عودة ترمب تضع «الأطلسي» أمام اختبار وجودي

مخاوف من مطالبته الدول الأعضاء برفع مساهماتهم إلى 3 %

صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)
صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)
TT

عودة ترمب تضع «الأطلسي» أمام اختبار وجودي

صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)
صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)

منذ أن تأكد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، قبل أسبوع، تسود أجواء من القلق العميق في أوساط الحلف الأطلسي الذي كان أحد الأهداف المفضّلة التي درج الرئيس المنتخب على انتقادها خلال ولايته الأولى، حتى إنه هدّد في إحدى المناسبات بعدم التدخل في حال تعرضت إحدى الدول الأعضاء لعدوان روسي، مقوّضاً بذلك مبدأ «الدفاع المشترك» الذي يُشكّل الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المنظمة الأطلسية.

السيناريوهات المطروحة حالياً على طاولة الأمين العام الجديد للحلف، مارك روته - من انكفاء واشنطن أطلسياً، مع احتمال تعليق عضويتها في منظمة الدفاع الغربية التي أنشأتها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى تقليص الانتشار العسكري الأميركي في أوروبا، مروراً بـ«صداقة» ترمب حيال المنظمات المتعددة الأطراف - تضع الحلف الأطلسي أمام اختبار وجودي تحت تهديدات الدولة التي تملك قوة الردع الرئيسية في هرم الدفاع الغربي.

اتّصالات مكثّفة

يقول مسؤول رفيع في المنظمة الأطلسية، تولّى مناصب حساسة في السنوات الأخيرة: «سنبقى رهينة التكهّنات لفترة من الزمن، قبل أن نعرف نوايا الرئيس الأميركي العائد الذي يهوى ذلك بقدر ما يزداد نفوذه، والأحلاف العسكرية بحاجة إلى اليقين، خاصّة في مثل هذه المرحلة الأمنية الدقيقة على الصعيدين الأوروبي والدولي».

بعض الدول الأعضاء في الحلف، مثل بولندا وتركيا، باشرت جولة من الاتصالات مع دول حليفة أساسية في المنظمة الأطلسية استعداداً لما سيكون عليه مشهد الدفاع الغربي بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض، لكن معظم المشاورات حول تداعيات ولاية ترمب الثانية على الأمن والدفاع في أوروبا يدور داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذي ينتمي 23 من أعضائه إلى الحلف الأطلسي، حيث يوجد فريق عمل ينكبّ منذ أشهر على دراسة السيناريوهات والردود التي يقتضيها موقف الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة في حال صحّت التوقعات بالتوصل إلى اتفاق بين ترمب وبوتين حول أوكرانيا.

المسؤولون في الحلف الأطلسي يترقبون سياسات مرشّح ترمب لمنصب وزير الدفاع، وهو المذيع في شبكة «فوكس نيوز» بيت هيغسيث، ويستعدون لبدء الاتصالات معهم، بهدف الحصول على تعهدات من الإدارة الجديدة، أو إقناعها بأن الحلف حيوي أيضاً بالنسبة للمصالح الأميركية. إلى جانب ذلك، تُجري الدول الحليفة الوازنة منذ أشهر اتصالات مع الدائرة المحيطة بترمب، وفريق حملته الانتخابية حول نواياه بشأن مستقبل الحلف الأطلسي والتزامات واشنطن الأمنية تجاه أوروبا في حال عودته إلى البيت الأبيض.

رهان مارك روته

الأمين العام الجديد للحلف الأطلسي مارك روته، الذي تربطه علاقات جيدة بدونالد ترمب عندما كان رئيساً لوزراء هولندا خلال الولاية الأولى للرئيس الجمهوري، مرشح ليلعب دوراً اساسياً في إرساء العلاقات الدفاعية بين أوروبا والولايات المتحدة على أسس مستقرة، خاصة أنه كان أشدّ المدافعين عن زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي تجاوباً مع الشروط التي كان وضعها ترمب لعدم التخلي عن التزامات واشنطن الدفاعية تجاه حلفائها.

