فوز منظمة «نيهون هيدانكيو» بجائزة نوبل للسلام

المنظمة الفائزة تشبّه الوضع في غزة بـ«اليابان قبل 80 عاماً»

TT

فوز منظمة «نيهون هيدانكيو» بجائزة نوبل للسلام

جائزة نوبل للسلام (رويترز)
جائزة نوبل للسلام (رويترز)

فازت منظمة «نيهون هيدانكيو» اليابانية، وهي حركة شعبية من الناجين من القنبلتين الذريتين في هيروشيما وناغاساكي، بجائزة نوبل للسلام، اليوم الجمعة، في تحذيرٍ للدول النووية من استخدام أسلحتها.

وعاصر أعضاء الحركة، الذين يطلق عليهم أيضاً «هيباكوشا»، إلقاء القنبلتين النوويتين الوحيدتين اللتين استخدمتا في الحروب، وكرسوا حياتهم للنضال من أجل عالم بلا أسلحة نووية.

وقالت لجنة نوبل النرويجية في بيانها: «(الهيباكوشا) يتلقون (جائزة السلام) لجهودهم من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وبتدليلهم من خلال شهادات الشهود أن الأسلحة النووية يجب ألا تستخدم مرة أخرى مطلقاً». وقالت اللجنة: «يساعدنا (الهيباكوشا) على وصف ما تعجز عنه الأوصاف، والتفكير فيما لا يمكن تصوره، وعلى استيعاب، بدرجة ما، الكم غير المعقول من الألم والمعاناة نتيجة الأسلحة النووية».

وقال توشيوكي ميماكي، الرئيس المشارك لـ«نيهون هيدانكيو»، في مؤتمر صحافي في هيروشيما، موقع إلقاء القنبلة الذرية في السادس من أغسطس (آب ) 1945 خلال المراحل الأخيرة للحرب العالمية الثانية، وهو يحبس دموعه: «لا أصدق أنه حقيقي». وقال ميماكي، وهو أحد الناجين من القصف النووي، إن الجائزة ستعطي دفعة كبيرة لجهوده المنظمة لإثبات أن القضاء على الأسلحة النووية أمر ممكن.

وأضاف: «سيكون الفوز قوة عظيمة لجذب العالم إلى أن القضاء على الأسلحة النووية والسلام الدائم يمكن تحقيقهما. يجب التخلص من الأسلحة النووية تماماً».

وقال إن الوضع في قطاع غزة يشبه الوضع في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، وذكر: «في غزة أهل يحملون أطفالهم المضرجين بالدماء. الأمر يشبه اليابان قبل 80 عاماً».

توشيوكي ميماكي، الرئيس المشارك لـ«نيهون هيدانكيو» (أ.ف.ب)

وحذر يورجن فاتنه فريدنس، رئيس لجنة نوبل النرويجية، من أنه يجب على الدول النووية، دون ذكر أي منها، ألا تفكر في استخدام الأسلحة النووية. وقال في مؤتمر صحافي: «الأسلحة النووية اليوم تتمتع بقوة تدميرية أعظم كثيراً. ويمكنها قتل الملايين والتسبب في تأثير كارثي بالمناخ... بمقدور حرب نووية أن تدمر حضارتنا».

وامتدح فريدنس «الجهود الاستثنائية» لمنظمة «نيهون هيدانكيو» والممثلين الآخرين لـ«هيباكوشا» للمساهمة في «إرساء المحظور النووي».

وأضاف: «ولهذا، من المثير للقلق أن هذا المحظور ضد استخدام الأسلحة النووية يتعرض اليوم لضغوط».

وتحل في العام المقبل الذكرى الثمانون لإلقاء الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين في أغسطس عام 1945.

ودأبت لجنة نوبل النرويجية على التركيز على قضية الأسلحة النووية، وكان آخرها منحها الجائزة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية في عام 2017.

ومن المقرر تسليم جائزة نوبل للسلام، التي تبلغ قيمتها 11 مليون كرونة سويدية، أي نحو مليون دولار، في أوسلو في 10 ديسمبر (كانون الأول)، في الذكرى السنوية لوفاة السويدي ألفريد نوبل الذي أسس الجوائز في وصيته عام 1895.

