فرنسا: انتخابات برلمانية قد تصل باليمين المتطرف للسلطة لأول مرة منذ عقود

فوز «التجمع الوطني» قد يعرقل سياسات الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا

نتائج تصويت الناخبين الفرنسيين قد تأتي بأول حكومة يمينية متطرفة منذ الحرب العالمية الثانية (أ.ف.ب)
نتائج تصويت الناخبين الفرنسيين قد تأتي بأول حكومة يمينية متطرفة منذ الحرب العالمية الثانية (أ.ف.ب)
TT

فرنسا: انتخابات برلمانية قد تصل باليمين المتطرف للسلطة لأول مرة منذ عقود

نتائج تصويت الناخبين الفرنسيين قد تأتي بأول حكومة يمينية متطرفة منذ الحرب العالمية الثانية (أ.ف.ب)
نتائج تصويت الناخبين الفرنسيين قد تأتي بأول حكومة يمينية متطرفة منذ الحرب العالمية الثانية (أ.ف.ب)

يدلى الناخبون الفرنسيون بأصواتهم، اليوم الأحد، في الجولة الأولى من انتخابات برلمانية مبكرة قد ينتج عنها تشكيل أول حكومة يمينية «متطرفة» في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يمثل تغييراً جذرياً محتملاً في قلب الاتحاد الأوروبي.

وفاجأ الرئيس إيمانويل ماكرون، البلاد، عندما دعا إلى انتخابات مبكرة بعد أن سحق حزب «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان ائتلاف تيار الوسط المنتمي إليه ماكرون في الانتخابات الأوروبية هذا الشهر.

وظل حزب مارين لوبان، المتشكك في الاتحاد الأوروبي والمناهض للهجرة منبوذاً لفترة طويلة، لكنه الآن أقرب إلى السلطة من أي وقت مضى، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وتفتح مراكز الاقتراع أبوابها عند الساعة 06:00 بتوقيت غرينتش، وتغلق عند الساعة 16:00 بتوقيت غرينتش في البلدات والمدن الصغيرة، بينما تغلق في المدن الكبرى عند الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش حين يتوقع صدور أول استطلاعات لآراء الناخبين بعد خروجهم من مراكز الاقتراع والتوقعات المتعلقة بالمقاعد في الجولة الثانية الحاسمة بعد أسبوع لاحق.

لكن النظام الانتخابي قد يجعل من الصعب تقدير التوزيع الدقيق للمقاعد في الجمعية الوطنية المؤلفة من 577 مقعداً، ولن تُعرف النتيجة النهائية حتى نهاية التصويت في السابع من يوليو (تموز).

تعايش أم تحدٍ؟

وقالت لوبان في مقابلة صحافية، يوم الأربعاء الماضي: «سنفوز بالأغلبية المطلقة». وتوقعت أن يصبح تلميذها جوردان بارديلا البالغ من العمر 28 عاماً رئيساً للوزراء. ووضع حزبها برنامجاً اقتصادياً عالي الإنفاق ويسعى إلى الحد من الهجرة.

ملصقات انتخابية دعائية تحمل صور لوبان وبارديلا بالقرب من باريس (إ.ب.أ)

وإذا فاز حزب «التجمع الوطني» بالأغلبية المطلقة، فقد تشهد الدبلوماسية الفرنسية فترةً غير مسبوقة من الاضطراب مع تنافس ماكرون، الذي قال إنه سيواصل رئاسته حتى نهاية فترة ولايته في عام 2027، وبارديلا من أجل الحق في التحدث باسم فرنسا.

وشهدت فرنسا ثلاث فترات من «التعايش» عندما كان الرئيس والحكومة من معسكرين سياسيين متعارضين في عصر ما بعد الحرب. لكن لم تشهد أي منها أطرافاً متنافسة على إدارة الدولة تتبنى مثل تلك وجهات النظر المتباينة جذرياً حيال قضايا عالمية.

وأشار بارديلا بالفعل إلى أنه سيتحدى ماكرون في القضايا العالمية. ويمكن أن تتحول فرنسا من كونها أحد أعمدة الاتحاد الأوروبي إلى شوكة في خاصرته، وتطالب بخفض مساهمتها في موازنة الاتحاد الأوروبي، وتتصادم مع بروكسل بشأن وظائف المفوضية الأوروبية، وتتراجع عن دعوات ماكرون لتعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي والتأكيد على الدفاع.

