بكين جاهزة دائماً لتعبئة الفراغ الدولي... وتمتلك الإمكانات الكافية

إلغاء بايدن زيارته لغينيا الجديدة وأستراليا يجدد التساؤل عن «موثوقية» الاعتماد على واشنطن في مواجهة بكين

عنوان قمة مجموعة السبع في هيروشيما بالزهور (رويترز)
عنوان قمة مجموعة السبع في هيروشيما بالزهور (رويترز)
TT

بكين جاهزة دائماً لتعبئة الفراغ الدولي... وتمتلك الإمكانات الكافية

عنوان قمة مجموعة السبع في هيروشيما بالزهور (رويترز)
عنوان قمة مجموعة السبع في هيروشيما بالزهور (رويترز)

تسبب قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بقطع زيارته إلى جزيرة بابوا غينيا الجديدة، والعودة إلى واشنطن لمتابعة مناقشات رفع سقف الدين، بحالة من الارتباك والإحباط، لدى قادة 17 دولة أخرى كانوا يستعدون للمشاركة في «اجتماع قمة»، معه.

الرئيس بايدن (أ.ب)

وبدلاً من أن تستمر جولة الرئيس الأميركي أسبوعاً كاملاً، بعد مشاركته في قمة مجموعة السبع في اليابان، لتشمل للمرة الأولى في تاريخ الرئاسة الأميركية، إحدى جزر المحيط الهادي، حيث «المنافسة» على أشدها مع الصين، بدا أن «أولويات» الولايات المتحدة وأجندتها الداخلية، تلقي بثقل كبير على استراتيجيتها المعلنة، في مواجهة نفوذ بكين، الذي يتنامى بوتيرة فائقة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وبرغم إصرار البيت الأبيض على التقليل من تداعيات إلغاء الزيارة، بما فيها إلغاء قمة مجموعة الدول الأربع «كواد» في أستراليا أيضاً، حذَّر محللون ودبلوماسيون أميركيون، من أن «الرابح» الأكبر، في هذا الوقت الحرج، هو الصين.

وقال هؤلاء إن هذا الإلغاء يعني أن السياسات الداخلية الأميركية، تقوض السياسة الخارجية في منطقة حرجة أيضاً، وسيؤدي إلى مضاعفة جهود بكين لنشر رسالة عن عدم «موثوقية» الاعتماد على واشنطن.

ملصق لقمة مجموعة السبع (أ.ف.ب)

وفيما وصف المسؤولون الأميركيون إلغاء الزيارة بأنه «تأجيل» لها، بحجة أن التغيير في اللحظة الأخيرة «لا يعكس التزاماً ضعيفاً»، بدا الأمر بالنسبة للكثيرين، تكراراً لحدث مماثل، حين قطع الرئيس الأسبق باراك أوباما، مشاركته في اجتماع للتعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي عام 2013، للتعامل مع إغلاق حكومي، استغله الرئيس الصيني شي جينبينغ للسيطرة على الحدث، معلناً أن «منطقة آسيا والمحيط الهادي لا يمكن أن تزدهر من دون الصين».

وقال بيان صادر عن سفارة الولايات المتحدة في أستراليا: «نتطلع إلى إيجاد طرق أخرى للتعامل مع أستراليا ومجموعة الدول الرباعية، وبابوا غينيا الجديدة، وقادة منتدى جزر المحيط الهادي في العام المقبل».

بدوره، حاول رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، التقليل من تداعيات تأجيل القمة الرباعية، الذي كان يهدف منها إلى تعزيز التعاون في كل شيء، من الرعاية الصحية إلى البيئة. وقال الأربعاء، إن زعماء المجموعة، «سيحاولون الاجتماع على هامش قمة مجموعة السبع في هيروشيما».

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن هال براندز، أستاذ الشؤون العالمية بجامعة جونز هوبكنز قوله: «سيعزز ذلك الشكوك المستمرة بشأن ريادة الولايات المتحدة في المنطقة، حيث يمكن أن تراهن على أن الصين ستفعل ذلك، وستكون رسالتها إلى دول المنطقة هي : لا يمكن الاعتماد على دولة لا تستطيع حتى أداء الوظائف الأساسية للحكم».

وجدول أعمال قمة مجموعة السبع، تسعى من خلاله واشنطن لمناقشة الغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، والتهديدات الصينية والمناورات العسكرية التي تجريها حول تايوان، وقضايا التغير المناخي والاقتصاد العالمي، إلّا أنها تجهد في الوقت نفسه، لإقناع حلفائها، وخصوصاً الأوروبيين المترددين من تبني سياساتها تجاه الصين. ويرى محللون أن تلك الجهود «قد لا تكون كافية للحاق بالصين، التي بات سلكها الدبلوماسي هو الأكبر في العالم، متخطياً الولايات المتحدة، ويتركز بشكل كبير في آسيا، منطقة الصراع الاستراتيجي».

