شبح تصعيد التوتر يحوم في أجواء أوروبا

الكرملين يحذِّر الغرب من استهداف الطائرات الروسية و«يراقب» إمدادات «توماهوك»

جنود روس فوق ناقلة جنود داخل أوكرانيا يوم الاثنين (أ.ب)
جنود روس فوق ناقلة جنود داخل أوكرانيا يوم الاثنين (أ.ب)
TT

شبح تصعيد التوتر يحوم في أجواء أوروبا

جنود روس فوق ناقلة جنود داخل أوكرانيا يوم الاثنين (أ.ب)
جنود روس فوق ناقلة جنود داخل أوكرانيا يوم الاثنين (أ.ب)

حذَّر الكرملين، اليوم (الاثنين)، من مخاطر انزلاق التوتر المتفاقم بين روسيا وبلدان «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) إلى مواجهة مباشرة. وقال مسؤولون روس إن تدهور الموقف قد يسفر عن اندلاع حرب تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة. وحمَّل الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف الغرب المسؤولية عن تفاقم الوضع، وقال إن بلاده تراقب من كثب «تطورات سلبية للغاية».

وقال بيسكوف -رداً على سؤال حول تلويح مسؤولين في حلف الأطلسي بإسقاط طائرات روسية تنتهك أجواء العواصم الأوروبية- إن روسيا «سترد كدولة ذات سيادة في حال إسقاط أي أجسام في سمائها». وزاد أن تصريحات «الناتو» حول إمكانية إسقاط الطائرات الروسية ستكون لها «عواقب خطيرة».

المدمرة الأميركية «تشافي» تطلق صواريخ «توماهوك» الجوالة (البحرية الأميركية عبر فيسبوك)

وجاء تحذير المسؤول بعد اتهام مجلس شمال الأطلسي، التابع لحلف «الناتو»، روسيا، بتعمد تصعيد الوضع، من خلال تكرار انتهاك طائرات مُسيَّرة ومقاتلات روسية أجواء بولندا وإستونيا وبلدان أوروبية أخرى. وهدد الأمين العام للحلف مارك روته، بمواجهة الاختراقات الروسية، وقال إنه يتفق مع تصريح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بشأن ضرورة إسقاط الطائرات الروسية إذا دخلت المجال الجوي للحلف.

لكن بيسكوف نفى صحة هذه الاتهامات، ووصفها بأنها «هستيرية»، مؤكداً أن «لا أساس لها من الصحة». وقال إن بلاده ستتعامل مع أي تحرك غربي يستهدف القدرات الجوية الروسية.

وكان لافتاً أن التحذير من مواجهة مباشرة واندلاع حرب واسعة، تكرر على لسان أكثر من مسؤول روسي خلال اليومين الماضيين.

ووفقاً للسفير الروسي في باريس، أليكسي ميشكوف، فإن «إسقاط (الناتو) طائرة روسية يعني الحرب». وأشار إلى أن طائرات «الناتو» تنتهك المجال الجوي الروسي بشكل متكرر، ولكن لا أحد يُسقطها، بينما أكدت وزارة الدفاع الروسية مجدداً أن «جميع الطلعات الجوية العسكرية الروسية تُجرى وفقاً للقواعد الدولية الصارمة».

بدوره، حذَّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، من أن «الصراع بين أوروبا وروسيا ينطوي على مخاطر جمة، بالتصعيد إلى حرب تُستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل».

فرقاطة دنماركية تبحر قرب ساحل كوبنهاغن ضمن الإجراءات الأمنية تحضيراً للقمة الأوروبية (أ.ف.ب)

وكتب ميدفيديف على «تلغرام» أن روسيا لا تريد الحرب؛ لكن «مثل هذا الصراع ينطوي على خطر حقيقي بالتصعيد إلى مواجهة واسعة، تُستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل. لذلك، يجب أن نكون يقظين».

وفي تطور مرتبط، قال الكرملين إن الخبراء العسكريين الروس يراقبون من كثب الإمدادات المحتملة من صواريخ «توماهوك» الأميركية بعيدة المدى لأوكرانيا. ووصف بيسكوف التقارير التي تحدثت عن قرار أميركي بتزويد كييف بهذه الصواريخ، بأنه «تطور سلبي للغاية»؛ لكنه شدد على أن هذا القرار «لن يغير الوضع في ساحة المعركة».