وخلال ولايته الأولى، استخدم ترمب خطاباً قاسياً أوحى فيه باستعداده للانسحاب من الحلف الأطلسي من غير اللجوء إلى التصويت على قراره في الكونغرس، وكان قد هدّد مؤخراً بأنه في حال عودته إلى البيت الأبيض لن يدافع عن الدول الأعضاء التي لا تخصص 2 في المائة من إجمالي ناتجها القومي لميزانية الدفاع، في حال تعرضها لاعتداء من الخارج.

لكن في الواقع، قدّمت الولايات المتحدة خلال ولاية ترمب الأولى أسلحة هجومية لأوكرانيا، وشاركت في جميع المناورات العسكرية الأطلسية، وأنفقت على بناء قواعد جديدة في بولندا ودول البلطيق، ما يعني أن الجناح الأطلسي في الحزب الجمهوري ما زالت له كلمة وازنة في تحديد السياسة الدفاعية.

أولويات مختلفة

بيد أن ترمب في ولايته الثانية يختلف عن ولايته الأولى، خاصة بالنسبة للسلطة الواسعة التي يتمتع بها بعد فوزه الكاسح على جميع الجبهات، وثمة خشية متزايدة من أن يجنح نحو «أحادية شاملة» ويُبرم اتفاقاً مع فلاديمير بوتين من غير أوكرانيا وحلفائه الأوروبيين. ورغم أن الاعتقاد السائد هو أن ترمب لن يقدم على سحب بلاده من الحلف الأطلسي، فإن ثمة من لا يستبعد إقدامه على خفض البنية التحتية العسكرية الأميركية في أوروبا، خاصة الدفاعات الجوية والصاروخية التي يعتمد عليها الأوروبيون في مواجهة الخطر الروسي.

غالبية الدول الأعضاء في الحلف تنفق حالياً ما يزيد عن 2 في المائة من إجمالي ناتجها القومي (23 من أصل 32 دولة)، لكن لا تستبعد الأوساط الأطلسية أن يبادر ترمب إلى الضغط على الحلف لرفع هذه النسبة إلى 2.5 في المائة أو 3 في المائة خلال القمة الأطلسية المقبلة.

التوجيهات التي يعطيها روته لمساعديه هي أن إدارة ترمب لن يقنعها الخطاب المبني على الاعتبارات الأخلاقية أو الالتزامات التعاقدية، بل يجب التركيز على الناحية التجارية والمصالح المباشرة، مثل أن أكثر من نصف الأموال الإضافية التي أنفقها الأوروبيون على السلاح منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم ذهب إلى الشركات الأميركية، أو أن العلاقة التي تتوطد بين روسيا من جهة، والصين وإيران وكوريا الشمالية من جهة أخرى، هي أيضاً خطر مباشر على المصالح الأميركية.


مقالات ذات صلة

ترمب يختار فريقاً من المتشددين لتحقيق وعود الهجرة الصعبة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يختار فريقاً من المتشددين لتحقيق وعود الهجرة الصعبة

لتنفيذ وعده بـ«الترحيل الجماعي»، عيّن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فريقاً ثلاثياً لإدارة ملف الهجرة في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أدريانا كوغلر (أ.ب)

مسؤولة كبيرة في «الفيدرالي» تدافع عن استقلالية «المركزي» عقب فوز ترمب

قدّمت مسؤولة في بنك الاحتياطي الفيدرالي دفاعاً مطولاً عن الاستقلال السياسي للبنك المركزي يوم الخميس، بعد أيام فقط من إعادة انتخاب الرئيس السابق دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد صورة جوية لمصفاة النفط التابعة لشركة «إكسون موبيل» في تكساس (رويترز)

قطاع الطاقة الأميركي يعد قائمة أمنيات لإدارة ترمب الجديدة

مع اقتراب تولّي الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه بعد شهرين، أصبح بمقدوره تنفيذ وعوده الانتخابية. في حين يعمل التنفيذيون في قطاع الطاقة على صياغة مقترحات جديدة.

