مع إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن دعم أوكرانيا «لا يزال يلقى دعماً قوياً من الحزبين»، مشيراً إلى أن قيمة المساعدات الأميركية التي بلغت 77 مليار دولار، مقابل 110 مليارات من الحلفاء الأوروبيين، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن «حقيقة» لافتة، قد تشكّل ورقة ضغط بيد إدارة الرئيس بايدن ومؤيدي أوكرانيا عموماً من الحزبين. وقال تقرير الصحيفة: إن معظم الأموال الأميركية المنفقة على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، تذهب إلى المصانع الأميركية المنتجة للسلاح. وأوضح التقرير، أن الأموال التي يوافق عليها المشرّعون لتسليح أوكرانيا لا تذهب مباشرة إلى أوكرانيا، بل يتم استخدامها في الولايات المتحدة لإنتاج أسلحة جديدة أو لاستبدال الأسلحة المرسلة من المخزونات الأميركية.
ووجد أحد التحليلات أن من بين 68 مليار دولار من المساعدات العسكرية والمساعدات ذات الصلة التي وافق عليها الكونغرس منذ غزو روسيا لأوكرانيا، يذهب ما يقرب من 90 في المائة منها إلى الأميركيين.
قال مساعد بمجلس الشيوخ الأميركي، اليوم (الخميس): إنه سيتم عقد إحاطة سرية أمام جميع أعضاء مجلس الشيوخ الي بشأن أوكرانيا وإسرائيل وعناصر من حزمة التمويل التكميلي للأمن القومي يوم الثلاثاء الخامس من ديسمبر (كانون الأول).
ضغوط على مشرّعي الولايات
وفي حين يخوض بعض الجمهوريين معارك سياسية ضد مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا، دعا مؤيدوها إلى الضغط على هؤلاء المشرّعين في ولاياتهم، عبر إظهار الفوائد الاقتصادية التي يجنيها مواطنو تلك الولايات، من خلال تشغيل عجلة الإنتاج وإنعاش القطاعات الاقتصادية التي يرتبط بها الكثير من القطاعات المدنية.
ومع الأرقام التي تتجاوز عشرات، لا، بل مئات المليارات من الدولارات، يسعى الديمقراطيون للضغط على النواب الجمهوريين، وخصوصاً اليمينيين المتشددين في تلك الولايات للتحريض ضدهم، في هذا العام الانتخابي، في ظل محاولة الحزبين السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، وليس فقط على البيت الأبيض، خصوصاً أن الاقتصاد، كان ولا يزال القضية الرئيسية التي تحدد اتجاهات الناخبين الأميركيين في اختيار مرشحيهم.
ومن بين المشرّعين الذين يمكن أن يواجهوا مشكلات مع ناخبيهم في ولاياتهم على قضية تقديم المساعدات لأوكرانيا، السناتور الجمهوري جي دي فانس، والنائب الجمهوري جيم جوردان، عن ولاية أوهايو، وهما من التيار اليميني المتشدد. وكذلك السيناتور الجمهوري جوش هاولي عن ولاية مونتانا، وتومي توبرفيل من ولاية ألاباما ومايك براون من ولاية إنديانا، بالإضافة إلى النواب الجمهوريين مات غايتز، وبيل بوسي، وآنا بولينا لونا من فلوريدا، ولانس غودن من تكساس. وبالإجمال، صوّت 31 من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب الذين تستفيد ولاياتهم أو مقاطعاتهم من التمويل لأوكرانيا، لصالح معارضة أو تقييد هذه المساعدات.
مصانع السلاح الأميركية المستفيد الأكبر
وفي حين تتمركز تلك المصانع في ولايات عدة، كشف التقرير عن 117 خط إنتاج في 31 ولاية على الأقل و71 مدينة أميركية، حيث يقوم العمال الأميركيون بإنتاج أنظمة أسلحة رئيسية لأوكرانيا. على سبيل المثال، تنتج دبابات «أبرامز» ومدرعات «سترايكر» القتالية في ولاية أوهايو، بينما تنتج طائرات «سويتشبليد» المسيّرة وكذلك مركبات برادلي القتالية في بنسلفانيا.