وأشار الناطق الروسي إلى أن «من المهم معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة -أو أوكرانيا- ستوفر بيانات حول استخدام هذه الصواريخ».

وكانت حدة الاتهامات الأوروبية لروسيا ارتفعت خلال اليومين الماضيين، ولوَّح رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، بتحرك جدِّي بعد تكرار انتهاك أجواء بلاده، وقال إن وارسو «لم تكن تريد الحرب؛ لكنها فُرضت عليها». بينما قال رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسن، الاثنين، إن روسيا هي على الأرجح من أرسل المُسيَّرات التي رُصدت فوق عديد من المطارات الإسكندنافية، وذلك قبل قمة الاتحاد الأوروبي المرتقبة في كوبنهاغن.

فرقاطة ألمانية راسية في ميناء بكوبنهاغن في إطار إجراءات الحماية للقمة الأوروبية المقبلة في العاصمة الدنماركية (أ.ف.ب)

وقال كريسترسن، في حديث لمحطة «تي في 4» التلفزيونية: «إن إمكانية أن يكون هذا الأمر متعلقاً برغبة روسيا في بعث رسالة إلى الدول التي تدعم أوكرانيا مرتفعة جداً»، ولكنه أكد أن «لا أحد يعرف فعلاً». وأضاف: «لدينا تأكيد» على أن المُسيَّرات التي دخلت المجال الجوي البولندي في وقت سابق كانت روسية. وتابع: «كل شيء يشير إلى روسيا، ولكن كل البلدان حذرة في إلقاء اللوم على دولة ما إذا لم تكن متأكدة. في بولندا، نعلم أن هذا ما حدث».

وكذلك رُصدت طائرات مُسيَّرة فوق مواقع عسكرية دنماركية ليلة السبت، لليوم الثاني على التوالي. ومن المقرر أن تستضيف كوبنهاغن قمة للاتحاد الأوروبي يومَي الأربعاء والخميس. ولضمان الأمن حول القمة، أعلنت الدنمارك، الأحد، أنها ستغلق مجالها الجوي أمام المُسيَّرات المدنية حتى الجمعة، كي لا يحصل أي سوء تقدير. كما قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميته فريدريكسن إن «هناك دولة رئيسية تشكل تهديداً لأمن أوروبا، وهي روسيا».

وفي سياق مرتبط، قال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، حليف موسكو الأساسي، إنه سيكون هناك رد فوري في حال أسقطت دول «الناتو» طائرات روسية. وأعرب عن رأيه بأن «هذه التهديدات غير المدروسة ستهدأ قريباً». وقال لوكاشينكو الذي ستكون بلاده المحاذية لبولندا ساحة لأي مواجهة محتملة، إن «مثل هذه الأفعال ستُقابَل بردٍّ قوي... قالوا إنهم سيُسقطون... حسناً، فليُحاولوا، سيُسقطون. أو سيُسقطون شيئاً روسياً فوق كالينينغراد. حسناً، لا سمح الله، بالطبع، سيتعين علينا القتال بكل ما نملك، كما يُقال في روسيا، بكل ما نملك». وأضاف: «حسناً، لنأخذ مطار بيلوفيجسكايا بوشا مثالاً. أسافر إلى هناك كثيراً. إنه على الحدود مع بولندا مباشرة. هل سيُسقطون مروحية الرئيس أو أي مروحية عسكرية مرافقة؟ سيكون الرد فورياً».

مبانٍ سكنية متضررة بشدة قُرب كييف من جرَّاء قصف روسي يوم الأحد (أ.ف.ب)

اتهام روسي لأوكرانيا

على صعيد آخر، حمَّلت موسكو الجانب الأوكراني المسؤولية عن تعثر عملية السلام، وقال بيسكوف في مقابلة مع وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية، إنه «لم تَرِد أي إشارات من أوكرانيا حتى الآن حول احتمال استئناف المفاوضات الثنائية». وأضاف أن أوكرانيا لم تَرُد على اقتراح روسيا بتشكيل 3 مجموعات عمل.