وتمتلك الصين اليوم، أكبر قوة بحرية وخفر سواحل في العالم، وتعمل شركاتها الحكومية في تعزيز صناعات البناء والتعدين في العديد من البلدان النامية، بما في ذلك فيجي وبابوا غينيا الجديدة. وبالنسبة لمعظم دول المنطقة، لم تثبت الولايات المتحدة بعد، أنها يمكن أن تكون حاضرة ومنتجة بشكل موثوق مثل الصين.

وتوقع دبلوماسيون أن يكون لإلغاء الزيارة إلى بابوا غينيا الجديدة، عواقب أكبر. حيث من المرجح أن يؤخر أو يوقف الجهود المبذولة لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية أمنية تضمنت، في مفاوضات مبكرة، إمكانية منح الجيش الأميركي حق الوصول إلى الأراضي والبحار في جميع أنحاء البلاد، التي لعبت دوراً استراتيجياً في الحرب العالمية الثانية.

زوّار يضعون زهوراً عند نصب السلام في هيروشيما (أ.ب)

وقال رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة، جيمس ماراب، هذا الأسبوع إن المسؤولين الأميركيين وعدوا أيضاً بتقديم مليارات الدولارات في استثمارات البنية التحتية، وأن مجموعة من المديرين التنفيذيين الأميركيين خططوا للانضمام إلى الوفد المرافق للرئيس. لكن مع إلغاء الزيارة ليس من الواضح ما إذا كان سيتم الوفاء بهذه التعهدات أو متى سيتم الوفاء بها، وهي كلفة ضئيلة، في دولة فقيرة يبلغ عدد سكانها 9 ملايين شخص بحاجة ماسة إلى التنمية، واستثمرت الصين فيها بالفعل بكثافة، في البناء والتعدين.

وفيما وصف الاجتماع الذي كان مقرراً لقادة جزر المحيط الهادي مع الرئيس بايدن، بأنه متابعة لقمتهم في البيت الأبيض العام الماضي، كان لدى الكثير منهم طلبات محددة لمعالجة «تهديد وجودي»، لا سيما فيما يتعلق بتغير المناخ الذي يهدد بعض دول الجزر بالاختفاء، مما فاقم من إحباطهم. ويرى محللون أن هذا سيؤدي إلى تحويل انتباههم مرة أخرى إلى الصين، وإلى قوة صاعدة أخرى، هي الهند، التي سيواصل رئيس وزرائها، ناريندرا مودي، زيارته لبابوا غينيا الجديدة، وزيارة الدولة إلى أستراليا.



4 قتلى في الساحل الشرقي لفلوريدا جراء الإعصار «ميلتون»

سيارة تمر أمام حطام ناجم عن فيضانات إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» في 9 أكتوبر (أ.ب)
سيارة تمر أمام حطام ناجم عن فيضانات إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» في 9 أكتوبر (أ.ب)
TT

4 قتلى في الساحل الشرقي لفلوريدا جراء الإعصار «ميلتون»

سيارة تمر أمام حطام ناجم عن فيضانات إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» في 9 أكتوبر (أ.ب)
سيارة تمر أمام حطام ناجم عن فيضانات إعصارَي «هيلين» و«ميلتون» في 9 أكتوبر (أ.ب)

أحدث إعصار «ميلتون»، الذي ضرب ولاية فلوريدا الأميركية، دماراً واسع النطاق من غرب الولاية إلى شرقها، حيث تسبّب بزوابع أدّت إلى مصرع أربعة أشخاص على الأقل وانقطاع الكهرباء عن ملايين الأشخاص، الخميس. وضرب «ميلتون» اليابسة، مساء الأربعاء، على ساحل خليج فلوريدا كعاصفة قوية من الفئة الثالثة. وعصفت رياح عاتية بالمناطق الداخلية التي لا تزال تعاني من آثار الإعصار «هيلين» الذي ضرب المنطقة قبل أسبوعين، قبل أن تعبر قبالة الساحل الشرقي لولاية فلوريدا إلى المحيط الأطلسي. وقالت كاري إليزابيث، المقيمة في ساراسوتا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عندما خرجت لتفقد آثار الكارثة: «كانت الرياح هي الشيء الأكثر إثارة للخوف؛ لأن المبنى كان يتأرجح والنوافذ تهتز، على الرغم من أنها نوافذ مقاومة للعواصف».

