الكرملين «يدرس الخيارات» وسط تعهد بمواصلة دعم الأسد في سوريا

استبدال قائد القوات الروسية بعد الفشل في توقع التطورات العسكرية

إطفاء الحرائق التي اندلعت بعد غارة جوية استهدفت مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة شمال سوريا الاثنين (أ.ف.ب)
إطفاء الحرائق التي اندلعت بعد غارة جوية استهدفت مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة شمال سوريا الاثنين (أ.ف.ب)
TT

الكرملين «يدرس الخيارات» وسط تعهد بمواصلة دعم الأسد في سوريا

إطفاء الحرائق التي اندلعت بعد غارة جوية استهدفت مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة شمال سوريا الاثنين (أ.ف.ب)
إطفاء الحرائق التي اندلعت بعد غارة جوية استهدفت مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة شمال سوريا الاثنين (أ.ف.ب)

وسَّعت موسكو انخراطها السياسي والعسكري في مواجهة تقدم قوات المعارضة السورية في حلب وإدلب. وتزامن الإعلان عن ضربات جوية واسعة النطاق استهدفت مَن وصفتهم بـ«مئات الإرهابيين وقواعد دعم وإسناد»، مع إطلاق وسائل الإعلام الحكومية الروسية حملة واسعة هاجمت قوات المعارضة وربطت التطورات السورية بتدخل مباشر من واشنطن وكييف. وترددت معطيات عن تعيين جنرال ارتبط اسمه بحملات قوية في سوريا في السابق، قائداً عاماً جديداً للقوات الروسية في هذا البلد؛ ما أوحى بتحضير لتعزيز زخم الحضور العسكري الروسي في المواجهات الجارية.

وأُعلن في موسكو، الاثنين، أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الإيراني مسعود بزشكيان تناولت الوضع في سوريا. وأفادت الخدمة الصحافية للكرملين في بيان، بأن الرئيسين أكدا على «أهمية تنسيق الجهود ضمن صيغة أستانا بمشاركة تركيا، لحل الوضع في سوريا».

وجاء في البيان: «تم الإعراب عن الدعم غير المشروط لتحركات السلطات الشرعية في سوريا لاستعادة النظام الدستوري والسلامة الإقليمية للبلاد، وتم التأكيد على أهمية تنسيق الجهود في إطار صيغة أستانا بمشاركة تركيا».

أرشيفية تعود لديسمبر 2017 لحضور بوتين والأسد ووزير الدفاع الروسي شويغو عرضاً عسكرياً بالقاعدة الجوية الروسية في حميميم قرب اللاذقية (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، شدد الكرملين على مواصلة دعم الرئيس السوري بشار الأسد، وقال إنه «يدرس خيارات لتحقيق الاستقرار». وقال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف، إن بلاده «تحلل الوضع في سوريا وستصوغ موقفاً بشأن ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار في الوضع».

وأوضح في إيجاز صحافي، الاثنين: «نواصل اتصالاتنا على المستويات المناسبة، ونقوم بتحليل الوضع، وسيتم تشكيل موقف بشأن ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار في الوضع». وقال الناطق إن روسيا: «تواصل بالطبع دعم الرئيس الأسد وسط تدهور الوضع في سوريا».

وبدا المزاج الإعلامي الرسمي منسجماً مع هذا الخط؛ إذ نشرت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية سلسلة تقارير تهاجم بشدة قوات المعارضة السورية التي توصف في موسكو، بأنها «جماعات إرهابية»، واتهمتها بارتكاب أعمال تخريب واسعة النطاق في المناطق التي سيطرت عليها. لكن الأبرز من ذلك، كان الاستناد إلى «مصادر قريبة من أجهزة الاستخبارات السورية»، أكدت أن تحرك قوات المعارضة بإسناد مباشر وقوي من جانب واشنطن وكييف.

ووفقاً لتقرير الوكالة، فقد «تمكن إرهابيو (جبهة النصرة) من الاستيلاء على حلب بفضل المستشارين الأوكرانيين الذين ساعدوا في إعداد الطائرات من دون طيار، فضلاً عن استخدام الطائرات الأميركية المتقدمة. والتكنولوجيات، بما في ذلك الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية ومعدات الحرب الإلكترونية».