وكانت الجولة الثالثة من المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني قد انعقدت في إسطنبول، يوم 23 يوليو (تموز). واتفق الطرفان على مواصلة التبادل غير المحدود للجرحى والمرضى ذوي الحالات الحرجة. كما اقترحت موسكو تشكيل مجموعات عمل معنيَّة بالقضايا السياسية والإنسانية والعسكرية، تعمل من بُعد. ولكن هذا الاتفاق لم يجد طريقه إلى التنفيذ.

ولفت بيسكوف إلى أنه «لا يوجد أي تقدم في جهود استئناف المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني، وهذا ليس خطأ روسيا».

بدوره، أشار فلاديمير ميدينسكي، مساعد الرئيس الروسي، ورئيس وفد التفاوض، إلى أن الجانب الأوكراني طلب مهلة لدرس الاقتراح الروسي بتشكيل مجموعات عمل، لكنه لم يقدِّم أي رد خلال الأشهر التالية.

ميدانياً، ذكر موقع «فيستي» الروسي أن حريقاً اندلع، اليوم الاثنين، في مستودع للنفط بمدينة فيودوسيا الواقعة في شبه جزيرة القرم الخاضعة لسيطرة روسيا.

في وقت تواصلت فيه الهجمات المتبادلة ليل الأحد- الاثنين، وأعلنت السلطات الروسية صباحاً أن حريقاً اندلع نتيجة هجوم من طائرات مُسيَّرة أوكرانية أدى إلى مقتل طفل وجدَّته، في بلدة خارج موسكو خلال الليل. ومنذ بداية الحرب تُطلق روسيا طائرات مُسيَّرة على أوكرانيا في هجمات ليلية، بينما ترُدُّ كييف بهجمات انتقامية تستهدف بشكل رئيسي منشآت للطاقة.

وكتب الحاكم المحلي أندريه فوروبيوف على «تلغرام»: «أسقط سلاح الجو الليلة الماضية 4 مُسيَّرات في فوسكريسينسك وكولومنا» الواقعتين في جنوب شرقي العاصمة الروسية. وأضاف: «مع الأسف، وقعت مأساة في فوسكريسينسك: قُتل شخصان بحريق في منزل خاص، هما امرأة تبلغ 76 عاماً وحفيدها البالغ 6 سنوات». وأشار فوروبيوف إلى أن مباني أخرى كثيرة في فوسكريسينسك الواقعة على مسافة 88 كيلومتراً جنوب شرقي موسكو، قد تضررت.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن 84 مُسيَّرة أوكرانية «اعترضتها ودمرتها أنظمة الإنذار الدفاعية الجوية خلال الليل». وأُسقطت 4 منها فوق منطقة موسكو. وفي اليوم السابق، أدى هجوم روسي ضخم بطائرات مُسيَّرة وصواريخ على أوكرانيا استمر 12 ساعة، إلى مقتل 4 أشخاص على الأقل في كييف. وقالت أوكرانيا إنها تعرَّضت لهجوم بواسطة 595 مُسيَّرة و48 صاروخاً تلك الليلة، وقد أسقطت الدفاعات الجوية معظمها.


مقالات ذات صلة

بوتين: العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (د.ب.أ)

بوتين: العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماع لمجلس الدولة، اليوم (الخميس)، إن العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لشاحنة استعملت لإطلاق مسيرات أوكرانية هاجمت القواعد الجوية الروسية بمنطقة إيركوتسك (أ.ب)

اشتعال خزانين للمنتجات النفطية بعد هجوم أوكراني على ميناء تيمريوك الروسي

اشتعلت النيران، اليوم (الخميس)، في خزانين للمنتجات ‌النفطية ‌في ‌ميناء ⁠تيمريوك ​بجنوب ‌روسيا بعد ما قالت السلطات المحلية في ⁠منطقة كراسنودار ‌إنه ‍هجوم ‍أوكران

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا عمال يزيلون الأنقاض من سطح مبنى سكني متضرر بشدة عقب غارة جوية بطائرة مسيرة في كييف (أ.ف.ب) play-circle

استطلاع: غالبية الروس يتوقعون انتهاء حرب أوكرانيا في 2026

كشف «المركز الروسي لدراسات الرأي العام» لاستطلاعات الرأي، اليوم (الأربعاء)، أن غالبية الروس يتوقعون انتهاء الحرب في أوكرانيا عام 2026.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

تمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - لندن)
أوروبا صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء) أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

زيلينسكي يبحث هاتفياً مع ويتكوف وكوشنر «تفاصيل» خطة السلام مع روسيا

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي يبحث هاتفياً مع ويتكوف وكوشنر «تفاصيل» خطة السلام مع روسيا

زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي بكييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، أنه تحدّث هاتفياً مع المبعوثين الأميركيين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، بعدما كشف، في اليوم السابق، عن تفاصيل الخطة الأميركية الجديدة لإنهاء الحرب مع روسيا.

صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

وقال زيلينسكي عبر «فيسبوك»: «لقد ناقشنا بعض التفاصيل المهمة للعمل الجاري. هناك أفكار جيدة يمكن أن تسهم في التوصل إلى نتيجة مشتركة وسلام دائم».

وأكد أنّه أجرى «محادثة جيدة جداً» مع المبعوثين الأميركيين اللذين شكرهما على «نهجهما البنّاء وعملهما المكثّف وكلماتهما الطيبة».

وقال: «آمل أن تكون التفاهمات التي تمّ التوصل إليها اليوم لمناسبة عيد الميلاد والأفكار التي ناقشناها مفيدة».

وكان الرئيس الأوكراني كشف الأربعاء عن النسخة الجديدة من الخطة الأميركية الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، التي تمّ التفاوض بشأنها لأسابيع بين واشنطن وكييف.

وتنص الخطة على وقف القتال على خطوط الجبهة الحالية من دون تسوية نهائية لمصير الأراضي التي تحتلها روسيا وتشكّل 19 في المائة من أوكرانيا.

وبخلاف النسخة السابقة من الخطة التي أعدّها الأميركيون، تحذف هذه النسخة مطلبين أساسيين لموسكو، وهما: انسحاب القوات الأوكرانية من المناطق التي لا تزال تحت سيطرتها في إقليم دونباس، والتزام قانوني من قبل كييف بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ولهذا السبب، يبدو من غير المرجّح أن توافق موسكو على النسخة الجديدة من الخطة. ورداً على سؤال بهذا الشأن الأربعاء، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنّ روسيا «تقوم بصياغة موقفها»، رافضاً الإدلاء بأي تفاصيل بشأن مضمون الطرح.


الملك تشارلز يثمن «وحدة التنوع المجتمعي» في بريطانيا خلال رسالة أعياد الميلاد

الملك تشارلز الثالث (رويترز)
الملك تشارلز الثالث (رويترز)
TT

الملك تشارلز يثمن «وحدة التنوع المجتمعي» في بريطانيا خلال رسالة أعياد الميلاد

الملك تشارلز الثالث (رويترز)
الملك تشارلز الثالث (رويترز)

أكد الملك تشارلز، ملك بريطانيا، الخميس، على أهمية «الوحدة في التنوع»، وذلك خلال رسالته السنوية بمناسبة أعياد الميلاد، في ظل تصاعد التوترات والحروب التي وضعت المجتمعات في جميع أنحاء العالم تحت ضغوط كبيرة.

وقال الملك تشارلز (​77 عاماً)، في خطابه السنوي الرابع منذ توليه العرش: «بالتنوع الكبير في مجتمعاتنا، يمكننا أن نجد القوة لضمان انتصار الحق على الباطل». وتابع: «عندما ألتقي أشخاصاً من مختلف الأديان، أجد أن من المشجع للغاية أن أتعرف على مدى ما يجمعنا؛ شوق مشترك للسلام، واحترام عميق لجميع أشكال الحياة».

الملك البريطاني تشارلز (أ.ب)

وتحدث الملك تشارلز عن «الترحال» وأهمية إظهار اللطف للأشخاص المتنقلين... وهي موضوعات تلقى صدى في وقت يسود فيه قلق عام شديد بشأن الهجرة في جميع أنحاء العالم.

وجاءت رسالته، التي أُلقيت في «كنيسة ‌ويستمنستر» حيث يجري ‌تتويج الملوك منذ عهد «ويليام الفاتح» عام 1066، ‌في ⁠نهاية ​عام اتسم بالتوترات ‌داخل العائلة المالكة.

جوقة أوكرانية تبرز دعم الملك لكييف

أعقب كلمات الملك أداء من جوقة أوكرانية، مرتدية قمصان «فيشيفانكا» الأوكرانية التقليدية المطرزة، وجوقة الأوبرا الملكية التي تتخذ من لندن مقراً.

