هل يستطيع ترمب عقد اتفاق مع بوتين بشأن أوكرانيا؟

المحلل السياسي جون لوف: ما زال الغموض يحيط بما يمكن أن يقدمه بوتين في المقابل ويتفق مع سياسة «أميركا أولاً»

صورة مركَّبة للرئيسين الروسي بوتين والأميركي المنتخب ترمب (أ.ف.ب)
صورة مركَّبة للرئيسين الروسي بوتين والأميركي المنتخب ترمب (أ.ف.ب)
TT

هل يستطيع ترمب عقد اتفاق مع بوتين بشأن أوكرانيا؟

صورة مركَّبة للرئيسين الروسي بوتين والأميركي المنتخب ترمب (أ.ف.ب)
صورة مركَّبة للرئيسين الروسي بوتين والأميركي المنتخب ترمب (أ.ف.ب)

منذ إعلان فوز المرشح الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية يوم الثلاثاء الماضي سيطرت حالة من التوتر على القيادة الأوكرانية، في حين لم يضيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقتاً لتمهيد الأرض أمام بدء مناقشات مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا حول شروط السلام في أوكرانيا، رغم نفي الكرملين الحاسم التقارير عن اتصال جرى مؤخراً بين بوتين وترمب.

الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك 27 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني قال جون لوف الباحث الزميل المشارك في برنامج روسيا أوراسيا التابع للمعهد إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حاول باستماتة خلال الشهور الأخيرة إقناع ترمب بأن مستقبل أوكرانيا يستحق القتال من أجله، لكن لا يبدو أنه نجح في تغيير موقف الرئيس الأميركي المنتخب من الحرب الروسية الأوكرانية.

ويبدو أن ترمب لا يحمل أي تعاطف تجاه أوكرانيا ولا يرى لبلاده مصلحة هناك إلا منع تقديم المزيد من المساعدات الأميركية لها، بعد أن وصلت قيمة المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية لكييف منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 إلى 175 مليار دولار بما يعادل نحو 7 في المائة من إجمالي ميزانية الدفاع الأميركية خلال تلك الفترة.

وينظر ترمب بوضوح إلى أوكرانيا باعتبارها فرصة لإظهار قوته أمام الناخبين الأميركيين. وإذا نجح في جعل بوتين يجلس على مائدة التفاوض وينهي الحرب، التي يرى أنها لا تخدم أي غرض للشعب الأميركي، فسيعزز ادعاءه قدرته على منع نشوب حرب عالمية ثالثة.

في المقابل فإن كييف ترى أن علاقة القوة بين موسكو وواشنطن تتخذ الآن مساراً عكسياً. فبوتين يستدرج ترمب، الذي يقال إنه عرضة للاستدراج، إلى مفاوضات لحل قضية تمثل أهمية شخصية للرئيس الأميركي المنتخب. ولأن الرئيس الروسي يعرف تفاصيل كل القضايا بدقة، فإن زيلينسكي يخشى من أن يوافق ترمب على شروط لا يدرك عواقبها.

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

ولم يتراجع بوتين عن أهدافه المعلنة منذ بداية الغزو وتشمل نزع سلاح أوكرانيا وتمكين حكومة موالية لموسكو محل حكومة زيلينسكي الحالية تحت شعار «اجتثاث النازية». وستكون أهم أولوية لبوتين في المحادثات ضمان حياد أوكرانيا، وهو ما يتطلب التزاماً صارماً بعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) في المستقبل المنظور. كما سيسعى إلى فرض قيود صارمة على حجم القوات المسلحة الأوكرانية ومنع نشر أي قوات أجنبية على أراضي أوكرانيا.

كما يأمل بوتين، كما جاء في تقرير الوكالة الألمانية، في تعزيز سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم بالحصول على اعتراف بضم الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها. ومن المحتمل المطالبة بالسيطرة على هذه الأجزاء التي لم تحتلها القوات الروسية حتى الآن من إقليمي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيين، وربما تبادل الأراضي التي تحتلها في خيرسون وزابوريجيا مقابل الأراضي الروسية التي تحتلها أوكرانيا في إقليم كورسيك.

وأخيراً سيطالب بوتين بتخفيف العقوبات الغربية على بلاده. فرغم نجاح الاقتصاد الروسي في التكيف مع العقوبات الأميركية وتقليل آثارها، فإنها تظل تمثل عبئاً على تنمية روسيا وتطورها.

ففقدان الوصول إلى التكنولوجيا والمعدات الغربية أوقف العديد من المنتجات الصناعية الرئيسية الروسية. وإذا ظلت هذه العقوبات قائمة، فقد تصبح هذه الآثار أكثر وضوحاً. وقد يقبل ترمب بهذه الشروط. لكن القيام بذلك دون وجود دليل على المرونة المتبادلة من جانب بوتين سيعرض الرئيس الأميركي المنتخب لاتهامات بالسذاجة والضعف كمفاوض.

