اتجّه التوتر بين موسكو وعواصم أوروبية إلى مزيد من التدهور، في غياب آليات للحوار لتهدئة الموقف، وتفاقم مخاطر اتساع رقعة المعارك. واتهم الاتحاد الأوروبي، روسيا، بتأجيج الوضع ودفعه نحو حافة المواجهة المباشرة، في حين أعلنت بولندا أنها عملياً في «حالة حرب» مع روسيا.
بولندا: نحن في حرب فعلية
وقال سلافومير تشيكيفيتش، رئيس مكتب الأمن القومي البولندي، إن بلاده «في حالة حرب فعلية مع روسيا». ورأى في مقابلة صحافية نُشرت الاثنين، أن «روسيا لم تعد مجرد دولة تهديد (...) نحن في حالة حرب فعلية». وتابع تشيكيفيتش أن «الهجمات الهجينة» على دول الاتحاد الأوروبي، مثل توغلات الطائرات المسيّرة في المجال الجوي ومحاولات اختراق أنظمة المياه وغيرها من البنى التحتية الحيوية، دبّرها مخربون.
واتهمت السلطات البولندية روسيا مراراً، بالتورط في هجمات بمسيّرات حارقة استهدفت مواقع داخل البلاد، وأعمال تخريب، وتجسس. وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن بلاده أسقطت طائرات مسيّرة روسية في أجواء بولندا، ووصف الوضع بأنه خطير.
وفي وقت لاحق، صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن أكثر من عشر طائرات مسيّرة شاركت في هجوم. وتعرضت الدنمارك، والنرويج، وإستونيا ولاتفيا لاحقاً لهجمات مماثلة. لكن موسكو نفت صلتها بالأمر، وأكدت أن الأوروبيين لم يقدموا أدلة على أن المسيّرات المجهولة روسية المنشأ.
وقال القائم بالأعمال الروسي في وارسو، أندريه أورداش، إن «بولندا لم تقدم أي دليل على الأصل الروسي المزعوم للطائرات المسيّرة التي أُسقطت فوق أراضيها»، في حين أكدت وزارة الدفاع الروسية أنه لم يتم استهداف أي أهداف داخل بولندا خلال غارة جوية روسية ضخمة على منشآت صناعة الدفاع الأوكرانية ليلة العاشر من سبتمبر (أيلول). ووصف الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، «مزاعم الأوروبيين» بأنها «فارغة ولا أساس لها من الصحة».
وفي تطور يُنتظر أن يرمي بثقله على العلاقات المتوترة مع أوروبا، أعلنت السلطات اللاتفية أنها طلبت من 841 مواطناً روسياً مغادرة البلاد بحلول الاثنين، بعد فشلهم في تجديد إقاماتهم في الوقت المحدد.
ورأى الكرملين أن الخطوة تعكس تصعيداً جديداً ضد الروس في البلدان الأوروبيين، وزاد أنه «يمكن للمواطنين الروس العودة إلى وطنهم، روسيا، وبناء حياتهم هنا».

ردع عسكري أوروبي
في السياق ذاته، اتهمت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، الاثنين، روسيا بأنها «تُخاطر بإشعال الحرب» بعد تزايد اختراقات مُسيّرات وطائرات عسكرية روسية المجال الجوي الأوروبي.
وعزز حلف شمال الأطلسي (ناتو) دفاعاته على طول حدوده الشرقية متهماً موسكو باختبار الدفاعات الجوية للحلف من خلال توغل مُسيّرات في كثير من الدول الأعضاء وتحليق طائرات عسكرية في المجال الجوي الإستوني. وقالت كالاس خلال زيارة إلى كييف: «في كل مرة تنتهك فيها مسيّرة أو طائرة روسية مجالنا الجوي، هناك خطر بالتصعيد، سواء كان ذلك عن قصد أم لا. روسيا تُخاطر بإشعال الحرب»، داعية أوروبا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية. وأضافت: «لإبعاد شبح الحرب، علينا أن نحوِّل قوة أوروبا الاقتصادية ردعاً عسكرياً».
وتتمحور زيارة كالاس لكييف حول الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، وخاصة البنية التحتية للكهرباء، في الوقت الذي استأنفت فيه روسيا هجماتها على محطات الطاقة قبل حلول فصل الشتاء.

واضطرت أوكرانيا، الاثنين، إلى تقنين الكهرباء في سبع مناطق وسط البلاد وشرقها إثر الهجمات. وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كالاس: «يريد العدو التأثير على معنويات شعبنا... هذا تصرف خبيث، خصوصاً على أعتاب فصل الشتاء». وقالت كالاس أيضاً إن الاتحاد الأوروبي دعم تسليم صواريخ «توماهوك» الأميركية بعيدة المدى إلى أوكرانيا. وأضافت: «نرحب بكل ما يُقوّي أوكرانيا ويُضعف روسيا».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قال الأحد، إنه قد يُبلغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين أن أوكرانيا قد تحصل على صواريخ كروز إذا لم تُنهِ موسكو الحرب. ومن جانبها، قالت موسكو إن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» سيُمثّل تصعيداً كبيراً.
وعلّق الكرملين على حديث ترمب بالقول إنه «لا توجد حتى الآن اتفاقات واضحة لإجراء محادثة هاتفية بين الرئيسين الروسي والأميركي». وأضاف بيسكوف أن «الولايات المتحدة على دراية تامة بتوقف الاتصالات بين موسكو وكييف، ولكن من الممكن ترتيبها بسرعة. إذا رغب الرئيسان».

عواقب وخيمة
بدوره، حذر نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري مدفيديف، الاثنين، من أن توريد صواريخ «توماهوك» الأميركية لأوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى «عواقب وخيمة على الجميع، وخاصة على الرئيس الأميركي نفسه».
وقال ميدفيديف، وهو من أبرز «الصقور» والذي لم يتردد في السخرية من ترمب مراراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن من المستحيل التمييز بين صواريخ «توماهوك» التقليدية وتلك المزودة برؤوس نووية بمجرد إطلاقها.
وكان بوتين قد أكد أن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر، وقادرة على ضرب أي موقع داخل روسيا، بما في ذلك موسكو، من شأنه أن «يُدمر تماماً العلاقات بين موسكو وواشنطن». وفي حديثه قبل أيام، خلال اجتماع لنادي فالداي الدولي للنقاش، أشار الرئيس الروسي إلى أن «صواريخ (توماهوك) أسلحة قوية، لكنها لن تُغير الوضع في ساحة المعركة». وأكد أيضاً أن استخدام هذه الصواريخ دون المشاركة المباشرة للعسكريين الأميركيين أمر مستحيل، وأن هذا من شأنه أن يمثل مرحلة جديدة تماماً من التصعيد، بما في ذلك في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا ستستخدم صواريخ «توماهوك» فقط لأغراض عسكرية ولن تستهدف بها المدنيين في روسيا إذا زودتها الولايات المتحدة بها. وأعلن ترمب ليل الأحد - الاثنين أنه ناقش مسألة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا، بما في ذلك صواريخ «توماهوك»، مع فولوديمير زيلينسكي. وأعرب عن ثقته في أن الرئيس الروسي سيوافق على تسوية النزاع الأوكراني، وإلا، كما قال، فإن واشنطن ستسلم صواريخ «توماهوك» إلى كييف. وأشار ترمب إلى أنه سيناقش هذا الأمر مع بوتين.

