جنازة مهيبة لتوديع «بابا الفقراء» (صور)

إجراءات أمنية مشددة وحظر المجال الجوي خلال الجنازة

الكاردينال جيوفاني باتيستا ري يبارك النعش أثناء قيادته قداس جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (رويترز)
الكاردينال جيوفاني باتيستا ري يبارك النعش أثناء قيادته قداس جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (رويترز)
TT

جنازة مهيبة لتوديع «بابا الفقراء» (صور)

الكاردينال جيوفاني باتيستا ري يبارك النعش أثناء قيادته قداس جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (رويترز)
الكاردينال جيوفاني باتيستا ري يبارك النعش أثناء قيادته قداس جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (رويترز)

بدأت، اليوم (السبت)، جنازة البابا فرنسيس في حضور حشود توافدت منذ فجر اليوم إلى ساحة بازيليك القديس بطرس في روما، في مراسم مهيبة، بحضور مجموعة واسعة من قادة الدول والحكومات والملوك. وقد استقبل نعش البابا بالتصفيق الحارّ لدى نقله إلى ساحة القديس بطرس.

وقبيل بدء الجنازة، قرعت أجراس بازيليك القديس بطرس حزناً. وقال الكاردينال جيوفاني باتيستا ري، في العظة التي ألقاها في القداس: «كان البابا قريباً من الناس، بقلب مفتوح للجميع»، حسبما أفادت وكالة «رويترز» للأنباء. وعند فتح المنافذ إلى الساحة بعيد الساعة السادسة صباحاً (الرابعة بتوقيت غرينيتش) ركض عدد كبير من المشاركين، في محاولة للحصول على كرسي، ورفع بعضهم علم بلادهم أو صورة لـ«بابا الفقراء».

وقال جان روجيه موغينغي، وهو غابوني يبلغ 64 عاماً أتى مع زوجته تكريماً لأول بابا أميركي جنوبي: «هذا يوم تاريخي فعلاً». وقد انتشر مئات من عناصر الأمن في الساحة ومحيطها. وقالت كايتي هيبنر رونكالي، وهي مدرسة أميركية تبلغ 33 عاماً، أتت من ولاية إنديانا، وهي تنتظر منذ الساعة الثالثة صباحاً مع 3 من تلاميذها: «لا يسعنا أن نفوت ذلك (..) كان بابا عظيماً».

رؤساء وملوك

ودّع رؤساء وأفراد من عائلات مالكة وحشود من المشيعين البابا فرنسيس، حيث قال أحد الكرادلة إن إرث البابا في رعاية المهاجرين والمهمشين والبيئة ينبغي ألا يموت معه.

وعلى أحد جانبي نعش البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس، جلس الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي اختلف مع البابا حول تلك القضايا.

وعلى الجانب الآخر، جلس الكرادلة الذين يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كان على خليفة البابا فرنسيس مواصلة مساعيه نحو كنيسة أكثر انفتاحاً أو التنازل للمحافظين الذين يريدون العودة إلى ممارسات بابوية تقليدية أكثر.

وتوفي البابا، أرجنتيني الأصل الذي شغل كرسي البابوية لمدة 12 عاماً، يوم الاثنين عن 88 عاماً إثر إصابته بسكتة دماغية.

ودوّى تصفيق الحشود المجتمعة في الساحة والطرق المحيطة بها عندما تحدث الكاردينال ري عن اهتمام البابا فرنسيس بالمهاجرين، ودعواته المستمرة للسلام والحاجة إلى المفاوضات لإنهاء الحروب وأهمية قضايا المناخ.

كما ضجّت ساحة القديس بطرس بالتصفيق من جديد في نهاية القداس، عندما رُفع النعش، وأماله حاملوه قليلاً حتى يتمكن مزيد من الناس من رؤيته، بينما كانت أجراس الكنيسة تدق في الخلفية.

ووُضع النعش في سيارة بسقف مفتوح تحركت عبر روما إلى كنيسة القديسة مريم الكبرى، فيما اصطف آلاف على جانبي الطريق.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت ماكرون يشاهدون نعش البابا فرنسيس أثناء حمله من قبل حاملي النعش خلال قداس جنازته بساحة القديس بطرس في الفاتيكان (رويترز)

وأظهرت صور جوية للفاتيكان مزيجاً من الألوان؛ الأسود من ملابس داكنة ارتداها قادة العالم، والأحمر لثياب نحو 250 كاردينالاً، والأرجواني الذي ارتداه بعض الأساقفة، البالغ عددهم 400، والأبيض الذي ارتداه 4 آلاف كاهن.

