عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي «خطة النصر»، التي طال انتظارها، والمكوّنة من خمس نقاط، أمام البرلمان، رافضاً التنازل عن أي أراضٍ تحتلها روسيا ومطالباً بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتكثيف الدعم الغربي لها، في حين قلل الكرملين فوراً من أهميتها ووصفها بأنها «عابرة». وحاول زيلينسكي مؤخراً الحصول على موافقة الشركاء الغربيين على الخطة، غير أنهم لم يعرِبوا حتى الآن عن دعمهم لها علناً.
وقال زيلينسكي، الأربعاء، إن «الخطة» يمكن أن تجلب السلام في العام المقبل، لكنها تحتوي على خطوة لم يقرّها بعض الحلفاء الغربيين الأساسيين حتى الآن: وهي دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) قبل انتهاء الحرب.
قال لنواب البرلمان والقيادة العسكرية في كييف، إن «هذه الخطة تعتمد على الشركاء. وأؤكد: على الشركاء»، مضيفاً أنه من المهم إعادة القتال إلى أراضي العدو؛ حتى يتمكن الشعب الروسي من فهم طبيعة الحرب.
وسيطرت روسيا على قرابة خُمس الأراضي الأوكرانية منذ بدأ الغزو. لكن استبعد زيلينسكي في خطابه احتمال تخلي أوكرانيا عن جزء من أراضيها مقابل تحقيق السلام ورافضاً أي تجميد للنزاع. وقال في خطابه أمام النواب حيث رُفع علما أوكرانيا والاتحاد الأوروبي إن «على روسيا أن تخسر الحرب أمام أوكرانيا. لا يعني ذلك تجميد القتال أو أي مبادلة لأراضي أو سيادة أوكرانيا»، مضيفاً: «إذا بدأنا التحرك وفقاً لخطة النصر هذه الآن، فقد يكون من الممكن إنهاء الحرب في موعد لا يتجاوز العام المقبل».
وأشار زيلينسكي، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»، إلى أن الأولوية في «خطة النصر» المكوّنة من خمس نقاط هي التكامل بشكل أفضل مع التكتل العسكري الغربي (ناتو)، مشيراً إلى أن موسكو تقوّض أمن أوروبا منذ عقود؛ نظراً إلى أن كييف ليست طرفاً في الحلف، داعياً حلفاء بلاده الغربيين أيضاً إلى رفع القيود على استخدام أوكرانيا للأسلحة بعيدة المدى ليكون بإمكان كييف استهداف المواقع العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية المحتلة كما داخل روسيا.
وقلل الكرملين فوراً من أهمية الخطة. وأفاد الناطق باسمه دميتري بيسكوف بأن «خطة السلام الوحيدة الواردة هي بأن يدرك نظام كييف مدى عقم السياسة التي يتبعها ويفهم بأن عليه أن يصحو». وطالبت روسيا كييف بالتخلي عن الأراضي التي تسيطر عليها بالفعل في شرق وجنوب أوكرانيا شرطاً لمحادثات السلام.
وأعلن الجيش الروسي أثناء عرض زيلينسكي للخطة بأن قواته سيطرت على قريتين أخريين في شرق أوكرانيا. وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان أنه تم «تحرير» قريتي نيفسكي وكراسني يار، في حين نشرت تسجيلاً مصوراً يظهر أبنية مدمّرة في نيفسكي، حيث رفعت الأعلام الروسية.
وانتقد زيلينسكي في خطابه كلاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية لدعمها موسكو، مجدداً اتهاماته بيونغ يانغ بإرسال مواطنيها للعمل في المصانع الروسية والقتال إلى جانب القوات الروسية. وقال للنواب إن «ائتلاف المجرمين إلى جانب بوتين يشمل بالفعل كوريا الشمالية». وأضاف: «يرى الجميع الدعم الذي يقدمه النظام الإيراني لبوتين وتعاون الصين مع روسيا».
ورفضت كييف أي خطط أخرى لإنهاء الحرب بما في ذلك تلك التي طرحتها البرازيل والصين، مشيرة إلى افتقارها إلى الضمانات لأمن أوكرانيا أو سيادتها وسلامة أراضيها.
وكان قد زار زيلينسكي القادة الأوروبيين الأسبوع الماضي في مسعى للترويج للخطة وضمان حصولها على أكبر قدر ممكن من الدعم، في وقت يرتبط أي دعم مستقبلي لها من واشنطن بنتيجة الانتخابات الأميركية المقررة الشهر المقبل.
وبخلاف «صيغة السلام» التي وضعها زيلينسكي وفي نصها أن على روسيا سحب جميع قواتها من الحدود الأوكرانية المعترف بها دولياً، لم يقدم الرئيس الأوكراني قبل الأربعاء تفاصيل كثيرة عن «خطة النصر». وقال إن هناك جانباً آخر من الخطة وهو قيام الدول المجاورة لكييف بإسقاط الطائرات المسيّرة الروسية فوق أوكرانيا من أراضيها.
