طرحت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية سؤالا بشأن مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو) وهل نهايته اقتربت؟ وذلك تعليقاً على مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بشروط تخشى كييف وحلفاؤها الأوروبيون في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن تكون مواتية لروسيا.
وقالت الصحيفة إن ترمب من أشد المعجبين برئيس وزراء بريطانيا السابق خلال الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل، وتساءلت: ماذا قد يفعل الزعيم الأسطوري لبريطانيا إذا حضر مؤتمر ميونيخ للأمن في عام 2025؟

وذكرت مقولة تشرشل لرئيس وزراء بريطانيا آنذاك نيفيل تشامبرلين هذه المدينة البافارية قبل 87 عاماً، ممسكاً بقطعة ورق تبين أنها لا معنى لها بعد توقيع معاهدة ميونيخ مع زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر: «لقد أعطيت الاختيار بين الحرب والعار. لقد اخترت العار وستحصل على الحرب».
وتابعت: «هل سيكون هذا رد فعل تشرشل على مساعي ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بشروط تخشى كييف وحلفاؤها الأوروبيون أن تكون مواتية لموسكو ولا تعني سوى حرب أكبر أخرى في المستقبل؟».
وذكرت أن كلمة «التهدئة» التي تتردد على ألسنة الأوروبيين في المؤتمر، وبالنسبة لأولئك الأكثر حساسية للتاريخ ــ مثل وزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس ـ لها الصدى نفسه الذي قيلت فيه بميونيخ نحو عام 1938 قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية لاحقاً بسنوات قليلة.
وذكرت أنه بينما يجتمع المسؤولون الأوروبيون لحضور المؤتمر، ما زالوا يشعرون بحالة ذهول من المكالمة الهاتفية التي استمرت 90 دقيقة بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلاً عن الخطاب الذي ألقاه وزير الدفاع الأميركي بيتر هيغسيث في منتصف الأسبوع في بروكسل. وبالنسبة لوزير الخارجية الليتواني السابق غابريليوس لاندسبيرجيس، كان التحذير الأكثر تجاهلاً ورعباً لهيغسيث من أن «الحقائق» ستمنع الولايات المتحدة من أن تكون ضامنة لأمن أوروبا، بعبارة أخرى لا دعم أميركي.
ومثله كمثل الآخرين، يشعر لاندسبيرجيس بنهاية عصر الناتو، وقال: «قد يكون هذا بمثابة بداية نهاية حلف شمال الأطلسي وخاصة عندما تدمج ذلك مع ما أعتقد أن واشنطن ستعلن عنه قريباً - انسحاب 20 ألف جندي أميركي من أوروبا».
وكان هيغسيث قال للأوروبيين: «إنكم لا تستطيعون أن تفترضوا أن وجود أميركا سيستمر إلى الأبد».

وذكرت الصحيفة أن المشرعين الأميركيين الذين حضروا المؤتمر حاولوا تقديم بعض الطمأنينة لأوروبا القلقة وإن لم يكن ذلك مفيداً كثيراً، وكان من بينهم السيناتور روجر ويكر، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، الذي قال لبوليتيكو إن هيغسيث ارتكب «خطأ يرتكبه شخص مبتدئ، ولا أعرف من كتب الخطاب لكن ربما يكون قد كتبه (الإعلامي) تاكر كارلسون الأحمق»، ولكنه لفت إلى «وجود الكثير من الأشخاص الجادين حول ترمب الذين يستمع إليهم».
وأشار ويكر إلى أن هيغسيث تراجع بالفعل عن بعض تصريحاته الأكثر قسوة، لكنه أقر بأن هيغسيث لم يفعل ذلك بعد عندما يتعلق الأمر بخسارة أوروبا للضمان الأمني الأميركي، وهو ما يقوض المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسي التي تلزم أعضاء التحالف بالدفاع الجماعي.
وهذا التصريح، أكثر أهمية، إلى جانب تصريحات قاسية مثل: «لا تخطئوا، لن يسمح ترمب لأحد بتحويل العم سام إلى عم مغفل».
وقال كير جايلز، من مركز أبحاث تشاتام هاوس في بريطانيا «إن النهج المباشر الذي يتبناه ترمب تجاه بوتين، إلى جانب إبلاغ وزير الدفاع هيغسيث للحلفاء في بروكسل بأن الولايات المتحدة تتقبل بشكل استباقي لبعض المطالب الأساسية لروسيا قبل أن تبدأ المحادثات حتى، يشكل ضربة مزدوجة ليس فقط لأوكرانيا بل وأيضاً لمستقبل أوروبا».
وأضاف: «قبول أن المعتدي يمكنه الاحتفاظ بالأراضي التي استولى عليها في مقابل مناشدة السلام لا يمكن أن تكون أوجه التشابه مع عام 1938 أكثر وضوحاً إلا إذا رفع ترمب مذكرة وقال إن بوتين أكد له أنه لا يملك أي طموحات إقليمية أخرى في أوروبا».
وفي الوقت نفسه، فإن خطاب نائب ترمب، جيه دي فانس في ميونيخ، الذي ركز على انتقاد الممارسة الديمقراطية في أوروبا، لا يفعل شيئاً لتخفيف المخاوف الأوروبية، لا مخاوف الأميركيين المؤيدين لحلف شمال الأطلسي.
وقال الأكاديمي والدبلوماسي الأميركي السابق مايكل ماكفول: «فكر في جرأة شخص ترشح مع رجل ألهم أعمال شغب ضد الكونغرس في عام 2020، ليأتي إلى أوروبا ويقول: (يا رفاق، لديكم مشاكل مع الديمقراطية، ولدينا أزمة دستورية مستمرة الآن مع تجاوز السلطة التنفيذية وصحة الديمقراطية الأميركية)».
وأضاف أن «فانس تجاهل المشكلة الأكثر وضوحاً وهى حرب أوكرانيا، كان بإمكانه استخدام الخطاب لتوضيح موقفهم التفاوضي واختار عدم القيام بذلك».

وقال الدبلوماسي الألماني السابق فولفغانغ إيشنغر لبوليتيكو إن «أوروبا ربما كانت بحاجة إلى الصعق الكهربائي»، حتى تصبح أكثر ميلاً إلى التقدم والاعتماد على الذات.
وأضاف أن «القادة الأوروبيين يتحملون جزئياً اللوم على الموقف الذي يشكون منه الآن لقد تلقوا تحذيراً كافياً بشأن ما قد تنطوي عليه فترة ولاية الرئيس الأميركي الثانية، ومع ذلك تحركوا ببطء شديد لزيادة إنفاقهم الدفاعي على الحلف الأطلسي».
وقال أحد كبار الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، الذي سُمح له بعدم الكشف عن هويته للتحدث بصراحة: «لدينا الآن تحالف بين رئيس روسي يريد تدمير أوروبا ورئيس أميركي يريد أيضاً تدمير أوروبا، لقد انتهى الحلف الأطلسي».