منظر من أعلى للقداس الجنائزي للبابا فرنسيس بساحة القديس بطرس في مدينة الفاتيكان (إ.ب.أ)

وغنّت الجوقات ترانيم لاتينية، ورتلت صلوات بلغات مختلفة، منها الإيطالية والإسبانية والصينية والبرتغالية والعربية، وقدّر الفاتيكان عدد من شاركوا في الجنازة التي استمرت ساعتين بأكثر من 250 ألف شخص.

وتوافد آلاف المشيعين على الفاتيكان منذ الساعات الأولى من صباح اليوم، بينما وصل خلال الليلة الماضية كثيرون ممن حرصوا على أن يكونوا في مقدمة الحشود خلال الجنازة.

شعبية كبيرة للبابا

وأدّت وفاة البابا فرنسيس لبدء فترة انتقالية مخططة بدقة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، تتسم بالحفاظ على الطقوس العتيقة والرسمية والفخامة والحداد.

وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية، زار نحو 250 ألفاً مذبح كاتدرائية القديس بطرس، التي تعود إلى القرن السادس عشر، لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان البابا الذي كان مسجًّى في نعش مفتوح.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا ترمب يحضران قداس جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (رويترز)

وقبل أن يجلسا في مقعديهما، وقف ترمب وزوجته ميلانيا أمام النعش لوداع البابا فرنسيس في كاتدرائية القديس بطرس. وأُغلق النعش بإحكام، مساء أمس (الجمعة).

وصفق كثير من الأشخاص في الساحة عندما ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. والتقى زيلينسكي بترمب أثناء وجودهما في روما، وأجرى معه «نقاشاً مثمراً للغاية»، وفقاً لمسؤول في البيت الأبيض. ويأتي هذا اللقاء في وقت يسعى فيه ترمب للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) على هامش جنازة البابا فرنسيس في كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان (أ.ف.ب)

وإلى جانب ترمب، وصل إلى روما رؤساء الأرجنتين وفرنسا والغابون وألمانيا والفلبين وبولندا وأوكرانيا ورئيسا وزراء بريطانيا ونيوزيلندا، وعدد كبير من أفراد العائلات المالكة الأوروبية. إذ حضر أيضاً ملوك، منهم ملك بلجيكا فيليب وزوجته، وملك إسبانيا فيليبي السادس وزوجته، وملك الأردن عبد الثاني وزوجته، وملك ليسوتو ليتسي الثالث، وأمير موناكو ألبير الثاني وزوجته.

الأمير ألبرت الثاني أمير موناكو والأميرة شارلين يمشيان في يوم قداس جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان (رويترز)

وعدّت وكالة الصحافة الفرنسية أن هذا الحضور من القادة والزعماء يعكس شعبية البابا الراحل الذي كان مدافعاً بقوة عن السلام والمهاجرين والمهمشين، والذي أصبح على مرّ السنين بوصلة أخلاقية في عالم يزداد اضطراباً.

الملك الأردني عبد الله الثاني (وسط) يصل برفقة الملكة رانيا قبل مراسم جنازة البابا الراحل فرنسيس بساحة القديس بطرس في الفاتيكان (أ.ف.ب)

كذلك، ساهمت بساطته وطيبته وصراحته، وإن كانت جارحة أحياناً، في توسيع قاعدة جمهوره لتشمل غير الكاثوليك أيضاً.

الخروج على التقاليد

ناضل البابا فرنسيس، وهو أول بابا غير أوروبي منذ ما يقرب من 13 قرناً، من أجل إعادة تشكيل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، إذ انحاز إلى الفقراء والمهمشين، وواجه دولاً غنية بهدف مساعدة المهاجرين. كما بذل جهوداً في مواجهة تغير المناخ.

وورد في ملخص رسمي لبابويته، مكتوب باللاتينية، وموضوع بجوار جثمانه: «ترك فرنسيس للجميع شهادة رائعة عن الإنسانية والحياة المقدسة والأبوة العالمية».