زوابع مميتة

وقال حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، إن العاصفة تسبّبت بحدوث زوابع متفرقة قاتلة وانقطاع الكهرباء عن أكثر من ثلاثة ملايين شخص. وفي بيان على موقعها الإلكتروني، أكدت مقاطعة سانت لوسي على الساحل الشرقي «مقتل أربعة أشخاص نتيجة لهذه الزوابع».

وتسبّبت الرياح في اقتلاع أشجار كبيرة وتحطيم سقف ملعب «تروبيكانا فيلد للبيسبول»، التابع لفريق «تامبا باي رايز» في سان بطرسبرغ، كما تسببت بسقوط رافعة بناء على مبنى قريب في وسط المدينة. وفي مدينة كليرواتر، على الساحل الغربي، خرجت طواقم الطوارئ في قوارب إنقاذ عند الفجر لإخراج السكان العالقين في منازلهم بسبب مياه الفيضانات.

جانب من الدمار الذي خلّفه إعصار «ميلتون» بفلوريدا (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حذّر، مساء الأربعاء، من أنه يُنتظر أن يكون «(ميلتون) من أكثر الأعاصير تدميراً منذ قرن في فلوريدا». وتسبّب «ميلتون» منذ بلوغه اليابسة بأمطار غزيرة وفيضانات «مباغتة»، على ما أوضحت نشرة المركز الأميركي للأعاصير. وأغلقت متنزهات «ديزني» الشهيرة أبوابها، في حين توقّفت حركة الملاحة أيضاً في مطارَي تامبا وساراسوتا. وسُجّلت زوابع أيضاً في وسط الولاية وجنوبها، بحسب محطة «ويذر تشانيل» المتخصصة.

توالي الكوارث الطبيعية

وبعد أسبوعين على مرور الإعصار «هيلين» في المنطقة نفسها، والذي أسفر عما لا يقل عن 236 قتيلاً في جنوب شرقي الولايات المتحدة، بينهم 15 على الأقل في فلوريدا، حذّرت دايان كريسويل مديرة الوكالة الفيدرالية للاستجابة للكوارث الطبيعية، من أن «ميلتون» هو «عاصفة قاتلة وكارثية». ومنذ أيام، تحُضّ السلطات سكان المناطق المعنية بتعليمات إخلاء على المغادرة، مؤكدة: «إنها مسألة حياة أو موت». والأعاصير شائعة في فلوريدا، ثالث كبرى الولايات المتحدة من حيث عدد السكان والتي تجذب الكثير من السياح.

تراجع إعصار «ميلتون» من الدرجة الخامسة إلى الثالثة قبل وصوله إلى فلوريدا (أ.ف.ب)

ويقول مختصّون وخبراء البيئة إن ارتفاع حرارة مياه البحار، بفعل التغير المناخي، يزيد من قوة الأعاصير بسرعة. ورأى الأستاذ الجامعي، جون مارشام، الخبير في علوم الغلاف الجوي، أن «الكثير من جوانب (هيلين) و(ميلتون) تتماشى تماماً» مع ما يتوقعه العلماء على صعيد التغير المناخي، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية». وأضاف: «تحتاج الأعاصير إلى محيطات دافئة لتتشكل، في حين تغذي درجات الحرارة القياسية في المحيطات العواصف المدمرة. فالأجواء الحارة تحبس المزيد من المياه، ما يتسبب بأمطار أكثر غزارة وبمزيد من الفيضانات». وأوضح أيضاً أن «ارتفاع مستوى مياه البحر الناجم عن التغير المناخي يؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية». ومنذ أكثر من سنة تسجل حرارة مياه شمال الأطلسي بشكل متواصل مستويات قياسية، على ما تفيد الوكالة الأميركية لمراقبة المحيطات والغلاف الجوي (نوا).

قضية انتخابية

تسبّبت الرياح في تحطيم سقف ملعب «تروبيكانا فيلد للبيسبول» بسان بطرسبرغ في 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

وبينما يستمر الديمقراطيون والجمهوريون في تبادل الاتهامات بشأن إدارة كارثة الإعصارين من جانب الحكومة الفيدرالية، ندّد الرئيس جو بايدن بـ«وابل الأكاذيب» التي يطلقها سلفه دونالد ترمب المرشح للبيت الأبيض مجدداً، والذي يتهم إدارته بعدم بذل جهود كافية، وبأن تحركها أتى متأخراً. ويتهم ترمب منذ أيام الديمقراطيين بـ«سرقة أموال» من الوكالة الأميركية للاستجابة للكوارث الطبيعية، «وتحويلها إلى المهاجرين بطريقة غير نظامية». وقالت منافسته في الانتخابات الرئاسية نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، إن هذه الادعاءات «خطرة» و«غير مقبولة»، مطالبة المواطنين بالامتثال لتوجيهات السلطات وطواقم الإنقاذ.