جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي لـ«الشرق الأوسط»:غزة في «اليوم التالي» لإسقاط حكم «حماس» وحكومة نتنياهو

جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي (الشرق الأوسط)
جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي (الشرق الأوسط)
TT

جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي لـ«الشرق الأوسط»:غزة في «اليوم التالي» لإسقاط حكم «حماس» وحكومة نتنياهو

جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي (الشرق الأوسط)
جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي (الشرق الأوسط)

شكك مسؤولان أميركيان سابقان شغلا مناصب رفيعة في إدارات أميركية متلاحقة، ومتخصصان بقضايا الشرق الأوسط في أن تتمكن إسرائيل من تحقيق هدفها القضاء على «حماس». لكنهما لم يستبعدا إطاحة حكمها في غزة، مؤكدين أن هناك حاجة إلى «مكون دولي» كقوة متعددة الجنسية لحكم القطاع، وسط تساؤلات عن السقوط المتوقع لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأثر ذلك على جهود السلام الأميركية.

وفي سياق البحث عن مآلات الحرب التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع الهجوم الواسع النطاق الذي نفذته «حماس» ضد المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة، وما تلاه من عمليات عسكرية وغزو بري أدى إلى مقتل أكثر من 15 ألفاً من الفلسطينيين، أكثريتهم الساحقة من الأطفال والنساء، في القطاع، حاورت «الشرق الأوسط» كلاً من مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط لدى معهد واشنطن والعضو في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك والمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ديفيد ماكوفسكي، والنائب الأول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن جون ألترمان الذي يتولى أيضاً رئاسة كرسي زبيغنيو بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجية وبرنامج الشرق الأوسط في المركز، عن تصورات الأميركيين حول «اليوم التالي» في غزة. وقدم الاثنان لما يمكن أن ينتج عن هذه الحرب، استناداً إلى تجارب كل منهما في مناصب حساسة خلال عدد من العهود الرئاسية في الولايات المتحدة، بما في ذلك جهود الوساطة لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين خصوصاً، وتطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية عموماً.

 

جون ألترمان وديفيد ماكوفسكي (الشرق الأوسط)

بين «حماس» و«داعش»

 

يحدد ماكوفسكي أربع جولات من القتال بين إسرائيل و«حماس»، معتبراً أن تلك الجولات «كانت محاولة لاحتواء حماس، ومحاولة من إسرائيل لإظهار الردع» بعد انسحابها من غزة عام 2005، بالإضافة إلى جولتين مع «الجهاد الإسلامي». ويصف هجمات «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنها مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ضد الولايات المتحدة، مؤكداً أنها «كانت صدمة. وأعتقد أن إسرائيل أصبحت تنظر إلى حماس على أنها داعش». ولذلك، هناك الآن «هدفان رئيسيان مترابطان، الأول إطاحتها من السلطة، والثاني تفكيك أنظمة الأسلحة الكبيرة». ويقول: «لا أعرف إذا كان (الإسرائيليون) سيحققون ذلك»، علماً بأنه «لا يمكن إخراج حماس من قلوب الناس وعقولهم. هذا مستحيل».

ويوافقه ألترمان إلى حد بعيد، إذ إنه «قبل الحرب، كانت حماس لا تحظى بشعبية كبيرة في غزة»، عازياً ذلك إلى أنها «كانت غير فعالة» و«فاسدة». ويرى في الوقت ذاته أن «هناك إمكانية للمساعدة في إنشاء هيكل حكم أكثر فاعلية في تلبية حاجات الفلسطينيين ورغباتهم» في القطاع، ورأى أن معظم الأميركيين يحبذون الهيكل الجديد الذي «لن تكون عنده أيديولوجية قاتلة تسعى إلى تدمير دولة إسرائيل»، معبراً عن اعتقاده بأن «هذا فوز مربح: حكومة أفضل لشعب غزة، وجار أفضل لشعب إسرائيل».

ووفقاً لماكوفسكي الذي عمل في إدارات أميركية مختلفة، فإن الحرب التي تخوضها إسرائيل الآن هدفها «الدفاع عن النفس»، متسائلاً عما ينبغي فعله «عندما يقول عدوك: اسمع، لا نريد دولتين، لا نريد التسوية معك، نعتقد أنك غير شرعي (...) إما أنتم أو نحن. إنه شعور رهيب».