ومن شأن تحقيق حزب «التجمع الوطني» انتصاراً صريحاً أن يثير حالة من الضبابية حيال موقف فرنسا من الحرب الروسية الأوكرانية. ولدى لوبان تاريخ من الآراء المؤيدة لروسيا، وبينما يقول الحزب الآن إنه سيساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد الغزاة الروس، فقد وضع أيضاً خطوطاً حمراء مثل رفض تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى.

انقسام الأصوات يخدم «التجمع الوطني»

تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب «التجمع الوطني» بفارق مريح بنسبة 33-36 في المائة من الأصوات، بينما يأتي تحالف «الجبهة الشعبية» الجديدة المنتمي لليسار، الذي تم تشكيله على عجل، في المركز الثاني بنسبة 28-31 في المائة. ويحل تحالف ماكرون المنتمي لتيار الوسط ثالثاً بنسبة 20-23 في المائة.

وتضم «الجبهة الشعبية الجديدة» مجموعة واسعة من الأحزاب من يسار الوسط المعتدل إلى اليسار المتشدد. ومنها الحزب المشكك في الاتحاد الأوروبي والمناهض لحلف شمال الأطلسي، حزب «فرنسا الأبية» بزعامة جان لوك ميلونشون، أحد أشد معارضي ماكرون.

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» (أ.ف.ب)

وقال فنسنت مارتيني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نيس، إنه من الصعب التنبؤ بكيفية ترجمة أرقام الاستطلاع إلى مقاعد في «الجمعية الوطنية» بسبب آلية عمل الانتخابات.

ويمكن انتخاب المرشحين في الجولة الأولى إذا فازوا بالأغلبية المطلقة من الأصوات في دائرتهم الانتخابية، لكن هذا أمر نادر.

وستحتاج معظم الدوائر الانتخابية إلى جولة ثانية تضم جميع المرشحين الذين حصلوا على أصوات ما لا يقل عن 12.5 في المائة ​​من الناخبين المسجلين في الجولة الأولى. ويفوز من يحصل على أعلى عدد من الأصوات.

وقال مارتيني: «إذا كانت نسبة المشاركة عالية جداً، فقد يكون هناك حزب ثالث أو رابع يدخل في المنافسة. لذا، بالطبع هناك خطر بانقسام الأصوات، ونعلم أن الانقسام يأتي في صالح حزب (التجمع الوطني)».

معاداة السامية

وعلى مدار عقود، فإنه كلما اكتسب اليمين المتطرف شعبيةً على نحو مطرد، يتحد الناخبون والأحزاب الذين لم يدعموه ضده إذا ما رأوا أنه يقترب من تولي السلطة في البلاد. لكن هذا ربما لا يتحقق هذه المرة.

وقال مارتيني إنه لم يتضح ما إذا كان المرشحون من معسكر ماكرون سينظرون في خطوة الانسحاب من الجولة الثانية لمنح منافسيهم من اليسار فرصة التغلب على حزب «التجمع الوطني» أو العكس.

وسعت لوبان وبارديلا إلى جعل صورة حزبهما أكثر قبولاً لدى العامة. على سبيل المثال من خلال التنديد بمعاداة السامية. ولدى والدها جان ماري لوبان مؤسس حزب «الجبهة الوطنية»، تاريخ من التعليقات المعادية للسامية التي أدلى بها علناً.

لكن منتقدين يقولون إن تودد حزب «التجمع الوطني» لليهود ليس سوى غطاء يتيح له إنكار الاتهامات بالعنصرية، بينما يعادي المسلمين والأجانب باستمرار.


مقالات ذات صلة

فرنسا «تضمحل»... فهل يستطيع ماكرون استعادة مكانته على الساحة الدولية؟

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

فرنسا «تضمحل»... فهل يستطيع ماكرون استعادة مكانته على الساحة الدولية؟

سيسعى الرئيس ماكرون لإعادة إثبات موقع فرنسا القوي على الساحة الدولية، بعد شهرين من الفوضى السياسية التي شهدتها بلاده، وذلك في الأمم المتحدة، ثم في كندا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشال بارنييه ورئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس (أ.ب)

بارنييه يأمل إعلان تشكيل حكومته وتظاهرات لليسار في فرنسا

يأمل رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشال بارنييه أن يعلن تشكيل حكومته «قبل الأحد»، في حين يتظاهر قسم من اليسار مجدداً، اليوم، للتنديد بالتوجهات السياسية للحكومة.

