البابا ليو يدشّن حبريته بانتقاد استنزاف الموارد وتهميش الفقراء

دعا إلى إنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا... وفانس يأمل في لقائه الاثنين

TT

البابا ليو يدشّن حبريته بانتقاد استنزاف الموارد وتهميش الفقراء

البابا ليو يحيّي الحشود في ساحة القديس بطرس يوم 18 مايو (أ.ب)
البابا ليو يحيّي الحشود في ساحة القديس بطرس يوم 18 مايو (أ.ب)

ندّد البابا ليو الرابع عشر، الأحد، في الفاتيكان خلال القداس الذي يمثل بداية مهامه، بالنظم الاقتصادية التي تستغل الطبيعة وتهمش الفقراء، خاطّاً نهج حبريته، أمام قرابة ربع مليون شخص ومجموعة واسعة من قادة الدول.

وبعد عشرة أيام على انتخابه، شدد رأس الكنيسة الكاثوليكية التي تضم 1.4 مليار شخص عبر العالم، على السلام والوحدة خلال هذا القداس الذي احتفل به بلغات عدة، وسط إجراءات أمنية مشددة في ساحة القديس بطرس. وقال البابا، الذي أمضى عقدين بمنطقة فقيرة في البيرو، في عظته: «لا نزال نرى الكثير من الانقسامات والجراح الناتجة عن الكراهية والعنف والأحكام المسبقة والخوف من المختلف عنا، ومن أنماط اقتصادية تستنزف موارد الأرض وتهمش الفقراء».

جانب من قدّاس تنصيب بابا الفاتيكان يوم 18 مايو (رويترز)

وأكّد ليو الرابع عشر، وهو أول بابا من الولايات المتحدة، في خطابه الوجهة الاجتماعية لحبريته، بعدما اختار اسمه تيمّناً بليو الثالث عشر (1878-1903) مهندس العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية، الذي ندّد باستغلال العمال في نهاية القرن التاسع عشر.

لقاء «مؤجّل»

لم يسبق أن حظي لقاء بين البابا ونائب الرئيس الأميركي بالاهتمام الذي أحاط، وما زال، باللقاء «المحتمل» بين ليو الرابع عشر وجي دي فانس الذي وصل إلى روما بعد ظهر الجمعة لحضور مراسم تنصيب الحبر الأعظم الجديد. وتفيد آخر المعلومات الواردة من وزارة خارجية الفاتيكان بأن اللقاء الذي كانت الإدارة الأميركية طلبته قبل أيام من مجيء فانس إلى العاصمة الإيطالية، «ربما» يحصل يوم الاثنين قبل مغادرة نائب الرئيس إلى تل أبيب.

وكان البابا قد اجتمع بعد نهاية المراسم الاحتفالية طيلة ساعتين بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي شكر الحبر الأعظم على ما جاء في موعظته عن السلام العادل في بلاده، واستعداد الفاتيكان لاستضافة مفاوضات سلام بين روسيا وأوكرانيا.

البابا ليو يتجوّل على متن السيارة البابوية في الفاتيكان قبل مراسم تنصيبه يوم 18 مايو (أ.ب)

في غضون ذلك، كان فانس يتوجه إلى كاتدرائية السيدة العذراء الكبرى للصلاة أمام ضريح البابا الراحل فرنسيس، بينما كانت تكثر التكهنات والتأويلات حول هذا اللقاء المعلّق بين فانس والبابا، الذي عندما كان لا يزال كاردينالاً، انتقد بشدة موقف نائب الرئيس الأميركي من المهاجرين وتبريراته الدينية لسياسة الهجرة التي تنهجها إدارة ترمب، والتي سبق للبابا الراحل أن وصفها بالكارثية والمنافية لجوهر التعاليم المسيحية.

