الكرملين يهدّد بـ«رد مناسب» على منح كييف الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي

موسكو تتحدّث عن تقدّم ملموس لقواتها في كورسك

الجيش الأوكراني يستخدم كشافات ضوئية في أثناء بحثه عن طائرات من دون طيار في سماء كييف (رويترز)
الجيش الأوكراني يستخدم كشافات ضوئية في أثناء بحثه عن طائرات من دون طيار في سماء كييف (رويترز)
TT

الكرملين يهدّد بـ«رد مناسب» على منح كييف الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي

الجيش الأوكراني يستخدم كشافات ضوئية في أثناء بحثه عن طائرات من دون طيار في سماء كييف (رويترز)
الجيش الأوكراني يستخدم كشافات ضوئية في أثناء بحثه عن طائرات من دون طيار في سماء كييف (رويترز)

أعرب الكرملين عن قناعة بأن واشنطن اتخذت قراراً يمنح الضوء الأخضر لأوكرانيا باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى؛ لضرب مواقع في العمق الروسي، وتوعّد بـ«رد مناسب»، مجدِّداً اتهامَ الغرب بالانخراط بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية.

وبدا، الأربعاء، أن التطور الذي حذَّر الكرملين أكثر من مرة من تداعياته المحتملة، بات في حكم المؤكد، وينتظر الإعلان عنه رسمياً، ورأى الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف أن قرار ضرب روسيا بصواريخ أميركية الصنع بعيدة المدى «قد تم اتخاذه بالفعل».

أنتوني بلينكن (يسار) وديفيد لامي (يمين) يلتقيان مع أندريه سيبيا (أ.ب)

وزاد أنه «على الأرجح، بالطبع، تم اتخاذ كل هذه القرارات بالفعل، ويمكن افتراض ذلك بدرجة عالية من الاحتمال، وفي الوقت الحالي نلاحظ ببساطة مثل هذه الحملة الإعلامية في وسائل الإعلام؛ لإضفاء الطابع الرسمي على القرار الذي قد يكون دخل حيز التنفيذ».

وجاء تعليق بيسكوف رداً على ترجيحات نشرتها وسائل إعلام غربية، أشارت إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يعتزم خلال زيارة إلى كييف الإعلان رسمياً عن منح أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام الصواريخ الأميركية لشنّ هجمات على الأراضي الروسية.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الثلاثاء، إنه «يعمل» على السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى ضد روسيا، بعدما قالت قوى غربية إن طهران تمدّ موسكو بصواريخ باليستية. وردّاً على سؤال حول إمكان رفعه قيوداً مفروضة على استخدام أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى، قال بايدن في تصريح لصحافيين لدى مغادرته البيت الأبيض متوجّهاً إلى نيويورك: «نعمل على ذلك حالياً».

وجدّد بيسكوف اتهامات موسكو للغرب بالانخراط بشكل مباشر في الحرب، وقال إن الولايات المتحدة والدول الأوروبية «تحاول على المستوى العلني النأي بنفسها عن التورط في الصراع الأوكراني، لكننا لا نعتقد أن هذا الأمر يسير على هذا النحو».

وتوعّد الناطق الرئاسي بأن ردّ روسيا على الضربات في عمق أراضيها «سوف يكون مناسباً»، وأضاف: «كما ترَون، لا داعي لتوقّع ردّات الفعل، فالعملية العسكرية الخاصة هي الرد على كل هذه الإجراءات».

وأوضح أن «كل قرار من هذا القبيل يتخذه الغرب الجماعي ثم يُنسَب إلى أوكرانيا يصبح دليلاً إضافياً على مبرِّر وضرورة وعدم وجود بدائل للعملية العسكرية التي أطلقناها».

المتحدث باسم «الكرملين» دميتري بيسكوف (رويترز)

وكان بلينكن قال، الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لا تستبعد إمكانية السماح لأوكرانيا بشنّ ضربات في عمق الأراضي الروسية. وفي اليوم نفسه حاول منسّق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي، التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تزال لا تدعم الضربات العسكرية الأوكرانية في عمق الأراضي الروسية، بما في ذلك باستخدام الأسلحة الأميركية، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى وجود خطط لدى الرئيس جو بايدن لمناقشة مسألة استخدام الأسلحة الغربية ضد العمق الروسي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية، عن مصادر غربية، أن مايكل ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، أعلن أن بلينكن ينوي خلال زيارته لأوكرانيا، الأربعاء، منح الضوء الأخضر لكييف لمباشرة شن هجمات في العمق الروسي باستخدام أنظمة صاروخية أميركية وبريطانية. وأفادت نقلاً عن صحيفة «التلغراف» بأن رفع الحظر المفروض على استخدام أنظمة «ستروم شادوز» ضروري؛ لأنها تستخدم جنباً إلى جنب مع الأنظمة الأميركية.