ومن الممكن أن يتجاهل ترمب بسهولة الادعاءات التي تقول إن بوتين تفوق عليه في الذكاء، لكن اتهامه بضعفه في التفاوض قد يهدد غروره ويضر بصورته في نظر صناع السياسات الصينيين الذين سوف يراقبون الموقف من كثب.

ومن المنطقي افتراض أن ترمب سيرغب في تجنب هذا التصور لأنه عمل بجد لخلق الانطباع بأن الصين وإيران وغيرهما من الدول ستظل تخاف منه في ولايته الثانية. ولذلك قد يحتاج بوتين إلى تقديم حافز كبير بما فيه الكفاية للولايات المتحدة، وهي النتيجة التي سوف تسمح لكل من واشنطن وموسكو بادعاء الوصول إلى اتفاقية مفيدة لكل طرف.

سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا بجنوب أوكرانيا الأحد (أ.ف.ب)

ولكن ما زال الغموض يحيط بما يمكن أن يقدمه بوتين ويتفق مع سياسة ترمب «أميركا أولاً». ورغم ذلك تأمل أوكرانيا أن تؤدي التناقضات الجذرية بين الولايات المتحدة وروسيا إلى إجبار ترمب على إعادة النظر في موقفه من روسيا. فقبل قليل من انتخابات الرئاسة الأميركية تحدث ترمب عن الحاجة إلى «تفكيك التحالف» بين روسيا والصين. ولكن فكرة قيام بوتين بمساعدة واشنطن بالتخلي عن الصين تظل فكرة خيالية.

فالعلاقات بين موسكو وبكين أكثر تعقيداً مما يظهر على السطح. لكن الدولتين يجمعهما هدف استراتيجي مشترك وهو الحد من نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في العالم، في حين تعمقت علاقات الدولتين منذ خروج ترمب من البيت الأبيض عام 2021. كما أنه من الصعب اهتمام ترمب بالمقترح الروسي المنتظر للحد من التسلح. لذلك تأمل كييف في أن يدرك ترمب بسرعة أن الصفقة التي يأمل في التوصل إليها مع بوتين لن تتحقق لأن القضايا الأساسية والمترابطة مثل العلاقات الروسية الصينية، أكثر تعقيداً مما يتخيل.

في الوقت نفسه فإن الكرملين لم يكن راضياً تماماً من سياسات ترمب خلال ولايته الأولى. فرغم الإشارات الودية المتبادلة في تلك الفترة، لم تشهد العلاقات الأميركية الروسية تحسناً كبيراً. فقد زودت إدارة ترمب أوكرانيا بأسلحة مضادة للدبابات، وعارضت بشدة بناء خط أنابيب نورد ستريم2 الذي كان سينقل كميات ضخمة من الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا ومنها إلى باقي دول أوروبا.

في حين من المرجح أن يكون نهج ترمب في التفاوض مع موسكو شخصياً للغاية ومتفرداً، فإن الإعداد لهذا التفاوض سيعتمد بشكل كبير على أولئك الذين يعينهم في مناصب رئيسية. وحتى الآن لم تتضح هوية المسؤولين عن تنسيق السياسة الأميركية تجاه روسيا في إدارة ترمب، وإلى أي مدى يمكن أن يعترضوا على أفكار الرئيس. وخلال الحملة الانتخابية قال نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس إن التسوية تتطلب حياد أوكرانيا وتجميد خط المواجهة وإنشاء منطقة منزوعة السلاح شديدة التحصين. كما أنه يعتقد أن هذا الطرح يضمن الحفاظ على استقلال أوكرانيا ويمنع المزيد من الغزو الروسي، في حين يتعين على الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، تحمل تكلفة إعادة إعمار أوكرانيا.

الرئيس إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

لكن إن عاجلاً أم آجلاً، سوف تصطدم شعارات حملة ترمب بالواقع. ومن المرجح اكتشاف الرئيس المنتخب أن بوتين يعتقد أنه له اليد العليا في العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب شعوره بأن الغرب فقد هيمنته على الشؤون العالمية. أخيراً يرى جون لوف أن فرض أي تسوية مجحفة على أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى استمرار الحرب، ولكن بمستويات أقل حدة في غياب الدعم العسكري الأميركي لكييف.