مواطنون وقادة وملوك ورجال دين خلال جنازة البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان (أ.ف.ب)

وتصدى المتمسكون بالتقاليد لجهوده الرامية إلى جعل الكنيسة أكثر شفافية، كما لم تلقَ مناشداته لوضع حدّ للصراع والانقسامات والرأسمالية المتفشية آذاناً مصغية.

كما آثر البابا فرنسيس التخلي عن الممارسة المتبعة منذ قرون بدفن الباباوات في 3 توابيت متداخلة مصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط. وبدلاً من ذلك، تم وضعه في تابوت خشبي واحد مبطن بالزنك، وتم إغلاقه بإحكام خلال الليل.

وفي خروج آخر على التقاليد، سيكون أول بابا يُدفن خارج الفاتيكان منذ ما يزيد على قرن من الزمان، مفضلاً أن يكون مثواه الأخير في كنيسة القديسة مريم الكبرى في روما، التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن كنيسة القديس بطرس.

أعضاء من رجال الدين يحضرون قداس جنازة البابا فرنسيس (رويترز)

ولا يحمل قبره سوى كلمة «فرنسيسكوس»، وهو اسمه باللاتينية، منقوشة في الأعلى. وهناك نسخة من الصليب البسيط المطلي بالحديد الذي كان يضعه حول رقبته معلقة فوق اللوح الرخامي، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وفي ختام القداس، سينقل النعش على الجانب الآخر من النهر إلى وسط روما حتى بازيليك سانتا ماريا ماجوري. وقد اختار البابا هذه الكنيسة المهيبة المشيدة في القرن الخامس كمثواه الأخير. وهي تضم أساساً رفات 7 بابوات سابقين. واعتاد البابا المجيء إلى الكنيسة قبل كل رحلة له إلى الخارج وبعد عودته منها للصلاة في هذه الكنيسة التابعة للفاتيكان.

تم نقل التابوت الذي يحتوي على جثمان البابا الراحل فرنسيس إلى داخل كنيسة القديس بطرس في نهاية جنازته المهيبة بساحة القديس بطرس في الفاتيكان (أ.ب)

وفي موكب جنازته، يجوب البابا فرنسيس روما للمرة الأخيرة، للسماح لسكان المدينة بتوديعه.

إجراءات أمنية مشددة

وفي واحدة من أكبر العمليات الأمنية التي تشهدها إيطاليا منذ جنازة البابا يوحنا بولس الثاني، أغلقت إيطاليا المجال الجوي فوق المدينة واستدعت قوات إضافية، مع وجود صواريخ مضادة للطائرات وزوارق دورية. إذ أقيمت منطقة حظر طيران فوق روما، ونشرت وحدات مضادة للطائرات المسيرة، مع أنظمة تشويش على الموجات. ووضعت طائرات مطاردة في حالة تأهب، فيما نشر قناصة على السطوح.

الحاضرون إلى ساحة القديس بطرس مع وجود نقاط تفتيش أمنية في الرواق استعداداً لجنازة البابا فرنسيس الراحل في الفاتيكان (أ.ف.ب)

واتخذت إجراءات أمنية مشددة للمناسبة، مع انتشار كثيف لشرطة الفاتيكان والشرطة الإيطالية مع مراقبة مداخل الفاتيكان ووضع أجهزة سكانر تعمل بالأشعة السينية.

نصبت شاشات عملاقة على طول طريق فيا ديلا كونسيلياتزيوني الرئيسي، الذي يربط الفاتيكان بضفاف نهر التيبر، للسماح للحشود بمتابعة المراسم. وقد وضعت آلاف الكراسي لاستقبال 224 كاردينالاً وأكثر من 750 أسقفاً وكاهناً، فضلاً عن ممثلي ديانات أخرى أتوا لوداع البابا الذي انتخب عام 2013 والمدافع الكبير عن الحوار بين الأديان، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

عميد مجمع الكرادلة جيوفاني باتيستا ري يبارك النعش خلال جنازة البابا فرنسيس بساحة القديس بطرس في الفاتيكان (أ.ب)

ومع انتهاء مراسم الجنازة ستتوجه الأنظار إلى مجمع الكرادلة حيث سيعكف 135 كاردينالاً في سن الانتخاب، أي دون سن الثمانين، في الأسابيع المقبلة خلال جلسات مغلقة في كنيسة سيستينا، على اختيار خلف للبابا فرنسيس.