مقاتلان من المعارضة السورية على دراجة نارية في مطار النيرب العسكري بعد السيطرة على المنشأة في ضواحي حلب الاثنين (أ.ب)

وقال المصدر للوكالة الروسية، إن «المسلحين ليس لديهم خبرة في استخدام التقنيات العالية، ولم يكن من الممكن إتقانها من دون مستشارين من أوكرانيا، من الحزب الإسلامي التركستاني (المحظور في روسيا)، والضباط السوريين الذين انحازوا إلى جانب الإرهابيين»، بحسب تعبيره. مشيراً إلى أنه «لأول مرة منذ عام 2011، يواجه الجيش السوري أنظمة حرب إلكترونية قوية». وزاد أن «مرافق الاتصالات التابعة للجيش تعرّضت لتشويش كبير أثناء الهجوم الإرهابي».

تزامن ذلك، مع تذكير وكالة «نوفوستي» بأنها نشرت في سبتمبر (أيلول) الماضي، تقريراً يؤكد أن «مدربين عسكريين أوكرانيين وصلوا إلى محافظة إدلب ودرَّبوا إرهابيي (هيئة تحرير الشام) على إنتاج وتحديث طائرات من دون طيار».

في الوقت ذاته، نقلت منصات حكومية روسية تقارير منسوبة لوكالة «سانا» السورية، حول أن «الإرهابيين بدأوا عمليات نهب جماعية في مدينة حلب واختطاف المواطنين». تزامنت هذه الحملة الإعلامية، مع صدور بيانات متتالية حول التحركات العسكرية الميدانية للقوات السورية مدعومة بغطاء جوي روسي. وأفاد بيان نُشر صباح الاثنين، بأن «القوات السورية، بدعم من القوات الجوية الروسية، قضت خلال الساعات القليلة الماضية على أكثر من 400 إرهابي، بينهم مرتزقة أجانب».

وجاء في البيان أنه تم توجيه ضربات دقيقة على مواقع تمركز المسلحين، وقواعد انطلاقهم ومراكز الإسناد التابعة إليهم. وأضاف أنه «خلال 24 ساعة، هاجم الجيش السوري بدعم روسي مواقع الإرهابيين وطرق إمدادهم في محافظتي حلب وإدلب، ودمر خمسة مقار وسبعة مستودعات ذخيرة وطائرات مسيّرة».

صورة من الجو لإطفاء حرائق اندلعت بعد غارة جوية استهدفت مدينة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة الاثنين (أ.ف.ب)

كما نفذت الطائرات الحربية السورية والروسية، بحسب البيان، سلسلة ضربات على ما وصفته بـ«تجمعات الإرهابيين وعلى طرقاتهم في منطقة قرية سفيرة شرق محافظة حلب؛ ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من الإرهابيين».

صورة تجمع ألكسندر تشايكو مع رئيس الأركان السوري علي محمود عباس أثناء الإشراف على تدريبات مشتركة يونيو 2022 (جريدة كراسنايا فيسنا المختصة بالشؤون العسكرية)

في الأثناء، جاء قرار استبدال قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا، الفريق سيرغي كيسيل، ليؤكد أن موسكو تدرس خيارات لتوسيع تحركها العسكري. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع لم تعلن رسمياً عن إقالة كيسيل وتعيين الجنرال ألكسندر تشايكو صاحب الخبرة الطويلة في سوريا مكانه، لكن منصات إلكترونية قريبة من الوزارة أكدت المعطيات. ونقلت تحليلات لمراسليها العسكريين حول أسباب الاستبدال، وإفادات حول نشاط تشايكو الحاصل على وسام «بطل روسيا» بعد مساهمته الواسعة في السابق في معركة حلب وعدد من المعارك المفصلية الأخرى في سوريا.