جي دي فانس نائب الرئيس الأميركي وزوجته أوشا خلال حضور حفل تنصيب البابا ليو الرابع عشر في الفاتيكان يوم 18 مايو (أ.ف.ب)

وكانت قد راجت أنباء عن احتمال عقد لقاء ثلاثي بعد مراسم التنصيب، بين فانس وزيلينسكي والبابا، لكن مصادر الفاتيكان نفت ذلك، وقالت إن الظروف لم تسمح بمثل هذا اللقاء. وكان زيلينسكي قد اقترب من فانس قبل بداية القداس، وتصافحا بحرارة، للمرة الأولى منذ اللقاء الشهير الذي جمعهما في البيت الأبيض، نهاية فبراير (شباط).

وتجدر الإشارة إلى أن فانس كان من أتباع المذهب الإنجيلي، لكنه قرر اعتناق الكاثوليكية بعد أن اجتاز مرحلة صعبة في مراحل الطفولة والمراهقة. كما أن أكثر من ثلثي أعضاء الإدارة الأميركية الجديدة ينتمون إلى المذهب الكاثوليكي، وهذه سابقة في الولايات المتحدة التي تنتمي غالبية المسيحيين فيها إلى الكنيسة الإنجيلية.

حرب غزة... وقضية الهجرة

وكان ليو الرابع عشر قد استهلّ موعظته بالقول: «انتخبني الإخوة الكرادلة عن خير جدارة، وخائفاً مرتجفاً جئتكم أيها الإخوة لأكون خادماً لإيمانكم وفرحكم، ولنكون جميعاً عائلة واحدة في محبة الله لأن هذه هي رسالة السيد المسيح إلى بطرس». وعندما استذكر البابا سلفه فرنسيس الذي قال إن رحيله ترك حزناً عميقاً في الأفئدة، وإن طيفه سيرافقه طيلة حبريته، دوّت الجماهير بالتصفيق والهتاف في ميدان القديس بطرس.

شخص يرفع العلم الفلسطيني خلال مراسم تنصيب البابا ليو في الفاتيكان يوم 18 مايو (رويترز)

لكن موجة التصفيق الأطول كانت عندما قال الحبر الأعظم إنه «ليس بوسعنا أن ننسى إخوتنا الذين يعانون من الحرب في غزة، حيث يتضوّر الأطفال والنساء والشيوخ من الجوع»، فيما كانت أعلام فلسطينية تلوح بين الجماهير المحتشدة، التي قدّر عددها بربع مليون شخص.

وتوقّف البابا طويلاً في موعظته عند موضوع المهاجرين وما يتعرضون له من تمييز، وقال: «نشهد في هذا العصر مغالاة في الجراح الناجمة عن الحقد والعنف والخوف من التنوع، ومن الاقتصاد الذي يستغل موارد الأرض ويهمّش الفقراء». وأضاف: «أدعوكم جميعاً إلى بناء عالم جديد يسوده السلام. هذا هو الطريق الذي يجب أن نسلكه معاً، مؤمنين وغير مؤمنين. كما أدعوكم إلى عدم التقوقع داخل مجموعات صغيرة، وألا تعتبروا أنفسكم أبداً متفوقين على الآخرين، بل أن تحترموا الثقافات الاجتماعية والدينية لكل الشعوب».

حرب أوكرانيا وغياب ممثلة موسكو

وكان الفاتيكان قد دعا إلى المشاركة في قداس التنصيب ممثلين عن جميع الكنائس المسيحية، وعن الديانات الأخرى، وتخلّل القداس صلوات باللغات البرتغالية والفرنسية والعربية والبولندية والصينية.

جانب من لقاء بابا الفاتيكان مع الرئيس الأوكراني وزوجته يوم 18 مايو (أ.ف.ب)

كما شدّد البابا على ضرورة إحلال السلام سريعاً في «أوكرانيا المعذّبة التي تتطلع إلى سلام عادل ودائم». وكان البابا فرنسيس يستخدم عبارة «المعذّبة» نفسها كلما تحدث عن أوكرانيا في مواعظه. وكان من المقرر أن تشارك وزيرة الثقافة الروسية، أولغا ليوبيموفا، في مراسم التنصيب مكلفةً من الرئيس فلاديمير بوتين، لكن الناطق بلسان وزارتها أفاد بأن طائرتها اضطرت للعودة إلى موسكو بعد أن رفضت إحدى الدول السماح لها بالتحليق فوق أجوائها.