ومن غير المرجح أن يبدأ الاجتماع السري لانتخاب خليفة له قبل 6 مايو (أيار)، وربما يتأخر لأيام بعد ذلك، ما يمنح الكرادلة وقتاً لعقد اجتماعات منتظمة قبل ذلك، لتقييم حالة الكنيسة التي تعاني من مشكلات مالية وانقسامات آيديولوجية.


مقالات ذات صلة

الفاتيكان: الترتيبات جارية للقاء بين البابا وفانس

أوروبا البابا ليو الرابع عشر (رويترز)

الفاتيكان: الترتيبات جارية للقاء بين البابا وفانس

أعلن أمين سر الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، أن البابا ليو الرابع عشر يعتزم لقاء نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، بعد غدٍ الأحد.

«الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا البابا ليو الرابع عشر يتحدث أمام زوار في الفاتيكان (د.ب.أ) play-circle

بابا الفاتيكان: يتعين احترام كرامة المهاجرين

أكد البابا ليو الرابع عشر اليوم (الجمعة) في أول كلمة يلقيها أمام دبلوماسيين من أنحاء العالم في الفاتيكان على ضرورة احترام كرامة المهاجرين.

«الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا البابا ليو الرابع عشر (أ.ب)

البابا ليو: سأبذل «كل جهد» من أجل السلام العالمي

تعهّد البابا ليو الرابع عشر، أول أميركي يتولى قيادة الكنيسة الكاثوليكية، اليوم الأربعاء، ببذل «كل جهد» من أجل السلام.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
أوروبا بابا الفاتيكان الجديد البابا ليو يلتقي الصحافيين وعدداً من ممثلي وسائل الإعلام في قاعة بولس السادس بالفاتيكان (أ.ف.ب) play-circle

بابا الفاتيكان يحثّ وسائل الإعلام على وضع نهاية لـ«حرب الكلمات»

دعا بابا الفاتيكان الجديد البابا ليو، في أول خطاب لوسائل الإعلام، الاثنين، إلى وضع نهاية للهجمات الحزبية والآيديولوجية التي تثير «حرب كلمات».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
الولايات المتحدة​ بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر (أ.ب) play-circle

البابا ليو قد يضطر لتقديم إقرار ضريبي للولايات المتحدة

أكد تقرير صحافي أن بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر، قد يضطر إلى تقديم إقراره الضريبي إلى مصلحة الضرائب الأميركية.

«الشرق الأوسط» (روما)

الكرملين يريد قمة روسية أميركية «شاملة» لا تُركز على ملف أوكرانيا وحده

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يترأس المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يترأس المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول (رويترز)
TT

الكرملين يريد قمة روسية أميركية «شاملة» لا تُركز على ملف أوكرانيا وحده

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يترأس المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول (رويترز)
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يترأس المفاوضات الروسية الأوكرانية في إسطنبول (رويترز)

شغلت الإشارات المتبادلة بين موسكو وواشنطن حول ضرورة ترتيب لقاء يجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترمب حيّزاً كبيراً من الاهتمام، مع انطلاق جولة المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول. وبرز تباين واسع في أولويات الطرفين، ففي حين ركَّز ترمب على أهمية عقد لقاء سريع «يدفع عملية السلام في أوكرانيا»، فضّل الكرملين تأكيد ضرورة «إطلاق تحضيرات وإعداد دقيق لقمة شاملة، تبحث كل الملفات المطروحة على الطاولة وبينها الوضع في أوكرانيا».

وأبدت موسكو حذراً تجاه توقع اختراقات كبرى خلال الجولة التفاوضية الأولى منذ 3 سنوات، ومع تأكيد أنها أعدت وثائق تضع «آلية للتسوية» لكنها شككت في نيات كييف، وقالت إنه «لا يمكن التنبؤ بسلوك أوكرانيا» وحلفائها في أوروبا.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (وسط) يلقي كلمة للترحيب بالوفدين الروسي والأوكراني قبل محادثات في إسطنبول عام 2022 (أ.ب)

وجاء رد الكرملين سريعاً على دعوة ترمب لعقد لقاء عاجل مع بوتين. وأعرب الرئيس الأميركي للصحافيين خلال زيارته للإمارات العربية، عن قناعته بأن «العالم سيصبح أكثر أماناً خلال أسبوعين إلى 3 أسابيع»، بمجرد أن يتم ترتيب اللقاء المنتظر مع بوتين.

