قالت المحللة الأميركية، كاثرين ستونر، إن أي حكم على الحكمة من استيلاء أوكرانيا على أراض روسية بمنطقه كورسك في 6 أغسطس (آب) الماضي، واحتلالها المستمر مساحة تتجاوز الآن 500 ميل مربع من الأراضي الروسية وتجري زيادتها، يجب أن يأخذ في الحسبان السياق الأوسع الذي حدث فيه هذا التوغل.
ومع خروج القوات المسلحة الأوكرانية من ساحات القتال الرئيسية في جنوب شرقي البلاد، يبدو أنها ربما كانت خطوة تكتيكية حكيمة، إذا نظرنا إلى مدى ملاءمتها أهداف أوكرانيا الاستراتيجية الأوسع نطاقاً.
وقالت ستونر، الزميلة البارزة في «معهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية» وأستاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد والزميلة البارزة في «معهد هوفر»، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن تقييم ما إذا كان استيلاء أوكرانيا الجريء على الأراضي الروسية كان قراراً حكيماً، يعتمد على ما نفهم أنه هدف أوكرانيا من القيام بذلك.
فقد رأى معظم المحللين هذه الخطوة محاولة يائسة لتحويل القوات الروسية إلى المنطقة وإبعادها عن الاستيلاء الوشيك على مدينة بوكروفسك الاستراتيجية في جنوب شرقي أوكرانيا. وإذا كان هذا هو الهدف الوحيد لأوكرانيا، فإن هجوم كورسك لم يكن ناجحاً، فقد استمرت روسيا في تقدمها البطيء، ولكن الثابت، صوب بوكروفسك، ويتردد أنها على بعد أميال قليلة من المدينة في وقت كتابة هذا التحليل.
وأضافت ستونر، الخبيرة في السياسات الداخلية والخارجية المعاصرة لروسيا: «مع ذلك، فإن القوات الروسية لم تحقق تقدماً أسرع بشكل كبير صوب بوكروفسك منذ بدء العملية الأوكرانية في منطقه كورسك قبل أكثر من شهر».
ولذلك؛ فإن تحويل آلاف قليلة من قوات النخبة الأوكرانية من تلك المنطقة إلى كورسك لم يكن أمراً كارثياً بالنسبة إلى الدفاع عن بوكروفسك. وربما تقع المدينة تحت سيطرة روسيا قريباً، إلا إن ذلك لن يكون بسبب قيام أوكرانيا بتحويل وجهة بعض من قواتها التي تدافع عن المدينة من أجل الاستيلاء على الأراضي في كورسك.
والحقيقة هي أن القوات الروسية كانت لديها ميزة ساحقة تقدر بنسبة «4 إلى 1» على الأقل من حيث عدد القوات في بوكروفسك. وكانت هذه القوات تتحرك صوب المدينة قبل هجوم أوكرانيا على كورسك في 6 أغسطس، وهم يواصلون التقدم بعد ذلك بالوتيرة نفسها لتحركهم في السابق.
وترى ستونر أنه بدلاً من التركيز على التوغل في كورسك على أنه محاولة إلهاء فاشلة، يجب النظر إليه بوصفه خطوة جريئة في إطار استراتيجية أوكرانية أكثر شمولاً لنقل الحرب إلى الأراضي الروسية. فقد منعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن القوات الأوكرانية من استخدام معظم الأسلحة، التي زودتها بها الولايات المتحدة، لمهاجمة أهداف داخل الأراضي الروسية. ومع ذلك، فلا يوجد سبب يمنع القوات الأوكرانية من إيجاد طرق أخرى لمهاجمة روسيا بشكل مباشر.
إن توغل أوكرانيا واحتلال منطقة كورسك أوقف الشعور بالرضا عن النفس لدى معظم المواطنين الروس العاديين الذين لم يتأثروا بشكل مباشر بالحرب. ويعدّ هذا جزءاً لا يتجزأ من خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لضمان السلام الاجتماعي داخل روسيا مع استمرار الحرب. إلا إن غزو كورسك تسبب في نزوح نحو 150 ألف مواطن روسي وأجبرهم على مغادرة منازلهم وقطع سبل عيشهم؛ ولكن مع حد أدنى من الخسائر في الأرواح.
وأشارت، كما جاء في تحقيق لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إلى أن المجندين الروس المتمركزين هناك أصبحوا الآن أسرى حرب في أوكرانيا، وأصبح بإمكان أوكرانيا استخدامهم أوراق مساومة مقابل أسرى الحرب الأوكرانيين في روسيا. وقد تباطأت الحكومة الروسية حتى الآن في تنفيذ محاولة جادة لتحرير المنطقة، وظهر الجيش الروسي مجدداً متثاقلاً وبطيئاً في الحركة مقارنة بالأوكرانيين الذين تحركوا سريعاً في الخفاء. وهذا يجعل بوتين يبدو ضعيفاً وغير مستعد للدفاع عن الوطن.
وبالإضافة إلى ذلك، دعمت أوكرانيا توغلها في كورسك بضربات مستمرة من الطائرات المسيّرة بشكل أعمق في قلب روسيا. وخلال الأسبوع الحالي، على سبيل المثال، أطلقت أوكرانيا مئات المسيّرات لضرب أهداف في ضواحي موسكو، حيث دمرت عشرات الشقق السكنية، وأسفر هذا عن مقتل امرأة، فضلاً عن إغلاق مؤقت لثلاثة مطارات في جنوب شرقي موسكو.
وبهذه الطريقة، نقلت الحرب؛ ليس فقط إلى عتبة روسيا ولكن، إلى أبواب منازل الآلاف من مواطنيها على بعد مئات الأميال بعيداً عن كورسك. ولم يتضح بعد ما إذا كان هذا يشكل أي ضغط على بوتين لكي يتفاوض لإنهاء الصراع، إلا إن الحرب بدأت الآن تنتقل بشكل أعمق إلى داخل الأراضي الروسية.
وعدّت ستونر أنه بغض النظر عن تأثيره على الرأي العام الروسي، فإن التوغل واحتلال أراض روسية يمنحان أوكرانيا بعض النفوذ إذا أُجريت مفاوضات مع روسيا. ومن هذا المنظور، فإن التوغل في كورسك يشكل تحوطاً لزعماء أوكرانيا في المستقبل حال توقفت الإدارة المحتملة للمرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية، دونالد ترمب، عن دعم جهودهم الدفاعية.
واختتمت ستونر تحليلها بالقول إنه «في النهاية يجب أن يُفهم التوغل الأوكراني في كورسك ضمن استراتيجية أوكرانية أوسع نطاقاً لضمان بقاء دفاعها ضد العدوان الروسي في دائرة الأخبار، وأن يظل على رأس اهتمامات صناع السياسة الأميركيين بشكل خاص. ولا تستطيع أوكرانيا أن تقاتل ضد عدو يرتكب جرائم إبادة جماعية دون دعم أوروبي، ودعم أميركي بشكل خاص. إن دهاء وشجاعة المقاتلين الأوكرانيين في شن هجوم مضاد بشكل مباشر داخل الأراضي الروسية سواء بأسلحة أميركية ومن دون هذه الأسلحة، يُعدّان تذكيراً لحلفاء أوكرانيا بأنه على الرغم من النكسات التي تعرضوا لها في الأشهر الـ12 الماضية، فإن الأوكرانيين لا يزالون يسعون بإخلاص لتحقيق النصر». ونقول ستونر: «يجب علينا أن نجاري وندعم هذا الالتزام بتزويدهم بما يحتاجون إليه لتحقيق النصر، وليس فقط للبقاء على قيد الحياة».