موسكو تحدث العقيدة النووية لمواجهة «التحديات الجديدة»

حذرت واشنطن من «اللعب بالخطوط الحمراء»

قال لافروف إن «الولايات المتحدة تعرف جيداً أين تكمن خطوط روسيا الحمراء» (أ.ف.ب)
قال لافروف إن «الولايات المتحدة تعرف جيداً أين تكمن خطوط روسيا الحمراء» (أ.ف.ب)
TT

موسكو تحدث العقيدة النووية لمواجهة «التحديات الجديدة»

قال لافروف إن «الولايات المتحدة تعرف جيداً أين تكمن خطوط روسيا الحمراء» (أ.ف.ب)
قال لافروف إن «الولايات المتحدة تعرف جيداً أين تكمن خطوط روسيا الحمراء» (أ.ف.ب)

جددت موسكو، الأربعاء، الحديث عن مسار تحديث العقيدة النووية الروسية في إطار مواجهة ما وصف بأنه «تحديات جديدة على المستويين الإقليمي والدولي». وبدا أن التلويح مجدداً بالقدرات النووية لروسيا يصب في اتجاه تعزيز الضغط باتجاه إجبار الغرب على إعادة فتح بعض قنوات الاتصال مع موسكو، وخصوصاً التي تتعلق بملفات الأمن الاستراتيجي في أوروبا ومسائل الحد من التسلح. وهو ما أوضحه الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عندما قال إن رفض الغرب الدخول في حوار مع روسيا حول هذه الملفات سوف يؤخذ في الاعتبار في الصياغة الجديدة للعقيدة النووية.

لافروف مع بيسكوف خلال وجودهما مع الرئيس بوتين في منغوليا (إ.ب.أ)

وقال بيسكوف للصحافيين خلال مشاركته في منتدى للطاقة تنظمه روسيا في أقصى شرق البلاد، إن تحديث العقيدة النووية الروسية «أمر مطلوب بموجب الأجندة الحالية، والتي ظهرت نتيجة لتصرفات الغرب».

وأوضح أنه «في الواقع، على خلفية التحديات والتهديدات التي تثيرها بلدان ما يسمى بالغرب الجماعي، يعمل الاتحاد الروسي الآن على تطوير مناهج جديدة في سياق التحديث المطلوب للعقيدة النووية»، مضيفاً أن التطور «تستدعيه التحديات والمخاطر التي برزت على الصعيدين الإقليمي والدولي».

وفي إشارة لافتة إلى موضوع انقطاع الحوار مع الغرب حول ملفات الأمن الاستراتيجي، قال بيسكوف إن «رفض الغرب الدخول في حوار مع الاتحاد الروسي، واستمرار الهجوم على المصالح الأمنية للاتحاد الروسي، ومواصلة الاستفزاز المتعلق بالحرب في أوكرانيا، سوف تؤخذ في الاعتبار عند صياغة تحديثات للعقيدة النووية»، مؤكدا أن «هذه المسائل لها عواقب، كل هذا سوف يؤخذ في الاعتبار في موسكو، ويتم تحليل كل شيء، وسيشكل الأساس للمقترحات التي تتم صياغتها».

يذكر أن العقيدة النووية الروسية نصت في شكلها الحالي على قيام موسكو باستخدام الترسانة النووية بشكل استباقي في حال تعرضت لخطر داهم يهدد سيادتها أو سلامة ووحدة أراضيها. وتراعي العقيدة بصياغتها الحالية أن الخطر الذي قد تواجهه روسيا يمكن أن يستدعي تدخلاً بالسلاح النووي حتى لو كان ينطلق بأسلحة تقليدية من جانب العدو المفترض.

ولم يوضح أي مستوى روسي، سواء على الصعيدين العسكري أو السياسي، ولا حتى على مستوى الخبراء، طبيعة التعديلات التي قد تطرأ على العقيدة النووية، لكن اللافت في هذا الشأن أن تلميحات سابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عادت إلى الواجهة أخيراً، وتركزت حول احتمال إدراج بنود تنظم استخداماً محتملاً للسلاح النووي التكتيكي.

وكان بوتين قد قال، الشهر الماضي، إن روسيا قد تجري تغييرات على عقيدتها النووية وسط مناقشات حول إمكانية «خفض العتبة المقررة لاستخدام الأسلحة النووية». ووفقاً له، «يجري (في الغرب) تطوير أجهزة نووية متفجرة ذات طاقة منخفضة للغاية، وفي دوائر الخبراء في الغرب هناك أفكار حول إمكانية استخدام مثل هذه الأسلحة».

