التحدي الألماني لموسكو يرفع مستوى المواجهة الأوروبية الروسية

تستعيد برلين دورها المحوري والقيادي في «الاتحاد» بفضل وزنها الاقتصادي والصناعي

قادة فرنسا وأوكرانيا وبريطانيا وبولندا وألمانيا خلال الاتصال الهاتفي بالرئيس الأميركي يوم 10 مايو (أ.ف.ب)
قادة فرنسا وأوكرانيا وبريطانيا وبولندا وألمانيا خلال الاتصال الهاتفي بالرئيس الأميركي يوم 10 مايو (أ.ف.ب)
TT

التحدي الألماني لموسكو يرفع مستوى المواجهة الأوروبية الروسية

قادة فرنسا وأوكرانيا وبريطانيا وبولندا وألمانيا خلال الاتصال الهاتفي بالرئيس الأميركي يوم 10 مايو (أ.ف.ب)
قادة فرنسا وأوكرانيا وبريطانيا وبولندا وألمانيا خلال الاتصال الهاتفي بالرئيس الأميركي يوم 10 مايو (أ.ف.ب)

تسود الأوساط الأوروبية منذ أيام حالة من القلق إزاء التصعيد في الموقف الألماني تجاه موسكو، وما استتبعه من تصريحات تُنذر برفع المواجهة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، بالتزامن مع انسداد الأفق التفاوضي مع واشنطن حول الرسوم الجمركية، واتساع الدائرة اليمينية المتطرفة داخل الاتحاد، التي لم تعد تخفي ميولها إلى الموقف الروسي ومعارضتها مواصلة الدعم لأوكرانيا.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس مستقبلاً الرئيس الأوكراني في برلين (إ.ب.أ)

منذ توليه المستشارية الألمانية لم يتوقف فريدريش ميرتس عن إعلان المواقف الداعمة لأوكرانيا في حربها مع روسيا؛ من الزيارة التي قام بها إلى كييف بعد أيام قليلة من تسلمه منصبه، إلى رفع وتيرة إعادة التسلح الألماني إلى مستويات غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية ودعمه من غير تحفظ لخطة الدفاع الأوروبي المشترك، وأخيراً إعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا كي تستخدم صواريخ «تاوروس» بعيدة المدى... كل ذلك يعكس اقتناعاً بأن الحرب الروسية الأوكرانية لا تزال بعيدة عن نهايتها، وعلى نتائجها يتوقف مستقبل الأمن الأوروبي.

جاءت ردة الفعل الروسية على التصعيد الألماني على شكل هجوم عنيف استهدف ميرتس، بدأ باتهام برلين بالموافقة سرّاً على السماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، وتواصل بالتحذير من أن صواريخ المستشار الألماني ستلقى المصير نفسه الذي لاقته دبابات «ليوبارد»، التي دمّرها الجيش الروسي، وانتهى بها الأمر معروضة في الساحات.

وإذ يلاحظ المسؤولون الأوروبيون أن الرئيس الروسي درج، منذ بداية الحرب، على استخدام لهجة قاسية ضد أوروبا، يقولون إن التصعيد الذي تشهده المواجهة بين موسكو وبرلين ينقل الصدام الأوروبي الروسي إلى مستوى آخر. وبعد المكالمة الهاتفية الطويلة بين ترمب وبوتين، بات الأوروبيون على يقين بأن موسكو لا تريد الهدنة، وتهدف إلى كسب الوقت لإخضاع أوكرانيا عسكرياً، وتحويلها إلى دولة تابعة تدور في فلكها. هذا الاقتناع نفسه الذي بدأ يرسخ لدى الإدارة الأميركية، دفع واشنطن إلى التلويح بفرض عقوبات على تصدير النفط الروسي، ومن يستورده بصورة غير شرعية.

وفي محاولة لاحتواء التصعيد مع واشنطن، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداده لجولة جديدة من المفاوضات في تركيا، فيما كان الكرملين يواصل التصعيد مع أوروبا بهدف إبعاد الاتحاد عن الولايات المتحدة، مستنداً إلى الليونة الظاهرة في الموقف الأميركي من موسكو. ولا ينسى الأوروبيون أن زرع الشقاق بين واشنطن وبروكسل كان دائماً من بين الأهداف الاستراتيجية للكرملين.

من المؤشرات الأخرى على تفاقم هذا التصعيد، كانت زيارة المستشار الألماني إلى هلسنكي قبل يومين، دعماً لفنلندا، الدولة الأطلسية التي تمتلك أطول حدود مع روسيا (1340 كيلومتراً). وتقوم فنلندا حالياً ببناء خط دفاعي على امتداد هذه الحدود، تحسباً لهجوم روسي محتمل، في ظل رصد تعزيزات عسكرية في القواعد الروسية القريبة، إلى جانب المناورات التي تجريها البحرية الروسية في بحر البلطيق دعماً لأسطول سانت بطرسبورغ، والذي يواكب ما يُعرف بـ«سفن الظل» التي تنقل النفط الروسي إلى الخارج.

