استهداف أوكرانيا مرافق الطاقة الروسية رد «منصف» وأهداف عسكرية مشروعة

الكرملين عدّ الضربات موجعة ولها تأثير «محدود للغاية» لكنها ليست قاضية

محطة للطاقة بخاركيف استهدفتها روسيا في مارس الماضي (أ.ب)
محطة للطاقة بخاركيف استهدفتها روسيا في مارس الماضي (أ.ب)
TT

استهداف أوكرانيا مرافق الطاقة الروسية رد «منصف» وأهداف عسكرية مشروعة

محطة للطاقة بخاركيف استهدفتها روسيا في مارس الماضي (أ.ب)
محطة للطاقة بخاركيف استهدفتها روسيا في مارس الماضي (أ.ب)

تفيد أوكرانيا بأن استهدافها مرافق الطاقة الروسية رد «منصف» على الهجمات الروسية على البنى التحتية التابعة لها المخصصة للكهرباء، والتي أدت إلى غرق ملايين السكان في الظلام، وهو أمر يتفق معه كثيرون في الغرب. وقال مسؤول غربي رفيع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طالباً عدم الكشف عن هويته: «نتحدّث عن منتجات مكررة يستخدمها الجيش، لذلك فإنها أهداف عسكرية مشروعة تماماً». وأضاف: «يضغط ذلك على آلة الحرب الروسية».

محوّل كهرباء جرى إعطابه بغارة روسية على كييف (رويترز)

لكن مع تواصل الحرب على مدى عامين ونصف العام، تفيد تقارير بأن الجانبين يشعران بالإنهاك من استهداف مواقع الطاقة. وذكرت «واشنطن بوست» في منتصف أغسطس (آب)، أن الجانبين أرادا التوصل إلى اتفاق بشأن وضع حد للهجمات على منشآت الطاقة في إطار «وقف جزئي لإطلاق النار»، لكن هجوم أوكرانيا على منطقة كورسك أخرج الخطط عن مسارها. وقلل مصدر في الرئاسة الأوكرانية من أهمية المقترح، قائلاً إن كييف خططت لاجتماع بشأن أمن الطاقة، لكن مع البلدان التي شاركت في قمة يونيو (حزيران) للسلام في سويسرا فحسب، وهو اجتماع لم تُدعَ إليه روسيا. وقال مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «الضربات ستتواصل في الوقت الحالي». وأضاف أن «عددها ومداها يزدادان».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال تسليم مولدات كهرباء (رويترز)

ونقلت وكالات أنباء روسية عن وزارة الدفاع قولها السبت، إن قوات روسية ضربت منشآت للطاقة في أوكرانيا الليلة الماضية، مستخدمة أسلحة عالية الدقة وطائرات مسيرة. وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الجمعة، خلال زيارة لكييف، أن الاتحاد الأوروبي يعتزم إقراض أوكرانيا 35 مليار يورو (39 مليار دولار) من فوائد الأصول الروسية المجمدة لديه مع اقتراب فصل الشتاء، بينما تواصل روسيا هجماتها على البنى التحتية للطاقة في البلاد.

وحذرت الوكالة الدولية للطاقة الخميس، من أن الشتاء المقبل سيكون «الاختبار الأشد حتى الآن» لشبكة الطاقة في أوكرانيا، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي عن مساعدات إضافية لتمكين البلاد من الصمود في وجه هجمات روسيا على البنى التحتية للطاقة.

وبحسب تقرير الوكالة الدولية للطاقة فإنه في عامي 2022 و2023 «نحو نصف قدرة توليد الطاقة في أوكرانيا، إما تم احتلالها من قبل القوات الروسية أو تدميرها أو تخريبها، وتضرر نحو نصف محطات الشبكة الكبيرة بسبب الصواريخ والطائرات من دون طيار». وقال التقرير: «نجحت منظومة الطاقة بأوكرانيا في اجتياز الشتاءين الماضيين (...) لكن هذا الشتاء سيكون، إلى حد بعيد، أصعب اختبار لها حتى الآن».

ومع خسارة أوكرانيا أكثر من ثلثي قدرتها على إنتاج الكهرباء منذ بدء الحرب، حذر التقرير من «فجوة هائلة بين إمدادات الكهرباء المتاحة والطلب في أوقات الذروة».

