أميركا ولعنة الانقسامات الحزبية

اتساع هوة التجاذبات الجمهورية في صراع رئاسة النواب

لا يزال مجلس النواب معطلاً بانتظار انتخاب رئيس له (رويترز)
لا يزال مجلس النواب معطلاً بانتظار انتخاب رئيس له (رويترز)
TT

أميركا ولعنة الانقسامات الحزبية

لا يزال مجلس النواب معطلاً بانتظار انتخاب رئيس له (رويترز)
لا يزال مجلس النواب معطلاً بانتظار انتخاب رئيس له (رويترز)

مع انسحاب مرشح الجمهوريين لرئاسة مجلس النواب ستيف سكاليس من السباق بسبب عدم قدرته على حشد الدعم المطلوب للفوز برئاسة المجلس، تلقي الانقسامات الجمهورية بظلالها على الساحة السياسية الأميركية داخلياً وخارجياً.

فقد أدى العزل التاريخي لرئيس مجلس النواب كيفين مكارثي والفراغ التشريعي غير المسبوق إلى تسليط الضوء على الشرخ الكبير والمتزايد في صفوف الحزب الجمهوري، لتطفو الانقسامات القديمة على سطح الخلافات الجديدة.

يعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، تاريخ هذه الانقسامات وأسبابها، ومدى تأثيرها على هيكلية النظام الأميركي في ظل تعطيل مجلس النواب بانتظار انتخاب رئيس له.

سكاليس انسحب من السباق بسبب فشله في جمع الأصوات الكافية للفوز برئاسة المجلس (أ.ب)

انقسامات قديمة وعميقة

فيما يستمر الحزب الجمهوري بمساعي العثور على رئيس لمجلس النواب لخلافة مكارثي، تقول الخبيرة الاستراتيجية في الحزب الجمهوري نيسا وومر إن الحزب مستمر في سياسة «الفوضى العشوائية»، وتنسب وومر سبب التعطيل إلى وجود «كونغرس يضم محافظين يمينيين لديهم أجندة مختلفة جداً عن غيرهم». مضيفة: «نرى أيضاً شخصيات تهتم بتحقيق الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من رغبتها بالقيام بعملها والحكم».

ويشير ماثيو داليك، أستاذ الإدارة السياسية في جامعة جورج واشنطن، إلى أن الخلافات الجمهورية ليست جديدة «رغم أن عزل رئيس مجلس النواب هو أمر غير مسبوق»، وذكّر داليك بأن «الحزب الجمهوري خاصة في مجلس النواب، كان يعيش انقسامات قوية تعود إلى التسعينيات»، مضيفاً: «ما يجري حالياً هو وجود مجموعة من الجمهوريين غير قابلة للحكم... إنها وظيفة مستحيلة».

ويوافق روبرت هورناك، مستشار الحملات الانتخابية الجمهورية، على مقاربة داليك المتعلقة بتاريخ الانقسامات الجمهورية، فيفسر قائلاً: «إنها انقسامات تعود إلى حقبة (الرئيس السابق) ريغن، حين بدأت الحركة المحافظة بالتصاعد لتتحدّى المؤسسة الجمهورية. وأصبحت هذه معركة مستمرة بين المحافظين الذين يمثلون اليوم الشعبويين في الحزب للتحكم بلائحة أعماله بعيداً عن المؤسسة القديمة».

ترمب خلال حشد انتخابي في فلوريدا في 11 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

ترمب «ليس المشكلة»

ومع احتدام الصراع في صفوف الحزب الجمهوري، يوجه البعض، كرئيس مجلس النواب السابق الجمهوري بول راين، أصابع الاتهام للرئيس السابق دونالد ترمب في تعميق هوة الانقسامات، لكن داليك يرفض تحميل شخص واحد مسؤولية الانقسامات، فيقول: «من الواضح أن ترمب هو عامل رئيسي في الحزب الجمهوري، لكن المشكلة لا تكمن في شخص واحد. فهناك تحديات هيكلية تواجه السياسة الأميركية، وتحديداً الحزب الجمهوري». ويضيف داليك: «بعض هذه الانقسامات هي انقسامات آيديولوجية سياسية، فمع الجدل حول المساعدات إلى أوكرانيا والضرورة الملحة لدعم إسرائيل حالياً، ما هو مدى الانعزال الذي يجب أن تعتمده البلاد والحزب الجمهوري؟».

ويرفض هورناك توصيف مقاربة ترمب بالانعزالية بناء على شعاره «أميركا أولاً»، معتبراً أن موقف الرئيس السابق هو «محاولة لتطوير للموقف الانعزالي القديم». فيقول: «لم يقصد عدم المشاركة مع باقي العالم أو عدم إظهار القوة أو القيادة، كان ترمب مفاوضاً وقائداً يحب التحدي، وأعتقد أنه حدد توجه الذين أرادوا التورّط أو المشاركة في كل شيء وفي كل مكان».

