ألمانيا تدخل حقبة من الإنفاق العسكري غير المسبوق منذ هزيمة النازيين

البرلمان يوافق على تعديل دستوري يسمح بالاستدانة دون حدود للتمويل الدفاعي

المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس يصوت على القانون الجديد داخل الـ«بوندستاغ»... (أ.ب)
المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس يصوت على القانون الجديد داخل الـ«بوندستاغ»... (أ.ب)
TT

ألمانيا تدخل حقبة من الإنفاق العسكري غير المسبوق منذ هزيمة النازيين

المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس يصوت على القانون الجديد داخل الـ«بوندستاغ»... (أ.ب)
المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس يصوت على القانون الجديد داخل الـ«بوندستاغ»... (أ.ب)

طوت ألمانيا صفحة الحذر في الإنفاق العسكري، التي حكمتها منذ هزيمة النازيين، لتدخل حقبة من الإنفاق الدفاعي غير المحدود، لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، مدفوعة بشكل أساسي بالمخاوف من انسحاب أميركي من حماية أوروبا.

وصوّت البرلمان الألماني على تعديل دستوري وُصف بأنه «تاريخي»، يلغي الحد من الإنفاق العام، مما يفتح الباب أمام الحكومة للاستدانة بشكل غير محدود لتمويل الحرب في أوكرانيا وتأهيل الجيش الألماني الهرِم، الذي حرصت الحكومات المتعاقبة منذ نهاية الحرب على إبقائه ضعيفاً، غير قادر حتى على الصمود في وجه اعتداء محتمل لأكثر من يومين.

وكانت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل قد أدخلت في الدستور عام 2009 بند منع الاستدانة بأكثر من 35 في المائة من الناتج الإجمالي العام، بعد انهيار الأسواق العالمية عام 2008، إلا في حالات الطوارئ. واستخدمت حكومة المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتس «بند الطوارئ» خلال أزمة «كورونا» للاستدانة والمساعدة في إطلاق عجلة الاقتصاد، ثم بعد الحرب في أوكرانيا ووقف الغاز الروسي، الذي كان يؤمن معظم احتياجات ألمانيا من الغاز، بشكل مفاجئ.

بوريس بيستوريوس مع المستشار أولاف شولتس داخل الـ«بوندستاغ»... (رويترز)

وحاول شولتس تعديل البند الدستوري مع شريكيه، حزبَي «الخضر» و«الليبراليين»، للمساعدة على نهوض الاقتصاد الألماني الذي يعاني من الركود منذ عامين، ولكن معارضة الليبراليين ذلك الأمر أدت إلى انهيار حكومته والدفع بالبلاد إلى انتخابات مبكرة فاز فيها «الحزب المسيحي الديمقراطي» بزعامة فريدريش ميرتس.

ورغم أن ميرتس تعهد خلال الحملة الانتخابات بعدم الاستدانة، فإنه سرعان ما اضطر إلى الرد على المتغيرات السريعة الآتية من واشنطن، التي بدأت تظهر بعد أيام قليلة من فوز حزبه بالانتخابات. وفوجئ ميرتس بتصريحات جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن ودعمه حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، وكذلك بوصف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بأنه «ديكتاتور».

وسريعاً بدل ميرتس مواقفه من الاستدانة، ودخل في محادثات طارئة مع «الحزب الاشتراكي» الذي أعلن عزمه تشكيل حكومة ائتلافية معه؛ لأن حزبه لم يفز بالأغلبية، وهو بحاجة لتشكيل ائتلاف للحكم. وقبل بدء مفاوضات تشكيل الحكومة، اتفق الحزبان على إدخال التعديلات الدستورية سريعاً للسماح بزيادة الإنفاق الدفاعي.

واشترط «الحزب الاشتراكي» لدعم الإنفاق الدفاعي إنفاقاً موازياً على البنى التحتية، وهو ما وافق عليه البرلمان كذلك على شكل صندوق خاص قيمته 500 مليار يورو تُصرف في السنوات الـ12 المقبلة لتمويل مشروعات بنى تحتية. كما اضطر الحزبان إلى تقديم تنازلات لحزب «الخضر» الذي كانا بحاجة إلى دعمه القانون كي يمر في البرلمان، ووافقا على إدخال بند الاستثمار في مشروعات طاقة خضراء بقيمة 100 مليار يورو وإضافة بند في الدستور يتعهد بأن تصبح ألمانيا دولة خالية من انبعاثات أكسيد الكربون بحلول عام 2054.