أوكرانيون يحتمون بأنفاق المترو في كييف من الهجمات الروسية أمس (إ.ب.أ)

وعندما أطلقت أوكرانيا عملية عسكرية كبيرة لاستهداف منشآت النفط والغاز الروسية قبل 9 أشهر، كانت أهدافها واضحة: الإضرار بموسكو مالياً وتعطيل البنى التحتية المستخدمة لدعم الغزو. لكن بينما حدّت الضربات من إمكانات التكرير الروسية، كان التأثير الأوسع على القطاع محدوداً حتى الآن.

وتعدّ مصافي التكرير ومخازن النفط قوة هائلة محرّكة للاقتصاد الروسي، إذ ولّدت عائدات تصدير بقيمة أكثر من 17 مليار دولار في يوليو (تموز)، بحسب كلية كييف للاقتصاد. ومنذ ضربت محطة أوست-لوغا الروسية الضخمة للوقود المطلة على بحر البلطيق في يناير (كانون الثاني)، أعقبت أوكرانيا التحرّك بعدة هجمات استهدفت 10 مصافٍ روسية على الأقل.

وخفضت الضربات مجتمعة إمكانات التكرير الروسية بنحو «16 في المائة» بمرحلة ما في مارس (آذار)، أو ما يعادل نحو 1.1 مليون برميل يومياً، بحسب رئيس قسم الطاقة الروسية لدى شركة «إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس» (S&P Global Commodity Insights) للتحليل، ماثيو سيغرز.

وردّت شركات النفط الروسية سريعاً على الهجمات المتكررة، إذ سارعت لإعادة تشغيل المصافي والحصول في بعض الحالات على أنظمة دفاعية خاصة بها.

رجال إنقاذ يعملون على إخماد حريق تسبب فيه القصف الروسي بمنطقة أوديسا يوم 26 أغسطس (أ.ف.ب)

وقال سيرغي فاكولنكو من مركز «كارنيغي لروسيا وأوراسيا»: «عاد كثير من المصافي للعمل بعد أسبوعين أو ثلاثة من أعمال الصيانة»، رغم أنه حذّر من أن الأمر يعتمد على حجم الأضرار. كما تمكّنت شركات كبرى من إعادة تحويل النفط إلى مواقع بعيدة عن أوكرانيا، بحسب سيغرز. وفي بعض الحالات «استخدمت دفاعاتها الخاصة بها». وقال: «اشتروا أسلحة نارية مضادة للطائرات، وثبّتوا وجلبوا شبكات معدنية مضادة للمسيّرات».

وقال الكرملين لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الضربات الأوكرانية كان لها تأثير «محدود للغاية». لكن نائب رئيس الوزراء المعني بشؤون الطاقة ألكسندر نوفاك، أقر بأن منعها «بنسبة 100 في المائة أمر مستحيل».

ومددت الحكومة الروسية أيضاً حظراً لصادرات البنزين حتى نهاية العام، في خطوة تقول إنها نتيجة خضوع المصافي إلى «أعمال صيانة مقررة مسبقاً». لكن محللين ربطوا القرار بهجمات كييف.

وبعد أعمال الصيانة التي تم القيام بها في الأشهر الأخيرة، تراجع حجم إمكانات التكرير الخارجة عن الخدمة «إلى صفر في المائة تقريباً»، بحسب سيغرز، باستثناء منشأة كبيرة استُهدفت في موسكو مطلع سبتمبر (أيلول). لكن الضربات بقيت موجعة بالنسبة لموسكو.

وقال سيغرز إن تكلفة الأضرار «تتراوح من بضعة ملايين إلى عشرات ملايين الدولارات» لكل ضربة.

ويقع أكثر من 60 في المائة من مصافي روسيا الكبيرة البالغ عددها 30 أو نحو ذلك (وهي مجمّعات كبيرة عادة يسهل استهدافها)، ضمن مسافة 1300 كيلومتر عن مواقع إطلاق المسيّرات في أوكرانيا.

