هل يصبح ترمب رئيساً لمجلس النواب الأميركي؟

مساعي التوصل إلى تسوية لإنهاء الفراغ التشريعي تصطدم بخلافات حزبية عميقة

ترمب يتحدث خلال محاكمته المدنية بنيويورك في 2 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
ترمب يتحدث خلال محاكمته المدنية بنيويورك في 2 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

هل يصبح ترمب رئيساً لمجلس النواب الأميركي؟

ترمب يتحدث خلال محاكمته المدنية بنيويورك في 2 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
ترمب يتحدث خلال محاكمته المدنية بنيويورك في 2 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

أسبوع تاريخي عاشته الولايات المتحدة، شهد عزل مجلس النواب رئيسه للمرة الأولى في التاريخ، ما خلّف فراغاً تشريعياً غير مسبوق وجروحاً حزبية من الصعب أن تندمل في أي وقت قريب.

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، تداعيات عزل رئيس مجلس النواب وأبرز المرشحين لخلافته، إضافة إلى انعكاس الانقسامات على عمل السلطة التشريعية، والمراهنات الديمقراطية.

فرص ترمب

بانتظار العثور على مرشح توافقي والتصويت عليه لإنهاء الجمود التشريعي، بدأت الأسماء الجمهورية المرشحة لخلافة كيفين مكارثي في التنافس على حشد الدعم، من رئيس اللجنة القضائية جيم جوردان، مروراً بستيف سكاليز من القيادات الجمهورية، وصولاً إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

وأعرب ترمب عن انفتاحه لتسلم المنصب، خصوصاً أن قواعد المجلس لا تتطلب أن يكون رئيسه عضواً فيه. لكن مارا رودمان، الأستاذة في جامعة فيرجينيا والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي خلال إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما، تشير إلى أنه على الرغم من إمكانية انتخاب رئيس لمجلس النواب من خارج المجلس، «فإن القوانين تمنع كل من يواجه اتهامات من تبوء منصب قيادي. إذن لا يمكن أن يكون رئيساً لمجلس النواب». وتضيف رودمان: «سيتوجّب عليهم تغيير القوانين ليصبح مؤهلاً».

مكارثي لدى عقده مؤتمراً صحافياً بعد إزاحته 3 أكتوبر (أ.ف.ب)

تتحدث رودمان هنا عن القاعدة الجمهورية رقم 26 في مجلس النواب، التي تمنع أي شخص وُجّهت تهم جنائية بحقه من تسلم مقعد رئاسة المجلس.

توضّح لورا كيلي، مراسلة السياسة الخارجية في صحيفة «ذي هيل»، قائلة: «بحسب قوانين الحزب الجمهوري، ترمب ليس مؤهلاً للترشح لمنصب رئاسة مجلس النواب، لأنه يواجه 4 قضايا جنائية. وقد رأينا وفقاً للقوانين أن كل من يواجه قضية فيدرالية، لا يمكنه أن يحتل منصباً قيادياً. رأينا ذلك مع السيناتور مينانديز حين صدر الاتهام ضده، اضطر إلى الاستقالة من رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. إذن على الرغم من أن ترمب يصرّح بأن هناك عدداً من أعضاء المجلس الذين يرغبون بأن يكون رئيساً لمجلس النواب، فإنه في الحقيقة لا يمكن أن يحدث ذلك».

من جهته، يشير تشارلي بلاك، الخبير الاستراتيجي بالحزب الجمهوري ومستشار الحملات الانتخابية لجورج بوش الابن وجون مكاين، إلى غياب تدخل واضح من الرئيس السابق في مساعي «إنقاذ» مكارثي، على خلاف ما فعل بعملية انتخابه في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويرجح أن يكون هذا نتيجة لعدم قدرته حينها على تغيير أصوات كثيرة، فيقول: «صحيح أن ترمب لديه تأثير على مناصريه في الكونغرس، لكن في الانتخابات الأولى التي مرّت بـ15 جولة تصويت، دعمه ترمب وكان يتصل هاتفياً بأعضاء مجلس النواب. ونجح حينها بتغيير صوتين أو 3 أعضاء نتيجة اتصالاته، لكن الكونغرس مشابه لنادٍ خاص، حيث يتمتع كل واحد بمجموعة خاصة من الأصدقاء والولاءات والعلاقات. وأي تأثير خارجي حتى من قبل شخص مثل ترمب لن يشكل أي فارق في النهاية».

ويذكّر بلاك بالقضايا التي يواجهها الرئيس السابق، مشيراً إلى أنه لا يتمتع بالوقت الكافي لأمور من هذا النوع، لأنه «سيجلس في قاعات المحاكم على مدى السنة المقبلة».