ويعبر الملك تشارلز باستمرار عن دعمه أوكرانيا، واستضاف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في «قلعة ويندسور» 3 مرات في عام 2025 وحده، كانت الأخيرة في أكتوبر (تشرين الأول).

ورغم أن الدستور يلزمه أن ينأى بنفسه عن السياسة، فإن الملك تحدث مراراً عن الأزمات العالمية، معبراً ⁠عن قلقه بشأن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في غزة، ومعبراً عن حزنه بعد أعمال العنف التي استهدفت جاليات يهودية، ‌ومنها الهجوم على كنيس يهودي في شمال إنجلترا خلال أكتوبر الماضي، وإطلاق النار بشاطئ بونداي في سيدني بأستراليا هذا الشهر.

وأشاد الملك تشارلز بالمحاربين القدامى وعمال الإغاثة في خطابه بمناسبة أعياد الميلاد، وهو تقليد يعود تاريخه إلى عام 1932؛ لشجاعتهم في مواجهة الشدائد، قائلاً إنهم منحوه الأمل.

وفي خطاب حافل بالإشارات إلى قصة الميلاد في الكتاب المقدس، استرجع أيضاً ذكرى زيارته الرسمية إلى الفاتيكان في أكتوبر، حيث صلى مع البابا ليو في أول ​صلاة مشتركة بين ملك بريطاني وبابا كاثوليكي منذ انفصال إنجلترا عن «كنيسة روما» عام 1534. وملك بريطانيا هو الحاكم الأعلى لـ«كنيسة إنجلترا».

التحديات ⁠الصحية والعائلية

بعد مرور نحو عامين على إعلان تشخيص إصابته بنوع غير محدد من السرطان، قال الملك تشارلز هذا الشهر إن من الممكن تخفيف علاجه في العام الجديد.

وأعلنت زوجة ابنه؛ الأميرة كيت أميرة ويلز، في يناير (كانون الثاني) الماضي أنها تعافت بعد إكمالها العلاج الكيميائي في سبتمبر (أيلول) من العام السابق، وهي إفصاحات نادرة من عائلة تحافظ عادة على خصوصيتها.

لم تكن الصحة التحدي الوحيد الذي يواجه النظام الملكي، فقد جرد الملك تشارلز شقيقه الأصغر آندرو من ألقابه بصفته «دوق يورك» و«أمير» بعد تجدد التدقيق في علاقته بجيفري إبستين المدان بارتكاب جرائم جنسية.

وشهد العام أيضاً لحظة مصالحة نادرة عندما اجتمع الأمير هاري، الابن الأصغر للملك تشارلز، مع والده لتناول الشاي في سبتمبر، في أول لقاء بينهما منذ أقل ‌بقليل من عامين.

وصرح الأمير هاري، المقيم في الولايات المتحدة، في وقت لاحق بأنه يأمل التعافي للجميع، واصفاً الحياة بأنها «ثمينة»، ومقراً بضيق الوقت لإصلاح العلاقات.


روسيا تدين المحاولات الأوروبية لـ«نسف» تقدم محادثات السلام

طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
TT

روسيا تدين المحاولات الأوروبية لـ«نسف» تقدم محادثات السلام

طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)
طفل يشارك في احتفالات عيد الميلاد ويبدو قرب دبابة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

بعد ساعات من كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن خطة محدثة من 20 بنداً لإنهاء الحرب مع روسيا، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن ‌بلادها ترى ‌تقدماً ‌«بطيئاً ⁠ولكنه ​ثابت» ‌في محادثات السلام مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا.

وأضافت: «في عملية التفاوض ⁠حول تسوية ‌النزاع الأوكراني، أعني ‍في عملية التفاوض ‍مع الولايات المتحدة، هناك تقدم بطيء ولكنه ​ثابت».

وتابعت أن القوى الأوروبية الغربية ⁠تحاول نسف هذا التقدم، واقترحت أن تتصدى الولايات المتحدة لمثل هذه التحركات.

من جهته، قال المتحدث ‌باسم الكرملين، ‌ديمتري ‌بيسكوف، الخميس، ‌إن الكرملين يدرس الوثائق المتعلقة بإنهاء ⁠الحرب ‌في أوكرانيا ‍التي أحضرها المبعوث الروسي الخاص كيريل ​دميترييف إلى موسكو من ⁠الولايات المتحدة.