وقال ترمب، الجمعة، إنه يسعى لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي في أقرب وقت ممكن، مضيفاً ربما يتصل ببوتين قريباً، «أعتقد أنه حان الوقت بالنسبة لنا للقيام بذلك». وقال: «سنلتقي أنا وهو، وأعتقد أننا سنحل (القضية) أو ربما لا. على الأقل سنعرف، وإذا لم نحلها سيكون الأمر مثيراً للاهتمام بشكل كبير».

لكن الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، قال إن «مثل هذه اللقاءات تتطلب تحضيراً واسعاً وإعداداً دقيقاً». وبدا أن التباين بين الطرفين ينحصر في رؤية كل طرف للأهداف المتوخاة من القمة التي طال انتظارها. وفي حين ركّز ترمب على ملف أوكرانيا وقضايا الأمن، فإن الكرملين رأى أن القمة يجب أن تكون شاملة، وأن تناقش كل الملفات المطروحة على أجندة الطرفين.

وقال بيسكوف إن «مثل هذا الاجتماع ضروري بالتأكيد. لكن يجب أن يكون هناك تحضير جيد لمثل هذه القمة، ويجب أن تسفر عن نتائج ملموسة. فالقمة تسبقها دائماً مفاوضات ومشاورات على مستوى الخبراء وتحضيرات طويلة ومكثفة، خاصة إذا كان الحديث يدور عن اجتماع قمة بين رئيسي روسيا والولايات المتحدة».

وأوضح أن «اللقاء الشخصي بين الرئيسين ضروري، سواء من وجهة نظر العلاقات الثنائية الروسية الأميركية أو من وجهة نظر المناقشة والمحادثة الجادة على أعلى مستوى حول الشؤون الدولية والمشكلات الإقليمية، بما في ذلك، بالطبع، الأزمة حول أوكرانيا». كما تطرّق بيسكوف إلى ملف الأمن الأوروبي، وقال إنه من الضروري الشروع في مناقشة القضايا المتعلقة بالاستقرار الاستراتيجي في القارة الأوروبية، في أسرع وقت ممكن.

وكانت موسكو قد رفضت مشاركة الأطراف الأوروبية في مفاوضات إسطنبول، في مسعى للفصل بين الخطين التفاوضيين. ووفقاً لموسكو، فإن مفاوضات إسطنبول تهدف إلى وضع آلية للتسوية في أوكرانيا، في حين أن النقاشات حول الأمن في أوروبا تحتاج إلى مسار تفاوضي مستقل، يرتبط بتحديد أسس لعلاقات موسكو مع الغرب. وقال بيسكوف رداً على سؤال حول آفاق استئناف عمل مجلس «روسيا-الناتو» المعطل حالياً إنه «يجب مناقشة جميع القضايا المتعلقة بالأمن، وبعملية الاستقرار في القارة الأوروبية، ويجب القيام بذلك في أسرع وقت ممكن».

وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (يمين) يلتقي رئيس وفد التفاوض الروسي فلاديمير ميدينسكي في إسطنبول (رويترز)

وفي وقت سابق، ذكرت وكالة «بلومبرغ» نقلاً عن مصدر، أن الولايات المتحدة استكملت اقتراحها لحل الصراع في أوكرانيا بطرح فكرة حول استئناف عمل مجلس روسيا وحلف شمال الأطلسي.

في غضون ذلك، قلل سفير المهام الخاصة في الخارجية الروسية روديون ميروشنيك من أهمية تدخل ترمب بشكل مباشر في ملف التسوية في أوكرانيا. وأوضح السفير المكلف بإدارة ملف «الانتهاكات وجرائم نظام كييف» أن موسكو «تقدر عالياً رغبة إدارة الرئيس الأميركي في حل الصراع في أوكرانيا سلمياً، لكننا نحتاج إلى تفاصيل، ونحتاج إلى مناهج عملية، وإلى عمل دؤوب وجاد، ونحن مستعدون لهذا العمل».