ترمب مخاطباً الصحافيين على هامش اليوم الثالث لمحاكمته المدنية في نيويورك 4 أكتوبر (إ.ب.أ)

القاعدة «المعطلة»

وفي خضم الصراع الداخلي للعثور على مرشح توافقي يحظى بأغلبية الأصوات المطلوبة في مجلس النواب للوصول إلى مقعد الرئاسة، يحذّر بلاك من أن الرئيس المقبل سيواجه المشكلة نفسها التي واجهت مكارثي. وتتمثل في الموافقة على الشرط نفسه الذي وافق عليه، وهو أن يتمكن نائب واحد من طرح مشروع عزله في المجلس. وأوضح: «يعني ذلك أنه سيحاول ممارسة مهامه مع وجود مات غيتس وهو يصوّب مسدساً إلى رأسه، كما كانت الحال مع كيفن (مكارثي). وهذا يخلق الفوضى».

وفيما دعا مكارثي خلفه لتغيير القاعدة التي سمحت بإزاحته، تقول رودمان إن تغيير القواعد في مجلس النواب ليس بالأمر السهل: «إنها قواعد يتم وضعها كل عامين، أي أنها تكون نافذة لفترة دورة انتخابية واحدة أو فترة حكم المجلس، أي لفترة عامين».

وتشير كيلي إلى أن المشكلة الأساسية أمام قاعدة من هذا النوع أنها تفسح المجال لأي نائب يختلف مع رئيس المجلس، حتى لو كان هذا الاختلاف شخصياً، بالدفع باتجاه عزله. ولفتت إلى أن «هذا ما حصل في حالة مكارثي عندما صرح عدد من النواب المعارضين له بأنهم صوتوا ضده، لأنهم شعروا بأنه لم يمنحهم الأهمية المطلوبة». وأضافت: «كما رأينا، فإن الهامش لعزل كيفين مكارثي كان صغيراً جداً، ما زاد من أهمية هذه الانتقامات الشخصية».

مات غيتس يغادر الكونغرس بعد التصويت لعزل مكارثي 3 أكتوبر (رويترز)

انقسامات عميقة وقديمة

يقول بلاك، الذي عمل في حملات انتخابية جمهورية عديدة منذ عهد الرئيس الجمهوري السابق رونالد ريغان، إن الانقسامات الجمهورية لطالما كانت موجودة، لكن الفارق اليوم أن التعطيل بسبب هذه الانقسامات حصل نتيجة لهامش ضيق في المجلس. فالجمهوريون يتمتعون بأغلبية 221 صوتاً، وهو هامش 4 أصوات فقط.

ووجه بلاك انتقادات لاذعة للجمهوريين الثمانية الذين دفعوا لتنحية مكارثي، فقال: «إنها مشكلة جدية تسبب بها من أصفهم بمحبي الاستعراض، لأنهم لا يتصرّفون وفق ما هو في مصلحة الحكم. فهم لا يريدون حكومة محافظة أو أي نوع من الحكومات، بل هم يحاولون إغلاق الحكومة».

وأضاف بلاك: «عندما تكون الحكومة منقسمة في واشنطن، أي أن البيت الأبيض للحزب الديمقراطي ومجلس الشيوخ أيضاً، بينما الأغلبية للجمهوريين في مجلس النواب، وذلك بهامش ضئيل، فإن الطريقة الوحيدة للتصويت على تشريع تكون من خلال تسوية تضم الحزبين. ولطالما قمنا بذلك. لكن في هذه الحالة، قرر 8 نواب أنهم لا يريدون الامتثال بالتقاليد والتاريخ. فعزلوا رئيس مجلس النواب لأسبابهم الخاصة والأنانية».

مجلس النواب معطّل تشريعياً حتى انتخاب رئيس جديد له (أ.ف.ب)

وعززت رودمان أهمية التسوية في النظام الأميركي، فقالت إن «التسوية جزء لا يتجزأ من نظامنا وجزء من الرؤية العبقرية للآباء المؤسسين، فإقرار مشروع قانون أمر صعب والنظام الأساسي لمجلسي النواب والشيوخ يدفع بالأعضاء نحو التسوية. فمن غير العادي أن يستطيع حزب الأغلبية بالقيام بكل شيء لوحده، هذه تركيبة نظامنا».

وتتحدث رودمان عن تنامي نفوذ من تصفهم بـ«المتشددين» في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، قائلة: «أصف الأشخاص الثمانية الذي صوتوا ضد كيفن مكارثي بالمتشددين وليس بالمحافظين، لأني أعتقد أن المتطرفين من الحزبين متشددون. فالمحافظون يميلون إلى الإيمان بالمؤسسات الحكومية، والذين يعطلون من الجهات المتطرّفة ليسوا بمحافظين؛ بل إنهم متشددون».