النائب جيم جوردان يسعى لحشد الدعم لتسلم رئاسة المجلس (أ.ب)

حلول في الأفق

ويصف هورناك التجاذبات الجمهورية الحالية في مجلس النواب بـ«العملية الصحية»، مشيراً إلى أن «النتيجة ستكون مفيدة جداً للحزب الجمهوري وللبلاد». ويضيف: «ما إن يتم حل هذه المشكلة ويتم اختيار رئيس لمجلس النواب، سنمضي قدماً بقوة كما هي الحال مع أميركا».

تصريح ترفضه وومر التي عملت في الكونغرس لأعوام في مكاتب نواب جمهوريين، فتذكّر بأن عمل المشرعين هو «الحكم للمصلحة العامة»، محذرة من أن الاستمرار في هذه الخلافات سيعزز من فرص الديمقراطيين في انتزاع الأغلبية من الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، وتذكّر وومر: «هناك أقل من 40 يوماً حتى إغلاق الحكومة، بالإضافة إلى الوضع في إسرائيل وشلل المجلس... ونحن غير قادرين على توفير أي دعم فعلي؛ لأننا ما زلنا نتشاجر حول رئيس المجلس المقبل»، مضيفة: «أنا قلقة حيال عدم انتخاب رئيس للمجلس بنهاية هذا الأسبوع أو حتى الأسبوع المقبل، فهذا يضع الحزب الديمقراطي في موقع تفضيلي لعام 2024؛ إذ سينجحون باستعادة مجلس النواب ومن الممكن أن يحافظوا على مجلس الشيوخ والبيت الأبيض».

ويشير داليك إلى أن الانقسامات في مجلس النواب هي انعكاس للانقسامات في الشارع الأميركي، فيقول: «إن الولايات المتحدة منقسمة جداً آيديولوجياً على الثقافة والجنس والعرق... هناك انقسامات عميقة في البلاد، وهناك انقسامات عميقة في الحزبين، وخصوصاً في الحزب الجمهوري». ويضيف داليك: «إن الخلاف على رئاسة المجلس هو عارض يشير إلى انقسامات أعمق ضمن الحزب الجمهوري، وهو انعكاس لما يجري في السياسة الأميركية عموماً. وهذه الانقسامات، بغض النظر عمن يتم انتخابه رئيساً للمجلس، لن تختفي».

رئيس المجلس المعزول كيفين مكارثي يتحدث مع الصحافيين في الكونغرس في 12 أكتوبر 2023 (أ.ب)

لكن هورناك يؤكد أن التسويات ستحصل، حتى لو أدى ذلك إلى إغلاق حكومي، معتبراً أن الإغلاق «لن يكون نهاية العالم»، ويحذّر هورناك: «يجب التوصل إلى صفقة معينة وإلا فسوف يكون أمام الديمقراطيين فرصة لانتخاب رئيس مجلس النواب من الحزب الديمقراطي. لا أحد يريد ذلك لذا سيتم التوصل إلى صفقة حتى ولو كان عملية الوصول إليه فوضوية».

وتتحدث وومر عن وظيفة رئيس المجلس، مشيرة إلى ضرورة القيام بتسويات مع الحزب المعارض لإقرار مشاريع قوانين مهمة للأميركيين، «وهذا ما قام به مكارثي». وحذّرت وومر من تنامي الخلافات الجمهورية، مشددة على ضرورة سد الفجوة التي تتسع ليس بين الجمهوريين فحسب، بل بين الأطراف المتشددة من الحزبين، وتطرح مقاربة مثيرة للجدل فتقول: «هل سيكون من الممكن طرد بعض أعضاء من الكونغرس من الحزبين؟ ربما ستكون هذه طريقة لسد الفجوة».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة مركّبة لدونالد ترمب وستورمي دانيالز (رويترز)

إرجاء إصدار الحكم في قضية ترمب بنيويورك إلى «أجل غير مسمى»

أمر القاضي في قضية الاحتيال المالي ضد دونالد ترمب، الجمعة، بتأجيل النطق بالحكم إلى أجل غير مسمى، ما يمثل انتصاراً قانونياً للرئيس المنتخب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القضاء يردّ دعوى التآمر المرفوعة ضد ترمب بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
TT

القضاء يردّ دعوى التآمر المرفوعة ضد ترمب بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

وافقت قاضية أميركية، يوم الاثنين، على طلب النيابة العامة ردّ الدعوى المرفوعة ضدّ الرئيس المنتخب دونالد ترمب بتهمة محاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية التي خسرها قبل أربع سنوات.