 

دور عربي ما

وفيما يلفت ماكوفسكي إلى أن «المهم هو إيجاد مستقبل أفضل لغزة في مرحلة ما بعد حماس»، يعتبر ألترمان الذي يتولى أيضاً رئاسة كرسي زبيغنيو بريجنسكي للأمن العالمي والاستراتيجية الجيواستراتيجية وإدارة برنامج الشرق الأوسط في المركز، أنه «لا يمكن كسر حماس بالإكراه فحسب»، بل «يجب أن تحصل أيضاً على المساعدة في إنشاء ما يعتقد الناس أنه أفضل»، ليس بالضرورة من خلال «التعجيل بالانتخابات، على رغم أني أعتقد أنه يجب أن تكون هناك درجة معينة من الدعم الشعبي والشرعية التي يتمتع بها الهيكل البديل». وتصور أنه «سيكون هناك عنصر دولي ما»، مفترضاً أنه «سيكون من الصعب جداً القيام بذلك من دون دور عربي ما». ويشير خصوصاً إلى «تردد» الحكومات العربية في لعب أي دور «يمكن أن يظهرهم وكأنهم يأتون على متن دبابة أميركية». ويستبعد في الوقت ذاته أن «تأتي السلطة الفلسطينية ببساطة»، مستشهداً بما قاله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حول أن «السلطة الفلسطينية منهارة»، ولذلك «لا أستطيع أن أتخيل أن السلطة الفلسطينية ستكون في أي وضع يسمح لها بالتصرف بشكل مستقل». ولكنه يذكر بأدوار يمكن أن تضطلع بها مصر أو المملكة العربية السعودية أو الأردن، أو الإمارات العربية المتحدة، وربما قطر أو المغرب. ويقول: «أستطيع أن أرى الكثير من الإمكانات. ولكن كيف سيبدو هذا؟ من سيقودها؟ تحت أي شروط؟ لأي فترة من الزمن؟ هل هي تابعة للأمم المتحدة أم لسلطات أخرى؟ كما تعلمون أن القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء ليست تابعة للأمم المتحدة».

 

القرار 1701 غير مطبق

سيارة متضررة تابعة لقوات الـ«يونيفيل» بعد تعرض الموكب لإطلاق نار في بلدة العقبية جنوبي لبنان (أ.ب)

ويرى ماكوفسكي أن «المشكلة ستكون في مرحلة ما بعد حماس في غزة»، مستدركاً أن «إسرائيل ستكون دائماً خائفة من أن تحاول حماس إعادة البناء». وأكد أن الإسرائيليين «لا يخططون لإعادة احتلال القطاع»، لكنهم «يرون أن غزة عبارة عن رمال متحركة (...) لا يريدون العودة، صدقوني!». ومع ذلك «هناك مشكلة فيما يتعلق بالجانب الأمني، فهم يخافون من الأمم المتحدة» لأن القرار 1701 لعام 2006 أعاد ترتيب قوة «اليونيفيل» في لبنان، ونص على منع التواجد العسكري لـ«حزب الله» جنوب نهر الليطاني، ومنع إدخال الأسلحة بصورة غير مشروعة إلى لبنان. لكن ذلك «لم يحصل». ويستطرد: «لذا، إذا لم يعجبك الكتاب في لبنان عام 2006، فلن ترغب في مشاهدة الفيلم في غزة عام 2023». ويعتبر أن هناك «معضلة» لأن الإسرائيليين «لا يمكنهم الوثوق بالأمم المتحدة» ويعتبرون أن السلطة الفلسطينية «ضعيفة للغاية». وبالتالي يريدون تسلم الملف الأمني، على أن يجري تكليف العرب أو أي طرف آخر بالاعتناء بالملف المدني، معتبراً أن ذلك «سيبدو وكأنه احتلال». وأوضح أن «المعضلة» تتمثل في «التعايش» بين هاتين المسألتين. ويعبر عن اعتقاده بأن «هناك حاجة إلى قوة متعددة الجنسيات غير تابعة للأمم المتحدة، وليست عربية، كمرحلة مؤقتة».