وتشير كيلي إلى أن أحد أسباب تنامي نفوذ المتشددين، خصوصاً في مجلس النواب، أن كل عضو في مجلس النواب يمثل مقاطعة تضم مئات آلاف الأشخاص. «وهناك ناخبون مثل الذين يمثلهم النائب غيتس، يحبذون فكرة تمرّده واتخاذه موقفاً من هذا النوع»، على حد وصفها. وتضيف: «كان من الواضح أن النائب غيتس خلال سعيه لعزل مكارثي، كان يقوم بجمع التبرعات في الوقت نفسه».

وتتفق رودمان مع هذه المقاربة، خصوصاً في مجلس النواب، الذي يخوض أعضاؤه الانتخابات كل عامين، مشيرة إلى أن هذا يتطلب جمع كثير من التبرعات. وأشارت رودمان إلى تحديات من نوع آخر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فقالت إن «هؤلاء الأشخاص في الكونغرس يسعون لجمع التبرعات عبر الحصول على مزيد من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، وليس من خلال القيام بعملهم في المؤسسة. إذن يصبح الأمر أكثر صعوبة للمشرعين الذين يسعون لإنجاز مهامهم في الحكم، لأنهم أيضاً يجب أن يجمعوا التبرعات».

هل من حل في الأفق؟

يرجح بلاك أنه في إطار السعي لاختيار مرشح توافقي، قد يضطر المعتدلون من الحزبين للتعاون سوية لانتخاب مرشح في حال عدم قدرة الجمهوريين على الاصطفاف وراء مرشح واحد، مشيراً إلى وجود تجمع في مجلس النواب باسم «تجمع حل المشاكل» مؤلف من 32 نائباً جمهورياً و32 ديمقراطياً يعملون على التوصل إلى تسويات حزبية. وأوضح: «لقد حقق التجمع نتائج ملموسة في الماضي؛ من خطة الإغاثة خلال جائحة كوفيد وصولاً إلى قانون البنية التحتية وغيرها. فإذا قرر الاتفاق يمكن للنواب اختيار نائب جمهوري يعمل معهم على أسس ثنائية الحزب، ويمكن انتخاب رئيس مجلس النواب وترك هؤلاء الثمانية خارجاً».

لكن رودمان لديها نظرة أكثر تشاؤمية، إذ توقعت أن يبقى المجلس معطلاً لفترة طويلة لن تنتهي الأسبوع المقبل. وقالت: «آمل في أن يكون هناك حل. لا أعتقد أن الأمر سيكون كذلك، ولن أراهن على وجود حل. إن عزل رئيس المجلس في وقت نقترب فيه من الإغلاق الحكومي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) مؤشر مخيف». وتضيف رودمان: «ما زالت الطريق طويلة أمامنا. ولسوء الحظ نحن كذلك أمام مشكلة حقيقية يواجهها الأمن الأميركي؛ وهي إيقاف الدعم لأوكرانيا بطريقة تهدد المصالح الأميركية وأمنها».


مقالات ذات صلة

روبيو... صقر جمهوري لمنصب وزير الخارجية

الولايات المتحدة​ ترمب وروبين في حدث انتخابي في كارولاينا الشمالية 4 نوفمبر 2024 (رويترز)

روبيو... صقر جمهوري لمنصب وزير الخارجية

حرص ماركو روبيو، الذي اختاره دونالد ترمب لوزارة الخارجية في إدارته الجديدة، أمام مجلس الشيوخ، الأربعاء، على مهاجمة الصين.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ التجهيزات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول (إ.ب.أ)

«الشيوخ» يتأهب للمصادقة على فريق ترمب

يسعى الجمهوريون للمصادقة على تعيينات ترمب الوزارية واستكمال فريقه، الذي تنتظره مهمات شاقة ومتشعبة في الإدارة الجديدة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب في مؤتمر صحافي في مارالاغو في 7 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب إلى الكونغرس للدفع بأجندته

عمد ترمب إلى زيارة المشرعين الجمهوريين في معقلهم في مجلس الشيوخ لإجراء لقاء مغلق يهدف إلى رسم استراتيجية منسقة لتسهيل إقرار أجندته الطموحة.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جلسة الكونغرس الأميركي للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)

الكونغرس الأميركي يُصادق على فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية

صادق الكونغرس الأميركي، اليوم الاثنين، على فوز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية ليصبح الرئيس السابع والأربعين للبلاد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مشاهد من اقتحام «الكابيتول» في 6 يناير 2021 (رويترز)

هاريس تترأس جلسة الكونغرس للمصادقة على فوز ترمب

في الذكرى الرابعة لاقتحام «الكابيتول»، يختلف المشهد كلياً في واشنطن، ما بين السادس من يناير 2021 والتاريخ نفسه من هذا العام، موعد المصادقة على نتائج الانتخابات.