وكان المدّعي الخاص جاك سميث طلب، في وقت سابق الاثنين، من القاضية تانيا تشوتكان ردّ هذه الدعوى لأنّ سياسة وزارة العدل تنصّ على عدم ملاحقة رئيس يمارس مهام منصبه، وهو ما ستكون عليه الحال مع ترمب بعد أن يؤدي اليمين الدستورية في 20 يناير (كانون الثاني).

ووافقت القاضية على طلب المدّعي الخاص لكن ضمن قاعدة «حفظ الحقوق» أي مع حفظ إمكانية إعادة إحياء هذه الدعوى ما أن يغادر ترمب السلطة بعد أربع سنوات.

وقالت القاضية في قرارها إنّ «ردّ الدعوى مع حفظ الحقوق هو قرار مناسب هنا»، معتبرة أنّ «الحصانة الممنوحة لرئيس يمارس مهام منصبه هي حصانة مؤقّتة وتنتهي عند مغادرته منصبه»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

الجلسات لم تبدأ

وترمب البالغ 78 عاماً متّهم بالتآمر لقلب نتائج انتخابات 2020 التي خسرها أمام جو بايدن، وبالاحتفاظ على نحو غير قانوني بوثائق مصنّفة سرّية بعد مغادرته البيت الأبيض، لكن لم تبدأ الجلسات في أيّ من هاتين القضيتين.

وقال سميث في مذكرة رفعها إلى القاضية تشوتكان التي تتولى القضية إنه يجب ردّ الدعوى في ضوء سياسة وزارة العدل بعدم توجيه الاتهام إلى رئيس في منصبه أو مقاضاته.

كذلك أعلن سميث أنه وللسبب عينه لن يلاحق ترمب بتهمة حيازته وثائق سرية بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021.

كان سميث استأنف قرار القاضية الفيدرالية إيلين كانون في فلوريدا بإلغاء الإجراءات في يوليو (تموز) على أساس أن تعيين المدعي الخاص في القضية غير دستوري.

إلا أنه عاد وعلّق في هذا الشهر الإجراءات في قضية التآمر لقلب نتائج الانتخابات، بعد فوز ترمب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في استحقاق الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني).

وفيما يخص قضية الوثائق السرية، قال سميث إنه سيمضي قدماً فيها ضد اثنين من المتهمين الآخرين، مساعد ترمب والت ناوتا ومدير دارة الرئيس في مارالاغو كارلوس دي أوليفيرا.

«انتصار كبير»

وفي تعليق على منصته «تروث سوشيال»، علّق ترمب بقوله إن هذه القضايا «فارغة ولا أسس قانونية لها وما كان يجب رفعها».

وقال ترمب «لقد تم إهدار أكثر من 100 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب في معركة الحزب الديمقراطي ضد خصمهم السياسي، الذي هو أنا»، مشدداً على أن «أمراً كهذا لم يسبق أن حدث في بلدنا».

ورحّب مدير التواصل في فريق ترمب، ستيفن تشونغ، بخطوة رد قضية التدخل في الانتخابات، واصفاً إياها بأنها «انتصار كبير».

وجاء في بيان لتشونغ «يريد الشعب الأميركي والرئيس ترمب نهاية فورية لتسييس نظامنا القضائي ونتطلع إلى توحيد بلدنا».

وترمب متهم بالتآمر لقلب نتائج الانتخابات الأميركية والتآمر لعرقلة إجراء رسمي ألا وهو انعقاد الكونغرس للمصادقة على فوز بايدن. وخلال تلك الجلسة التي عًقدت في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، اقتحم مناصرو ترمب مقر الكونغرس.

وترمب متّهم أيضاً بالسعي إلى حرمان ناخبين أميركيين من حق التصويت بادعاءاته الكاذبة بأنه فاز في انتخابات 2020.

إرجاء وتجميد

إلى ذلك يواجه ترمب، سلف بايدن وخلفه، دعويين في ولايتي نيويورك وجورجيا.

وأدين ترمب بارتكاب 34 تهمة جنائية في مايو (أيار) بعد أن خلصت هيئة محلفين إلى أنه قام بالتلاعب بشكل احتيالي بسجلات تجارية للتغطية على دفع مبالغ لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز مقابل صمتها عن علاقة جنسية مفترضة حتى لا تضر بحملته في انتخابات عام 2016.

وأرجأ القاضي خوان ميرشان إصدار الحكم في قضية الاحتيال المالي للبت في طلب محامي الدفاع عن ترمب الذين دفعوا بأن أي إدانة يجب أن تلغى عملاً بقرار المحكمة العليا الصادر في يوليو (تموز) والقاضي بتمتع الرؤساء السابقين بحصانة شاملة تحميهم من الملاحقة القانونية.

وفي جورجيا، يواجه ترمب تهمة الابتزاز على خلفية جهوده لقلب نتائج انتخابات 2020 في الولاية الجنوبية، لكن من المرجح تجميد هذه القضية خلال ولايته.