ووفقاً لتحليلات، فإن إقالة كيسيل جاءت لكونه فشل في توقع التطورات العسكرية المتلاحقة في سوريا. علماً بأن هذا الجنرال كان قد أقيل سابقاً من خدمته قائداً لإحدى المجموعات المتقدمة في أوكرانيا بسبب ارتكاب أخطاء أدت إلى توسيع مساحة سيطرة القوات الأوكرانية في حينها وفقاً لمراسلين عسكريين.

الجنرال ألكسندر تشايكو قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا (متداولة)

أما تشايكو، فقد شغل سابقاً منصب قائد المجموعة في سوريا ثلاث مرات. وكان أول جنرال يتولى رئاسة المقر الأساسي للقوات الروسية في سوريا عام 2015، وشهد خلال خدمته معركة حلب في 2016، وأسهم بشكل بارز في سحق قوات المعارضة وإجبارها على الانسحاب من المدينة.

ثم عاد ليتولى قيادة القوات في الفترة من سبتمبر (أيلول) 2019 إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 ومن فبراير (شباط) إلى يونيو (حزيران) 2021. قبل أن يتم تعيينه في رئاسة الأركان ويتولى قيادة بعض الجبهات في أوكرانيا.

وتحدثت تقارير أممية عن شهرة تشايكو بوصفه «قائداً ارتبط اسمه بانتهاكات واسعة في سوريا». وفي عام 2022 أدرجته بريطانيا على لائحة عقوبات بصفته شخصاً «ساهم في قمع شديد للمدنيين السوريين».

اللافت، أن منصات إلكترونية قريبة من وزارة الدفاع، وضعت عناوين في تغطيتها لتقارير حول تعيينه الحالي أن «إنقاذ سوريا سيكون على يد بطل روسيا تشايكو».


مقالات ذات صلة

طهران ودمشق تتبادلان رسائل غير مباشرة

المشرق العربي لافتة للعلم الإيراني مكتوب عليها باللغة الفارسية «أرض الأمل» في ميدان وسط طهران (إ.ب.أ)

طهران ودمشق تتبادلان رسائل غير مباشرة

قالت طهران إنها تبادلت رسائل مع الإدارة الجديدة في دمشق، خلال تواصل غير مباشر معها، في حين أجرت مباحثات مع روسيا حول التطورات التي تشهدها سوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
المشرق العربي فني يجري إصلاحات في أحد أعمدة الكهرباء ضمن جهود إعادة توصيل الكهرباء إلى مناطق مختلفة في سوريا (سانا)

محافظ حلب: مشكلة الكهرباء بالمحافظة أحد أبرز التحديات

قال عزام غريب محافظ حلب إن مشكلة الكهرباء بالمحافظة أحد أبرز التحديات التي تواجه السكان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرحب بوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في باريس (رويترز)

الشيباني: مؤتمر باريس أكد «ضرورة رفع العقوبات» المفروضة على سوريا

قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، اليوم الجمعة، إن المشاركين في المؤتمر الوزاري حول سوريا في باريس أكدوا على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على بلاده.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الولايات المتحدة​ من جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ (الشرق الأوسط)

واشنطن تناقش سياستها حيال دمشق

السيناتور ريش: «صانعو القرار أمام تحدٍّ كبير للموازنة بين الأخطار ودعم القيادة السورية الجديدة».

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي صورة جماعية تظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوسطاً الوزراء وممثلي الدول بمناسبة المؤتمر الخاص بدعم سوريا الذي عقد الخميس في باريس (رويترز)

لبنان كان حاضراً في المؤتمر الدولي لدعم سوريا بضيافة باريس

دعا ماكرون السلطات السورية لمنع تدفق السلاح من أراضيها إلى لبنان وبيروت تراهن على تدخل فرنسي لثني إسرائيل عن مواصلة احتلالها لخمس نقاط لما بعد 18 فبراير (شباط).