وتعديل الدستور بحاجة إلى ثلثي أصوات البرلمان؛ مما جعل من حزب ميرتس محتاجاً إلى أصوات «الاشتراكيين» و«الخضر». وسارع ميرتس لتمرير القانون في البرلمان القديم قبل أن يلتئم البرلمان الجديد في 25 مارس (آذار) الحالي؛ بسبب حصول حزبَي «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف وحزب «دي لينكا» من أقصى اليسار، على أكثر من ثلث الأصوات، وكلاهما يعارض زيادة الاستدانة والإنفاق العسكري.

وبرر ميرتس، بكلمة توجه فيها إلى النواب قبل التصويت، سعيه لرفع شرط الاستدانة بالقول إن هذه الخطوة يمكن تبريرها «فقط بسبب ظروف استثنائية»، مضيفاً أن هذه الظروف يحددها بشكل أساسي «اعتداء روسيا على أوروبا». وتابع أنه «ليس فقط دفاع ألمانيا ما يعتمد على تصويت البوندستاغ، ولكن أيضاً (الحلفاء في حلف شمال الأطلسي - ناتو، والاتحاد الأوروبي) الذي ينظرون إلينا، بقدر ما ينظر إلينا أعداؤنا».

نواب حزب «دي لينكا» من أقصى اليسار يرفعون لافتات داخل الـ«بوندستاغ» اعتراضاً على تعديل الدستور (أ.ف.ب)

ويعدّ حزب ميرتس متشدداً أكثر من «الاشتراكيين» في دعم أوكرانيا، ولطالما انتقد تلكؤ شولتس في دعم كييف خلال السنوات الثلاث الماضية.

وطلب وزير الدفاع في الحكومة المنتهية ولايتها، بوريس بيستوريوس والمنتمي إلى الحزب «الاشتراكي»، دعم خطط الإنفاق العسكري، وقال إن ألمانيا «تواجه أعظم تحدٍّ أمني في تاريخها»، مضيفاً أن من ينفي ذلك «يكون منكِراً للواقع». وأضاف: «نحن نواجه عصراً جديداً في أوروبا وفي ألمانيا وفي حلف (الناتو) ومستقبل أجيالنا، واليوم الأمر يتعلق بأمن أولادنا وأحفادنا». وأشار إلى أن الإنفاق العسكري سيسمح بـ«تعزيز قدراتنا الدفاعية» بشكل كبير.

ووجه نواب من حزب «البديل من أجل ألمانيا» و«دي لينكا» انتقادات لاذعة لميرتس والحزبين «الاشتراكي» و«الخضر» لدعمهما زيادة الإنفاق العسكري. واتهم نواب «البديل من أجل ألمانيا» ميرتس بـ«تزوير» نتائج الانتخابات بسبب اعتماده على البرلمان القديم لتمرير خطته، وبسبب «خداعه» الناخبين بعد تأكيده خلال الحملة الانتخابية أنه لا ينوي رفع سقف الدين العام.

وما زال الأمر يتطلب موافقة الغرفة الأصغر في البرلمان «البوندسرات»، التي تضم ممثلين عن الولايات الألمانية الـ16، على القانون قبل أن يصبح نافذاً. ومن المتوقع أن يوافق المجلس عليه ويمرره في الأيام القليلة المقبلة.

وفي موازاة تمرير القانون، تستمر المشاورات لتشكيل حكومة بزعامة ميرتس مؤلفة من الحزبين «المسيحي الديمقراطي» و«الاشتراكي»، ومن المتوقع أن تنتهي قبل عيد الفصح في 20 أبريل (نيسان) المقبل. ويأمل ميرتس أن يبدأ مهامه بأسرع وقت ممكن، بعد أن كان حذر مراراً بأن المشاورات لا يمكن أن تستمر طويلاً، وبأن «العالم يراقبنا وينتظرنا».

وستكون أمام ميرتس تحديات كبيرة، خصوصاً لناحية العلاقات بواشنطن التي حذر بأنها لم تعد شريكاً موثوقاً به، وانتقد ترمب مراراً في السابق بسبب مواقفه من كييف وزيلينسكي، وكذلك إدارتَه بسبب دعمها حزب «البديل من أجل ألمانيا». واتهم فانس وإيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، بالتدخل في الشؤون الداخلية لألمانيا.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: سأنتظر بوتين في إسطنبول

أوروبا 
جانب من مؤتمر صحافي طرح فيه بوتين عقد مفاوضات مباشرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا أمس (أ.ب)

زيلينسكي: سأنتظر بوتين في إسطنبول

في بادرة إيجابية نادرة، أكّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استعداده للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول الخميس المقبل، معتبراً أنه «لا جدوى.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا بعد ساعة واحدة فقط من انتهاء سريان وقف إطلاق النار (أ.ف.ب)