وتنتج مدافع «هاوتزر» في ساوث كارولينا وميشيغان ومينيابوليس وكذلك الصواريخ وأنظمة «هيمارس» في ويست فيرجينيا ونيوجيرسي وفلوريدا وتكساس، وصواريخ جافلين في نيومكسيكو... كما أن هناك ما لا يقل عن 13 خط إنتاج في 10 ولايات و11 مدينة أميركية تنتج أسلحة أميركية جديدة لحلفاء «الناتو» لتحل محل المعدات التي أرسلوها إلى أوكرانيا. وبحسب مارك كانسيان، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن «الكثير من الأموال التي تدعم أوكرانيا بشكل مباشر لا تُنفق في الخارج، بل هنا في الولايات المتحدة». وهذا يجعل من «التسمية الخاطئة» أن نطلق على مبلغ الـ68 مليار دولار الذي يحسب أننا أنفقناه لتسليح أوكرانيا على أنه «مساعدة».
وفي سياق متصل، سجل الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي مستوى قياسياً بلغ 240 مليار يورو (260 مليار دولار) العام الماضي على وقع الحرب الروسية في أوكرانيا، على ما قالت وكالة الدفاع الأوروبية الخميس. ويمثل الرقم زيادة إجمالية نسبتها 6 في المائة عن 2021، في وقت زادت دول الاتحاد الـ27، مشترياتها العسكرية. وقالت وكالة الدفاع إن ست دول زادت إنفاقها بأكثر من 10 في المائة، بخلاف السويد الساعية للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والتي عززت مشترياتها بأكثر من 30 في المائة.
وقال مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل الذي يترأس أيضاً وكالة الدفاع: إن «على قواتنا المسلحة أن تكون مستعدة لحقبة جديدة أكثر تطلباً بكثير». وأضاف، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أن «التكيف مع هذه الحقائق الجديدة يعني أولاً وقبل أي شيء الاستثمار بدرجة أكبر في الدفاع».
غير أن بوريل حذّر من أنه رغم تلك الزيادات، لا يزال التكتل يواجه «فجوات رئيسية في القدرات» ويستمر في «التأخر عن اللاعبين العالميين الآخرين». شكّل الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 جرس إنذار لأوروبا ونبّهها إلى الحاجة إلى ضخ المزيد في الدفاع لتكون قادرة على مواجهة تهديد جارتها الشرقية. وبعد تراجعه لعقود في نهاية الحرب الباردة، عاد الإنفاق للارتفاع كل عام منذ ضم روسيا القرم من أوكرانيا في 2014.
وكانت الحكومة الروسية قد أعلنت عن زيادة قياسية لإنفاقها العسكري بنسبة 68 في المائة لعام 2024؛ ما يمثل نحو ثلث النفقات. وأعلنت وكالة الدفاع الأوروبية في تقريرها السنوي، أن الاتحاد الأوروبي خصص مبلغ 58 مليار يورو لاستثمارات الدفاع في 2022 «غالبيتها الساحقة لشراء معدات جديدة». لكن تراجعت مبالغ الإنفاق على الأبحاث والتطوير التكنولوجي بشكل طفيف.
استنفدت دول الاتحاد الأوروبي مخزوناتها من الأسلحة وأرسلت إمدادات بعشرات مليارات اليوروات إلى أوكرانيا لمساعدتها في محاربة روسيا. وتسعى بروكسل جاهدة لإقناع شركات الدفاع الأوروبية بزيادة إنتاجها للتلبية المتطلبات الجديدة التي أفرزتها الحرب. وحضّ الاتحاد الأوروبي دوله الأعضاء على إبرام عقود مشتركة وبدأت الدول في ضم جهودها لطلب قذائف هاوتزر لأوكرانيا ولقواتها أيضاً. لكن بناء القدرة الصناعية يستغرق وقتاً، ومن المتوقع أن يعجز الاتحاد عن تحقيق هدف 12 شهراً المتمثل في إرسال مليون قذيفة إلى أوكرانيا بحلول مارس (آذار).