 

تغيير في إسرائيل

وإذ يأمل في أن تكون «هناك طريقة لإعادة إعمار غزة، وأن تكون هناك حكومة أكثر عقلانية، وإيجاد طريقة لمنح الكرامة، وإعادة حل الدولتين»، يقر ماكوفسكي بصعوبة تحقيق ذلك، قائلاً إن الأمر «سيحتاج إلى حكومة مختلفة في إسرائيل»، لأن «76 في المائة من الناس يريدون من نتنياهو أن يستقيل» الذي «لم يكن مستعداً» لهجمات 7 أكتوبر. ورأى أنه يجب تسليم غزة لـ«تشكيلات مؤقتة يفضل أن تكون من العالم العربي، لئلا تضطر إسرائيل إلى الاحتلال» مجدداً، ولكي «لا تتعرض السلطة الفلسطينية للفشل، لأن دخولها إلى غزة على دبابة إسرائيلية أمر خاطئ»، فضلاً عن أنهم «ليسوا أقوياء بما يكفي لتولي المسؤولية حتى على الضفة الغربية». وأضاف أنه «إذا كنت تريد حقاً أن ينجح الفلسطينيون، فعليك أن تفعل ذلك بطريقة يمهد بها العالم العربي الطريق لإعادة الإعمار».

ويقول ألترمان: «يبدو لي أن الدول العربية في هذه المرحلة ليست قريبة من الاتفاق على لعب دور»، مشككاً فيما يريده الإسرائيليون. ولكن «إذا كانوا حكماء، فإن هدفهم الاستراتيجي هو القضاء على حكم حماس، ويجب عليهم زرع بذور بديل ما، وأنا لا أرى أنهم يفعلون ذلك». ونبه إلى أنه «سيكون هناك وقت يتضاءل فيه العنف، والسؤال هو: ما الذي يمكنك فعله الآن لوضع نفسك في مناقشات مفيدة عندما يحدث ذلك. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الدبلوماسية». ولكن من الآن وحتى ذلك الحين «هناك عدد من الأمور التي يمكن أن تحدث» كأن «تتمكن إسرائيل من قتل عدد كبير من كبار قادة حماس»، أو أن «يقع هجوم يخلف إصابات جماعية يغير الطريقة التي يفكر بها عدد من الدول بإسرائيل»، أو أن «تشعر إسرائيل بعزلة عميقة في العالم نتيجة للاشمئزاز من الخسائر». كما أن «هناك عدداً من الأشياء التي من شأنها أن تغير الحسابات».

 

البداية والنهاية

ويقول ماكوفسكي، الذي ألف كتاباً عن اتفاقات أوسلو، عنوانه «الخرافات والأوهام والسلام: العثور على اتجاه جديد لأميركا في الشرق الأوسط» إن «مفهوم أوسلو برمته كان أن الحركتين الوطنيتين، الصهيونية والفلسطينية، تجلسان معاً في النرويج» للبحث في كيفية تقاسم الأرض، فيما اعتبره كثيرون «نقطة الانطلاق، بعد مؤتمر مدريد، وبعد حرب الخليج، وبعد الحرب الباردة»، علماً بأنهم قالوا إن «الأمر معقد للغاية، ولا يمكننا الاتفاق على كل شيء» في قضايا الحل النهائي التي تتضمن: القدس، اللاجئين، حق العودة، المستوطنات، الدولة والحدود. ولاحظ أن «أول شيء اتفق الطرفان عليه هو غزة»، متذكراً أنه حضر أثناء مصافحة البيت الأبيض عام 1993بين الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. ورأى أن اللحظة الكبيرة الثانية حصلت عام 2005 حين سحبت إسرائيل بقيادة آرئيل شارون 8500 مستوطن من غزة، علماً بأن شارون «مهندس حركة الاستيطان». أما الثالثة فجاءت مع «استيلاء حماس على السلطة من فتح في يونيو (حزيران) 2007»، حين صارت غزة «أرض حماس». ورأى أن ذلك «كان بمثابة صدمة» لإسرائيل، التي اعتبر زعماؤها أنهم «لم يحصلوا على أي شيء في المقابل». بل «صار من الواضح لإسرائيل فجأة أن حماس لا تهتم بما تفعله، وأنك خرجت. سيطلقون الصواريخ عليك، ثم تبدأ الحصار كرد» على ذلك.

