للنظر في إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين المحتجزين منذ فترة طويلة، بمن في ذلك المدانون بقتل إسرائيليين، لكنها لن توافق على وقف إطلاق النار قبل بدء المفاوضات.
اشتراطات
وأبدت حركة «حماس» بعض المرونة في المحادثات حول الرهائن، لكنها اشترطت وقفاً فورياً وكاملاً للعمليات العسكرية، وأبلغ أسامة حمدان، أحد قادة «حماس»، في مؤتمر صحافي، يوم الاثنين، أن الحركة أبلغت الوسطاء القطريين والمصريين بأنها لن تقبل محادثات لإطلاق الرهائن ما لم توقف إسرائيل الحرب وتعلن وقفاً كاملاً لإطلاق النار، وسحب قواتها خلف حدود محددة، بينما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأدميرال دانيال هاغاري، مساء الأحد، إن مطالب «حماس» بوقف كامل لإطلاق النار لن تثني الجيش الإسرائيلي عن هدفه الحربي المتمثل في تفكيك «حماس» بالكامل.
واقترحت كل من قطر ومصر، اللتين ضغطتا في السابق على إسرائيل لفتح معبر كرم أبو سالم الحدودي بين إسرائيل وغزة أمام شاحنات المساعدات كشرط مسبق لاستئناف المحادثات، على «حماس»، أفكاراً جديدة لمحاولة إطلاق المزيد من الرهائن من النساء والأطفال، وقد تم فتح المعبر بالفعل يوم الأحد أمام دخول شاحنات المساعدات للمرة الأولى منذ بداية الحرب.
وتشير المصادر إلى أن «حماس» تسعى إلى التوصل إلى اتفاق يضع نهاية دائمة للحرب، ويسمح لها بإعلان النصر. من ناحية أخرى، تريد إسرائيل صفقة تجلب الراحة مؤقتاً، وتهدئ الغضب في الشارع الإسرائيلي، لكنها تخطط لاستئناف الحرب واستئناف ملاحقة حركة «حماس» في قطاع غزة.