وفي العام الماضي، مُنحت الجائزة المرموقة للناشطة الإيرانية في مجال حقوق المرأة المسجونة نرجس محمدي. وتم هذا العام، ترشيح 286 شخصاً، بما في ذلك 197 فرداً و89 منظمة. ومقارنة بالسنوات السابقة شهدت قائمة المرشحين تقليصاً كبيراً.

وتحتفظ مؤسسات جائزة نوبل تقليدياً بقائمة المرشحين سريةً لمدة 50 عاماً. وتم خلال هذا الأسبوع الإعلان عن الفائزين بجوائز نوبل في مجالات الطب والفيزياء والكيمياء والأدب. ومن المقرر أن يجري الإعلان عن الجائزة النهائية في الاقتصاد، الاثنين المقبل. يشار إلى أنه يجري منح جميع جوائز نوبل بشكل تقليدي في استوكهولم، بينما تُمنح جائزة نوبل للسلام فقط في أوسلو.


مقالات ذات صلة

«نوبل السلام» لمنظمة يابانية مناهضة لـ«النووي»

يوميات الشرق توشيوكي ميماكي الرئيس المشارك لمنظمة «نيهون هيدانكيو» (جابان تايمز)

«نوبل السلام» لمنظمة يابانية مناهضة لـ«النووي»

مُنحت «جائزة نوبل للسلام» لعام 2024 لمنظمة «نيهون هيدانكيو» اليابانية المناهضة للأسلحة النووية والمعروفة أيضاً باسم «هيباكوشا».

«الشرق الأوسط» (أوسلو - القاهرة)
آسيا محمد يونس يحمل باقة ورد لدى وصوله إلى مطار دكا الخميس (أ.ف.ب)

محمد يونس الحائز جائزة نوبل للسلام... رئيساً لحكومة بنغلاديش الانتقالية

أدى محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للسلام، اليمين الدستورية رئيساً لحكومة انتقالية لبنغلاديش، الخميس.

آسيا الخبير الاقتصادي محمد يونس في 2016 (أ.ب)

محمد يونس... «مصرفي الفقراء» الذي ينتظره متظاهرو بنغلاديش

يضغط الطلاب الذين نظّموا الاحتجاجات في بنغلاديش من أجل إشراف محمد يونس -الحائز جائزة «نوبل»- على الحكومة المؤقتة.

«الشرق الأوسط» (دكا)
يوميات الشرق الملياردير الأميركي إيلون ماسك (رويترز)

تقرير: ماسك وأسانج مرشحان لجائزة نوبل للسلام

ذكرت مجلة «بوليتيكو» الأميركية أن رجل الأعمال إيلون ماسك والصحافي جوليان أسانج رشحا لجائزة نوبل للسلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا مارتي أهتيساري (إ.ب.أ)

وفاة أهتيساري الرئيس الفنلندي الأسبق الحاصل على «نوبل للسلام»

أعلن مكتب الرئاسة الفنلندية اليوم (الاثنين) وفاة الرئيس الفنلندي الأسبق والحاصل على جائزة نوبل للسلام مارتي أهتيساري عن عمر يناهز 86 عاماً.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)

تراجع «تكتيكي» لموسكو في سوريا وتبدل أولوياتها

لافتة في شوارع دمشق للرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022 (رويترز)
لافتة في شوارع دمشق للرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022 (رويترز)
TT

تراجع «تكتيكي» لموسكو في سوريا وتبدل أولوياتها

لافتة في شوارع دمشق للرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022 (رويترز)
لافتة في شوارع دمشق للرئيس الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022 (رويترز)

أثارت الانسحابات العسكرية الروسية المتتالية في الأيام الأخيرة من نقاط مراقبة قرب خطوط التماس مع الجولان السوري المحتل، تساؤلات حول التموضع الروسي في إطار المواجهة المتفاقمة في لبنان، والتي انتقلت شظاياها بسرعة إلى الجغرافيا السورية، وكذلك حول أولويات روسيا خلال المرحلة المقبلة على صعيد التطورات المنتظرة، وما تطلق عليه إسرائيل والولايات المتحدة: «إعادة ترتيب الوضع الإقليمي وتقليص التأثير الإيراني في المنطقة».

خلال الأيام الأخيرة، ترددت معطيات عن إخلاء القوات العسكرية الروسية، بشكل مفاجئ، مواقع وصفتها مصادر إسرائيلية بأنها استراتيجية.