وزاد أن الولايات المتحدة، غيّرت منهجها خلال الأشهر القليلة الماضية جذرياً تجاه روسيا، والرغبة في دفع تسوية سياسية ونحن بطبيعة الحال، نُقدّر هذه الرغبة تقديراً كبيراً، لكنه أضاف أن تدخل ترمب الشخصي «ليس ضرورياً في هذه المرحلة».

وعلّق على تصريح الرئيس الأميركي بأنه «من دونه لن ينجح شيء»، بتأكيد أنه «يمكن إجراء هذه المفاوضات ببساطة من دون مشاركة ترمب، ولم تكن مشاركة ترمب الشخصية متوقعة، بطبيعة الحال، لأن هذه مبادرة روسية. إنها مفاوضات عمل يجب أن تُشكّل موقفاً موحداً، وأن تجد خيارات تسوية، وتصنفها، وتضعها على الورق، وتبلور مشروعات. على غرار ما حدث خلال جولة المفاوضات السابقة في 2022، عندما ظهرت وثيقة معينة وقّع عليها الطرفان بالأحرف الأولى؛ لذلك، فإن فريقي التفاوض حالياً مدعوان لإنجاز هذه المهمة».

صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

وفي الوقت نفسه، أكد السفير أنه لا يمكن التقليل من تأثير الولايات المتحدة على نظام كييف؛ ولذلك، وفقاً لميروشنيك، سيكون من المفيد أن تستمر واشنطن في الضغط على أوكرانيا للبحث عن خيارات للتسوية السلمية.

وحول سير المفاوضات التي تجري خلف أبواب مغلقة، أوضح ميروشنيك، جانباً من التفاصيل المتعلقة بالاقتراحات المقدمة من جانب موسكو. وقال إن هناك فرصة لأن تتمكن مجموعات التفاوض الروسية والأوكرانية في إسطنبول من إيجاد آلية لتسوية الصراع في أوكرانيا.

وقال مسؤول أوكراني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن روسيا قدّمت إلى أوكرانيا مطالب «غير مقبولة» خلال المباحثات في إسطنبول، شملت تخلي كييف عن مزيد من الأراضي. وأوضح المسؤول أن «أعضاء الوفد الروسي قدّموا مطالب غير مقبولة، تتجاوز ما تمّ البحث به قبل الاجتماع»، من ضمنها «انسحاب القوات الأوكرانية من مساحات واسعة من الأراضي الأوكرانية التي تُسيطر عليها، من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار». وعدّ المصدر أن هذه الطلبات «غير مقبولة» وتهدف إلى حرف المفاوضات عن مسارها.

وأشار إلى أنه «علينا أن نمر عبر المسار الأول، أي التوصل إلى اتفاق لتحقيق السلام، أي إيجاد آلية التسوية نفسها، والمجموعات التي تشكلت من الجانبين قادرة تماماً على القيام بذلك».

وتابع أن فريقي التفاوض «يمكنهما تطوير نموذج يكون مقبولاً لكل من روسيا وأوكرانيا، ويقبله المجتمع الدولي. هناك مثل هذه الفرص»، لكنه شكك في الوقت ذاته بجدية كييف، وقال إن الجانب الروسي فعل كل ما بوسعه لتنظيم المفاوضات في إسطنبول، و«قدمنا صياغات باقتراحات محددة في إطار وثائق معروضة للنقاش، لكن لا يمكن تحمل مسؤولية تصرفات وسلوك خصم غير مسؤول ومتقلب وغير قابل للتنبؤ». وزاد أن كييف «حاولت تحويل عملية عقد محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول إلى نوع من الاستعراض المسرحي، لكنها فشلت».

وجدد ميروشنيك رفض بلاده وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، وقال إن اقتراح أوروبا حول «وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً سيسمح لكييف بإعادة التسلح والوصول إلى مستوى جديد من التصعيد، وهذه ليست خطوة نحو السلام».

وشدد: «نحن نفهم بوضوح أن الجانب الأوكراني يحتاج إليها (الهدنة) فقط لتعزيز مواقعه بشكل أكبر، وبناء التحصينات، والتزود بالأسلحة، وإعادة تجميع القوات والموارد، وما إلى ذلك. أي من أجل الوصول إلى مستوى تصعيد جديد خلال شهر. ومن الطبيعي أن هذه الخطوة ليست في اتجاه التسوية، بل في الاتجاه المعاكس».