هذا التصعيد الأخير دفع السويد وفنلندا إلى تشكيل وحدات عسكرية مشتركة لمواجهة القوات الروسية في المناطق القطبية، كما دفع وزارة الدفاع الأميركية إلى زيادة عدد قواتها في السويد وإجراء مناورات عسكرية على بُعد 300 كيلومتر من الحدود الروسية. كل هذه التطورات تفسّر موقف البلدان الأوروبية المطلة على بحر البلطيق، بما فيها بولندا، التي تخشى أن تكون هي الهدف التالي في حال إخضاع أوكرانيا، التي ترى في ألمانيا الحليف الأساسي في مواجهة أي عدوان روسي محتمل.

مرة أخرى، تستعيد ألمانيا دورها المحوري والرائد في المشروع الأوروبي، مستندة إلى ثقلها الاقتصادي والصناعي، وتتجه نحو قيادة المواجهة الاستراتيجية والسياسية الأوروبية مع روسيا، في ظل التحديات الأمنية الممتدة على طول الخط الساخن الفاصل بين الشرق والغرب، من الجبهة الأوكرانية، مرورًا ببيلاروس وبولندا ودول البلطيق، وصولاً إلى البحيرات الفنلندية.

صواريخ «توروس» المثيرة للجدل (أ.ب)

لذلك ينشط المسؤولون في المؤسسات الأوروبية لإقناع الدول الأعضاء التي ما زالت تتردد إزاء الانضمام إلى خطة الدفاع المشترك التي وضعتها المفوضية مؤخراً، بالتحرك سريعاً لإجراء الإصلاحات اللازمة والموافقة على تشكيل «جيش أوروبي» قادر على ردع التهديدات الروسية، وعلى ضمان الأمن الأوروبي خارج المظلة الأميركية.

ويتضح في ضوء التحركات الأخيرة أن هذه المساعي الأوروبية باتت سباقاً مع الوقت تقوده مجموعة من البلدان؛ فرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا؛ حيث عقدت عدة اجتماعات في الفترة الأخيرة على مستوى وزراء الدفاع والقيادات العسكرية، لكنها ما زالت تفتقر إلى التلاحم السياسي اللازم لتقاسم الأعباء الاقتصادية والاستراتيجية التي تضمن الاستقرار والأمن على طول الحدود الشرقية لأوروبا.


مقالات ذات صلة

واشنطن تقدم لكييف ضمانات «شبيهة بما يوفره الناتو»

أوروبا الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادران قصر بيلفيو في برلين أمس (إ.ب.أ)

واشنطن تقدم لكييف ضمانات «شبيهة بما يوفره الناتو»

أعلن مسؤولون أميركيون، أمس، أنَّ بلادهم عرضت على أوكرانيا ضمانات أمنية قوية أشبه بما يوفّره حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأبدت ثقة بأنَّ روسيا ستقبل بذلك.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (أرشيفية - إ.ب.أ)

أوكرانيا ستطلب من واشنطن أسلحة بعيدة المدى إذا رفضت روسيا جهود السلام

أضاف زيلينسكي للصحفيين على تطبيق «واتساب» أن كييف تؤيد فكرة وقف إطلاق النار، لا سيما فيما يتعلق بالهجمات على الطاقة، خلال فترة عيد الميلاد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب) play-circle

ترمب: نبحث ما إذا كانت إسرائيل انتهكت وقف النار بقتل قيادي في «حماس»

قال الرئيس الأميركي، الاثنين، إن إدارته تبحث فيما إذا كانت إسرائيل انتهكت وقف إطلاق النار في قطاع غزة بقتلها، السبت، قيادياً في حركة «حماس» الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle

أوروبا ترفض تنازل أوكرانيا عن أراضٍ من دون «ضمانات أمنية قوية»

قال قادة أوروبيون بعد محادثات سلام في برلين، الاثنين، إن القرارات بشأن احتمال تقديم تنازلات بشأن الأرض لا يمكن أن يتخذها سوى شعب أوكرانيا وبعد ضمانات أمنية قوية

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية طائرة مقاتلة من طراز «إف 16» تابعة للقوات الجوية التركية تقلع في مناورات جوية في شمال ألمانيا 9 يونيو 2023 (رويترز)

وزارة الدفاع التركية تعلن إسقاط طائرة مسيّرة فوق البحر الأسود

أعلنت وزارة الدفاع التركية إسقاط مسيّرة «خارج السيطرة»، الاثنين، بعدما اقتربت من المجال الجوي التركي من جهة البحر الأسود.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

واشنطن تقدم لكييف ضمانات «شبيهة بما يوفره الناتو»

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادران قصر بيلفيو في برلين أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادران قصر بيلفيو في برلين أمس (إ.ب.أ)
TT

واشنطن تقدم لكييف ضمانات «شبيهة بما يوفره الناتو»

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادران قصر بيلفيو في برلين أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يغادران قصر بيلفيو في برلين أمس (إ.ب.أ)

أعلن مسؤولون أميركيون، أمس، أنَّ بلادهم عرضت على أوكرانيا ضمانات أمنية قوية أشبه بما يوفّره حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأبدت ثقة بأنَّ روسيا ستقبل بذلك، فيما وصفته واشنطن بأنَّه اختراق على مسار إنهاء الحرب.