 

توسيع الحرب

وفي ظل المخاوف المتزايدة من امتداد الحرب إلى الضفة الغربية، أو لبنان، أو ربما أبعد، يجيب ألترمان: «لا بد من القلق، لأن هناك خطر التصعيد المحسوب، كما أرى في خطاب (الأمين العام لـ«حزب الله») حسن نصر الله، والذي بدا لي حذراً نسبياً. ولكن هناك تصعيد بسبب سوء التقدير»، مشيراً إلى قصة نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» حول عدد الأهداف الأميركية التي تعرضت للهجوم من الجماعات المدعومة من إيران. واستطرد أنه «إذا مات خمسة جنود أميركيون. ستكون الصورة مختلفة تماماً». وأضاف: «الآن هناك من يقول: انظروا، قتلت الولايات المتحدة (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال) قاسم سليماني ولم يحدث شيء. يمكنك الانتقام من الإيرانيين، ولن يفعلوا أي شيء، لأنهم خائفون. سمعت هذه الحجة عدة مرات. ربما. ولكن هذا أيضاً خطر».

ويتنفس ماكوفسكي الصعداء لأنه «حتى الآن، لا توجد جبهة ثانية»، رغم «المناوشات» مع «حزب الله». وتوقع أن تنتقل الحرب إلى جنوب غزة الذي سيكون «أصعب من الشمال».

 

لا للتهجير

فلسطينيون يعاينون أماكن سكنهم المدمَرة بفعل القصف الإسرائيلي في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة (رويترز)

ورداً على تساؤلات في شأن فكرة «الترانسفير»، أو ترحيل الفلسطينيين باتجاه مصر أو الأردن، يقول ألترمان الذي عمل في مناصب رفيعة داخل وزارة الخارجية الأميركية: «أجد صعوبة بالغة في تصور أن ذلك سيكون مقبولاً لدى أي إدارة أميركية».

وإذ يرفض اعتبار الإسرائيليين بأنهم «مستعمرون»، يساوي ماكوفسكي بينهم وبين الفلسطينيين باعتبارهما «شعبين أصليين»، داعياً إلى «تقاسم الأرض»، على أن يتمتع الجانبان بـ«الكرامة» في دولتين مستقلتين. ويؤكد أن إسرائيل لا تعمل على تهجير الفلسطينيين من غزة. وإذ يعبر عن اعتقاده أن بايدن سيحاول إحياء عملية السلام. يؤكد ماكوفسكي أن الأمر «يستغرق الأمر بعض الوقت»، مكرراً أن «الإسرائيليين لا يريدون أن يصبحوا رئيس بلدية غزة. ولا يريدون أن يكونوا هناك». ويضيف جازماً: «لن تقوم إسرائيل بدفع الفلسطينيين إلى العريش أو العقبة أو إربد، كما تعلمون، هذا ليس حقيقياً».


مقالات ذات صلة

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

المشرق العربي دخان يتصاعد إثر غارات إسرائيلية على مطار صنعاء الخاضع للحوثيين (إ.ب.أ)

أعنف ضربات إسرائيلية على الحوثيين... والجماعة تتمسك بالمواجهة

نفذت إسرائيل أعنف ضربات لها ضد الحوثيين، أمس (الخميس)، بالتزامن مع الخطبة الأسبوعية المتلفزة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، مستهدفة مطار صنعاء، ومنشآت طاقة

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي دخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (رويترز)

مقتل 15 فلسطينياً في غارتين إسرائيليتين على منزلين في غزة

قتل الجيش الاسرائيلي اليوم الخميس 15 فلسطينياً على الأقل في هجمتين جويتين على منزلين في مدينة غزة. 

