أصبح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ضيفاً دائماً على القمم الغربية؛ أكانت «أطلسية» أم «أوروبية» أم ضمن «مجموعة السبع». وكان مساء الأربعاء ضيفاً على اجتماع «أطلسي» في بروكسل ضمّ، إلى جانب الأمين العام لـ«الحلف»، مارك روته، مجموعة من القادة الأوروبيين الأكبر انغماساً في توفير الدعم متنوع الأشكال لأوكرانيا.
وفي السيّاق عينه، سيستفيد زيلينسكي من وجوده في عاصمة «الاتحاد الأوروبي» ليحضر القمة الأوروبية، الخميس، التي تتميز عن غيرها بأمرين؛ إذ إنها، من جهة، آخر قمة لقادة التكتل في العام الموشك على الانتهاء، ومن جهة ثانية تلتئم فيما يتحضر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب للعودة إلى البيت الأبيض. ولم تعد ثمة حاجة للتذكير بأن القادة الأوروبيين ينتابهم القلق من وجود ترمب في المكتب البيضاوي لما يمثله من انعطافة حادة بالنسبة إلى السياسة إزاء الحرب الروسية - الأوكرانية، التي سارت عليها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أعوام الفترة المنقضية. من هنا، فإن أحد أهم أهداف قمة الأعضاء الـ27 يتمثل في محاولة رسم «سيناريوهات» لما يجب عليهم فعله في حال نفذ ترمب تهديداته (بشأن التعامل مع الحرب في أوكرانيا وأيضاً التعامل مع أوروبا) التي أعاد التأكيد عليها خلال الاجتماع الثلاثي الذي جرى مساء 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في «قصر الإليزيه» بحضور ترمب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأوكراني زيلينسكي. ووفق أكثر من مصدر، فإن الأخير لم يحصل على ضمانات من ترمب لجهة مواصلة سياسة سلفه في البيت الأبيض؛ لا بل إنه خرج «خائباً» من الاجتماع.
«آلية التسهيلات المالية»
في العرض الذي قدمته مصادر رئاسية فرنسية لمجريات قمة الخميس الأوروبية، أفادت بأن الملف الأوكراني سيكون «رئيسياً» لجهة تجديد التأكيد على دعم أوكرانيا في كل المجالات السياسية والعسكرية والمالية، مشيرة إلى أن القادة الـ27 سيُفعّلون، مرة جديدة، ما تسمى «آلية التسهيلات المالية» لأوكرانيا. وهذه «الآلية» التي أُقرت في شهر يوليو (تموز) الماضي تقضي بتوفير مبلغ 50 مليار يورو لأوكرانيا، منها 33 ملياراً من القروض، و17 ملياراً من المساعدات للمدة من عام 2024 إلى 2027.
يذكر أن هذه الحزمة لا تشمل المساعدات العسكرية الأوروبية، التي تكون إما ثنائية وإما بشكل جماعي، والتي تستفيد من آليات أخرى موازية. وحتى اليوم، حصلت كييف على مبلغ 16.3 مليار يورو من «آلية التسهيلات» المخصصة لدعم ميزانية البلاد وللمشاريع الاستثمارية وبرامج المساعدات التقنية، ومنها تحضير أوكرانيا للانضمام إلى «الاتحاد الأوروبي». يُضاف إلى ما سبق أن «الاتحاد الأوروبي» يساهم بـ20 مليار دولار من مبلغ الـ50 مليار دولار الذي أنفقته «مجموعة السبع» هذا العام لمساعدة أوكرانيا.
بيد أن الأوروبيين سيعمدون إلى إقرار حزمة عقوبات إضافية على روسيا التي ستتناول، هذه المرة، ما يسميها الأوروبيون «البواخر الشبحية» التي تهرب البترول الروسي، وتنقله إلى الأسواق في شرق آسيا علانية، في التفاف على العقوبات المفروضة منذ فبراير (شباط) 2022 على المؤسسات الحكومية والشركات الروسية. بالإضافة إلى ما سبق، فإن القادة الـ27 سيوجهون رسالة إلى كييف للتعبير عن عزمهم دعمها لتعزيز قطاع الطاقة الذي تستهدفه الضربات الروسية بشكل رئيسي.