في هذا السياق، قال وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيغا، إنه أجرى محادثات مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، طُرح خلالها موضوع رفع القيود عن الضربات على الأراضي الروسية.

وقال الوزير، في تغريدة على منصة «إكس»: «لقد وصلنا مباشرةً إلى صلب الموضوع، (ناقشنا) زيادة المساعدة العسكرية لأوكرانيا، والحفاظ على مستوى الإمدادات، وزيادة الإنتاج الدفاعي، والاستثمار في الأسلحة الأوكرانية... وقد شدّدت مرة أخرى على الحاجة الحيوية لأوكرانيا إلى أن تكون قادرة على استخدام الأسلحة التي لديها (لمهاجمة الأراضي الروسية)»، كما أكّد الوزير المعيّن حديثاً في منصبه «استمرار المناقشات في ملف عضوية أوكرانيا في الحلف».

في سياق متصل، قلّل الناطق الرئاسي الروسي من الأهمية الاستراتيجية للضربات المركزة التي شنّتها أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة على منشآت البنية التحتية للطاقة داخل الأراضي الروسية. وقال بيسكوف إن «عواقب الهجمات الضخمة على منشآت البنية التحتية النفطية في الاتحاد الروسي ضئيلة للغاية، بفضل الإجراءات المتخَذة، وعمل أنظمة الدفاع الجوي»، مستبعِداً وجود أي مخاوف لدى الكرملين من أن الهجمات المتكررة على البنية التحتية النفطية يمكن أن تؤثر على إمداد البنزين لاحتياجات المنطقة العسكرية الشمالية، أو أن تشكّل خطراً بشكل عام على الاقتصاد الروسي.

في الوقت ذاته، رأى بيسكوف أن مفتاح التسوية السياسية للصراع في أوكرانيا ما زال بيد الإدارة الأميركية، وقال في حديث مع الصحافيين إن «تخلّي الولايات المتحدة عن سياستها، المتمثلة في استخدام أوكرانيا مادةً استهلاكية في محاولة لقمع الاتحاد الروسي، يمكن أن يضع حداً فورياً للصراع».

وأوضح: «لقد قلنا مراراً وتكراراً إن امتناع الولايات المتحدة عن سياستها المتمثلة في استخدام أوكرانيا لردع الاتحاد الروسي، يمكن أن يضع حداً للصراع»، جاء هذا التعليق رداً على سؤال عما إذا كان الكرملين يوافق على أن مكالمة هاتفية من الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان من الممكن أن تضع حداً للصراع في أوكرانيا منذ فترة طويلة.

وكرّر المستشار الألماني أولاف شولتس دعوته إلى عقد مؤتمر سلام آخر لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا بمشاركة روسيا، وخلال المناقشة العامة التي أجراها البرلمان الألماني قال شولتس في برلين، الأربعاء: «الآن هو الوقت المناسب، الآن هو الوقت الذي يجب فيه استكشاف أية فرص يمكن أن تلُوح»، وأضاف: «نحن بحاجة إلى مؤتمر سلام آخر، ويجب أن تكون روسيا جالسةً إلى الطاولة فيه، هذه هي المهمة التي يجب علينا أن نتعامل معها الآن، استكشاف ما يحدث».

ميدانياً، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها حقّقت تقدُّماً ملموساً في عدد من البلدات التي تسيطر عليها القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الحدودية الروسية.

وأفاد بيان عسكري بأن الطيران الروسي ووحدات المدفعية شنّت ضربات مركزة، تزامنت مع تقدُّم القوات والمعدات من عدة ألوية، على طول خطوط التماسّ الجديدة التي نشأت بعد التوغل الأوكراني في منطقة كورسك.

وفي وقت لاحق، الأربعاء، أوضح الجنرال الشيشاني أبتي علاء الدينوف الذي يقود وحدات الهجوم في منطقة كورسك، أن القوات الروسية استعادت السيطرة على 10 بلدات في المنطقة.

مبنى مدمّر في منطقة موسكو الروسية من جرّاء هجمات أوكرانية بمسيّرات (أ.ف.ب)

وقال علاء الدينوف: «لقد تم بالفعل تطهير حوالي 10 بلدات، وسيطرت عليها القوات الروسية... هناك سجناء، وقمنا بتطهير هذه المناطق، ودمّرنا قوات العدو التي كانت هناك، واستسلم بعض الأفراد».