جنود أوكرانيون: لا بد من انسحاب الروس قبل أي محادثات سلام

قدّم بعض الجنود الأوكرانيين الذين يقاتلون قرب خط المواجهة نصيحة لرئيسهم فولوديمير زيلينسكي؛ لا تتحدث مع موسكو حتى انسحاب القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (منطقة زابوريجيا (أوكرانيا))
الولايات المتحدة​ صورة أرشيفية للرئيسين ترمب وبوتين خلال «قمة العشرين» باليابان في يونيو 2019 (أ.ب) play-circle

ترمب: بدأت أشك في إمكان توصل أوكرانيا إلى اتفاق مع روسيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه «بدأ يشك» في إمكان توصل أوكرانيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا، وحث كييف على لقاء مسؤولين روس في تركيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الكرملين يرفض فكرة نشر قوات «حفظ سلام» أوروبية في أوكرانيا (رويترز)

الكرملين يرفض نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء، اليوم (الأحد)، عن الكرملين، تأكيده رفض فكرة نشر قوات «حفظ سلام» أوروبية في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام في الكرملين بموسكو اليوم (إ.ب.أ)

إردوغان يؤكد لبوتين استعداد تركيا لاستضافة المفاوضات الروسية الأوكرانية

شدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على أن «هناك فرصة» لتحقيق السلام بين موسكو وكييف، مؤكداً أن أنقرة مستعدة لاستضافة أي مفاوضات بين الطرفين.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

بولندا تُحمّل روسيا مسؤولية الحريق في مركز تسوق في وارسو العام الماضي

حريق بمركز «ماريفيلسكا 44» التجاري بشمال العاصمة البولندية وارسو 12 مايو 2024 (رويترز)
حريق بمركز «ماريفيلسكا 44» التجاري بشمال العاصمة البولندية وارسو 12 مايو 2024 (رويترز)
TT

بولندا تُحمّل روسيا مسؤولية الحريق في مركز تسوق في وارسو العام الماضي

حريق بمركز «ماريفيلسكا 44» التجاري بشمال العاصمة البولندية وارسو 12 مايو 2024 (رويترز)
حريق بمركز «ماريفيلسكا 44» التجاري بشمال العاصمة البولندية وارسو 12 مايو 2024 (رويترز)

بعد عامٍ من حريق ضخم دمَّر مركز تسوق في وارسو، اتهم رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك روسيا بالمسؤولية عن إشعال الحريق.

وكتب توسك، على موقع «إكس»، يوم الأحد: «نعرف، الآن، بشكل مؤكَّد أن الحريق الكبير الذي اندلع في مركز ماريفيلسكا للتسوق جرى إشعاله بشكل متعمَّد بتحريض من أجهزة الاستخبارات الروسية».

وأفاد رئيس الوزراء بأن بعض الجُناة المشتبَه بهم كانوا بالفعل في الحجز، في حين جرى تحديد هوية آخرين، وتجري مُلاحقتهم، وتعهَّد قائلاً: «سوف نقبض عليهم جميعاً»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأصدر وزيرا الداخلية والعدالة البولنديان بياناً مشتركاً يؤكد أنه جرى جمع أدلة شاملة بعد عامٍ من التحقيقات، مِن بينها وثائق قدَّمها المشتبه بهم أثناء الجريمة.

كان الحريق الذي اندلع يوم 12 مايو (أيار) 2024 في مركز «ماريفيلسكا 44» التجاري في شمال العاصمة وارسو، قد دمَّر نحو 1400 متجر ومحل. ولم يجرِ الإبلاغ عن أي إصابات. وأكد المحققون، في وقت لاحق، أنه جرى إشعال النار في مواقع متعددة.

وفي وقت لاحق، أعلن وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أن بلاده قررت إغلاق القنصلية الروسية في كراكوف على خلفية «عملية تخريب». وقال سيكورسكي على منصة «إكس»: «نتيجة أدلة على أن أجهزة المخابرات الروسية هي التي نفذت عملية التخريب المشينة ضد مركز ماريفيلسكا للتسوق، قررتُ سحب تصريحي الممنوح لأنشطة القنصلية الروسية في كراكوف».

وتعهّدت روسيا «الرد بشكل مناسب» على قرار بولندا إغلاق قنصلية موسكو في كراكوف. وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن «وارسو تواصل تقويض العلاقات عمدا إذ تتصرف بشكل يتعارض مع مصالح مواطنيها»، مضيفة بأنها ستتخذ «قريبا ردا مناسبا على هذه الخطوات غير المناسبة».