وبالنسبة لأوكرانيا، فإن القدرة على تعطيل المصافي باستخدام «من 5 إلى 50 كيلوغراماً من المتفجرات» تتجاوز في أهميتها بأشواط تكلفة تنفيذ الضربات بالمسيّرات، بحسب فاكولينكو الذي أعد تقريراً في هذا الشأن. وقال إن «كل هجوم يكلّف على الأرجح ما بين مليون و5 ملايين دولار لكل غارة وموقع، وهو ثمن ضئيل نسبياً لمهاجمة هدف بمليارات الدولارات».


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع الأميركي: نريد من إسرائيل تقليل ضرباتها في بيروت ومحيطها

العالم وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال مؤتمر صحافي في مقر حلف «ناتو» ببروكسل (إ.ب.أ)

وزير الدفاع الأميركي: نريد من إسرائيل تقليل ضرباتها في بيروت ومحيطها

قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن الولايات المتحدة تريد أن تقلل إسرائيل ضرباتها في العاصمة اللبنانية بيروت ومحيطها.

شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والمستشار الألماني أولاف شولتس خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول السبت (الرئاسة التركية)

اتفاق تركي - ألماني على تعزيز التعاون حول الهجرة وصناعات الدفاع

اتفقت تركيا وألمانيا على تطوير التعاون فيما بينهما في قضايا الهجرة والتجارة والصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، بينما تبايت مواقفهما حول الوضع في الشرق الأوسط.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا الجيش الأوكراني يستخدم كشافات ضوئية في أثناء بحثه عن طائرات من دون طيار في سماء كييف (رويترز)

باريس تتعهد بدعم خطة أوكرانيا «للنصر» لإنهاء الغزو الروسي

تعهد وزير الخارجية الفرنسي بدعم خطة أوكرانيا للنصر، وإنهاء الحرب المستمرة مع روسيا، وقال من كييف، السبت، إنه سيعمل لضمان دعم دول أخرى للاقتراح.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا كوريا الشمالية تفجر أجزاء من طريق تربطها بجارتها الجنوبية (أ.ف.ب)

هل يمكن أن تساعد روسيا كوريا الشمالية في برنامجها النووي والصاروخي؟

يرى المحلل سيجفرايد هيكر أن العلاقات المزدهرة بين كوريا الشمالية وروسيا أكثر بكثير من مجرد زواج

«الشرق الأوسط» (واشنطن) «الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (يسار) ونظيره الأوكراني أندريه سيبيها يظهران خلال جولة في كييف (إ.ب.أ)

فرنسا: مشاركة كوريا الشمالية في الحرب الأوكرانية ستمثل تصعيداً خطيراً

أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ونظيره الأوكراني أندريه سيبيها أن مشاركة قوات من كوريا الشمالية في الغزو الروسي ستمثل تصعيداً.

«الشرق الأوسط» (باريس)

كيف يعزّز نشر قوات كورية شمالية في روسيا التحالف العسكري بين البلدين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
TT

كيف يعزّز نشر قوات كورية شمالية في روسيا التحالف العسكري بين البلدين؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يوم 19 يونيو 2024 (أ.ب)

يرى خبراء أنّ قرار كوريا الشمالية نشر آلاف الجنود على خطوط المواجهة في أوكرانيا، من شأنه أن يعزّز التحالف العسكري المثير للجدل مع موسكو، كما قد يدفع روسيا للانخراط بشكل أعمق في القضايا الأمنية المرتبطة بشبه الجزيرة الكورية.

وقالت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية إنّ نحو 1500 جندي من القوات الخاصة الكورية الشمالية موجودون في روسيا، ومن المرجّح أن يتوجهوا إلى الخطوط الأمامية قريباً، مع استعداد آلاف الجنود لمغادرة البلاد في وقت قريب، فيما يعدّ أول انتشار من نوعه لبيونغ يانغ في الخارج.

وتُظهر هذه الخطوة أن الاتفاق العسكري المبرم بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران)، والذي تضمّن بنداً بشأن الدفاع المشترك، لم يكن مجرّد استعراض.

ويقول هونغ مين، وهو محلّل في معهد كوريا للتوحيد الوطني، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ «هذا يُنشئ إطاراً يحصل بموجبه التدخل الروسي أو الدعم العسكري تلقائياً، إذا تعرّضت كوريا الشمالية لهجوم أو واجهت أزمة».