ونقلت مصادر أن أبرزها كان نقطة مراقبة في تل الحارة بريف درعا الشمالي، قبل أن تظهر معطيات إضافية عن انسحابات مماثلة من تل الشعار وتل مسحرة في ريف القنيطرة. وقامت القوات الروسية بتجميع معداتها وأنزلت العلم الروسي من المواقع قبل الانسحاب.

اللافت في الموضوع أن المؤسسة العسكرية الروسية تجنبت التعليق على المعطيات، ولم يصدر أي بيان توضيحي لأسباب هذه الانسحابات، ما أثار تكهنات كثيرة، خصوصاً في ظل تزايد نشاط القوات الإسرائيلية في المناطق المحيطة بهذه المواقع.

جنود إسرائيليون خلال تدريبات في مرتفعات الجولان عند الحدود مع لبنان وسوريا مايو الماضي (إ.ب.أ)

وبات معلوماً أن الخطوة الروسية جاءت بعد تحركات عسكرية للقوات الإسرائيلية، قبل أيام قرب الشريط الحدودي بين محافظة القنيطرة والجولان السوري المحتل. تمثلت هذه التحركات بتمركز عدد كبير من الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية في هضبة الجولان السوري المحتل.

كما أن إسرائيل كانت قد شرعت، خلال الأشهر الفائتة، بفتح ممرات في الجولان السوري، وتفجير حقول ألغام بمحاذاة خط وقف إطلاق النار عدة مرات، بالتوازي مع تصاعد الاستهدافات داخل الأراضي السورية، وانتشار معلومات من الجانب الإسرائيلي عن وصول قوات نخبة من الميليشيات الإيرانية إلى الجنوب السوري.

تثبت القوات الروسية نقطة مراقبة جديدة على الحدود مع الجولان المحتل قبل فترة (المرصد)

ومعلوم أن موسكو كانت قد نشرت في وقت سابق في المنطقة، 17 نقطة مراقبة عسكرية، وسيرت دوريات قرب خطوط التماس لتثبيت وقف التصعيد بين مجموعات «حزب الله» اللبناني وإسرائيل.

يعني هذا أن الانسحابات المتتالية حالياً تترك المنطقة أمام طوفان التصعيد المتواصل.

أحد أفراد الشرطة العسكرية الروسية في الجولان السوري المحتل (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتشكل إشارة إلى أن موسكو لن ترغب في خوض مواجهة أو أن تبقي قواتها في عين العاصفة، كما أنها ليست قادرة على ما يبدو على وقف التدهور الجاري.

وبرزت فرضيتان لتفسير الانسحابات الروسية المتتالية؛ أُولاهما أن موسكو تلقت تحذيراً من جانب إسرائيل حول عمليات عسكرية نشطة مرتقبة في المنطقة، وأن القوات الإسرائيلية عازمة على ملاحقة وتقويض مواقع تمركز «حزب الله» والميليشيات الأخرى المدعومة من جانب إيران.

أما الفرضية الثانية، فجاءت من جانب دبلوماسيين روس تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، وحملت تكهنات وليست معلومات، وفقاً لتعبير أحدهم، مفادها أن روسيا «لا تخضع لإنذارات أو إملاءات من الجانب الإسرائيلي، وهذه الانسحابات لا تعني منح إسرائيل ضوءاً أخضر لتوسيع رقعة عملياتها على الأراضي السورية، بل بالعكس من ذلك، قد تهدف إلى إعطاء إيران والمجموعات المسلحة التابعة لها مجالات أوسع للانخراط بعمليات عسكرية ضد إسرائيل».

في الحالتين، فضلت موسكو النأي بقواتها عن التطورات المحتملة، وتشير بعض التقديرات إلى أن القوات الروسية سوف تواصل إخلاء نقاط المراقبة والمواقع التي انتشرت فيها في المناطق التي تشهد تزايداً في سخونة الوضع.

لكن هذه «الانسحابات التكتيكية»، كما يصفها مراقبون روس، لا تعني أن روسيا بصدد القيام بخطوات أبعد مدى، ما يعني أن «الوجود العسكري الروسي في سوريا تزايدت أهميته على خلفية المواجهة المتفاقمة مع الغرب، ولا يمكن توقع إجراء مراجعة استراتيجية لروسيا في المنطقة على المدى المنظور»، وفقاً لمحلل روسي تحدثت معه «الشرق الأوسط».