رنا أبتر (واشنطن)

بعد تهديده باستعادة القناة... هل يدفع ترمب بنما لمزيد من التقارب مع الصين؟

الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماع في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 19 يونيو 2017 (رويترز)
الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماع في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 19 يونيو 2017 (رويترز)
TT

بعد تهديده باستعادة القناة... هل يدفع ترمب بنما لمزيد من التقارب مع الصين؟

الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماع في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 19 يونيو 2017 (رويترز)
الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يتحدث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماع في المكتب البيضوي بالبيت الأبيض في العاصمة واشنطن... 19 يونيو 2017 (رويترز)

حذّر مسؤولون أميركيون سابقون من أن «ادعاء» الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مؤخراً بأن الصين تسيطر على قناة بنما واقتراحه استخدام القوة العسكرية لاستعادة الممر المائي، قد يخفف من رغبة الحكومة البنمية توسيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ويدفعها للاقتراب أكثر من الصين، حسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

جاء رد الرئيس البنمي خوسيه راوول مولينو على كلام ترمب حازماً. قال: «القناة بنمية وستظل كذلك»، في تحد لترمب بشكل مباشر. وفيما يقول بعض المحللين إن ترمب يتخذ موقفاً (بمطالبته بإعادة ضم قناة بنما) فقط للضغط على بنما لخفض الرسوم على السلع الأميركية التي تعبر القناة، يحذّر مسؤولون أميركيون سابقون من أن طرح ترمب قد ينفّر بنما في وقت تحاول فيه الصين جذب بنما كحليف وتوسيع نفوذها في أميركا اللاتينية.

وقال رامون إسكوبار، الذي خدم حتى سبتمبر (أيلول) في مجلس الأمن القومي الأميركي ويشغل حالياً منصب المدير الإداري في شركة أكتوم الاستشارية العالمية: «قد يؤدي تهديد ترمب بالحرب إلى إضعاف رغبة الحكومة البنمية في توسيع العلاقات مع الولايات المتحدة اقتصادياً».

وأضاف إسكوبار: «قد ينتهي به الأمر إلى دفعهم (البنميين) بعيداً (عن أميركا) في وقت توجد فيه فرصة حقيقية لإعادة بنما إلى مدارنا».

القناة تثير اهتمام الصين

بنت الولايات المتحدة قناة بنما في أوائل القرن العشرين، لكن القناة أصبحت تحت السيطرة الكاملة لبنما في عام 1999، والتي منذ ذلك الحين، قامت بتشغيل الممر المائي من خلال هيئة قناة بنما. اليوم، تتمتع بنما بأهمية استراتيجية خاصة بالنسبة للصين بسبب القناة، حيث إن بكين تعمل على توسيع نفوذها في أميركا اللاتينية، وبين البلدان النامية على نطاق أوسع.

صوّرت الصين نفسها بديلا لما تسميه «الهيمنة الأميركية» و«البلطجة»، وتصوّر نفسها دولة نامية أكثر تعاطفاً (مع الدول النامية). ومع الاستثمارات الكبيرة في بناء الموانئ في جميع أنحاء العالم، تعمل الصين على وضع نفسها للتأثير على التجارة العالمية ومراقبة الأنشطة الدولية. وعلى وجه التحديد، أصبح المسؤولون الأميركيون قلقين بشكل متزايد بشأن ميناءين بحريين في كل طرف من قناة بنما، والتي تديرها منذ عقود شركة «سي كيه هاتشيسون» CK Hutchison Holdings، وهي شركة مقرها هونغ كونغ بالصين. ورغم أن الشركة هي شركة مدرجة في البورصة وأكبر مالك لها هو عائلة ملياردير من هونغ كونغ، فإن بكين لا تزال قادرة على استخدام قوانين الأمن القومي لإجبار الشركة على المساعدة في جمع المعلومات الاستخباراتية أو العمليات العسكرية. ومع ذلك، يزعم المسؤولون البنميون أن الصين لا تشكل خطرا. ويقولون إن القناة مفتوحة للجمهور، وأي تدخل صيني سيكون واضحا جدا.