ويضيف أنّ حقيقة أنّ جنوداً كوريين شماليين سيقاتلون إلى جانب روسيا في أوكرانيا تُثبت مدى «صلابة» الاتفاق بين بوتين وكيم.

كما يشير إلى أنّ تعزيز القوات الروسية من قبل بيونغ يانغ يمكن أن يساعد موسكو في الاحتفاظ «بالأراضي (الأوكرانية) المحتلّة أو في تحقيق مكاسب إقليمية أخرى».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يحضران مؤتمراً صحافياً عقب محادثاتهما في بيونغ يانغ 19 يونيو 2024 (رويترز)

ولا تزال الكوريتان في حال حرب من الناحية التقنية، وذلك بعدما انتهى النزاع بينهما بين عامين 1950 و1953 بهدنة وليس باتفاق سلام، ولكن فيما نجح كيم في بناء ترسانة نووية، فإنّ سيول تفتقر إلى الأسلحة النووية الخاصة بها.

مع ذلك، تتمتّع كوريا الجنوبية بحماية ما يُسمى المظلة النووية الأميركية، كما تُجري سيول وواشنطن تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق بشكل دوري، الأمر الذي يثير غضب بيونغ يانغ.

وربما يأمل كيم في إرسال جنود إلى روسيا في إقامة رادع عسكري أكثر تكاملاً بين كوريا الشمالية وروسيا، على غرار التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ما قد «يؤدي إلى تحوّل كبير» في ديناميات الأمن في الكوريتين، وفقاً لهونغ.

ونشر مركز الاتصالات الاستراتيجية في أوكرانيا، الجمعة، مقطعاً مصوراً يُظهر ما يبدو أنه جنود كوريون شماليون في معسكر روسي يستعدون للمشاركة في الحرب التي تخوضها موسكو في أوكرانيا.

وقالت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية إنّه «من غير المناسب» بالنسبة إليها التعليق على مواد نشرتها حكومة دولة أخرى.

وفي سياق آخر، يرى خبراء أنّ إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا يمنح جنود النخبة فرصة لتجربة الحرب، وفق الأساليب الحديثة، واختبار أداء الأسلحة المصنّعة محلياً في ساحة المعركة. ومنذ فترة طويلة، تتهم سيول بيونغ يانغ بإرسال أسلحة إلى موسكو.

ويقول لي سانغ مين، الباحث في معهد كوريا للدفاع، إنّ ذلك قد يكون أيضاً محاولة من كيم لتعزيز مكانته الدولية وموقفه التفاوضي قبل الانتخابات الأميركية، الشهر المقبل.

ويضيف أنّ «إحدى الطرق لجذب الانتباه العالمي عبر القيام بشيء مستهجن، هي في إرسال قوات لدعم الحرب في أوكرانيا، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع أو تحويله لصالح روسيا».

بدوره، يرى الأستاذ في الدراسات الكورية في جامعة أوسلو فلاديمير تيخونوف، أنّ فائدة نشر القوات الكورية الشمالية واضحة بالنسبة إلى روسيا.

ويوضح أنّ «العقبة الرئيسية التي تواجه روسيا هي نقص القوى العسكرية واليدوية، وكوريا الشمالية لديها إمكانات كبيرة لمعالجة الأمرين».

ووصلت العلاقات بين الكوريتين إلى أدنى مستوياتها، في وقت أكد فيه كيم، الخميس، أنّ بلاده تخلّت عن «فكرة إعادة التوحيد غير المنطقية».

ويقول خبراء إن بيونغ يانغ قد تستخدم أوكرانيا أيضاً وسيلة لإعادة تنظيم سياستها الخارجية.

ويشيرون إلى أنّ كوريا الشمالية تسعى من إرسال جنودها إلى تثبيت نفسها داخل اقتصاد الحرب الروسي عبر تزويد موسكو بالأسلحة ومنحها دعماً عسكرياً. ويرون أنّها ربما تتجاوز في ذلك حليفها التقليدي وجارتها وشريكها التجاري الرئيسي؛ أي الصين.

وفي هذا السياق، يقول تيخونوف: «هذا يعني أن بيونغ يانغ لن تكون لديها رغبة في السعي لتحسين العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة».

ويخلص إلى أنّ «هذا يعني حالة مستمرة من التوتر في شبه الجزيرة الكورية».