وذكر الأربعاء أنه ناقش ملحقاً سرياً لـ«خطة النصر» مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا لنشر «حزمة ردع استراتيجية غير نووية» على الأراضي الأوكرانية تمنع أي هجمات روسية مستقبلية بعد انتهاء الحرب. وأكد أنه سيستعرض «خطة النصر» كاملة خلال قمة للاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يشارك زيلينسكي في القمة في بروكسل المقررة الخميس بهدف حشد الدعم للخطة.
من جانب آخر، أكد المستشار الألماني أولاف شولتس استعداده للتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تحقيق «سلام عادل» في أوكرانيا. وخلال بيان حكومي حول القمة الأوروبية، قال شولتس في برلين، الأربعاء، إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضاً أعلن عن ضرورة عقد مؤتمر سلام جديد بمشاركة الرئيس الروسي.
وأضاف السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية: «لهذا السبب، عندما يطرح السؤال حول ما إذا كنا سنتحدث مع الرئيس الروسي، نجيب: نعم، هذا هو الحال أيضاً». وشدد شولتس على أن «هناك مبادئ واضحة يتبعونها في هذا الشأن»، مشيراً إلى أنه لن تكون هناك قرارات «على حساب أوكرانيا ودون التنسيق مع أقرب شركائنا».
وذكر المستشار الألماني أن عدداً لا يحصى من الجنود الروس يروحون كل يوم «ضحايا للجنون الإمبريالي للرئيس الروسي». وتابع شولتس: «هم أيضاً ضحايا لسياساته التي تهدف إلى توسيع بلاده. وهو أمر يجب ألا يتكرر بهذه الطريقة في أوروبا».
وعلى الصعيد الميداني، أعلنت روسيا، الأربعاء، سيطرتها على بلدتين جديدتين في شرق أوكرانيا، وهما منطقتان تتقدم فيهما قواتها بسرعة منذ أسابيع عدة. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إنها سيطرت على بلدة نيفسكي في منطقة لوغانسك، وكذلك بلدة كراسني يار، الواقعة جنوب بلدة ميرنوغراد القريبة من بوكروفسك التي تعدّ منطقة استراتيجية للجيش الأوكراني. ونشرت صوراً لقرية فيها طريق رئيسية واحدة، تصطف على جانبيها منازل مدمرة في حين يظهر جندي روسي وهو يحمل عَلم موسكو من نافذة منزل متضرر. وأظهرت اللقطات الجوية أن القرية الصغيرة دُمّرت بالكامل تقريباً.
وأعلنت موسكو سيطرتها على البلدتين في حين عرض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام البرلمان في كييف رؤيته لكيفية إنهاء القتال المتواصل منذ أكثر من عامين.
وسارعت أوكرانيا إلى إجلاء عشرات آلاف الأشخاص من بوكروفسك وميرنوغراد مع تقدم القوات الروسية. وأمرت السلطات الأوكرانية بإخلاء مدينة رئيسية وثلاثة تجمعات سكنية أخرى في منطقة خاركيف بشمال شرق البلاد، وذلك مع اقتراب القوات الروسية وصعوبة تقديم الخدمات خلال فصل الشتاء المقبل. وشمل أمر الإخلاء مدينة كوبيانسك، وهي مركز للسكك الحديدية يمر خلاله نهر أوسكيل، وكذلك بلدة بوروفا إلى الجنوب، بالقرب من مدينة إيزيوم، وهي مركز لوجيستي رئيسي آخر.
وسيطرت القوات الروسية على كوبيانسك في الأسابيع التي أعقبت غزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، لكن القوات الأوكرانية استعادتها في وقت لاحق من ذلك العام.
وقال أوليه سينيهوبوف، حاكم خاركيف، في تصريحات بثها التلفزيون الوطني إن أمر الإخلاء إلزامي. وأضاف، كما نقلت عنه «رويترز»: «الوضع الأصعب هو في قطاع كوبيانسك. على الضفة الشرقية لنهر أوسكيل الذي يقسم المدينة، لم يعد بوسعنا ضمان عودة إمدادات الكهرباء والتدفئة والمياه بسبب القصف المستمر».
وتابع: «جميع فرق الإصلاح تتعرض على الفور لإطلاق النار من الروس». وقالت هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني إن 19 معركة دارت بالقرب من كوبيانسك خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ولا تزال سبع معارك مستمرة.
وقال سينيهوبوف إن مراكز إجلاء أقيمت في خاركيف، ولا يزال أربعة آلاف من السكان في خطر على الضفة الشرقية لنهر أوسكيل وثلاثة آلاف آخرين على الضفة الغربية.