ميشال أبونجم (باريس)

رفض فرنسي وألماني لتصريحات نائب ترمب حول «حرية التعبير»

نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (د.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (د.ب.أ)
TT

رفض فرنسي وألماني لتصريحات نائب ترمب حول «حرية التعبير»

نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (د.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن أمس (د.ب.أ)

ندد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اليوم (السبت) بالانتقادات الشديدة التي وجهها نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس أمس (الجمعة) إلى أوروبا بشأن الهجرة والديمقراطية، مشددا على أن «حرية التعبير مضمونة في أوروبا».

وكتب بارو على منصة «إكس» قبل قليل من إلقاء كلمته في مؤتمر الأمن في ميونيخ: «لا أحد ملزم باعتماد نموذجنا، لكن لا أحد يمكنه فرض نموذجه علينا».

من جانبه، رفض المستشار الألماني أولاف شولتس اليوم (السبت) أي تدخل أجنبي في الانتخابات الألمانية، وذلك بعد أن دعا فانس في كلمة ألقاها في ميونيخ إلى فتح الباب أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة.

وفي حديثه على نفس المنصة في مؤتمر ميونيخ للأمن، رد شولتس على خطاب فانس اللاذع في اليوم السابق، فدافع عن التابوهات الألمانية ضد التعاون مع اليمين المتطرف في الائتلافات الحكومية. وقال شولتس الذي تنظم بلاده انتخابات في 23 فبراير (شباط): «لن نقبل تدخل الغرباء في ديمقراطيتنا وفي انتخاباتنا. هذا غير لائق، وخاصة بين الأصدقاء والحلفاء»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

استهل شولتس خطابه بالإشارة إلى زيارة فانس السابقة لمعسكر الاعتقال النازي داخاو قرب ميونيخ، وتعهُده عدم السماح بارتكاب مثل هذه الجرائم «أبدا مرة أخرى». وقال شولتس إن جرائم الهولوكوست هي السبب وراء «معارضة الغالبية العظمى من الألمان بشدة لأولئك الذين يمجدون أو يبررون» النازيين. وأوضح أن ذلك كان شيئا فعله أعضاء حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف في ألمانيا من خلال التقليل من شأن جرائم النازية. وقال شولتس: «لا يمكن التوفيق بين الالتزام بعدم تكرار ما حدث ودعم حزب (البديل من أجل ألمانيا)». وأضاف: «لهذا السبب لن نقبل تدخل الغرباء في ديمقراطيتنا وفي انتخاباتنا، وفي التشكيل الديمقراطي للرأي لصالح هذا الحزب». وتابع: «هذا غير لائق وخصوصا بين الأصدقاء والحلفاء... نحن نقرر بأنفسنا كيف ستمضي ديمقراطيتنا».

وعندما سئل بإلحاح بشأن تصريحات فانس خلال جلسة أسئلة وأجوبة قال: «نحن واضحون تماما في أن اليمين المتطرف يجب أن يظل خارج عملية صنع القرار السياسي وأنه لن يكون هناك تعاون معهم».

وشن فانس هجوما واسع النطاق ضد أوروبا وألمانيا بشكل خاص، واتهمهما بفرض قيود على حرية التعبير واستبعاد الأحزاب التي تعبر عن مخاوف قوية بشأن الهجرة. وقال نائب الرئيس الأميركي في كلمته في مؤتمر ميونيخ للأمن إن «الديمقراطية ترتكز على المبدأ المقدس المتمثل في أن صوت الشعب مهم». وأضاف: «لا مجال لجدران العزل»، في إشارة إلى الموقف التقليدي للأحزاب الألمانية الرافضة للتعامل مع اليمين المتطرف.

يأتي الصدام بين الحلفاء التقليديين قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات التشريعية الألمانية. ويحتل الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط بقيادة شولتس حاليا المركز الثالث في استطلاعات الرأي مع حوالى 15 في المائة من نيات الأصوات.

ومن المتوقع أن يحقق حزب «البديل من أجل ألمانيا» أفضل نتيجة له على الإطلاق، إذ يحتل الآن المركز الثاني عند حوالى 20 في المائة. وتتقدم السباق الانتخابي كتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي المحافظة، مع نسبة تأييد تبلغ 30 في المائة تقريبا.