مقالات ذات صلة

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

أشاد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس (الأربعاء)، بالعلاقات المتميزة بين السعودية وروسيا وبالجهو.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا أليكسي زيمين الذي كان يقيم في لندن منذ سنوات في صورة أرشيفية

العثور على طاه روسي شهير منتقد للحرب في أوكرانيا ميتا في بلغراد

عُثر على طاه روسي شهير كان من أشد منتقدي غزو قوات بلاده لأوكرانيا، ميتا خلال زيارته العاصمة الصربية بلغراد، وفق ما أفادت مصادر عدة الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
أوروبا صورة أرشيفية لاجتماع ترمب مع روته بالبيت الأبيض في يوليو 2019 (أ.ب)

تعيينات ترمب المحتملة لم تُثِر الكثير من القلق في كييف أو بين مؤيديها

تشير اختيارات دونالد ترمب إلى أن إدارته الجديدة قد تكون منفتحة على تحقيق «صفقة» ما لأوكرانيا

إيلي يوسف (واشنطن)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وبوتين يناقشان التطورات والأزمة الأوكرانية

أشاد الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، بالعلاقات المتميزة بين السعودية وروسيا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا علم روسيا (رويترز)

مقتل ضابط كبير في البحرية الروسية بانفجار سيارة ملغومة في أوكرانيا

لقي جندي روسي حتفه في مدينة سيفاستوبول المحتلة في شبه جزيرة القرم جراء انفجار قنبلة زُرعت تحت سيارة، اليوم (الأربعاء).

«الشرق الأوسط» (كييف)

بوريل يقترح تعليق الاتحاد الأوروبي الحوار مع إسرائيل

مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
TT

بوريل يقترح تعليق الاتحاد الأوروبي الحوار مع إسرائيل

مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)
مفوض السياسة الخارجية بالتكتل جوزيب بوريل (إ.ب.أ)

قال أربعة دبلوماسيين وأظهرت رسالة اطلعت عليها رويترز أن مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل اقترح أن يعلق التكتل الحوار السياسي مع إسرائيل، وأرجع اقتراحه إلى تورطها في انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان في حرب غزة.

وفي رسالة أرسلها اليوم الأربعاء إلى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل اجتماعهم المقرر الاثنين المقبل، أشار بوريل إلى "مخاوف جدية بشأن انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي في غزة". وقال "حتى الآن، لم تتعامل إسرائيل مع هذه المخاوف بالشكل الكافي". والحوار السياسي جزء أساسي من اتفاقية أوسع نطاقا بشأن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، تتناول أيضا العلاقات التجارية الوثيقة، ودخلت حيز التنفيذ في يونيو حزيران 2000.

وكتب بوريل "في ضوء الاعتبارات الموضحة أعلاه، سأقدم اقتراحا بأن يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى بند حقوق الإنسان لتعليق الحوار السياسي مع إسرائيل". ويتطلب أي تعليق موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وهو أمر قال الدبلوماسيون إنه غير مرجح للغاية. وقال ثلاثة دبلوماسيين، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، إن العديد من الدول اعترضت عندما أطلع مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي السفراء في بروكسل على الاقتراح اليوم الأربعاء.

وقال أحد الدبلوماسيين إن اقتراح بوريل يهدف إلى إرسال إشارة قوية تعكس القلق إزاء سلوك إسرائيل في الحرب. وسيتم مناقشة الاقتراح في اجتماع وزراء الخارجية، وهو الأخير الذي سيترأسه بوريل قبل انتهاء فترة ولايته التي امتدت لخمس سنوات. وقالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الأسبوع الماضي إن ما يقرب من 70 بالمئة من القتلى الذين جرى التحقق منهم في الحرب هم من النساء والأطفال، ونددت بما وصفته بانتهاك ممنهج للمبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.

وقالت إسرائيل إنها ترفض تقرير المفوضية بشكل قاطع. وقال الجيش الإسرائيلي إن تحركاته "تتفق مع مبدأي التمييز والتناسب، ويسبقها تقييم دقيق لاحتمالات إلحاق الضرر بالمدنيين". ويسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا من أجل التوصل إلى موقف موحد قوي بشأن حرب غزة التي اندلعت شرارتها بعد هجوم شنه مسلحون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وقد دعا الاتحاد حماس إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، وطالب الجانبين باحترام القانون الدولي.

وهناك دول في التكتل مثل جمهورية التشيك والمجر تدعم إسرائيل بشكل قوي في حين تؤكد دول أخرى مثل إسبانيا وأيرلندا على دعمها للفلسطينيين. وقال أحد الدبلوماسيين إن هناك "دهشة" بين السفراء إزاء "عدم التجهيز والتحضير" للاقتراح. وأضاف أن تصرفاته جعلت الاتحاد الأوروبي "أكثر انقساما من أي وقت مضى".