وقبل بداية القداس الاحتفالي، استقبل ليو الرابع عشر رئيس البيرو، حيث خدم مرسلاً وأسقف طيلة عشرين عاماً، قبل أن يستدعيه فرنسيس إلى روما ويكلفه إدارة مجمع الأساقفة العالمي، ويعينه كاردينالاً.

«طريق الوحدة والمحبّة»

كرادلة يحضرون قدّاساً خلال مراسم تنصيب البابا ليو في الفاتيكان يوم 18 مايو (إ.ب.أ)

وفي أول تصريح رسمي له بعد المجمع البابوي، قال وزير خارجية الفاتيكان، بيترو بارولين، الذي كان المنافس الرئيسي للبابا الجديد على الكرسي الرسولي: «نحن في أيادٍ أمينة، وبعد هذه الموعظة الرائعة نشعر بأننا جميعاً على طريق الوحدة والمحبة». وفي اللحظة الوحيدة التي تجاوز ليو الرابع عشر المراسم الفاتيكانية الصارمة، عانق شقيقه الأكبر لويس الذي كان يقوم مع زوجته بتهنئته بعد ممثلي البلدان المشاركين في الاحتفال.


مقالات ذات صلة

نائب الرئيس الأميركي يعبّر عن حزنه لمعاناة أطفال غزة

الولايات المتحدة​ نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس يتحدث خلال مناسبة في واشنطن 3 يونيو 2025 (أ.ب)

نائب الرئيس الأميركي يعبّر عن حزنه لمعاناة أطفال غزة

عبّر نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس عن حزنه العميق لمعاناة المدنيين، خاصة الأطفال، في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونائبه جي دي فانس (أرشيفية-رويترز)

فانس: ترمب سيتجنب الحروب المفتوحة وسيستخدم القوة العسكرية بحسم

قال نائب الرئيس الأميركي، الجمعة، إن الرئيس ترمب يعمل على ضمان إرسال القوات المسلحة الأميركية إلى مناطق الخطر فقط في حال وجود أهداف واضحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا (أ.ب)

غضب في جنوب أفريقيا من مزاعم ترمب خلال اجتماع مع رامابوسا

عبّر مواطنو جنوب أفريقيا عن استيائهم، بعدما هيمنت ما قالوا إنها مزاعم كاذبة من الرئيس دونالد ترمب عن إبادة جماعية للبيض على محادثته مع الرئيس سيريل رامابوسا.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
شؤون إقليمية دبابات إسرائيلية عند الحدود مع قطاع غزة (إ.ب.أ) play-circle

تقرير: فانس يلغي زيارته إسرائيل بعد توسيع عملياتها في غزة

قال مسؤول أميركي لموقع «أكسيوس»، اليوم، إن جيه دي فانس، نائب الرئيس، فكر في السفر إلى إسرائيل غداً، لكنه قرر إلغاءه؛ بسبب توسيعها العملية العسكرية في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ جانب من اللقاء بين فانس وزيلينسكي في روما اليوم (إ.ب.أ)

نائب الرئيس الأميركي يلتقي زيلينسكي في روما

التقى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأحد)، في روما.

«الشرق الأوسط» (روما)

السجن 18 سنة غيابياً لمعارض روسي بارز

المعارض الروسي ليونيد فولكوف - بون 2 أغسطس 2024 (غيتي)
المعارض الروسي ليونيد فولكوف - بون 2 أغسطس 2024 (غيتي)
TT

السجن 18 سنة غيابياً لمعارض روسي بارز

المعارض الروسي ليونيد فولكوف - بون 2 أغسطس 2024 (غيتي)
المعارض الروسي ليونيد فولكوف - بون 2 أغسطس 2024 (غيتي)

أصدرت محكمة روسية الأربعاء حكماً غيابياً بالسجن المشدد لمدة 18 سنة على المعارض البارز ليونيد فولكوف، الذي كان مقرباً من زعيم المعارضة الراحل أليكسي نافالني الذي كان يوصف بأنه «العدو رقم واحد» للرئيس فلاديمير بوتين.