هجمات متبادلة

تزامنت المحادثات لإنهاء الحرب الروسية - لأوكرانية مع تبادل الجانبين هجمات عشية عيد الميلاد.

جانب من احتفالات الأوكرانيين بعيد الميلاد في كييف (إ.ب.أ)

وأفادت السلطات في عدة مناطق أوكرانية، الخميس، بوقوع هجمات جوية روسية أسفرت عن سقوط قتلى ودمار في أنحاء البلاد، في حين أعلنت السلطات الروسية عن هجمات أوكرانية مماثلة استهدفت أراضيها. وأعلنت السلطات الإقليمية مقتل شخص واحد وإصابة اثنين آخرين من جراء هجوم بطائرات مسيّرة روسية في منطقة أوديسا جنوب غربي أوكرانيا على البحر الأسود، إضافة إلى أضرار لحقت بالبنية التحتية للمواني والطاقة.

وفي منطقة خاركيف المتاخمة لروسيا شمال شرقي أوكرانيا، لقي شخص حتفه وأصيب 15 آخرون من جراء الهجمات.

وفي منطقة تشيرنيهيف شمال العاصمة كييف، لقي شخصان حتفهما من جراء هجوم بطائرات مسيّرة وقع الأربعاء. وقالت السلطات: «احتفلت منطقة تشيرنيهيف بعيد الميلاد تحت وطأة القصف. وللأسف، لقي شخصان حتفهما وأصيب اثنان آخران».

كما أعلنت وزارة الطاقة الأوكرانية عن انقطاعات وإغلاقات طارئة للكهرباء في أنحاء البلاد عقب الهجمات الروسية.

صواريخ «ستورم شادو»

في المقابل، قال مسؤولون عسكريون وأمنيون أوكرانيون، الخميس، إن أوكرانيا أطلقت صواريخ «ستورم شادو» البريطانية الصنع وطائرات مسيّرة بعيدة المدى من إنتاجها المحلي لاستهداف عدد من منشآت النفط والغاز الروسية.

سيدة تشارك في احتفالات عيد الميلاد قرب مسيّرة روسية مدمرة في كييف يوم 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

وكانت أوكرانيا قد استخدمت في السابق الصواريخ البريطانية الصنع لمهاجمة أهداف صناعية روسية، تقول إنها تدعم مجهود موسكو الحربي. وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، وفق «رويترز»، إن سلاح الجو استخدم صواريخ «ستورم شادو» المجنحة لضرب مصفاة نوفوشاختينسك للنفط في منطقة روستوف الروسية. وأضافت الهيئة في بيان عبر تطبيق «تلغرام» الخميس: «تم تسجيل عدة انفجارات. تمت إصابة الهدف».

وأوضحت أن المصفاة تُعد واحدة من أكبر موردي المنتجات النفطية في جنوب روسيا، وكانت تزوّد القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا بوقود الديزل ووقود الطائرات.

من جهته، قال جهاز الأمن الأوكراني (SBU) إن الطائرات المسيّرة البعيدة المدى المصنّعة محلياً أصابت خزانات لمنتجات نفطية في ميناء تمريوك الروسي في إقليم كراسنودار، إضافة إلى مصنع لمعالجة الغاز في أورينبورغ بجنوب غربي روسيا.

ويقع مصنع أورينبورغ لمعالجة الغاز، وهو أكبر منشأة من نوعها في العالم، على بُعد نحو 1400 كيلومتر (نحو 870 ميلاً) من الحدود الأوكرانية.

مواطن أوكراني يتفقد الدمار الذي خلفته ضربة روسية في زابوريجيا يوم 19 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وفي إقليم كراسنودار، قالت السلطات الإقليمية الروسية إن خزانين لمنتجات نفطية اشتعلا في ميناء تمريوك الجنوبي عقب هجوم بالطائرات المسيّرة. وأفادت السلطات في مقر العمليات بإقليم كراسنودار عبر تطبيق «تلغرام» بأن النيران امتدت على مساحة تُقدّر بنحو 2000 متر مربع.