بعد تلك التصريحات التي فهم منها أن روسيا سوف تعمل على تنشيط إمكانات استخدام بعض الأسلحة النووية التكتيكية إذا دعت الحاجة، أمر الرئيس الروسي بإطلاق تدريبات غير مسبوقة على الاستخدام العملي للأسلحة النووية التكتيكية ضد أهداف افتراضية. وشملت التدريبات عدة مراحل بينها عمليات نقل الرؤوس النووية وتخزينها وتفجيرها في مواقع العدو الافتراضي.

في السياق ذاته، قال بيسكوف، الأربعاء، إن بلاده لا تستبعد أسوأ التطورات من جانب الإدارة الأميركية. وأوضح أن واشنطن ترفض اتخاذ خطوات نحو حل سلمي للصراع في أوكرانيا، و«كل شيء في هذا الاتجاه يمكن توقعه من الإدارة الحالية».

وزاد: «أكرر مرة أخرى، الإدارة متورطة بشكل مباشر في الصراع الأوكراني، وتستمر في دعم تحركات كييف، مما يؤدي إلى تفاقم هذا الصراع، (...) إنني أميل إلى اتخاذ أي خطوات، حتى ولو كانت بسيطة، من شأنها أن تلمح إلى إمكانية حل الصراع من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية. لكن لا أعرف ما هي الخطوات المدروسة التي يمكن أن تغير هذه الديناميكية».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يجلس داخل مقصورة طائرة «إف - 16» بالدنمارك في 20 أغسطس 2023 (أ.ب)

بدورها، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن العمل على تحديث العقيدة النووية الروسية يرتبط بالتحديات التي تواجه الأمن الدولي. وزادت أن موسكو تعول على «تغيير الغرب للنهج الذي يحمل مخاطر استراتيجية». وقالت: «يرجع هذا العمل في المقام الأول إلى تلك التحديات العالمية والإقليمية التي تواجه الأمن الدولي والتي تتضاعف بسبب الموقف غير المسؤول على الإطلاق للغرب».

وحذرت زاخاروفا من أن تصرفات واشنطن تؤجج احتمالات انزلاق الموقف نحو توسيع المواجهة القائمة. ولوحت بأن تزويد واشنطن الأوكرانيين بأسلحة طويلة الأمد يمكن استخدامها داخل العمق الروسي من شأنه أن يلقى «جواباً فورياً ومؤلماً».

وأشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تهديد مباشر مماثل عندما أكد أن «أي شحنة تحتوي على أسلحة لأوكرانيا ستصبح هدفاً مشروعاً لروسيا».

وفي معرض تعليقه على تقارير صحافية عن خطط أميركية لتزويد أوكرانيا بصواريخ «كروز» لمقاتلات «إف - 16»، قال الوزير الروسي إن «الولايات المتحدة تعرف جيداً أين تكمن خطوط روسيا الحمراء، ولا داعي للمزاح معها». وتابع لافروف: «لن أتفاجأ بأي شيء. لقد تجاوز الأميركيون بالفعل العتبة التي حددوها لأنفسهم. ويرى زيلينسكي ذلك بالطبع ويستغله. أولئك الذين يحاولون التلاعب معنا بشأن خطوطنا الحمراء عليهم أن يدركوا جيداً أنها بخير، وهم يعرفونها تماماً».

وقال لافروف إن واشنطن فقدت الإحساس بالردع المتبادل الذي دعم التوازن الأمني ​​بين موسكو وواشنطن منذ الحرب الباردة، وهذا أمر خطير.

ورأى لافروف أن الحديث حالياً يدور حول احتمال إمداد أوكرانيا بأسلحة طويلة الأمد قادرة على ضرب العمق الروسي. وقال لافروف إن التصعيد الأميركي مرتبط بالحملات الانتخابية في الولايات المتحدة. وزاد أن «الهوس بالصراع على السلطة، بحيث يثبت الديمقراطيون أنهم أكثر برودة من الجمهوريين أو العكس، على الأقل في الوقت الحالي، يؤدي إلى المزيد والمزيد من التصعيد. أنا مقتنع بأن هناك أشخاصاً عقلاء، وآمل أن يتم أخذ مصالح الولايات المتحدة في الاعتبار».

بايدن مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بواشنطن في 11 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان الأربعاء، أن القوات الروسية استهدفت بضربة صاروخية 4 مركبات قتالية مدرعة تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، وأنه تم تحييد نحو 80 عسكرياً أوكرانياً في مقاطعة سومي. وقالت الوزارة إنه «نتيجة للضربات الصاروخية الروسية تم تدمير 7 مركبات شحن و4 مركبات قتالية مدرعة و9 مركبات مخصصة للطرق الوعرة تابعة للقوات المسلحة الأوكرانية، وتم تحييد نحو 80 عسكرياً أوكرانياً»، بحسب ما ذكرته وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.