وعلى الرغم من أن القوات الأوكرانية لم تؤكد صحة الإعلان الروسي، فإن المسؤول العسكري الذي تخوض قواته معارك ضارية حول مدينة سودجا منذ أسابيع، قال إن المقاتلات الروسية دمّرت خلال الـ24 ساعة الماضية «عدة وحدات من معدات العدو، ولم يتمكّن العدو من التقدم برغم محاولاته العديدة للهجوم». وأضاف أن الجيش استولى على مجموعة من الطائرات الهجومية من الجيش الأوكراني.

وأشار مدوّنون عسكريون روس أيضاً في مدوناتهم، إلى وقوع هجوم في المنطقة، برغم أنه ما زال من غير الواضح ما إذا كانت القوات المشاركة في القتال قد تم نقلها من الجبهة في شرق أوكرانيا، أم من أماكن أخرى داخل روسيا.

وقال عدد من المدوّنين، إلى جانب صحيفة «روسيسكايا غازيتا»، إن بعض الجنود كانوا من لواء مشاة البحرية الـ155 الذي يتمركز في فلاديفوستوك في الشرق الأقصى، لكنه خاض في الماضي معارك في الحرب على أوكرانيا، وفقاً لما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

وقالت القوات الجوية الأوكرانية إنها أسقطت 20 من أصل 25 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا في هجوم الليلة الماضية، وأضافت، في بيان عبر تطبيق «تلجرام» أن القوات الروسية استخدمت أيضاً 9 صواريخ في الهجوم.

وصرّح مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بأن سلسلة الضربات الأخيرة للقوات الروسية في أوكرانيا أسفرت عن «مقتل عدد ملموس من المرتزقة الأجانب».


مقالات ذات صلة

بلينكن يعلن مساعدة جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار... ولندن تسلمها «مئات» الصواريخ

أوروبا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيريه البريطاني والأوكراني في كييف (أ.ب)

بلينكن يعلن مساعدة جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار... ولندن تسلمها «مئات» الصواريخ

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الأربعاء)، من كييف مساعدة اقتصادية وإنسانية جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (يسار) ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين يصلان إلى محطة قطار كييف (أ.ب)

إنذار من غارة جوية في كييف خلال زيارة بلينكن ولامي

انطلقت صفارة إنذار من غارة جوية في كييف بعد ظهر اليوم في أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي للعاصمة الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي خلال اجتماع موسع مع وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا في كييف (أ.ب)

بلينكن ولامي يؤكدان في زيارة مشتركة نادرة لكييف التزامهما بـ«انتصار» أوكرانيا

زار وزيرا الخارجية؛ الأميركي أنتوني بلينكن، والبريطاني ديفيد لامي، كييف، فيما يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول على إذن بضرب عمق الأراضي الروسية.

علي بردى (واشنطن) «الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة أرشيفية وزعتها وكالة «فارس» الإيرانية لمناورات أجراها «الحرس الثوري» بصواريخ «فتح» قرب قم (أ.ب)

العقوبات الغربية تعزز «التحالف» الروسي - الإيراني

رجح خبراء روس أن تدفع العقوبات الجديدة على إيران إلى مزيد من التقارب بين طهران وموسكو في مجالات مختلفة، خصوصاً على الصعيد العسكري.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (يسار) ووزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (يمين) يلتقيان مع وزير الخارجية الأوكراني في كييف (رويترز)

بلينكن خلال زيارة لكييف: ملتزمون بـ«انتصار» أوكرانيا

تعهّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي اليوم (الأربعاء) خلال زيارة مشتركة نادرة لكييف، بدعم أوكرانيا حتى انتصارها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - واشنطن)

القضاء الفرنسي يتحرك للتصدي لاستغلال ضعف كبار السن

مسنون في دار تقاعد في فيلنوف لوبيه - فرنسا 5 مايو 2021 (رويترز)
مسنون في دار تقاعد في فيلنوف لوبيه - فرنسا 5 مايو 2021 (رويترز)
TT

القضاء الفرنسي يتحرك للتصدي لاستغلال ضعف كبار السن

مسنون في دار تقاعد في فيلنوف لوبيه - فرنسا 5 مايو 2021 (رويترز)
مسنون في دار تقاعد في فيلنوف لوبيه - فرنسا 5 مايو 2021 (رويترز)

تشهد فرنسا زيادة في حالات إساءة معاملة كبار السن والاحتيال عليهم، وساهمت الضجة التي أثيرت بشأن بعض هذه المشاكل في دفع السلطات القضائية إلى إيلاء اهتمام كبير بهذا الموضوع، حسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

فقد تصدّرت قضيتان من هذا النوع اهتمامات وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، إحداهما تتعلق بنجم الشاشة الفرنسية آلان ديلون الذي توفي في 18 أغسطس (آب) الماضي، ويُشتبَه في أن معاونته المنزلية استغلت ضعفه، والأخرى تخصّ مادلين ريفو، إحدى شخصيات المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية؛ إذ حُكِم على مساعدتها المنزلية السابقة بالسجن ثمانية أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة خيانة الأمانة.

