كورسك... من مفتاح النصر السوفياتي في الحرب العالمية الثانية إلى شوكة بخاصرة روسيا

TT

كورسك... من مفتاح النصر السوفياتي في الحرب العالمية الثانية إلى شوكة بخاصرة روسيا

صورة مقتبسة من فيديو وزعته وزارة الدفاع الروسية لإطلاق قذيفة مدفعية باتجاه القوات الأوكرانية في موقع غير محدد (إ.ب.أ)
صورة مقتبسة من فيديو وزعته وزارة الدفاع الروسية لإطلاق قذيفة مدفعية باتجاه القوات الأوكرانية في موقع غير محدد (إ.ب.أ)

في الأسبوع الأول من الشهر الحالي توغلت القوات المسلحة الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية، وتمكنت من السيطرة على مساحات كبيرة منها، فيما وُصِف بأنه أكبر هجوم بري تتعرض له روسيا منذ الحرب العالمية الثانية.

وتحظى منطقة كورسك التي باتت شوكة في خاصرة روسيا بعد التوغل الأوكراني، بأهمية خاصة من الناحية التاريخية؛ إذ حقق الاتحاد السوفياتي أحد أهم انتصاراته على الغزاة الألمان في الحرب العالمية الثانية بها، وهو الانتصار الذي يقول بعض المؤرخين إنه غيّر مجرى الحرب في أوروبا قبل عام تقريباً من عملية «إنزال نورماندي».

مبنى مشتعل في بلدة سودزا بعد توغل القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك في 7 أغسطس (رويترز)

وغالباً ما يُنظر إلى عمليات الإنزال التي وقعت في السادس من يونيو (حزيران) 1944 في الغرب بوصفها نقطة بداية تحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثانية لمعسكر الحلفاء، ونقطة التحوّل في غزو الزعيم النازي أدولف هتلر لأوروبا، لكن المؤرخين يقولون إن بداية الانتصار لاحت في الأفق بداية من الخامس من يوليو (تموز) وحتى الثالث والعشرين من أغسطس (آب) 1943، عندما خاضت ملايين القوات وآلاف الدبابات والمدافع المدرعة معارك حول كورسك.

فما هي معركة كورسك؟

في عام 1943، تعرض جيش هتلر في الشرق لخسائر قاسية في معركة ستالينغراد، إذ خسر الألمان ما يقرب من مليون رجل في محاولتهم الاستيلاء على المدينة الروسية الواقعة على نهر الفولغا، وإلحاق الهزيمة بالجيش السوفياتي المنهك، والاستيلاء على حقول النفط في جنوب القوقاز التي يمكن أن توفر الوقود لغزو ألمانيا الكامل لأوروبا.

وأمر الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بالدفاع عن ستالينغراد بأي ثمن، وتم عكس التقدم الألماني الذي حدث خلال أواخر صيف/وخريف عام 1942، واستسلم ما تبقى من القوات الألمانية في المدينة بحلول فبراير (شباط) 1943.

ومع صد القوات الألمانية على طول الجبهة الشرقية بعد ستالينغراد، بحث جنرالات هتلر عن طريقة لحفظ ماء وجه ألمانيا، واستعادة زمام الأمور في الشرق، فاستقروا على شن هجوم على كورسك.

أراد الجنرالات الهجوم في الربيع، لكن هتلر أجّل بدء العملية حتى يمكن إرسال بعض أحدث الدبابات الألمانية إلى جبهة القتال.

وقال بيتر منصور، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية أوهايو، والقائد السابق في الجيش الأميركي، إن هذا أعطى السوفيات متسعاً من الوقت لإعداد الدفاعات اللازمة لما كان نقطة واضحة للهجوم.

وأضاف: «كان من السهل جداً معرفة أن الألمان لديهم مصلحة في الضغط على هذه المنطقة من الجبهة».

من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

دفاعات هائلة

كانت ألمانيا قد استعانت بما يصل إلى 800 ألف جندي، ونحو 3000 دبابة، للاستيلاء على هذه المنطقة، لكنهم واجهوا دفاعات هائلة.

وقال مايكل بيل، المدير التنفيذي لمعهد «جيني كريغ» لدراسة الحرب والديمقراطية في المتحف الوطني للحرب العالمية الثانية في نيو أورليانز الأميركية إن السوفيات أعدوا سلسلة من الخطوط الدفاعية، وحفروا 3000 ميل من الخنادق المضادة للدبابات، وزرعوا 400 ألف لغم أرضي للدفاع عن المنطقة.