«الشرق الأوسط» ( غزة )
المشرق العربي بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

قال مدير مستشفى «كمال عدوان» في شمال غزة، الخميس، إن خمسة من أفراد طاقم المرفق، بينهم طبيب، قُتلوا بغارة إسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قذيفة مورتر أطلقها جنود إسرائيليون على غزة (رويترز) play-circle 03:06

تقرير: الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك مع بداية الحرب في غزة

ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي خفف قواعد الاشتباك في بداية الحملة العسكرية بقطاع غزة؛ لتمكين القادة من إصدار أوامر بشن هجمات.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ترمب وماسك: منافسة على السلطة أم شراكة؟

ترمب وماسك يشاهدان مباراة مصارعة في نيويورك يوم 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
ترمب وماسك يشاهدان مباراة مصارعة في نيويورك يوم 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

ترمب وماسك: منافسة على السلطة أم شراكة؟

ترمب وماسك يشاهدان مباراة مصارعة في نيويورك يوم 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
ترمب وماسك يشاهدان مباراة مصارعة في نيويورك يوم 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أيام عصيبة عاشتها واشنطن في الأسبوعين الأخيرين من العام الحالي، فالصراع المعتاد على إقرار تمويل المرافق الحكومية تأجج وتشعّب مع تدخل الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، وحليفه إيلون ماسك، في متاهات المفاوضات والصفقات، مما أدى إلى إفشال الاتفاق الأولي الذي توصل إليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي بعد مسار المفاوضات الشاقة، ودفع بالمشرعين إلى الهلع والتخبط، قبل التوصل إلى اتفاق آخر نجح في اجتياز عقبات التصويت قبل ساعات قليلة من موعد الإغلاق الحكومي.

ورغم نجاة الجمهوريين من نيران رئيسهم الصديقة قبل تسلمه الحكم، فإن هذه الحادثة تظهر تحديات المرحلة المقبلة مع تَسَنُّم ترمب الرئاسة، وما ستحمله معها من صعوبات ومفاجآت ستزعزع الأسس والأعراف التي اعتادتها أروقة الكونغرس ودهاليز البيت الأبيض.

رجل المفاجآت

ترمب خلال مناسبة بمدينة فينكس في ولاية أريزونا يوم 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

أثبت ترمب، الذي عاش معه المشرعون 4 أعوام طويلة من المفاجآت في ولايته الأولى، مجدداً أنه رجل لا يمكن التنبؤ بأفعاله وتصريحاته التي تسقط مشروعات أو تبثّ الحياة فيها، ليأتي صديقه ماسك ويصبّ الزيت على نار هذه المفاجآت ويضيف لفحة من عدم اليقين الذي تحمله الأعوام الأربعة المقبلة من حكم ترمب، وربما ماسك. فمالك شركتَي «تسلا» و«إكس»، الذي سلّمه ترمب دفة إدارة الكفاءة الحكومية التي تهدف إلى مكافحة البيروقراطية الفيدرالية، رأى في الاتفاق المؤقت لتمويل المرافق الفيدرالية فرصته الأولى للتصدي للبيروقراطية المستشرية في الحكومة الأميركية. فهذا المشروع مشبع كالعادة بصفقات وتسويات بين الحزبين لا علاقة لها بتمويل المرافق الفيدرالية، مثل بند يعطي المشرعين زيادة في مرتباتهم. لكن هذا ليس مفاجئاً مطلقاً، فقد اعتادت واشنطن العمل بهذا الأسلوب الضروري في بعض الأحيان لضمان إقرار مشروعات من هذا النوع. وغالباً ما ينتظر المشرعون مشروعات التمويل الحكومي لإقحام بعض البنود من أجنداتهم، وإقرارها في هذه المشروعات الضخمة التي تضيع فيها هذه التفاصيل.

وفي حين يقول كثيرون إن هذه هي البيروقراطية بعينها، فإن صناع القرار، مثل رئيس مجلس النواب مايك جونسون، يهبّون للدفاع عن المسار التشريعي ولـ«تفسيره» لأشخاص خارج المنظومة التقليدية، مثل إيلون ماسك. وهذا ما حدث في اتصال هاتفي جمع الرجلين بعد إفشال المشروع الأول، حيث «فسّر» جونسون لماسك طبيعة عمل الكونغرس والتشريعات؛ على حد قوله.