إلا أن هاتين الحالتين ليستا معزولتين، وهذا النوع من الملاحقات القضائية لم يعد استثنائياً أمام المحاكم الفرنسية. ولاحظت رئيسة القسم المختص بقضايا الإساءة إلى الفئات الضعيفة في النيابة العامة الباريسية آنّ بروست «زيادة واضحة في هذا المجال؛ إذ ارتفع عدد الحالات من 283 عام 2022 إلى 389 عام 2023» في العاصمة.

وقضت محكمة الجنايات في باريس، الاثنين، بالسجن خمس سنوات، بينها اثنتان مع وقف التنفيذ في حق عائشة م. البالغة 53 عاماً، بتهمة الاحتيال واستغلال الضعف وخيانة الأمانة في حق شخص من فئة ضعيفة.

فالمتهمة التي اعترفت بالوقائع، كانت التقت ضحيتها عام 2020، وهو رجل يبلغ اليوم 81 عاماً، كان يعاني مرضاً مزمناً في الكلى، توفيت زوجته عام 2009 وكذلك اثنان من أبنائه الثلاثة، أحدهما عام 2019 كان يعيش بالقرب منه ويعتني به.

وسرعان ما نشأت علاقة حميمة بين الرجل وعائشة م. التي راحت تمضي كل أيامها معه، ووعدته بالاعتناء به حتى نهاية حياته للحؤول دون إيداعه مؤسسة إيواء كبار السن المُعالين وبالتبرع له بكليتها.

وطلبت منه أن يقرضها المال، وتمكنت من الحصول على بطاقته الائتمانية ورقمها السرّي، فراحت أرصدة حساباته المصرفية تفرغ شيئاً فشيئاً؛ مما حمله على أخذ سلف من تعويض التأمين على حياته لإعادة مَلئها. ونالت باسمه تسعة قروض استهلاكية. وقُدّرَت قيمة الضرر اللاحق به بـ167620 يورو يُفترَض بعائشة م. أن تردّها إليه.

«غير متوازنة»

ولم تعد هذه العلاقة في نهاية المطاف «متوازنة»، بل تحولت «هيمنة» من المتهمة على الضحية، على ما وصفتها المدعية العامة خلال الجلسة، موضحة أن الرجل الكبير السن كان يشعر بأنه «مُلزَم بالوعود التي قُطعت له، مخافة أن تتبخر إذا اعترض».

ولم تتوقف أفعال عائشة م. إلا عندما حضرت الشرطة يوماً إلى منزل الضحية؛ بحثاً عن المرأة الخمسينية التي سبق أن أُدينَت في قضية أخرى، لارتكابها أفعالاً مماثلة في حق متقاعد آخر، أرمل أيضاً.

وأشارت بروست إلى أن كبار السن «يُحجمون في كثير من الأحيان عن تقديم بلاغات إلى القضاء لأنهم لا يرون أنفسهم ضحايا».

وشرحت أن كبار السن «يحتاجون، في نهاية حياتهم، إلى شيء من الدفء الإنساني»، و«مرتكبو هذه الجرائم قادرون في كثير من الأحيان على اكتشافهم، فيؤمّنون لهم هذه الحرارة التي تبقيهم على قيد الحياة، ثم يعزلونهم ويبتلعونهم».

ويُصبح كبار السن بعد ذلك ضحايا لإساءة لاستغلال ضعفهم، وهي جريمة تتمثل في السيطرة على الشخص بطريقة تجعله يرتكب فعلاً يضر به نفسه، أو لخيانة الأمانة، عندما يختلس الجاني الممتلكات التي عهد بها إليه، مثل بطاقة الائتمان.

وأفادت القاضية بأن هذه الأفعال يرتكبها في الغالب مساعدون يوفرون الرعاية لكبار السن في منازلهم؛ إذ تكون القدرة على السيطرة عليهم أسهل مما هي في المستشفى أو في دار رعاية المسنين.

وتُفتح تحقيقات عند تلقي بلاغات عن هذه الوقائع يقدمها أقارب أو مؤسسات.

وقالت رين سيمويس، من قسم الشؤون المدنية في النيابة العامة في باريس المسؤول عن تنفيذ تدابير الحماية القضائية لكبار السن من مثل هذه الجرائم، إن عدد البلاغات من هذا النوع في باريس «وصل عام 2023 إلى 60 قدمتها عائلات و1600 قدمتها مؤسسات»، من بينها هيئة مستشفيات العاصمة وبلدية المدينة وعدد من المصارف.