لكن هذا التحليل يبدو مرتبطاً بطبيعة التطورات المستقبلية، خصوصاً على صعيد خطط إسرائيل المحتملة لتوسيع نطاق عملياتها داخل الجغرافيا السورية. وهو أمر دلت عليه بوضوح تحذيرات الكرملين، الخميس، من تدهور أوسع قد تشهده سوريا.

وقال الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف إن «التوسع المحتمل لجغرافية الأعمال العدائية لإسرائيل في سوريا ستكون له عواقب كارثية على الشرق الأوسط».

لكنه تجنب الرد على أسئلة الصحافيين حول رد الفعل المحتمل من جانب روسيا، في حال وصلت التطورات إلى شن عملية عسكرية إسرائيلية برية داخل سوريا، لملاحقة القوات الإيرانية و«حزب الله». واكتفى بإشارة غامضة أنه «ليس من المناسب حالياً إطلاق تكهنات حول التطورات اللاحقة».

رسائل نارية

في الوقت ذاته، بدا أن تصعيد موسكو لهجتها في انتقاد التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، قد وصل إلى مستوى جديد. ولهجة وزارة الخارجية الغاضبة، التي وصفت الاستهدافات الأخيرة داخل سوريا بأنها «عدوان يستهدف المدنيين وينتهك بقوة القوانين الدولية»، حملت إدانة شديدة لم تكن موسكو في السابق تستخدمها.

صور انتشرت فجر 3 أكتوبر تظهر انفجارات في مخزن تابع لـ«حزب الله» قرب مطار «حميميم» (مواقع)

لكن التصعيد لا يقتصر على لهجة البيانات؛ إذ بدا في الفترة الأخيرة أن إسرائيل وروسيا تبادلتا رسائل نارية مباشرة. تمثل ذلك في القصف الذي تعرضت له منشآت تابعة لقاعدة «حميميم» الروسية، للمرة الأولى منذ بدء التمركز العسكري الروسي في سوريا خريف عام 2015.

اللافت هنا أيضاً أن موسكو لم تعلق نهائياً على التطور، وتجنبت بيانات الناطق العسكري التي تقدم إيجازاً دورياً للوضع في سوريا الإشارة إليه. في حين اتضح، وفقاً لمصادر إسرائيلية، أن القصف استهدف مستودعاً يعتقد أنه كان يحتوي على معدات قتالية وذخيرة لـ«حزب الله». فهمت موسكو الرسالة، ولم تعلق على الحدث، واكتفت بأن وجهت رسالة نارية مماثلة لهدف مختلف تماماً عندما قصفت مواقع قرب قاعدة التنف (شرق سوريا)، وقالت إنها استهدفت «إرهابيين».

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» الروسية جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومعلوم أن موسكو التي بدأت تقليص قواتها في سوريا منذ صيف عام 2022، بعد مرور أشهر قليلة على اندلاع الحرب في أوكرانيا، كانت قد قدمت تسهيلات واسعة لـ«حزب الله» وبعض الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا. وبرز ذلك من خلال معطيات توفرت عن تسهيل القوات الروسية نقل أسلحة ومعدات لهذه المجموعة، بعد تعرض مطارات سورية تسيطر عليها إيران للقصف.

كما أن موسكو غضت الطرف عن إعادة نشر وحدات تابعة لـ«حزب الله» في الجنوب السوري، رغم أن هذا شكّل انتهاكاً لاتفاق سابق قضى بابتعاد قوات الحزب والميليشيات المتعاونة معه لمسافة 80 كيلومتراً عن الجولان باتجاه العمق السوري.

وتشير معطيات إلى أن روسيا سحبت آلاف الجنود والضباط ونقلتهم إلى أوكرانيا، حيث الجبهة الأكثر الحاحاً وأهمية في هذا التوقيت. وبررت أوساط عسكرية روسية التحرك، بأن «القوات الروسية، وخصوصاً البرية، لم تعد لها مهام محددة في سوريا بعدما أنجزت المهمة الرئيسية بمحاربة الإرهاب، وتعزيز سيطرة الحكومة السورية في مواقعها».