«الشرق الأوسط» (هيوستن (الولايات المتحدة))
الاقتصاد مشاة على شاطئ ميناء «فيكتوريا هاربور» في هونغ كونغ بينما تنذر السحب بقدوم عاصفة (د.ب.أ)

«مخاوف ترمب» تواصل إزعاج الأسواق الصينية

تراجعت الأسهم في الصين وهونغ كونغ، يوم الخميس، بعد أن فشلت أحدث إجراءات بكين لإحياء قطاع العقارات المتعثر في تعزيز مزاج المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (يسار) يصفق أثناء مغادرته المسرح بعد أن تحدث إلى جانب تولسي غابرد (أ.ف.ب)

منشقَّة عن الحزب الديمقراطي... من هي تولسي غابرد التي سترأس الاستخبارات الأميركية؟

كشف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الأربعاء، عن نيّته تكليف تولسي غابرد، الجندية السابقة، رئاسة الإدارة الوطنية للاستخبارات الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوريل يقترح تعليق الاتحاد الأوروبي الحوار مع إسرائيل

مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
TT

بوريل يقترح تعليق الاتحاد الأوروبي الحوار مع إسرائيل

مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)

قال أربعة دبلوماسيين وأظهرت رسالة اطلعت عليها رويترز أن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اقترح أن يعلق التكتل الحوار السياسي مع إسرائيل، وأرجع اقتراحه إلى تورطها في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان في حرب غزة.

وفي رسالة أرسلها اليوم الأربعاء إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل اجتماعهم المقرر الاثنين المقبل، أشار بوريل إلى "مخاوف جدية بشأن انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي في غزة". وقال "حتى الآن، لم تتعامل إسرائيل مع هذه المخاوف بالشكل الكافي". والحوار السياسي جزء أساسي من اتفاقية أوسع نطاقا بشأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تتناول أيضا العلاقات التجارية الوثيقة، ودخلت حيز التنفيذ في يونيو حزيران 2000.

وكتب بوريل "في ضوء الاعتبارات الموضحة أعلاه، سأقدم اقتراحا بأن يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى بند حقوق الإنسان لتعليق الحوار السياسي مع إسرائيل". ويتطلب أي تعليق موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وهو أمر قال الدبلوماسيون إنه غير مرجح للغاية. وقال ثلاثة دبلوماسيين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن العديد من الدول اعترضت عندما أطلع مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي السفراء في بروكسل على الاقتراح اليوم الأربعاء.

وقال أحد الدبلوماسيين إن اقتراح بوريل يهدف إلى إرسال إشارة قوية تعكس القلق إزاء سلوك إسرائيل في الحرب. وسيتم مناقشة الاقتراح في اجتماع وزراء الخارجية، وهو الأخير الذي سيترأسه بوريل قبل انتهاء فترة ولايته التي امتدت لخمس سنوات. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي إن ما يقرب من 70 بالمئة من القتلى الذين جرى التحقق منهم في الحرب هم من النساء والأطفال، ونددت بما وصفته بانتهاك ممنهج للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.

وقالت إسرائيل إنها ترفض تقرير المفوضية بشكل قاطع. وقال الجيش الإسرائيلي إن تحركاته "تتفق مع مبدأي التمييز والتناسب، ويسبقها تقييم دقيق لاحتمالات إلحاق الضرر بالمدنيين". ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا من أجل التوصل إلى موقف موحد قوي بشأن حرب غزة التي اندلعت شرارتها بعد هجوم شنه مسلحون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وقد دعا الاتحاد حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، وطالب الجانبين باحترام القانون الدولي.

وهناك دول في التكتل مثل جمهورية التشيك والمجر تدعم إسرائيل بشكل قوي في حين تؤكد دول أخرى مثل إسبانيا وأيرلندا على دعمها للفلسطينيين. وقال أحد الدبلوماسيين إن هناك "دهشة" بين السفراء إزاء "عدم التجهيز والتحضير" للاقتراح. وأضاف أن تصرفاته جعلت الاتحاد الأوروبي "أكثر انقساما من أي وقت مضى".