مخاوف «أوروبية»... و«أطلسية»
ويتشابك ما يقوم به «الاتحاد الأوروبي» مع ما يفعله «الحلف الأطلسي»، فالأكثرية الساحقة من أعضاء «الاتحاد» هي، في الوقت نفسه، أعضاء في «الحلف الأطلسي». وليس سراً أن المخاوفَ من السياسة الأميركية المقبلة «أوروبيةٌ» و«أطلسيةٌ» في الوقت عينه. ونقل عن دبلوماسي غربي، قبل اجتماع الأربعاء المسائي، إن الغرض من لقاء قادة من «الحلف» مع أمينه العام، مزدوج، فسيُنظَر في كيفية التعاطي مع الإدارة الأميركية المقبلة من جهة؛ وفي ما يمكن فعله من أجل أوكرانيا من جهة أخرى.
ووفق مصادر دبلوماسية في باريس، فإن الأوروبيين «ينظرون في ما قد ترتّبه عليهم مواصلة دعم أوكرانيا في حال توقف الدعم الأميركي». وخوفهم الآخر أن «تنتقل عدوى الامتناع الأميركية إلى عدد من الدول الأوروبية»، علماً بأن دولاً مثل المجر وسلوفاكيا، وربما غيرهما، ستجد في «التراجع» الأميركي «حجة» لتبرير تراجعها، خصوصاً أن الرأي العام يتساءل بشأن إلى متى ستتواصل «التضحيات الأوروبية».
وتشارك في الاجتماع «الأطلسي» المصغر فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وبريطانيا ورئيس «المجلس الأوروبي» ورئيسة «المفوضية الأوروبية». وثمّة تساؤلات عن مستقبل السياسة الألمانية على ضوء الانتخابات المقررة في ألمانيا خلال فبراير (شباط) المقبل، وكذلك عن الدور الذي سيواصل الرئيس إيمانويل ماكرون القيام به، فيما تعاني فرنسا من أزمة سياسية وهي تعيش في ظل حكومة مستقيلة لم تصمد أمام أول امتحان في البرلمان.
عودة المفاوضات
ثمّة أمر آخر بالغ الأهمية عنوانه «ازدياد الحديث عن قرب العودة إلى طاولة المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا»، والظروف التي قد تجري فيها. والقناعة الغربية أن أوكرانيا لن تستطيع استعادة الأراضي التي خسرتها شرق البلاد، وقبلها شبه جزيرة القرم، بالقوة. وهو ما أشار إليه زيلينسكي شخصياً بتصريحه أنه سيكون على كييف استعادة بعض الأراضي بالدبلوماسية. ولأن الرئيس الأوكراني وصل إلى قناعة مفادها بأن الانضمام إلى «الحلف الأطلسي» مستبعد بسبب رفض واشنطن، رغم دعم 6 دول أوروبية الانضمام، فإنه أخذ يبحث عن «ضمانات أمنية» من شأنها طمأنة الأوكرانيين إلى أن روسيا لن تبادر إلى حرب أخرى ضد بلادهم.
ويريد ترمب وقفاً سريعاً لإطلاق النار، الأمر الذي شدد عليه خلال اجتماع «الإليزيه» الثلاثي. وترجمة هذا الطلب عملياً تعني تجميد القتال على الخطوط الحالية. وثمة قناعة في باريس بأن ترمب يرى أن على أوكرانيا أن تضحي بالمناطق الأربع التي خسرتها، إضافة إلى القرم التي سبق لروسيا أن ضمتها وقد جعلت الاعتراف بهذه المتغيرات «شرطاً أساسياً» للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
بعد شهرين من الآن، ستدخل الحرب عامها الثالث. ورغم المساعدات العسكرية الهائلة التي قدمها الغربيون للقوات الأوكرانية، والسماح لها باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، فإن الميزان العسكري لا يزال يميل لمصلحة روسيا. وبالتالي، فإن هَمّ الغربيين هو توفير الدعم الكافي لأوكرانيا حتى لا تدخل إلى هذه المفاوضات بموقف ضعيف. ثم إذا جُمّد القتال، فستبرز الحاجة إلى نشر قوة غربية لمراقبة خط الهدنة، وتوفير الضمانات الأمنية لأوكرانيا. لكن السؤال مزدوج ويتناول؛ من جهة، معرفة الدول الأوروبية الراغبة في إرسال جنودها إلى أوكرانيا، ومن جهة ثانية ما ستفعله الإدارة الأميركية ومدى استعدادها للمساهمة في قوة كهذه.