وقال بيل إن الدبابات الجديدة التي استخدمها هتلر في المعركة كانت أقوى من الدروع السوفياتية، لكن قوات ستالين كانت تتمتع بميزة عددية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن القوة السوفياتية في معركة كورسك تجاوزت 2 مليون جندي، وأكثر من 7000 دبابة.

وازدادت الأمور سوءاً بالنسبة لهتلر عندما هبطت قوات الحلفاء في التاسع من يوليو على جزيرة صقلية الإيطالية، الأمر الذي فتح جبهة جديدة كان على هتلر أن يدافع عنها، ما دفعه إلى نقل بعض القوات من الجبهة الشرقية إلى إيطاليا، كما يقول المؤرخون.

ولم تتمكن القوات الألمانية المتبقية من اختراق الدفاعات السوفياتية؛ إذ سقطت على مسافة بعيدة عن الأهداف، ولم تتمكن مطلقاً من اختراق المناطق الخلفية.

وكانت معركة كورسك بمثابة بداية النهاية للزعيم النازي، ومثلت أكبر نكسة منيت بها قواته.

ويقال إن ألمانيا خسرت في هذه المعركة أكثر من 200 ألف قتيل ونحو ألف دبابة.

ساحة معركة كورسك اليوم

عندما عبرت القوات الأوكرانية الحدود إلى منطقة كورسك في السادس من أغسطس (آب)، كانت تتمتع بميزة لم تكن لدى الألمان في عام 1943 وهي «السرية».

فقد جرى التخطيط للهجوم في سرية تامة، وتم جعل تحركات القوات تبدو كأنها تعزيزات لمواقع دفاعية أو تدريبات داخل أوكرانيا.

وقال منصور إن روسيا لم تكن مستعدة للدفاع عن تلك المنطقة.

كما أشار إلى أن أوكرانيا استخدمت حرب الأسلحة المشتركة -أي قوات المشاة والمدفعية بعيدة المدى والطيران في الوقت نفسه لدعم بعضها البعض- وهو أمر ساعدها أيضاً في تحقيق هدفها.

وأعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، الثلاثاء، أن قوات بلاده سيطرت على مئة بلدة و1294 كيلومترا مربّعا في كورسك، كما أسرت 594 جندياً منذ بدء هجومها قبل ثلاثة أسابيع. وقال سيرسكي خلال منتدى في كييف «حتى اللحظة، سيطرنا على 1294 كلم مربعا من الأراضي ومئة بلدة... تم أسر 594 عنصرا من القوات المسلّحة الروسية في هذه المنطقة».


مقالات ذات صلة

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

ترمب يبحث القضايا الأمنية العالمية مع أمين عام «الناتو»

التقى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الجمعة، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في بالم بيتش في ولاية فلوريدا، فيما يدرس تعيين مبعوث خاص لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»... وإنتاج كمية كبيرة منه

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»... وإنتاج كمية كبيرة منه

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية، وذلك بعد استخدامه لضرب أوكرانيا.

وقال بوتين، خلال اجتماع مع مسؤولين عسكريين بث التلفزيون وقائعه: «سنواصل هذه الاختبارات، وخصوصاً في الأوضاع القتالية، بحسب تطور الوضع وطبيعة التهديدات التي تستهدف أمن روسيا».

وأطلقت روسيا صاروخاً باليستياً فرط صوتي على منطقة دنيبرو في وقت مبكر الخميس. وأمر بوتين بإنتاج الصاروخ الذي يحلق بسرعة 10 ماخ؛ أي 10 أضعاف سرعة الصوت، بشكل تسلسلي. وأضاف أن روسيا تطور أنظمة متقدمة مماثلة.

وتابع، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن بحاجة إلى البدء بالإنتاج التسلسلي. القرار اتُّخذ فعلياً»، مشيداً بـ«القوة الخاصة لهذا السلاح».

وأضاف: «نظام الأسلحة الذي تم اختباره أمس هو ضمانة أخرى صادقة لوحدة أراضي روسيا وسيادتها».

وبحسب بوتين، فإنه لا يوجد دولة أخرى في العالم تملك تكنولوجيا صواريخ مماثلة. ولكنه أقر بأن دولاً أخرى ستطورها قريباً.

وتابع: «سيكون ذلك غداً، بعد عام، أو عامين. ولكن لدينا هذا النظام الآن. وهذا مهم».

وجاء اجتماعه المقرر مع وزير الدفاع والمسؤولين عن تطوير الصاروخ، في نهاية أسبوع شهد تصعيداً سريعاً للنزاع في أوكرانيا.

وأعلن الرئيس الروسي أن إطلاق الصاروخ «أوريشنيك» كان رداً مباشراً على استخدام قوات كييف للصواريخ التي زودتها بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد الأراضي الروسية لأول مرة.