ليونيد فولكوف كبير مساعدي أليكسي نافالني الراحل غادر روسيا في عام 2019 بعد أن فتحت السلطات قضية جنائية ضده (رويترز)

ورأت المحكمة أن فولكوف الذي يقيم خارج روسيا منذ عام 2019 مذنب في كل بنود الاتهام التي وجهتها النيابة العامة الروسية، وهي 9 بنود، بينها إنشاء جماعة متطرفة، وإشراك قاصرين في ارتكاب جرائم، والتخريب لأسباب سياسية، والترويج لإعادة تأهيل النازية، ونشر معلومات كاذبة عن تصرفات الجيش الروسي، وإنشاء منظمة غير ربحية تنتهك شخصية وحقوق المواطنين، بالإضافة إلى تمويل أنشطة متطرفة.

لكن هذه الاتهامات لا تُعدّ الوحيدة التي يُلاحَق بسببها فولكوف منذ سنوات، فقد كانت وزارة العدل أدرجته في وقت سابق على لائحة «العملاء الأجانب»، وظهر اسمه بعد ذلك على اللائحة السنوية لمؤسسة «روس فين مونيتورينغ»، ضمن «الأشخاص المتورطين في دعم وتبرير الإرهاب والتطرف».

ونص الحكم على حبس المعارض 18 سنة، كما غُرّم بمبلغ مليونَي روبل، وحظرت المحكمة عليه القيام بأي نشاط لإدارة مواقع أو منصات إلكترونية لمدة 6 سنوات.

ورغم أن الحكم لا يُعدّ نهائياً إلا بعد القبض على فولكوف وإعادة محاكمته حضورياً، فإن مقربين منه قالوا إن المحكمة استجابت لكل طلبات الادعاء؛ ما يعني أن الحكم سوف يجري تثبيته في حال نجحت السلطات في اعتقاله.

ورُفعت القضية الجنائية ضد فولكوف أمام المحكمة في أوائل أبريل (نيسان)، وتضمنت 45 تهمة، الجزء الأعظم منها مرتبط بشكل أو بآخر بالحرب الأوكرانية، وبالنشاط السابق لفولكوف في إطار «صندوق مكافحة الفساد» الذي نشط من خلاله إلى جانب نافالني في إعداد تحقيقات استقصائية عن فساد رجالات الدولة. بالإضافة إلى اتهامات تتعلق بتحريض القاصرين على الانضمام لتحركات احتجاجية غير مرخصة قانوناً.

وسخر فولكوف من القرار، وكتب على منصة «تلغرام»: «لقد حكموا علي بـ18 عاماً من الحراسة المشددة، تماماً كما طلب المدعي العام. لكن الغرامة كانت بمثابة صفعة خفيفة: مليوني روبل فقط. ولم يمنعوني من استخدام الإنترنت! حسناً، سوف أواصل استخدامه».

وحمل التعليق إشارة إلى مطلب النيابة العامة بحظر استخدام الإنترنت على فولكوف لمدة 10 سنوات، وهي عقوبة لم يتم إدراجها في حكم المحكمة.

كان فولكوف لوحق قضائياً منذ عام 2021 بتهم تتعلق بإشراك قاصرين في مظاهرات. وفي صيف 2022، فُتحت قضية جنائية أخرى ضده بتهمة «تبرير الإرهاب». لكن التهم الحالية التي أُدين فيها حالياً تتعلق بالدرجة الأولى بنشاطه بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

كان فولكوف سابقاً رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة مكافحة الفساد (المُصنّفة في روسيا عميلاً أجنبياً) وتم حظر نشاطها سابقاً. أُنشئت هذه المنظمة من قِبل فريق المعارض الراحل أليكسي نافالني عام 2022.

وكان والد ليونيد ميخائيل فولكوف قد لوحق قضائياً أيضاً في روسيا منذ أبريل (نيسان)، بعدما وجهت إليه اتهامات تتعلق بتبرير الإرهاب والمساهمة في تمويل ودعم أنشطة متطرفة.