لكن تقليص القوات، وفقاً لمعلق عسكري، لا يعني تراجع أولويات موسكو في سوريا، باعتبار أن «الوجود الاستراتيجي للقوات الجوية والقدرات بعيدة المدى، باتت له مهام أوسع من الجغرافيا السورية وتتعلق بحضور روسيا في منطقة شرق المتوسط وشمال أفريقيا».

تبدل في الأولويات

هذا التقييم كان سابقاً بطبيعة الحال للتطورات التي بدأت في غزة، وانتقلت نيرانها إلى لبنان وتهدد سوريا حالياً بشكل جدي. وهنا يجب العودة إلى حديث الرئيس فلاديمير بوتين قبل زهاء شهرين، عندما استقبل نظيره السوري بشار الأسد في موسكو، وحذر من أن المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة للغاية، ولن تكون سوريا بمعزل عنها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل الرئيس السوري بشار الأسد بالكرملين الأربعاء في زيارة غير معلنة سابقاً (أ.ف.ب)

كان تحذير بوتين أول إشارة من جانب روسيا إلى التوقعات المرتبطة بالمنطقة، وبأن توسيع رقعة المعركة حول غزة بات مسألة وقت ليس أكثر. وفي هذه الظروف، لم يتضح بعد ما إذا كانت موسكو وضعت خططها للتعامل مع الموقف الجديد أم لا، علماً بأن بعض الخبراء الروس البارزين انتقدوا سابقاً غياب استراتيجية روسية شاملة حيال سوريا على كل الصعد؛ بمعنى أن هذا ينسحب على رؤية موسكو البعيدة لتسوية سياسية نهائية، وللموقف حيال تركيا وتحركاتها في الشمال وفي منطقة إدلب، وأيضاً حيال الوجود الأميركي، وأخيراً حيال النشاط الإسرائيلي الذي تزايد في سوريا بشكل مطرد حتى قبل تفاقم الموقف حول غزة وانتقال الحرب إلى لبنان وسوريا.

يشير خبراء إلى أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على الوجود العسكري الاستراتيجي في سوريا، لكن من دون أن يكون مكلفاً لموسكو كثيراً.

صورة مأخوذة من مقطع فيديو لوزارة الدفاع الروسية عن إبحار الفرقاطة الروسية الأدميرال جريجوروفيتش الخميس بينما تقلع مروحية كاموف كا - 27 خلال مناورات القيادة والأركان الاستراتيجية في البحر المتوسط قبالة ساحل طرطوس بسوريا (أ.ب)

في هذا الإطار، ينبغي تذكر حديث الرئيس الروسي في نهاية العام الماضي، عندما قال إن وجود قوات بلاده في سوريا «مؤقت، وسيظل مستمراً ما دام كان ذلك مفيداً لروسيا».

وأضاف أن «القوات العسكرية الروسية موجودة هناك لضمان مصالح روسيا في هذه المنطقة الحيوية من العالم، القريبة جداً منا»، مؤكداً أن موسكو «لا تخطط بعد لسحب هذه الوحدات العسكرية من سوريا».

لكن اللافت في حديث بوتين أنه أطلق على مواقع التمركز الروسية في سوريا اسم «نقاط»، وليس «قواعد»، مشيراً إلى أن موسكو لا تبني «هياكل طويلة الأجل هناك». وأضاف أن بلاده يمكنها سحب جميع أفرادها العسكريين بـ«السرعة الكافية»، دون أي خسائر مادية، إذا لزم الأمر.

موقع إسرائيلي قصفه «حزب الله» في جبل الشيخ بهضبة الجولان يوم 26 يونيو الماضي (أ.ب)

ويرى خبراء أن حديث بوتين حدد بدقة مستويات التحرك الروسي في حال تدهور الوضع أكثر، وفي حال فقدت القوات الروسية الميزة الاستراتيجية لوجودها في سوريا.

لكن هذا لا يمنع، وفقاً لبعض الخبراء، أن تواصل موسكو سياسة تعقيد الوضع أمام واشنطن، بمعنى دعم تصعيد قوى مختلفة ضد المصالح الأميركية، في المنطقة عموماً، وفي سوريا والعراق على وجه الخصوص. وهذا الأمر قد ينسحب في المرحلة المقبلة على التحركات الإسرائيلية في سوريا وفي محيطها. وهذه السياسة سوف تستمر وفقاً لمحللين، حتى تضع موسكو بناء على آليات تطور المشهد خططاً جديدة لتحركاتها في المنطقة.