ووصف مسؤولون أميركيون المحادثات التي استمرت مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي في برلين، يومي الأحد والاثنين، بأنَّها إيجابية، مشيرين إلى أنَّه يتعيّن على أوكرانيا أيضاً القبول بالاتفاق الذي قالوا إنَّه سيوفّر ضمانات أمنية مماثلة للمادة الخامسة من معاهدة «الناتو» التي تنصُّ على أنَّ أي هجوم على أحد الحلفاء يُعد هجوماً على الجميع.

بدوره، قال زيلينسكي إثر اجتماع بين مفاوضين أوكرانيين وأميركيين في برلين: «هناك قضايا معقدة، وخصوصاً تلك المتصلة بالأراضي (...) فلنقل بصراحة إنَّ مواقفنا لا تزال مختلفة».


أوكرانيا ستطلب من واشنطن أسلحة بعيدة المدى إذا رفضت روسيا جهود السلام

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (أرشيفية - إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

أوكرانيا ستطلب من واشنطن أسلحة بعيدة المدى إذا رفضت روسيا جهود السلام

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (أرشيفية - إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (أرشيفية - إ.ب.أ)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الاثنين إن أوكرانيا ستطلب من الولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات على روسيا وتزويدها بمزيد من الأسلحة، بما فيها أسلحة بعيدة المدى، إذا رفضت موسكو الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب.

وأضاف زيلينسكي للصحفيين على تطبيق «واتساب» أن كييف تؤيد فكرة وقف إطلاق النار، لا سيما فيما يتعلق بالهجمات على الطاقة، خلال فترة عيد الميلاد.


أوروبا ترفض تنازل أوكرانيا عن أراضٍ من دون «ضمانات أمنية قوية»

صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

أوروبا ترفض تنازل أوكرانيا عن أراضٍ من دون «ضمانات أمنية قوية»

صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة جماعية للقادة الأوروبيين المجتمعين في برلين لإجراء محادثات حول كيفية إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب)

قال القادة الأوروبيون، في بيان مشترك بعد اجتماعهم في محادثات سلام في برلين، الاثنين، إن القرارات بشأن احتمال تقديم تنازلات بشأن الأرض لا يمكن أن يتخذها سوى شعب أوكرانيا وبعد ضمانات أمنية قوية.

وذكر البيان، الذي نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، أن من الضمانات الأمنية التي تم الاتفاق عليها اليوم وجود قوة بقيادة أوروبية تسهم فيها الدول الراغبة في ذلك، والتي ستساعد «في تأمين سماء أوكرانيا، وفي تعزيز الأمن في البحار، بما في ذلك من خلال العمل داخل أوكرانيا».

واقترح قادة الدول الأوروبية الكبرى والاتحاد الأوروبي نشر «قوة متعددة الجنسيات» في أوكرانيا بقيادة أوروبية ودعم الجيش الأوكراني «بشكل مستدام»، على أن يُحدَّد عديده بـ800 ألف عنصر.

وأشار القادة الأوروبيون إلى أن هذه القوة ستكون «مؤلفة من مساهمات دول متطوّعة، ومدعومة من الولايات المتحدة».

ووفق البيان الذي وقّعه قادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والدنمارك وهولندا وفنلندا والنرويج وإيطاليا وبولندا والسويد والاتحاد الأوروبي، اتفق الموقعون مع الولايات المتحدة على «العمل معاً لتوفير ضمانات أمنية صلبة لأوكرانيا وتدابير دعم للإنعاش الاقتصادي في إطار اتفاق يرمي إلى وضع حد للحرب».

ويشمل ذلك «دعم أوكرانيا في بناء قواتها المسلّحة التي يُفترض أن يبقى عديدها عند مستوى 800 ألف جندي في زمن السلم».

ويتطرّق البيان إلى «آلية لمراقبة وقف إطلاق النار والتحقّق منه تديرها الولايات المتحدة».

ويشدّد على أنه «يعود لروسيا أن تظهر رغبتها في العمل من أجل سلام دائم عبر قبول خطة السلام التي طرحها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب».

وبحسب البيان، يتعيّن على موسكو أن «تُظهر التزامها بوضع حد للمعارك عبر قبولها بوقف لإطلاق النار».