قالت إيليا إسبينو دي ماروتا، نائبة مدير قناة بنما، في مقابلة أجريت معها الأسبوع الماضي: «يمكن لأي شخص استخدام قمر اصطناعي لمعرفة ما يدخل ويخرج من الميناء. فالقناة تمر عبر البلاد، على طول الطرق الوطنية ويمكن للجمهور رؤيتها».

إغفال لتنامي النفوذ الصيني

خلال إدارته الأولى، أثار ترمب قضية قناة بنما داخلياً، مشيراً إلى أنه يرى الممر المائي كعمل غير مكتمل، وفق جون فيلي، الذي شغل منصب السفير الأميركي في بنما من عام 2015 حتى عام 2018. في 19 يونيو (حزيران) 2017، التقى ترمب بالرئيس البنمي في ذلك الوقت، خوان كارلوس فاريلا، واشتكى من أن البحرية الأميركية تدفع الكثير لعبور القناة - حوالي مليون دولار سنوياً، بحسب فيلي.

ويقول المحللون إن هذه التكلفة ضئيلة للغاية لدرجة أنها ستكون أشبه بخطأ تقريبي في ميزانية البنتاغون. لكن ترمب آنذاك لم يتطرق أبداً إلى وجود الصين أو نفوذها المفترض على القناة على الرغم من أن بنما كانت قطعت علاقاتها مع تايوان (في 13 يونيو 2017) وتحالفت مع بكين قبل أقل من أسبوع على لقاء الرئيس البنمي مع ترمب، بحسب السفير فيلي، الذي حضر اجتماع البيت الأبيض بين الزعيمين.

الرئيس البنمي حينها خوان كارلوس فاريلا يصافح الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال حفل توقيع في بكين... 17 نوفمبر 2017 (رويترز)

وقال السفير السابق إنه حاول حينها دفع البيت الأبيض إلى التركيز على النفوذ الصيني المتزايد في بنما، لكن القضية لم تتطور أبداً إلى مستوى من الإنذار الخطير. في ذلك الوقت، كانت الصين تعد بالاستثمار في مشاريع البنية التحتية الكبرى في بنما، بما في ذلك جسر القناة، كجزء من مبادرة الحزام والطريق. ومن خلال المبادرة، زادت بكين من نفوذها عالمياً من خلال الاستثمار في الموانئ البحرية والطرق والقطارات من كينيا إلى سريلانكا، ومؤخراً في أميركا اللاتينية. ويقول المنتقدون إن بكين تستخدم البرنامج لإرهاق الحكومات الأجنبية بمشاريع فاشلة أو ديون غير مستدامة من أجل ممارسة نفوذ الصين.

صورة عامة من قناة بنما (رويترز-أرشيفية)

وقال السفير فيلي إنه حاول إقناع الشركات الأميركية بتقديم عطاءات لمثل هذه المشاريع لمواجهة الصين. لكنه قال إن السفارة الأميركية في مدينة بنما لم تحصل أبداً على دعم البيت الأبيض لإقناع الشركات الأميركية بتقديم عطاءات. قال فيلي: «ليس الأمر أننا نخسر أمام الصين في أميركا اللاتينية؛ في معظم الحالات لا نظهر حتى في ساحة المعركة التجارية».

وقد اشتكت حكومات أميركا اللاتينية مثل بنما من أن الولايات المتحدة غالبا ما تكون غائبة عندما تطرح عطاءات لمشاريع البنية الأساسية الباهظة الثمن، ما يضطر هذه الحكومات إلى الاعتماد على آخرين من أوروبا إلى الصين لإنجاز العمل.

 

«أميركا دائماً حليفنا الأكثر أهمية»

ويتردد بعض البنميين في السماح للصين بالاستثمار بشكل أكبر في بلدهم. وعلى الرغم من أن الرئيس البنمي السابق فاريلا حوّل اعتراف بنما الدبلوماسي بالصين من الصين الوطنية (تايوان) إلى الصين الشعبية ودخل في العديد من الاتفاقيات التجارية مع بكين، إلا أن الحكومات البنمية اللاحقة سعت إلى تقليص هذه الالتزامات، وفق «نيويورك تايمز».

سفينة شحن تعبر قناة بنما في 19 أبريل 2023 (رويترز)

أعرب رامون مارتينيز، الذي شغل منصب وزير التجارة في بنما بعد تنحي الرئيس فاريلا، عن عدم ارتياحه للاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي أبرمتها الإدارة السابقة مع الصين. وقال إنه أوقف اتفاقية التجارة الحرة مع الصين التي كانت قيد التفاوض. كما تم إيقاف الجسر فوق القناة الذي تعهدت الصين ببنائه. وأكد مارتينيز أن حليف بنما الأكثر أهمية سيكون دائماً الولايات المتحدة.