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبان (أ.ف.ب)

لوبان تطالب بانتخابات تشريعية جديدة في فرنسا العام المقبل

طالبت زعيمة اليمين المتطرّف الفرنسي، مارين لوبان، السبت، بإجراء انتخابات برلمانية جديدة العام المقبل، محذّرة من أن الوضع السياسي في البلاد «لا يمكن أن يستمر».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه خلال مقابلة تلفزيونية على قناة «تي إف 1» (إ.ب.أ)

رئيس الوزراء الفرنسي: حكومتي ستضم أعضاء من خارج التيار المحافظ

قال رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه إن تشكيل الحكومة المقبلة لن يقتصر على شخصيات منتمية لتياره السياسي المحافظ، وستشمل أعضاء من تيار الوسط.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه خلال مراسم التسليم والتسلم في أوتيل ماتينيون في باريس 5 سبتمبر 2024 (إ.ب.أ)

اتهامات لماكرون بمنح اليمين المتطرف الفرنسي سلطة هائلة لاختيار رئيس الوزراء

قال نواب من المعارضة اليسارية ومحللون إن مصير رئيس الوزراء الجديد ميشال بارنييه، وماكرون أيضاً، بات في يد حزب «التجمع الوطني» المصنف يميناً متطرفاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
TT

أوكرانيا تحضّ محكمة دولية على إصدار أمر لروسيا بتفكيك جسر في القرم

جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)
جنود مسلحون ينتظرون بالقرب من مركبات للجيش الروسي خارج نقطة حرس الحدود الأوكرانية في مدينة بالاكلافا بشبه جزيرة القرم يوم 1 مارس 2014 (رويترز)

حضّت أوكرانيا الخميس أقدم محكمة تحكيم في العالم على إصدار أمر لروسيا بتفكيك الجسر الذي بنته لربط القرم بالبر الرئيسي الروسي.

ويتواجه البلدان أمام محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي التي تأسست عام 1989. وعلى مدى أسبوعين، سعى محامو البلدين للمطالبة بحق كل طرف في الوصول إلى المياه المحيطة بشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.

وقالت مديرة القانون الدولي لدى وزارة الخارجية الأوكرانية أوكسانا زولوتاريوفا إنه «على المحكمة إصدار أمر لروسيا بتفكيك وإزالة ما يطلق عليه جسر كيرتش».

وأضافت أن «تفكيك الجسر هو الطريقة الوحيدة لتتمكن مراكب جميع البلدان التي استخدمت مضيق (كيرتش) في الماضي، وتلك التي يتوقع أن تستخدم المضيق مستقبلاً، من المرور مجدداً».

ويستند جزء من قضية أوكرانيا إلى أن روسيا بنت الجسر على ارتفاع منخفض إلى حد يمنع السفن الدولية من المرور في المضيق الاستراتيجي، وهو ما يعرقل التجارة.

وقالت زولوتاريوفا: «روسيا هي التي بنت هذا الجسر ويتعيّن عليها الآن إزالته للسماح بالمرور عبر مضيق كيرتش بما يتوافق مع القانون الدولي».

وشنّت كييف العديد من الهجمات ومحاولات الهجوم على جسر كيرتش منذ أطلقت موسكو عمليتها العسكرية في أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وتعود القضية المرفوعة أمام محكمة التحكيم الدائمة إلى سبتمبر (أيلول) 2016 عندما رفعت كييف الدعوى أمام المحكمة لـ«إثبات حقوقها على اعتبارها الدولة الساحلية».

وتعمل المحكمة على حل النزاعات بين البلدان والجهات الخاصة بشأن العقود والاتفاقيات الخاصة ومختلف المعاهدات، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وفي مرافعات روسيا لدى بدء الجلسات في 23 سبتمبر، اعتبر ممثل روسيا غينادي كوزمين أن قضية كييف «لا أساس لها».

وقال إنه بعد ضم القرم، باتت البحار المتنازع عليها مياهاً داخلية، وبالتالي خارج نطاق قوانين الملاحة الدولية.

وأشار إلى أن روسيا بنت جسر كيرتش للتخفيف مما وصفه بـ«حصار» أوكرانيا للقرم، ونفى أنه يعرقل الملاحة.

وشدد على أن «جميع المزاعم الأوكرانية لا أساس لها وخارج نطاق اختصاصكم القضائي، وينبغي رفضها كاملة».

وستقدّم روسيا مرافعتها الختامية السبت، علماً أن صدور قرار المحكمة يستغرق عادة شهوراً، إن لم يكن سنوات.