مقالات ذات صلة

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

أوروبا جنازة جندي أوكراني قتل خلال المعارك في كورسك (أ.ب)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان جثث مئات الجنود

سلمت موسكو جثث 502 من الجنود الأوكرانيين الذين لقوا حتفهم في المعارك ضد القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
المشرق العربي قوات روسية في سوريا (أرشيفية)

روسيا المنخرطة في أوكرانيا... كيف تواجه معارك سوريا؟

دخلت موسكو على خط المعارك الساخنة في سوريا بعد اندلاع أوسع مواجهات تشهدها البلاد منذ عام 2020؛ فما خيارات روسيا المنخرطة في الحرب الأوكرانية؟

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الروسي أندري بيلوسوف مع نظيره الكوري الشمالي نو كوانغ تشول (أ.ب)

أوكرانيا تقصف مستودعاً للنفط ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي

أوكرانيا تقصف ليلاً مستودعاً للنفط بروستوف في روسيا ومحطة رادار للدفاع الجوي الروسي في منطقة زابوريجيا بجنوب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (باريس) «الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور (رويترز - أرشيفية)

المخابرات البريطانية: روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا

قال مدير جهاز الاستخبارات البريطاني ريتشارد مور، إن روسيا تنفّذ حملة تخريب «متهورة» في أوروبا، وإن بوتين لن يتوقف عند حد تحويل أوكرانيا إلى دولة خاضعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية، في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

ضربة جديدة لحكومة ستارمر... وزيرة النقل البريطانية تستقيل

لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي  30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي 30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

ضربة جديدة لحكومة ستارمر... وزيرة النقل البريطانية تستقيل

لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي  30 أكتوبر 2024 (أ.ب)
لويز هاي وزيرة الدولة البريطانية للنقل تغادر بعد اجتماع مجلس الوزراءفي 30 أكتوبر 2024 (أ.ب)

استقالت وزيرة النقل البريطانية لويز هاي بعد اعترافها قبل سنوات بتهمة تتعلق بتضليل الشرطة بشأن هاتف جوال خاص بالعمل قالت إنه سُرق منها في عام 2013، ما يوجه ضربة أخرى لحكومة رئيس الوزراء كير ستارمر الجديدة. وتقدمت هاي باستقالتها بعد تقارير إعلامية أفادت بأنها أدينت وحصلت على إفراج مشروط في عام 2014 بسبب ما وصفته بأنه «خطأ»، وفق وكالة «رويترز» للأنباء. وهي أول وزيرة تستقيل من حكومة ستارمر منذ فوزه الساحق في انتخابات يوليو (تموز).

وقالت هاي في رسالة إلى ستارمر أمس الخميس إنها أبلغت الشرطة بفقدان الهاتف خلال عملية سرقة «مرعبة» عندما كانت في سهرة عام 2013 لتكتشف فيما بعد أن الهاتف كان لا يزال في منزلها.

وزيرة النقل البريطانية لويز هاي (رويترز)

وذكرت في استقالتها، التي نشرها مكتب ستارمر، اليوم الجمعة، أنها تتنحى لأن هذه القضية «ستشتتها قطعا عن تنفيذ عمل هذه الحكومة والسياسات التي تلتزم بها». وأضافت: «سأظل ملتزمة تماما بمشروعنا السياسي، لكنني أعتقد أن من الأفضل الآن دعمكم من خارج الحكومة». وشكر ستارمر هاي على عملها وعلى كل ما فعلته «لتنفيذ أجندة النقل الطموحة لهذه الحكومة». وقال حزب المحافظين المعارض إن هاي «فعلت الشيء الصحيح»، لكنه تساءل عن سبب تعيين ستارمر لها وهو كان يعلم على ما يبدو بإدانتها بالتضليل.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (وسط) يسير مع القادة العسكريين في 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وقال متحدث باسم حزب المحافظين في بيان «تقع على كير ستارمر الآن مسؤولية تفسير هذا الفشل الواضح في الحكم للشعب البريطاني». وتوجه استقالة هاي ضربة أخرى لستارمر الذي يشهد انخفاضا في معدلات تأييد حزب العمال بزعامته منذ يوليو.

وتعرضت حكومة حزب العمال لانتقادات شديدة بعد فوزها بالسلطة مباشرة تقريبا بسبب الحد من مدفوعات الوقود لكبار السن واستغلال التبرعات في شراء ملابس والضيافة. وأثارت الحكومة منذ ذلك الحين غضب المزارعين بسبب تغييرات على قواعد ضريبة التركات، كما احتجت شركات كثيرة على أول موازنة للحكومة والتي رفع فيها وزير المالية الضرائب على الشركات والأثرياء بشكل أساسي.

وقالت هاي إن واقعة الهاتف كانت خطأ غير مقصود لم تحقق منه «أي مكاسب».