«الرئيس ماسك»

ماسك خلال حدث انتخابي لترمب في بنسلفانيا يوم 5 أكتوبر 2024 (أ.ب)

غرّد ماسك أكثر من 100مرة لإفشال الصفقة الأولى من التمويل، ونجح في ذلك، مسلّطاً الضوء على نفوذه المتصاعد. واستغل الديمقراطيون تدخله في الشأن التشريعي لوصفه بـ«الرئيس ماسك» أو «رئيس الظل»، وزرع بذور الشك في نفس ترمب الذي يراهن كثيرون على استيائه من هذا التوصيف الذي من شأنه أن يسرق الأضواء منه. وهذا ما تحدّث عنه نجل ترمب؛ دونالد جونيور، قائلاً: «أترون ما يحاول الإعلام فعله لإيذاء العلاقة بين والدي وإيلون؟ إنهم يسعون لخلق شرخ لمنعهما من تنفيذ المهمة، ولا يمكننا السماح بذلك».

تصريح أعاد ماسك التأكيد عليه، فغرّد بنفسه قائلاً: «دُمى السياسة والإعلام التقليدي تلقوا تعليماتهم الجديدة، ويسعون إلى خلق شرخ بيني وبين ترمب. وسيفشلون». فماسك يعلم جيداً أن استراتيجية الديمقراطيين قد تؤتي ثمارها، وتهدد العلاقة التي عمل جاهداً على تعزيزها عبر التبرع بأكثر من 250 مليون دولار لحملة ترمب الرئاسية. ولهذا، يسعى جاهداً، وبكل حذر، لتجنب حقل الألغام الذي يواجهه كل من يعمل في دائرة ترمب المقربة.

وهذا ما تحدث عنه حاكم ولاية نيوجيرسي السابق، كريس كريستي، الذي كان مقرباً من ترمب قبل أن يصبح من أشد المنتقدين له. وتوقع كريستي أن «تنتهي العلاقة عندما يرى ترمب أن ثمة خطأ ما، فيسعى لإلقاء اللوم على ماسك في هذا الخطأ».

من ناحيته، سعى ترمب إلى التصدي لمحاولات التشكيك في علاقته بماسك بطريقته الخاصة، مؤكداً لمجموعة من مناصريه أن ماسك لا يستطيع أن يكون رئيساً؛ «لأنه لم يولد في الولايات المتحدة». وقال: «لا؛ لن يكون رئيساً. أنا بأمان»، في تصريح مشبع بالمعاني المبطنة، وقد يدل على نجاح استراتيجية الديمقراطيين.

ماسك رئيساً لمجلس النواب؟

رئيس مجلس النواب مايك جونسون يتحدث للصحافيين في 20 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ورغم أن مقعد الرئاسة بأمان من ماسك، فإن مقعد رئاسة مجلس النواب منفتح على استقباله... فإذا ما دلّت أزمة التمويل الحكومي على شيء، فهو هشاشة موقع الجمهوري مايك جونسون في مقعد رئاسة المجلس، مما فتح الباب أمام دعوة عدد من المشرعين ماسك إلى السعي لانتزاع الشعلة من جونسون في الانتخابات على رئاسة المجلس، التي ستُجرى في 3 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وكان السيناتور الجمهوري راند بول من أول الداعين إلى ذلك، مذكراً بأن الدستور الأميركي لا يتطلب انتخاب رئيس للمجلس من أعضاء مجلس النواب. وقال: «رئيس مجلس النواب لا يجب أن يكون بالضرورة عضواً في الكونغرس. لا شيء سيعرقل (المستنقع) أكثر من انتخاب إيلون ماسك». وتابع بول في دعوة مباشرة إلى النواب: «فكروا في الأمر... لا يوجد شيء مستحيل».

وسرعان ما ردت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين على هذه الدعوة، مُعربة عن انفتاحها على دعم ماسك في هذا المنصب، ومنذرة بمشوار صعب أمام جونسون للاحتفاظ برئاسة المجلس. وهنا علق جونسون، الذي لا يزال حتى الساعة يتمتع بدعم ترمب، بسخرية حذرة، قائلاً: «لقد تحدثت مع ماسك عن التحديات الضخمة في هذا المنصب... وقلت له: هل تريد أن تكون رئيساً للمجلس؟ فرد قائلاً: قد يكون هذا أصعب عمل في العالم... أعتقد أنه محق».

وفي حين لم يشهد الكونغرس في تاريخه انتخاب رئيس لمجلس النواب من خارج المجلس، رغم سماح الدستور بذلك، فإن البعض يقول إن ماسك قادر على كسر القاعدة.