ومع اقتراب الحرب الروسية على أوكرانيا من دخول عامها الرابع، وفشل الجهود الدبلوماسية حتى الآن في تحقيق أي نتائج ملموسة لإنهائها، تكثّف كل من كييف وموسكو هجماتهما بالطائرات المسيّرة والصواريخ على منشآت الطاقة. وقد زادت كييف من ضرباتها على مصافي النفط الروسية وغيرها من البنى التحتية للطاقة منذ أغسطس (آب)، في مسعى لخفض عائدات النفط الروسية، التي تُعد مصدراً رئيسياً لتمويل مجهودها الحربي.

كما قالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إن القوات الأوكرانية استهدفت أيضاً مطاراً عسكرياً في مدينة مايكوب الروسية في جمهورية أديغيا بمنطقة شمال القوقاز.

قضية الباحث الفرنسي

في سياق متصل، أعلنت موسكو، الخميس، أنها قدمت لباريس «اقتراحاً» بشأن الباحث الفرنسي، لوران فيناتييه، المسجون في روسيا منذ يونيو (حزيران) 2024، الذي يواجه احتمال المحاكمة بتهمة التجسس.

الباحث الفرنسي لوران فيناتييه خلال جلسة استماع في محكمة بموسكو يوم 16 سبتمبر (أ.ف.ب)

ويأتي الإعلان بشأن فيناتييه في وقت تتبادل روسيا وفرنسا تصريحات علنية بشأن الحاجة إلى حوار مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون، بعدما بلغت العلاقة بين البلدين أدنى مستوياتها عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، في مؤتمره الصحافي: «جرت اتصالات ملائمة بيننا وبين الفرنسيين». وأضاف: «قدمنا لهم اقتراحاً بشأن فيناتييه... الكرة الآن في ملعب فرنسا»، ممتنعاً عن تقديم تفاصيل إضافية لأن «هذا مجال شديد الحساسية».

من جهتها، أعربت عائلة الباحث على لسان محاميها، عن أملها أن يُفرج عنه خلال فترة الأعياد التي تنتهي في السابع من يناير (كانون الثاني)، يوم تحيي الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي عيد الميلاد.

وقال المحامي فريدريك بولو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن العائلة «متفائلة بحذر»، مضيفاً: «لدينا ملء الثقة بالدبلوماسية الفرنسية التي تقوم بكل ما في وسعها». وأمل أن يُبحث مصير فيناتييه في أي اتصال قد يجري بين بوتين وماكرون.

تأمل أسرة الباحث الفرنسي لوران فيناتييه أن ينجح ماكرون في إعادته إلى فرنسا (أ.ف.ب)

وكان بوتين قال خلال مؤتمره الصحافي السنوي الأسبوع الماضي، إنه ليس مُطّلعاً على القضية ويسمع بها للمرة الأولى، وذلك رداً على سؤال من مراسل فرنسي. وأضاف: «أعدكم بأنني سأستوضح الأمر. وإذا توافرت أدنى فرصة لحل هذه المسألة إيجاباً، وإذا أجازت القوانين الروسية ذلك، فسنفعل ما في وسعنا».

وقضت محكمة روسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بسجن فيناتييه ثلاثة أعوام لعدم تسجيل نفسه بوصفه «عميلاً أجنبياً»، بينما كان يجمع «معلومات عسكرية» قد تستخدم ضد «أمن» روسيا. وأقر المتهم بالوقائع، لكنه دفع بجهله بما كان يتوجب عليه القيام به.

وفي أغسطس (آب)، مثل فيناتييه أمام محكمة روسية ليواجه تهم «تجسس» قد تؤدي في حال إدانته، إلى تشديد عقوبته. وقال في حينه إنه لا يتوقع «أي أمر جيد، لا، أي أمر إيجابي». وقال والداه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في حينه إن نجلهما «سجين سياسي» تستخدمه روسيا بمثابة «بيدق» من أجل «الضغط».

وألقت روسيا القبض على عدد من الرعايا الأجانب لأسباب شتى منذ بدأت الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022، وأجرت خلال الأشهر الماضية عمليات تبادل أسرى مع الولايات المتحدة.

وفيناتييه البالغ 49 عاماً، باحث متخصص في ملف الفضاء ما بعد الحقبة السوفياتية، وكان يعمل على الأراضي الروسية مع مركز الحوار الإنساني، المنظمة السويسرية غير الحكومية التي تتوسط في النزاعات خارج الدوائر الدبلوماسية الرسمية.